يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النِّسَاءِ: 135]، ويقول الله تعالى: {وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الآثِمِينَ} [الْمَائِدَةِ: 106]، ويقول الله تعالى: {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [الطلاق: 2]، ويقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ} [المعارج: 33].
في صحيح مسلم، (5/ 132)، 4591 - عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِىِّ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ الَّذِى يَأْتِى بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا»، وفي المعجم الأوسط (4/ 270)، 4167 - عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ كَتَمَ شَهَادَةً إِذَا دُعِيَ إِلَيْهَا كَانَ كَمَنْ شَهِدَ بِالزُّورِ».
وإنّما يأثم الممتنع إذا لم يتضرّر بالشّهادة، وكانت شهادته تنفع. فإذا تضرّر في التّحمّل أو الأداء، أو كانت شهادته لا تنفع، بأن كان ممّن لا تقبل شهادته، أو كان يحتاج إلى التّبذّل في التّزكية ونحوها، لم يلزمه ذلك، لقوله تعالى: {وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ} [البقرة: 282]، وفي موطأ مالك، (4/ 1078)، 2758 - عَنْ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ"، وفي المجالسة وجواهر العلم (7/ 259)، 3160 - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛ قَالَ: قَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا ضرر وَلا ضِرَارَ، مَنْ ضَارَّ ضَرَّ اللهُ بِهِ، وَمَنْ شَاقَّ شَقَّ اللهُ عَلَيْهِ»، وإن كان ممّن لا تقبل شهادته لم يجب عليه، لأنّ مقصود الشّهادة لا يحصل منه.
أداء الشهادة فرض عين على من تحملها. فمتى دُعي إلى أداء الشهادة، وقدر بلا ضرر في بدنه أو عرضه أو ماله أو أهله، وكذا في التحمل فلا يجب تحمل الشهادة ولا أداؤها إلا أن يقدر على ذلك بلا ضرر؛ لقوله تعالى: {وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ} [البقرة: 282]، وفي موطأ مالك، (4/ 1078)، 2758 - عَنْ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ"، وفي المجالسة وجواهر العلم (7/ 259)، 3160 - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛ قَالَ: قَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا ضرر وَلا ضِرَارَ، مَنْ ضَارَّ ضَرَّ اللهُ بِهِ، وَمَنْ شَاقَّ شَقَّ اللهُ عَلَيْهِ». أما إذا كان يترتب على ذلك ضرر في عرضه أو ماله أو أهله فلا يجب.
اِشْهَد بالحق، وقل بما يغلب على ظنك أنه الصواب، وتَحَرَّ الإخلاص، وتَنَزَّه عن أن يكون لك مقصدٌ غيرُ إقرارِ الحق، والنطقِ به، والشهادةِ به، كما قال عز وجل: {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق:2]. فقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [الطلاق: 2]، أي: ابتغاء وجهه ومرضاته، لا لمصلحة ولا ميل إلى من لك عنده مصلحة.
تحمّل الشّهادة وأداؤها فرض على الكفاية، لقوله تعالى: {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282]، وقوله تعالى: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283]، وقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [الطلاق: 2]، ولأنّ الشّهادة أمانة فلزم أداؤها كسائر الأمانات. فإذا قام بها العدد الكافي سقط الإثم عن الجماعة، وإن امتنع الجميع أثموا كلّهم.
فمن كانت عنده شهادة فلا يحل له أن يكتمها ويلزمه إذا دعي إليها أن يقوم بها، وأما إن لم يدع إلى القيام بها، ففي صحيح مسلم، (5/ 132)، 4591 - عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِىِّ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ الَّذِى يَأْتِى بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا».
قال ابن عباس رضي الله عنهما: من الكبائر كتمان الشهادة، فإن قام بها من فيه كفاية سقط الفرض عن الباقين؛ لأن المقصود بها حفظ الحقوق وذلك يحصل ببعضهم، وإن كان في موضع لا يوجد فيه غيره ممن يقع به الكفاية تعين عليه لأنه لا يحصل المقصود إلا به فتعين عليه.
أي: أدوا الشهادة لا تكتموها، سواء كان لغني أو لفقير، ولا تميلوا إلى الغني لأجل غناه، ولا تكتموا الشهادة على الفقير لأجل فقره. ويقال: اشهدوا على الوالدين كانا غنيين أو فقيرين فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما أي بالغني وبالفقير. ويقال: أولى بالوالدين وأرحم بهما إن كانا غنيين أو فقيرين.
أي: لا تخفوها بالامتناع عن أدائها إذا دعيتم إليها وهو خطاب للشهود المؤمنين كما روي عن سعيد بن جبير وغيره وجعله خطابا للمديونين على معنى لا تكتموا شهادتكم على أنفسكم بأن تقروا بالحق عند المعاملة، أو لا تحتالوا بإبطال شهادة الشهود عليكم بالجرح ونحوه عند المرافعة.
لأنها أمانة، فيلزمه أداؤها عند طلبها، كالوديعة، وهي فرض كفاية، إن لم يوجد من يكتفى به غير اثنين، تعين عليهما؛ لأن المقصود لا يحصل إلا بهما، وإن قام بها من يكفي، سقطت عمن سواهم؛ لأن القصد حفظ الحقوق، وقد حصل.
لأن الحق مبني عليها لا يثبت بدونها، فكتمها من أعظم الذنوب، لأنه يترك ما وجب عليه من الخبر الصدق ويخبر بضده وهو الكذب، ويترتب على ذلك فوات حق من له الحق.