زكاة كسب العمل وإيرادات المهن الحرة |
497 زكاة كسب العمل وإيرادات المهن الحرة 1 3 1442 18 10 2020 الباب الرابع: الـــزكـــاة الفصل الثاني: الأصناف التي تجب فيها الزكاة وأنصبتها ومقادير الزكاة في كل منها المبحث الأول: زكاة الذهب والفضة والعملات المعدنية والورقية. المبحث الثاني: زكاة عروض التجارة. المبحث الثالث: زكاة الزروع والثمار. المبحث الرابع: زكاة الحيوان. المبحث الخامس: زكاة المستخرج من البحار. المبحث السادس: زكاة المسائل المستجدة: زكاة المشروعات الصناعية. زكاة الأصول الثابتة. زكاة الأراضي. زكاة المواد الخام الداخلة في الصناعة والمواد المساعدة. زكاة السلع المصنعة والسلع غير المنتهية الصنع. زكاة السَّلَم. زكاة الاستصناع. زكاة العقارات والأراضي المأجورة غير الزراعية. زكاة أجور العقار. زكاة مكافأة نهاية الخدمة والراتب التقاعدي. زكاة التأمين النقدي. زكاة أسهم الشركات. كيف تقدر زكاة الأسهم؟ حساب الزكاة في أموال الشركات والمؤسسات والمتاجر والمصانع؟ زكاة المُسْتَغَلاَّت (العمارات، المصانع، دور السكنى، الفنادق). زكاة كسب العمل وإيرادات المهن الحرة: أجمع الفقهاء المعاصرون على أن الرواتب والأجور والأتعاب التي يتقاضاها الأطباء والمحامون ونحوهم من أصحاب المهن الحرة، كلها من قبيل (المال المستفاد)، وللعلماء فيه رأيان: ( آ ) اشتراط الحول في تزكية المال المستفاد. ولهذا الرأي عدة أدلة، منها: إنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ لَمْ يَكُنْ يَأْخُذُ مِنْ مَالٍ زَكَاةً حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ([1]). وعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: «مَنِ اسْتَفَادَ مَالًا فَلَا يُزَكِّيهِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ»([2]). وعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «مَنِ اسْتَفَادَ مَالًا فَلَا يُزَكِّيهِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ»([3]). ( ب ) عدم اشتراط الحول في تزكية المال المستفاد. ولهذا الرأي عدة أدلة، منها: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الرَّجُلِ يَسْتَفِيدُ مَالًا قَالَ: «يُزَكِّيهِ حِينَ يَسْتَفِيدُهُ»([4]). (وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَمُعَاوِيَةَ أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِيهِ حِينَ اسْتَفَادَهُ. قَالَ أَحْمَدُ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ: يُزَكِّيهِ حِينَ يَسْتَفِيدُهُ. ... وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ فِي مَنْ بَاعَ ... دَارِهِ، أَنَّهُ يُزَكِّي الثَّمَنَ حِينَ يَقَعُ فِي يَدِهِ)([5]). يقول الشيخ محمد الغزالي([6]): (إن الطبيب والمهندس وسائر طوائف المحترفين والموظفين تجب عليهم الزكاة، ولا بد أن تخرج من دخلهم الكبير، ولنا على ذلك دليلان: الأول: عموم النص في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [البقرة: 267]. الثاني: أن الإسلام لا يُتَصَوَّر في حقه أن يفرض الزكاة على فلاح يملك خمسة أفدنة، ويترك صاحب عمارة تدر عليه محصول خمسين فداناً، أو يترك طبيباً يكسب من عيادته في اليوم الواحد ما يكسبه الفلاح في عام كامل من أرضه إذا أَغَلَّت بضع أرادب من القمح ضربت عليها الزكاة يوم الحصاد). ترجيح القول بتزكية المال المستفاد عند قبضه، للأسباب الآتية: 1- إن اشتراط الحول في كل مال - حتى المستفاد منه - ليس فيه نص في مرتبة الصحيح أو الحسن الذي يُؤْخَذُ منه حكم شرعي. 2- إن الصحابة والتابعين اختلفوا في حكم المال المستفاد، فمنهم من اشترط له الحول، ومنهم من ذهب إلى خلاف ذلك. 3- إن عدم وجود نص شرعي أو إجماع في المال المستفاد جعل أئمة المذاهب يختلفون فيه اختلافاً بيناً. 4- إن عدم اشتراط الحول في المال المستفاد أقرب إلى عموم النص وإطلاقه من اشتراط الحول؛ ذلك أن النصوص الموجبة للزكاة في القرآن والسنة جاءت عامة مطلقة، مثل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [البقرة: 267]، فقوله تعالى: {مَا كَسَبْتُمْ} لفظ عام يشمل كل كسب من تجارة، أو وظيفة، أو مهنة. 5- إن اشتراط الحول في المال المستفاد معناه إعفاء كبار الموظفين وأصحاب المهن الحرة من وجوب الزكاة في أموالهم الضخمة؛ لأنهم أحد رجلين إما رجل يستغل كل إيراده أولاً بأول في أي مجال، وإما رجل من المسرفين الذين يبددون دخولهم ذات اليمين وذات الشمال ودون أن يحول عليه الحول. وهذا يجعل عبء الزكاة على المعتدلين وحدهم، {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان: 67]، فهؤلاء هم الذين يدَّخرون من كسبهم، ومن غير المعقول أن يأت الشارع الحكيم بشرط يخفف عن المسرفين (إخوان الشياطين)، ويضع العبء على كاهل المؤمنين. 6- إن القول باشتراط الحول في المال المستفاد انتهى إلى تناقض واضح يأباه عدل الإسلام وحكمته في فرض الزكاة؛ ذلك أن المزارع الذي يزرع أرضاً مستأجرة يؤخذ منه - على المفتى به - في المذاهب السائدة 10% أو 5% من غلة الأرض متى بلغت 653 كغ بمجرد الحصاد وتصفية الزرع، أما مالك الأرض نفسه الذي يقبض في ساعة واحدة ما يزيد عن النصاب من كراء أرضه، فلا يُؤخذ منه شيء على المفتى به في المذاهب السائدة كذلك؛ لأنهم يشترطون مرور الحول على هذه الأموال في يد صاحبها، وقلما يكون ذلك. ويمكن أن يقاس على ذلك عمل الطبيب، والمهندس، والمحامي فهل يعقل أن يعفى طبيب يكسب في ساعة واحدة ما يكسبه مزارع في سنة؟!. إن الشارع الإسلامي لم يقصد إلى شيء من هذا الظلم والحيف، وما أدى إلى هذا التضارب سوى تقديس أقوالٍ فقهية غيرِ معصومة انتهى إليها اجتهاد علماء يؤخذ من كلامهم ويترك، ويفهم كلامهم في إطار الزمان الذي كانوا يعيشون فيه، ولو أنهم شهدوا ما شهدنا لغيروا اجتهادهم في كثير من المسائل. 7- إن تزكية المال المستفاد عقب استفادته من الرواتب، والأجور، وإيراد رؤوس الأموال غير التجارية، وما في حكمها، والمهن الحرة وما في حكمها، هو الأنفع للفقراء والمستحقين حيث يمكن أن يأتي بحصيلة ضخمة لبيت مال الزكاة، كما أن إيجاب الزكاة في تلك الدخول يتفق مع الهدف العام للشارع الإسلامي في غرس معاني البر والبذل في نفس المسلم.
([1]) المدونة، الإمام مالك (1/325). ([2]) الأموال لابن زنجويه (3/914)، 1620. ([3]) السنن الصغير للبيهقي، (2/ 48)، 1177. ([4]) مصنف ابن أبي شيبة (2/387)، 10226، وفي الجامع لعلوم الإمام أحمد، الفقه (7/201). |
Powered by SyrianMonster Web Service Provider - all rights reserved 2024© |