اعْلَمْ أَنَّ فَنّ الْأَشْبَاه وَالنَّظَائِر فَنّ عَظِيم، بِهِ يُطَّلَع عَلَى حَقَائِق الْفِقْه وَمَدَارِكه |
الدرس الخامس من الأشباه والنظائر
فَصْل: اعْلَمْ أَنَّ فَنّ الْأَشْبَاه وَالنَّظَائِر فَنّ عَظِيم، بِهِ يُطَّلَع عَلَى حَقَائِق الْفِقْه وَمَدَارِكه، وَمَآخِذه وَأَسْرَاره، وَيُتَمَهَّر فِي فَهْمه وَاسْتِحْضَاره، وَيُقْتَدَر عَلَى الْإِلْحَاق [القياس: إلحاق فرع غير منصوص بأصل شرعي منصوص؛ للعلة الجامعة بين الاثنين] وَالتَّخْرِيج [استخراج الفروع من الأصول، وقد جعل المتأخرون فقه التخريج متعلقاً بتخريج الفروع على كلام الأئمة وقواعدهم في المذهب]، وَمَعْرِفَة أَحْكَام الْمَسَائِل الَّتِي لَيْسَتْ بِمَسْطُورَةٍ، وَالْحَوَادِث وَالْوَقَائِع الَّتِي لَا تَنْقَضِي عَلَى مَمَرّ الزَّمَان، وَلِهَذَا قَالَ بَعْض أَصْحَابنَا: الْفِقْه مَعْرِفَة النَّظَائِر. [المنثور في القواعد الفقهية (1/ 66) وَلَقَدْ بَلَغَنِي عَنْ الشَّيْخِ قُطْبِ الدِّينِ السَّنْبَاطِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الْفِقْهُ مَعْرِفَةُ النَّظَائِرِ] وَقَدْ وَجَدْت لِذَلِكَ أَصْلًا مِنْ كَلَام عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَخْبَرَنَا شَيْخنَا الْإِمَام تَقِيُّ الدِّينِ الشُّمُنِّيُّ، أَخْبَرْنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ، أَخْبَرْنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ (ح) وَكَتَبَ إلَيَّ عَالِيًا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُقْبِلٍ الْحَلَبِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْحِرَّاوِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّدٍ الدِّمْيَاطِيُّ، أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو الْحَجَّاجِ بْنُ خَلِيلٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ (ح) قَالَ الدِّمْيَاطِيُّ: وَأَنْبَأَنَا عَالِيًا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْمُقَيِّرِ، أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ أَحْمَدَ إجَازَة، أَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنُ بْنُ الْمُهْتَدِي بِاَللَّهِ قَالَا: أَنْبَأَنَا الْإِمَام أَبُو الْحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ النُّعْمَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ أَبِي خِدَاشٍ، حَدَّثَنَا، عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ الْهُذَلِيِّ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ الْقَضَاءَ فَرِيضَةٌ مُحْكَمَةٌ وَسُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ فَافْهَمْ إذَا أُدْلِيَ إلَيْكَ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُ تَكَلُّمٌ بِحَقٍّ لَا نَفَاذَ لَهُ، لَا يَمْنَعُكَ قَضَاءٌ قَضَيْتَهُ، رَاجَعْتَ فِيهِ نَفْسَكَ، وَهُدِيتَ فِيهِ لِرُشْدِكَ، أَنْ تُرَاجِعَ الْحَقَّ، فَإِنَّ الْحَقَّ قَدِيمٌ، وَمُرَاجَعَةُ الْحَقِّ خَيْرٌ مِنْ التَّمَادِي فِي الْبَاطِلِ، الْفَهْمَ الْفَهْمَ فِيمَا يَخْتَلِجُ فِي صَدْرِكَ، مِمَّا لَمْ يَبْلُغْكَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، اعْرِفْ الْأَمْثَالَ وَالْأَشْبَاهَ ثُمَّ قِسْ الْأُمُورَ عِنْدَكَ، فَاعْمِدْ إلَى أَحَبِّهَا إلَى اللَّهِ وَأَشْبَهِهَا بِالْحَقِّ، فِيمَا تَرَى". هَذِهِ قِطْعَة مِنْ كِتَابه، وَهِيَ صَرِيحَة فِي الْأَمْر بِتَتَبُّعِ النَّظَائِر وَحِفْظهَا، لِيُقَاسَ عَلَيْهَا مَا لَيْسَ بِمَنْقُولٍ. وَفِي قَوْله: " فَاعْمِدْ إلَى أَحَبِّهَا إلَى اللَّهِ وَأَشْبَهِهَا بِالْحَقِّ " إشَارَة إلَى أَنَّ مِنْ النَّظَائِر مَا يُخَالِف نَظَائِره فِي الْحُكْم لِمُدْرَكٍ خَاصٍّ بِهِ وَهُوَ الْفَنّ الْمُسَمَّى بِالْفُرُوقِ [أبدع في هذا الفن شهاب الدين القرافي، في كتاب حوى مئتين وأربع وسبعين فرقاً، وفيه من القواعد الفقهية الكثير، دارت بين فروق بين القواعد الفقهية؛ كالفرق بين خطاب التكليف وخطاب الوضع، أو قاعدتي الفتوى والحكم، وبين الفروع الفقهية؛ كالفرق بين القرض والبيع، والفرق بين الملك والتصرف]، الَّذِي يُذْكَر فِيهِ الْفَرْق بَيْن النَّظَائِر الْمُتَّحِدَة تَصْوِيرًا وَمَعْنًى، الْمُخْتَلِفَة حُكْمًا وَعِلَّة. وَفِي قَوْله: "فِيمَا تَرَى" إشَارَة إلَى أَنَّ الْمُجْتَهِد إنَّمَا يُكَلَّف بِمَا ظَنَّهُ صَوَابًا، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُدْرِك الْحَقّ فِي نَفْس الْأَمْر، وَلَا أَنْ يَصِلَ إلَى الْيَقِين، وَإِلَى أَنَّ الْمُجْتَهِد لَا يُقَلِّد غَيْره. |
Powered by SyrianMonster Web Service Provider - all rights reserved 2024© |