الْكِتَاب الْأَوَّل: فِي شَرْح الْقَوَاعِد الْخَمْس الَّتِي تَرْجِع إلَيْهَا جَمِيع مَسَائِل الْفِقْه |
[الْكِتَاب الْأَوَّل: فِي شَرْح الْقَوَاعِد الْخَمْس الَّتِي تَرْجِع إلَيْهَا جَمِيع مَسَائِل الْفِقْه] الْكِتَاب الْأَوَّل فِي شَرْح الْقَوَاعِد الْخَمْس الَّتِي ذَكَرَ الْأَصْحَاب أَنَّ جَمِيع مَسَائِل الْفِقْه تَرْجِع إلَيْهَا حَكَى الْقَاضِي أَبُو سَعِيدٍ الْهَرَوِيُّ [أبو سعد، القاضي محمد بن أحمد، ت 488 هـ]: أَنَّ بَعْض أَئِمَّة الْحَنَفِيَّة بِهَرَاةَ [بخراسان بإيران] بَلَغَهُ أَنَّ الْإِمَام أَبَا طَاهِرٍ الدَّبَّاسَ [محمد بن محمد] إمَام الْحَنَفِيَّة بِمَا وَرَاءَ النَّهْرِ، رَدَّ جَمِيع مَذْهَب أَبِي حَنِيفَة إلَى سَبْع عَشْرَة قَاعِدَة، فَسَافَرَ إلَيْهِ. وَكَانَ أَبُو طَاهِرٍ، ضَرِيرًا وَكَانَ يُكَرِّرُ كُلَّ لَيْلَةٍ تِلْكَ الْقَوَاعِدِ بِمَسْجِدِهِ بَعْدَ أَنْ يَخْرُجَ النَّاسُ مِنْهُ فَالْتَفَّ الْهَرَوِيُّ بِحَصِيرٍ، وَخَرَجَ النَّاسُ، وَأَغْلَقَ أَبُو طَاهِرٍ الْمَسْجِدَ وَسَرَدَ مِنْ تِلْكَ الْقَوَاعِدِ سَبْعًا، فَحَصَلَتْ لِلْهَرَوِيِّ سَعْلَةٌ فَأَحَسَّ بِهِ أَبُو طَاهِرٍ فَضَرَبَهُ وَأَخْرَجَهُ مَنْ الْمَسْجِد، ثُمَّ لَمْ يُكَرِّرْهَا فِيهِ بَعْد ذَلِكَ، فَرَجَعَ الْهَرَوِيُّ إلَى أَصْحَابه، وَتَلَا عَلَيْهِمْ تِلْكَ السَّبْع. قَالَ الْقَاضِي أَبُو سَعِيدٍ: فَلَمَّا بَلَغَ الْقَاضِي حُسَيْنًا ذَلِكَ رَدَّ جَمِيع مَذْهَب الشَّافِعِيِّ إلَى أَرْبَع قَوَاعِد: الْأُولَى: الْيَقِين لَا يُزَال بِالشَّكِّ. وَأَصْل ذَلِكَ قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إنَّ الشَّيْطَانَ لَيَأْتِي أَحَدَكُمْ وَهُوَ فِي صَلَاته، فَيَقُولُ لَهُ: أَحْدَثْتَ فَلَا يَنْصَرِفْ، حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا». وَالثَّانِيَة: الْمَشَقَّة تَجْلِب التَّيْسِير قَالَ تَعَالَى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ». الثَّالِثَة: الضَّرَر يُزَال. وَأَصْلُهَا قَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ». الرَّابِعَة: الْعَادَة مُحَكَّمَةٌ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» انْتَهَى. قَالَ بَعْض الْمُتَأَخِّرِينَ: فِي كَوْن هَذِهِ الْأَرْبَع دَعَائِم الْفِقْه كُلِّه نَظَرٌ، فَإِنَّ غَالِبه لَا يَرْجِع إلَيْهَا إلَّا بِوَاسِطَةِ وَتَكَلُّف. وَضَمّ بَعْض الْفُضَلَاء إلَى هَذِهِ قَاعِدَة خَامِسَة وَهِيَ: الْأُمُور بِمَقَاصِدِهَا، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَقَالَ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» وَالْفِقْه عَلَى خَمْس. قَالَ الْعَلَائِيُّ: وَهُوَ حَسَن جِدًّا، فَقَدْ قَالَ الْإِمَام الشَّافِعِيُّ يَدْخُل فِي هَذَا الْحَدِيث ثُلُث الْعِلْم وَقَالَ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ: التَّحْقِيقُ عِنْدِي أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ رُجُوعُ الْفِقْهِ إلَى خَمْسٍ بِتَعَسُّفٍ وَتَكَلُّف وَقَوْلٍ جملي، فَالْخَامِسَة [الأمور بمقاصدها] دَاخِلَة فِي الْأُولَى [اليقين لا يزال بالشك]، بَلْ رَجَّعَ الشَّيْخ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْفِقْه كُلّه إلَى اعْتِبَار الْمَصَالِح وَدَرْء الْمَفَاسِد، بَلْ قَدْ يَرْجِع الْكُلّ إلَى اعْتِبَار الْمَصَالِح، فَإِنَّ دَرْء الْمَفَاسِد مِنْ جُمْلَتهَا [اعتبار المصالح وجلبها]. وَيُقَال عَلَى هَذَا: وَاحِدَة مِنْ هَؤُلَاءِ الْخَمْس كَافِيَة، وَالْأَشْبَه أَنَّهَا الثَّالِثَة [الضرر يزال]، وَإِنْ أُرِيد الرُّجُوع بِوُضُوحِ، فَإِنَّهَا تَرْبُو عَلَى الْخَمْسِينَ، بَلْ عَلَى الْمِئِينَ اهـ. وَهَا أَنَا أَشْرَح هَذِهِ الْقَوَاعِد، وَأُبَيِّن مَا فِيهَا مِنْ النَّظَائِر. |
Powered by SyrianMonster Web Service Provider - all rights reserved 2024© |