طوق النجاة وخرافة الحرية الاقتصادية |
طوق النجاة وخرافة الحرية الاقتصادية د.أشرف محمد دوابة يعيش العالم أزمة مالية مصدرها نظام الاقتصاد الحر أو نظام اقتصاد السوق الذي اتخذ من "الدولة تحكم ولا تملك" شعارا له، وسارعت للأسف عديد من الدول الإسلامية في تطبيقه، من خلال سياسة العصا حينا والجزرة حينا آخر، التي فرضها صندوق النقد الدولي بهيمنة من أكبر اقتصاد عالمي وهو الاقتصاد الأمريكي. وتكشفت الأزمات عن أن الأنظمة الغربية يقولون ما لا يفعلون ويرضون لأنفسهم ما يحقق مصالحهم، ويريدون من غيرهم أن يكون حقل تجارب لنظرياتهم، ففي الوقت الذي يتغنون فيه بالحرية الاقتصادية شمروا سواعد الدولة للتدخل الحكومي، فعادت الدول الغربية - التي طالما تغنت بجنة التخصيص المطلقة - لتتملك من جديد الشركات والأصول للحيلولة دون انهيار نظامهم الرأسمالي النفعي الذي لا يهتم إلا بنفسه وأوشك أن يقضي على نفسه. إن التاريخ يعيد نفسه، فقد نشأت المدرسة الكلاسيكية التي يسير على نهجها نظام اقتصاد السوق أو النظام الاقتصادي الحر باعتباره وريثا أو امتدادا للنظام الرأسمالي على يد عالم الاقتصاد الاسكتلندي آدم سميث في القرن الـ 19، الذي نظر للنظام الرأسمالي وأكد الحرية الاقتصادية "دعه يعمل دعه يمر"، وعارض تدخل الدولة في الاقتصاد عملا بفكرة اليد الخفية التي رأى من خلالها أن البحث عن المصلحة الخاصة يحقق المصلحة العامة تلقائيا. ومع ظهور أزمة الكساد العالمي العظيم 1929 - 1933 كشفت تلك الأزمة عن عجز المدرسة الكلاسيكية، وفي الوقت نفسه برز على السطح الفكر الكينزي الذي دحض فيه النظرية الكلاسيكية وأثبت خرافة اليد الخفية، ودحض الادعاء بأن الأسواق تتمتع بالقدرة على إصلاح عدم توازنها، وتمكنت النظرية الكينزية من تحقيق الازدهار الاقتصادي في الخمسينيات والستينيات، حيث أقدمت الدول الغربية على تأميم بعض الصناعات والأنشطة المهمة، كما أصبحت المشاريع الخاصة خاضعة لتوجيه الدولة بشكل عام. ولكن في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، خاصة مع انهيار الشيوعية وبزوغ القطب الواحد، حدث ارتداد فكري بالنسبة لدور الدولة، حيث اتجهت نحو تخصيص المشاريع العامة وإعطاء المزيد من الحرية في التصرفات مرة أخرى للمشاريع الخاصة وتقلص وسائل الرقابة عليها. ومع أزمة الرهن العقاري عززت الدولة من دورها مرة أخرى ولجأت إلى شراء مؤسسات خاصة منعا لانهيارها واستخدمت السياسة النقدية والمالية للحيلولة دون انهيار النظام المالي العالمي، فما أشبه الليلة بالبارحة! فكرة أن الأسواق دائما على حق هي فكرة مجنونة. وكل هذا يبرز قيمة النظام الاقتصادي الإسلامي الذي ينظر للفرد والجماعة معاً، ولا ينتظر وقوع الأزمات حتى تتدخل الحكومات، بل يقي أصلاً من وقوع الأزمات. فهو يحترم الملكية الفردية ولا يكبتها، بل يؤهلها لتنمو في حضن القيم الإيمانية، فلا غش ولا تدليس ولا احتكار ولا ربا ولا مقامرة ولا غرر ولا غبن ولا استغلال كما هو عليه نظام اقتصاد السوق. وفي الوقت نفسه لا يهمل دور الدولة كشريك للتنمية مع القطاع الخاص من خلال اضطلاعها بمشاريع المنافع العامة التي تقوم عليها حياة الناس من خلال أفضل استخدام للموارد المائية والرعوية ومصادر الطاقة والثروة المعدنية، فالناس شركاء في ثلاثة الماء، الكلأ، والنار. والباحثون على يقين أن عهد الهيمنة الاقتصادية الأمريكية أوشك على الانتهاء، فهذا من سنن الله الكونية، وصدق الله العظيم إذ يقول: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف: 34]. فهل المسلمون أصحاب الرسالة والمنهج الشامل الصالح لإنقاذ البشرية جمعاء على مستوى الحدث والجاهزية؟! هذا ما نتمناه لخير أمة أخرجت للناس - وإن كان الواقع لا يعكس ذلك ـ وما ذلك على الله بعزيز! الاقتصادية 5/12/2008
|
Powered by SyrianMonster Web Service Provider - all rights reserved 2024© |