أوقات كراهة أداء الصلاة لأمر في نفس الوقت |
226 أوقات كراهة أداء الصلاة لأمر في نفس الوقت 26 5 1441 21 1 2020 المبحث الثامن: الأوقات التي تكره الصلاة فيها المطلب الأول: أوقات كراهة أداء الصلاة لأمر في نفس الوقت عدد أوقات الكراهة: ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن عددها ثلاثة([1]): عند طلوع الشمس إلى أن ترتفع بمقدار رمح أو رمحين، وعند استوائها في وسط السماء حتى تزول، وعند اصفرارها بحيث لا تتعب العين في رؤيتها إلى أن تغرب. وإنما كانت هذه الأوقات أوقات كراهة؛ خشية التشبه بمن يعبدون الشمس؛ لأنهم يعبدونها في هذه الأوقات. يدل على ذلك أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الشَّمْسُ تَطْلُعُ وَمَعَهَا قَرْنُ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا ارْتَفَعَتْ فَارَقَهَا، فَإِذَا اسْتَوَتْ قَارَنَهَا، فَإِذَا زَالَتْ فَارَقَهَا، فَإِذَا دَنَتْ لِلْغُرُوبِ قَارَنَهَا، فَإِذَا غَرَبَتْ فَارَقَهَا» وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلَاةِ فِي تِلْكَ السَّاعَاتِ([2]). وذهب المالكية إلى أن عدد أوقات الكراهة اثنان([3]): عند الطلوع وعند الاصفرار، أما وقت الاستواء فلا تكره الصلاة فيه عندهم، وحجتهم في ذلك عمل أهل المدينة، فإنهم كانوا يصلون في وقت الاستواء، وعمل أهل المدينة حجة عند مالك؛ لأن المدينة موطن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه. وذهبت الشافعية إلى أن الأوقات الثلاثة مكروهة إلا في مكة، وإلا يوم الجمعة عند الاستواء([4]). أما في مكة؛ فلأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا البَيْتِ، وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ»([5]). وأما يوم الجمعة عند الاستواء؛ فلأن الصحابة كانوا في زمن عمر رضي الله عنه يصلون يوم الجمعة حتى يخرج عمر، وخروج عمر إنما هو بعد الزوال([6]). ولم ينكر عليهم ذلك. ولا يعلم خلاف بين الفقهاء في كراهة التطوع المطلق في هذه الأوقات. أما السنن، فقد ذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى كراهتها([7]). لحديث عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيَّ، يَقُولُ: ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: «حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ، وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ»([8]). والمراد بقبر الموتى في الحديث صلاة الجنازة، لا الدفن، فإن الدفن في هذه الأوقات غير مكروه. وعن مالك روايتان: إحداهما إباحة السنن في هذه الأوقات، إلا تحية المسجد فإنها مكروهة عنده، والثانية: كراهة السنن مطلقاً في هذه الأوقات. وحجته على الرواية الأولى: أنه ورد في هذا الموضوع دليلان متعارضان يمكن الجمع بينهما: (أحدهما) حديث عقبة المار ذكره، والذي يدل على كراهة الصلاة أي صلاة كانت في هذه الأوقات. (ثانيهما) حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا رَقَدَ أَحَدُكُمْ عَنِ الصَّلَاةِ، أَوْ غَفَلَ عَنْهَا، فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا»، فَإِنَّ اللهَ يَقُولُ: {أَقِمِ الصَّلَاةِ لِذِكْرِي} [طه: 14]([9]). فإن هذا الحديث يدل على جواز الصلاة في كل وقت عند التذكر. وأشار ابن رشد إلى أنه يمكن الجمع بين الحديثين، بأن نستثني من الصلوات المنهي عنها في حديث عقبة السنن، ويكون النهي منصَبَّاً على الفرائض، أما السنن فليست منهياً عنها. وحجة مالك على الرواية الثانية، وهي كراهة السنن في هذه الأوقات: حديث عقبة الذي يدل على كراهة الصلاة مطلقاً فيها([10]). وأجاز الشافعية صلاة الكسوف وتحية المسجد إذا دخل المسجد لا لغرض أن يصليها، بأن دخل المسجد لقضاء حاجة، ثم صلى تحية المسجد([11]). وأجاز الحنابلة ركعتي الطواف. وأما حكم صلاة الفرض والواجب في هذه الأوقات، فقد ذهب الحنفية إلى أنه لا يجوز قضاء ما فاته في هذه الأوقات؛ لحديث عقبة المار ذكره، والذي يدل على النهي عن الصلاة فيها مطلقاً. وذهب جمهور الفقهاء إلى جواز قضاء الفائتة في هذه الأوقات الثلاثة؛ لحديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا رَقَدَ أَحَدُكُمْ عَنِ الصَّلَاةِ، أَوْ غَفَلَ عَنْهَا، فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا»، فَإِنَّ اللهَ يَقُولُ: {أَقِمِ الصَّلَاةِ لِذِكْرِي} [طه: 14] ([12])، فقد دل الحديث على جواز قضاء الفائتة في كل وقت عند التذكر([13]).
([1]) ابن عابدين 1/246، والمغني 1/753، والبجيرمي على الإقناع 2/109 وما بعدها. ([2]) سنن النسائي، (559)، 1/275. ([4]) البجيرمي على الإقناع 2/109 وما بعدها. ([5]) سنن الترمذي، (868)، 3/211، وسنن النسائي، (585)، 1/284، وسنن البن ماجه، (1254)، 1/398. ([6]) شرح الإلمام بأحاديث الأحكام، تقي الدين أبو الفتح محمد بن علي بن وهب بن مطيع القشيري، المعروف بابن دقيق العيد (المتوفى: 702 هـ)، 4/482. ([7]) بدائع الصنائع 1/315 وما بعدها. ([8]) صحيح مسلم، (293 – 831)، 1/568. (حين يقوم قائم الظهيرة) الظهيرة حال استواء الشمس ومعناه حين لا يبقى للقائم في الظهيرة ظل في المشرق ولا في المغرب (تضيف) أي تميل. ([9]) صحيح مسلم، (316 – 684)، 1/477. ([11]) البجيرمي على الإقناع 2/109 وما بعدها 53. ([12]) صحيح مسلم، (316 – 684)، 1/477. ([13]) بداية المجتهد 12/53 وما بعدها، والبجيرمي على الإقناع 2/209 وما بعدها، والمغني 1/753 وما بعدها. |
Powered by SyrianMonster Web Service Provider - all rights reserved 2024© |