Severity: Warning
Message: fopen(/home/alzatari/public_html/system/cache/ci_session9fb3794ae96936d3a3952fca9d565e95): failed to open stream: Disk quota exceeded
Filename: drivers/Session_files_driver.php
Line Number: 156
Backtrace:
File: /home/alzatari/public_html/application/controllers/Publications.php
Line: 5
Function: __construct
File: /home/alzatari/public_html/index.php
Line: 315
Function: require_once
Severity: Warning
Message: session_start(): Failed to read session data: user (path: /home/alzatari/public_html/system/cache)
Filename: Session/Session.php
Line Number: 140
Backtrace:
File: /home/alzatari/public_html/application/controllers/Publications.php
Line: 5
Function: __construct
File: /home/alzatari/public_html/index.php
Line: 315
Function: require_once
المسلمون في عالم التحديات |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
المسلمون والتحديات الثقافية والاقتصادية
الدكتور الشيخ علاء الدين زعتري www.alzatari.org
المقدمة يعيش المسلمون اليوم حالة من فقدان الذات، وضياع الهوية، وتفكك الروابط، وتشتت الأفكار، وحالة من الضعف الاجتماعي، والضعف الاقتصادي، حالة لا تسر صديقاً، ولا تجعل العدو حاسداً. والأمة مستهدفة في وجودها الذاتي، وفي كيانها الاجتماعي، وفي خيراتها الاقتصادية، ولا بأس بالقول بأنها مستهدفة في صلب عقيدتها؛ لمحو آثارها، وتفتييت الأواصر التي تتجمع بسببها. فمرة باسم تجديد الخطاب الديني، ومرة باسم تغيير المناهج، ومرة باسم مكافحة الإرهاب، ونحو ذلك من الدعوات المشبوهة، والتي قد تنطلي على بعض المنبهرين بأضواء المدنية الغربية، وبمغريات الحياة بوسائلها العاصرة، وبسيل الأموال المتدفقة على المنطقة بدوافع الإصلاح. ومما لا شك فيه بأن هناك فرقاً واضحاً وجلياً بين التغيير والمواكبة في وسائل عرض الإسلام، وفي أداء المسلمين وتعاطيهم مع المستجدات، وبين التنازلات المطلوبة من الغرب حتى في بعض الثوابت القرآنية. فالمؤسسات الصهيونية تستعدي بلدان الغرب على الإسلام والمسلمين وتقود حملاتها ضد الأمة الإسلامية مستغلة أحداث الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة؛ شمَّاعة تعلق عليها الأخطاء وتحرك بسببها المبررات، وتقود عبر وسائل الإعلامية المتطورة والمسيطرِة: هجمة ظالمة تستهدف تشويه الإسلام والافتراء. كما أن الأمة تعيش تحديات داخلية من التخلف والفقر والضعف، بسبب غفلة كثير من المسلمين عن الحق ومعرفة الصديق من العدو، والنافع للأمة من المُدَمِّر لها. هذا وإن التعريف بحقيقة الإسلام الحي مسؤولية كل مسلم، فالإسلام لم يأت بشيء يتناقض مع العقل والعلم والعدل وحقوق الإنسان؛ أيّ إنسان كان، ومهما كان لونه أو قوميته أو دينه، ولم ينكر أهمية الاستفادة من الحضارات والشعوب فيما فيه صلاحية الإنسانية جمعاء. وفي عملية المواجهات لا يستطيع أحد الثبات إلا بمعرفة المشكلة، للبحث عن الحل لها، ومن هنا كان هذا السِفْر متضمناً: الحديث عن العولمة وجه عام، ما المقبول منها وما المرفوض؟، وما تداعيات العولمة على لغة القرآن، (اللغة العربية)، والعولمة وتأثيرها على العمل المصرفي الإسلامي؛ نموذجا ًمن نماذج التكامل الاقتصادي، الذي هو خيار استراتيجي للأمة الإسلامية. وهذه الأبحاث هي في أصلها أبحاث مؤتمرات مختلفة، أحببت أن تعم فائدتها، ونفعها على المسلمين، فجمعتها في هذا الكتيب، سائلا ًالمولى عزَّ وجلَّ أن يجعل الأعمال خالصة لوجهه الكريم.
عالمية الإسلام وشموله
الناظر إلى الإسلام في كليته الكبرى يلاحِظ أنه حقق للمسلمين عالمية وشمولية لم تُعهَد لدين غيره، وذلك حينما امتد الإسلام من الصين شرقاً إلى أواسط أوربا غرباً؛ شاملاً أجزاءً كبيرة من آسيا وأفريقية. ورغم تباين شعوب هذه القارات في الأجناس واللغات والأديان والعادات والتقاليد والأعراف والثقافات لم يفشل الحكم الإسلامي لها، بل استطاع أن ينشئ حضارة زاهرة أسهم في بنائها وتشييدها علماء من أبناء تلك الشعوب التي انصهرت في بوتقة الإسلام، وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من الإسلام. فهناك علماء نبغوا في العلوم الدينية والتجريبية من بخارى وترمذ ونيسابور وفارس وأفغانستان وبلادي الهند والسند وغيرها. والسبب في ذلك أن الإسلام ينظر إلى الناس على أنَّهم يشكلون وحدة إنسانية لا تمايز فيما بين شعوبها وأفرادها في الأصل أو الطبيعة أو المصير. فالنَّاس جميعاً ينحدرون من أصل واحد: ]يا أيُها النَّاس اتقُوا رَبَّكُم الَّذي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدة.[[النساء:1]، وأوضح ذلك في قوله تعالى: ]يا أَيُّهَا النَّاس إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذّكَرٍ وَأُنْثى وجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبَاً وَقَبَائِل لِتَعَارَفُوا إَنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتقَاكُمْ..[[الحجرات:13]. وعن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن ربكم واحد وأباكم واحد؛ فلا فضل لعربي على أعجمي، ولا أحمر على أسود إلا بالتقوى". رواه الطبراني في الأوسط والبزار بنحوه إلا أنه قال إن أباكم واحد وإن دينكم واحد أبوكم آدم وآدم خلق من تراب ورجال البزار رجال الصحيح([1]). فالإسلام ألغى التمايز باللون، وبالجنس، وبالنسب، كما ألغى جميع ألوان التمايز الطبقي، فرعايا الدولة الإسلامية متساوون في الإنسانية، ومتساوون في كل الحقوق، فهم متساوون في حق الملكية، وفي حق العلم، وحق العمل، وحق الكسب والتجارة، وفي جميع الحقوق المدنية، ولا تمايز بينهم إلاَّ من يتميز ويتفوق في مجالي العلم : ]قُلْ هلْ يَسْتَوي الَّذِين يَعْلَمُون وَالَّذِين لاَ يَعْلَمُون[[الزمر: 9].
العولمة نفور منها أم استسلام لها أصبحت العولمة (MONDIALIZATION) من أكثر الكلمات استخداماً في الأدبيات المعاصرة. وقد تم تعريف العولمة على أنها إكساب الشيء طابع العالمية، وجعل نطاقه وتطبيقه عالمياً، وأضحت ظاهرة العولمة الهاجس الطاغي في المجتمعات المعاصرة، فهي تستقطب اهتمام الحكومات والمؤسسات ومراكز البحث ووسائل الإعلام. وتعاظم دور العولمة وتأثيرها على أوضاع الدول والحكومات وأسواقها وبورصاتها ومختلف الأنشطة الاقتصادية فيها. إن الحديث عن العولمة حديث قديم جديد، متكرر متجدد، لأنه ما زال في إطار الصراع الفكري، لم يستقرَّ المقام به حتى الآن، ولم تَحُطَّ به الرحال في مكان بعدُ، فإنه من طبيعة الحياة في الكون استمرارية الصراع على مختلف الأصعدة؛ سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وعسكرياً، وليس من الغريب أن ينشر كل واحد ما يعتقده أو يؤمن به؛ كلٌّ حسب أساليبه وطبيعة حياته ونشأته البيئية، ولكن الغريب هو أن يتقاعس بعض مَن يملك الحق عن نشر ما يعتقده. وإذا كانت العولمة قد ظهرت في عصر حرب المصطلحات، فإنها تشير إلى تطور نوعي جديد في التاريخ الإنساني بعد أن أصبح العالم أكثر قرباً من أي وقت مضى. تتأثر كل دولة في العالم على وجه التقريب في الوقت الحاضر بطريقة ما بقوى العولمة ويرتبط مستقبل البشرية، كما لم يكن من أي وقت مضى، بوجود ثورة في تكنولوجيا الاتصالات تجعلنا جميعاً أقرب لبعضنا بعضاً. وفي هذه الصفحات نحاول التعرف على هذا القادم من الغرب؛ مفهوماً، وأثره على الحياة بمختلف جوانبها، ومحاولة قراءة الموقف الصحيح من العولمة بل ومن كل جديد يطرحه الإنسان في سعيه لتطوير حياته. وقبل البدء في الحديث عن العولمة، نود الإشارة إلى مكانة الحضارة العربية الإسلامية، التي تهدف إلى إرادة الخير للإنسانية جمعاء، دون تمييز بين الأجناس والأعراق، وتسعى إلى تحقيق عملية البناء والتنمية، ولم تقف يوماً حجر عثرة في وجه التطورات الحاصلة عبر العصور، وإذا كانت العولمة التي تطرحها وسائل الإعلام الغربي في استراتيجيتها ومُطْلَقِها تهدف إلى تحقيق رفاهية الإنسان في الدنيا، فما هي إلا امتداد لتطورات سابقة ظهرت في الحضارات السابقة في مختلف بقاع الأرض. ولكن الذي يظهر للعيان من الوهلة الأولى، وبفعل الزخم الإعلامي المتصاعد المستخدَم لإيصال العولمة إلى كل إنسان يؤكد خطورة ما يقبل عليه إنسان الألفية الثالثة. مفهوم العولمة: لم يحظ مصطلح معاصر كما حظيت به العولمة من الأدبيات والأبحاث والمناقشات والمداخلات والتعقيبات، وبدوري أقول: ليس هناك تعريف جامع مانع لها، فهي مصطلح غامض في أذهان كثير من الناس، ويرجع سبب ذلك إلى أن العولمة ليست مصطلحاً لغوياً قاموسياً جامداً يسهل تفسيرها بشرح المدلولات اللغوية المتصلة بها، بل هي مفهوم شمولي يذهب عميقاً في جميع الاتجاهات لتوصيف حركة التغيير المتواصلة. ويكفي أن أورد تعريف العولمة كما ذكره صندوق النقد الدولي، بأنها: التعاون الاقتصادي المتنامي لمجموع دول العالم، والذي يحتِّمُه ازدياد حجم التعامل بالسلع والخدمات، وتنوعها عبر الحدود، إضافة لتدفق رؤوس الأموال الدولية، والانتشار المتسارع للتكنولوجيا في أرجاء العالم كله([2]). ولكن مما يلاحظ من التعريفات التي أوردها الباحثون والمفكرون التركيز الواضح على البعد الاقتصادي لها؛ لأن مفهوم العولمة ـ بداية ـ له علاقة وطيدة بالاقتصاد والرأسمالية وهذا ما جعل عدداً من الكُتَّاب يذهبون إلى أن العولمة تعني: تعميم نموذج المدنية الغربية – خاصة الأمريكية – وأنماطها الفكرية و السياسية والاقتصادية والثقافية على العالم كله. نشأة العولمة: شاع هذا المصطلح في التسعينات بعد انهيار المعسكر الشيوعي، واستفراد أمريكا بالعالم، ولا سيما عندما طالبت أمريكا دول العالم بتوقيع اتفاقية التجارة العالمية بقصد سيطرة الشركات العابرة للقارات على الأسواق العالمية. ويرى الباحثون الذين تحدثوا عن نشأة العولمة أن العولمة عملية تراكمية، أي أن هناك عولمات صغيرة سبقت ومهدت للعولمة التي نشهدها اليوم، والجديد فيها هو تزايد وتيرة تسارعها في الفترة الأخيرة بفضل تقدم وسائل الإعلام والاتصال، ووسائل النقل والمواصلات والتقدم العلمي بشكل عام، ومع ذلك فهي لم تكتمل بعد. فالعولمة تعني فيما تعنيه: الكونية والكوكبة والقرية الواحدة والعالم الواحد، في محاولة سيطرة وهيمنة ثقافة العالم المتفوق ـ الولايات المتحدة الأمريكية ـ على بقية دول العالم، بشكل يؤدي إلى خلط الحضارات، وإذابة خصائص المجتمعات، وتهميش المعتقدات. وبعبارة أخرى هي: تعميم نمط حياتي يخص بلداً على بقية بلدان العالم. وبصيغة أخرى هي: جعل الشيء عالمياً؛ ونقله من المحدود المراقَب إلى اللامحدود، والذي ينأى عن كل مراقبة. ويمكن أن تعرَّف بأنها: تلك الحالة التي يعيشها الناس؛ من خلال تطور المواصلات ووسائل الاتصالات والتقنيات الحديثة. وإذا أردنا أن نتعرف على الوسائل المستخدمة في العولمة نجد أنها مرتبطة بالثورة العلمية والمعلوماتية الجديدة. بدء ظهورها: يتفق الباحثون على أن العولمة إنما بدأت بالظهور العلني، واتسع انتشارها مع نهاية الحرب الباردة والصراع الإيديولوجي بين النظامين الشيوعي والرأسمالي، وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي، ونشوء النظام العالمي الجديد، وتَشْتَمُّ منها رائحة الصلف الغربي، وتَظهر فيها شارة الاستكبار الغربي، مدعين أن المدنية الأمريكية قد بلغت ذروة التطور الحضاري، وأن برامج وأفكار وفلسفات الدول النامية قد انهارت، كما انهار النظام الشيوعي، وأن الباقي هو النظام الواحد، الوحيد، وأن واشنطن هي المركز والمحور، وأن ما سواها من البلدان والدول والشعوب والأمم هي الأطراف التي يجب أن تدور حولها، وتسبح في فلكها. تأثيرات العولمة: بنظرة فاحصة يمكن التعرف على التأثيرات المختلفة للعولمة على مختلف جوانب الحياة؛ السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والعلمية، والإعلامية، والمالية، والبشرية، والتقنية، والأمنية. فمن التأثيرات السياسية: تعد العولمة السياسة هي القاعدة والأساس لمختلف مستويات العولمة الأخرى، وهي تهدف إلى إزالة الحدود بين الدول ومحاولة تقليص دور الدولة المحلية، وتدويل الأزمات الأقليمية، وتحكيم المؤسسات العالمية بالمشكلات المحلية؛ وذلك لنبذ الفكرة القومية لدى الشعوب والأمم، والتخفيف من الحدود السياسية والحواجز الجغرافية، ويذكر هنا أن الهيمنة الأمريكية استطاعت أن تُؤَثِّر على المؤسسات الدولية لتكون الناطقة باسمها، ومن هذه المؤسسات: هيئة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن. ومن التأثيرات الاقتصادية: تنمية الفوارق الطبقية وتعميم الفقر، وازدياد معدلات البطالة والجوع في العالم؛ إذ إن قاعدتها الاقتصادية تقوم على إنتاج أكثر ما يمكن من السلع والخدمات بأقل ما يمكن من العمال، كما تهدف إلى تحرير التجارة العالمية، وتوسيع الأسواق، وانتشار الشركات الاحتكارية الضخمة، عابرة القارات، ومتعددة الجنسيات، والذي يتولى كبر عولمة الاقتصاد تلك المؤسسات التي كان من الواجب أن تبقى على الحياد، لا أن تنساق وراء مصالح الإمبريالية العالمية، ومن هذه المؤسسات: صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، ومنظمة الغات العالمية. ومن التأثيرات الاجتماعية: تعميم نمط السلوك الحياتي الغربي، وتوحيد العادات والتقاليد بين الشعوب، فالمرأة لها كامل حرية الاختيار بين تكوين أسرة أو أن تمارس رغبتها كما يحلو لها وبدون ارتباط شرعي، وكذا لا يمتلك الأب سيطرة تربوية على أبنائه، فالكل يتصرف بحياته على هواه، ومن مساوئ التأثيرات الاجتماعية للعولمة: زواج المثل؛ الرجل بالرجل، والمرأة بالمرأة، فالشذوذ الجنسي أصبح له قانون خاص، ومن تعميم نمط السلوك الاجتماعي: طريقة ارتداء الألبسة؛ صالات عروض الأزياء المنتشرة في العالم، طريقة تناول الطعام؛ السندويش السريع، (الهمبرغر، البيف برغر). ومن التأثيرات الثقافية: سهولة نقل المعلومات وسيولتها مع احتكارها، على مبدأ أن مَن يملك المعلومة يملك العالم، وعلى صعيد التقنية (التكنولوجيا) لا تستطيع أن تنتج شيئاً، فقط أنت تستخدم، وتبدو العولمة الثقافية أكثر بروزاً من خلال التركيز على الوحدات الثقافية العرقية (الفرعونية، البربرية) دون الثقافات القومية، واستعمال المصطلحات الغربية بدلاً من المصطلحات العربية، وما زالت كثير من الدول العربية تُدَرِّس المناهج الغربية وباللغات العالمية بدون ترجمتها. ومن التأثيرات الإعلامية: نشرات الأخبار الموجهة، وعلى سبيل المثال: لا تجد نشرة أخبار إلا وفيها خبر عن العدو الإسرائيلي، وصور لزعمائه؛ مما يهوِّن الأمر على المشاهد ويحاول الوصول إلى تطبيع الرأي العام، كما يُلاحظ من وسائل الإعلام الغربي أن تحاول إظهار العرب في صورة من التخلف والإرهاب، مع عدم نسيان تأثير الأفلام الهوليودية على أنماط السلوك الإنساني في العالم، وكذا ما تبثه المحطات الفضائية العالمية؛ من برامج ومسلسلات وأفلام ودعايات، وكذا ما يوجد في شبكة الاتصالات العالمية (الانترنيت). ومن التأثيرات المالية: قضية الدولرة المنتشرة في كثير من بلدان العالم، حيث يكون مقياس القيم ووسيلة التبادل هي الدولار الأمريكي، كقوة اقتصادية نقدية محافظة على قيمتها النقدية، ودعم عمليات تبييض الأموال وتهريبها. ومن التأثيرات البشرية: محاولة استغلال العلم وتحوير أبحاثه بما يخدم المصالح العليا للنظام العالمي، ومن الأبحاث العلمية الخطرة في هذا المجال: موضوع الاستنساخ البشري؛ وما يستتبعه من تأثيرات بيئية واجتماعية وعاطفية وجنسية على حياة الشعوب والأمم، وقد ضرب بكل ذلك عرض الحائط في سبيل إيجاد أجساد موحَّدة في الشكل الخارجي؛ خالية من المضمون والمحتوى، أجسام تأكل دون عقول تفكِّر. ومن التأثيرات التقنية: احتكار تصنيع وتصدير الأجهزة التقنية في شركة عالمية كبرى، لتكون تحت سيطرة القطب الواحد، وفيما إذا حاولت هذه الشركة أن تستقل في قرارها تتدخل المصالح العليا لتوجيهها إلى مصالحها الذاتية، وما حصل لشركة Microsoft إلا دليل على ذلك. ومن التأثيرات الأمنية: أن تكون قوات حلف شمال الأطلس والتي تأتمر بأمر القوات الأمريكية هي الشرطي الحارس والجلاد على كل من يحاول أن يثبت ذاته أو يُظهر وجوده في هذا العالم، ولقد عدَّلت كلمة (دولة خارجة على القانون) من قاموس الولايات المتحدة الأمريكية، وحلَّ محلها عبارة (دولة تُشكِّل مصدر قلق)، وما ذلك إلا دليل على أن الولايات المتحدة الأمريكية ترى نفسها فوق الجميع وأن كل الدول تحت سيطرتها (القانونية)، وقد استعملت الأقمار الصناعية لأغراض التجسس على العالم، بما يهدد أمن الدول ولو كانوا أصدقاء لها. وبتأملٍ لهذه التأثيرات وغيرها كثير يمكن القول، بأن العولمة الغربية تهدف فيما تهدف إليه إلى:
هذا، وإن العولمة تدعو إلى زوال الدولة والأسرة والدين والثقافة واللغة باعتبارها قيوداً على الفكر والعقل. ولن نطيل الحديث عن مزايا العولمة؛ من حيث التطور العلمي الهائل في مجالات الطب والهندسة بمختلف اختصاصاتها والفيزياء والعلوم الطبيعية والاتصالات السلكية واللاسلكية وعبر القنوات الفضائية و(الأنترنيت) وما في داخل هذه الشبكة من معلومات تفيد أصحاب الشأن والاختصاص، وما تحققه هذه الأبحاث العلمية ونتائجها الباهرة من صحة ورفاهية للإنسان. وقد أشارت قناة الجزيرة الفضائية ( 2000 ) إلى مجموعة من التأثيرات السلبية للعولمة على البلدان العربية ومن هذه التأثيرات أولاً: تكريس الخصخصة تحويل ملكية مؤسسات القطاع العام إلى القطاع الخاص) ثانياً: زيادة معدلات البطالة، ومن المتوقع أن تتزايد خلال القرن الحادي والعشرين، وأن يتدنى معدل من يجدون فرص عمل إلى 20% فقط، أي أن نسبة البطالة قد تصل إلى 80 % ثالثاً: انخفاض الأجور، وهذا لا يشمل البلدان العربية والنامية فقط، بل يمتد ليشمل الدول الصناعية المتقدمة رابعاً: زيادة الفجوة التكنولوجية وتكريس التبعية التكنولوجية للغرب وعدم تمكين البلاد العربية من الحصول على التكنولوجيا الحديثة، وتأكيدا على ذلك فإن دول الغرب تمنع تصدير الكثير من التكنولوجيات إلى الدول العربية تحت ذريعة منع هذه الدول من استخدام هذه التكنولوجيات في صناعة أسلحة "الدمار الشامل"، أو أن اقتصاديات الدول العربية لا تزال غير مهيئة وغير قادرة على استيعاب هذه التكنولوجيات. من جانب آخر فإن الغرب يسعى إلى تصدير التكنولوجيا المتقادمة إلى الدول العربية لاستنزاف مواردها في مجالات غير مجدية خامساً: زيادة هجرة العقول والكفاءات العربية إلى الغرب، وقد خسرت البلاد العربية منذ منتصف السبعينات أكثر من 400 ألف من العلماء والمتخصصين والذين قدموا للغرب مساهمات وابتكارات مذهلة سادساً: تعريض الأمن الاقتصادي للبلاد العربية للخطر سابعاً: نقل القيمة المضافة من البلاد العربية إلى الخارج وذلك بسبب عدم القدرة على إلزام المستثمرين الأجانب على رسملة الأرباح في ظل قانون العولمة ثامناً: قطع وإنهاء روابط وأواصر الأمان الاجتماعي القائمة على الثقافة العربية تاسعاً: تفكيك الأسرة وزيادة عمالة الأطفال من أجل التغلب على حالة الفقر وتوفير لقمة العيش عاشراً: عجز الدولة عن تحقيق التنمية البشرية اللازمة أحد عشر: محاولات حثيثة من جانب مؤسسات العولمة ( مثل منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي) لإنهاء أو على الأقل إضعاف دور النقابات العمالية في البلاد العربية، إذ أن قوة هذه النقابات العمالية ستؤدي إلى رفع الأجور وهذا ما يتعارض مع مصلحة الشركات متعددة الجنسية التي تبحث عن العمالة الرخيصة اثنا عشر: زيادة حجم الجريمة المنظمة لتصل بصورة واسعة إلى البلاد العربية، وتشير الإحصاءات إلى أن قطاع الجريمة المنظمة يحقق أرباحا سنوية تقدر بخمسمائة مليار دولار ثلاثة عشر: محاولة تغيير النظام الاجتماعي بما ينسجم مع مصالح الدول الصناعية الكبرى أربعة عشر: اختراق الثقافة العربية بوساطة منظمة التجارة العالمية من خلال اتفاقية حماية الملكية الفكرية والثورة المعلوماتية خمسة عشر: انخفاض مستوى الريع النفطي ستة عشر: خفض الإنفاق الحكومي في مجالات دعم السلع والخدمات الأساسية مثل خدمات التعليم والصحة ويمكن الاستدلال على الآثار الخطيرة للعولمة بالنظر إلى التقرير السنوي للأمم المتحدة لعامي 1998 و 1999 على وفق ما أشارت صحيفة النهار البيروتية، إذ أنه من أصل 6 مليارات نسمة ( عدد سكان كوكب الأرض في 12/11/1999 ) فإن هناك أولاً: ثلاثة مليارات يعيشون بأقل من دولارين يوميا - مع وجود حالات مرعبة ضمن هذه الفئة ثانياً: مليار شخص عاطل عن العمل، وهذا الرقم يساوي ثلث القوة العاملة المقدرة في العالم ثالثاً: مليار وثلاثمائة مليون شخص يعانون من عدم وجود مياه صالحة للشرب رابعاً: 40 ألف يموتون يوميا من أمراض يمكن علاجها خامساً: 800 مليون يعانون من سوء تغذية إلى درجة الخط الأحمر سادساً: 30 % من الروس تحت خط الفقر، وكانت النسبة قبل انهيار الاتحاد السوفييتي 4 % سابعاً: بور صات وشركات وأسواق سلاح تسيطر على 90 % من الاقتصاد العالمي ثامناً: 20 % من البشر الأكثر غنى يملكون 85 % من الدخل العالمي تاسعاً: 358 ملياردير يملكون نصف دخل سكان العالم جميعا، ومن بين هؤلاء 100 ملياردير أمريكي. وفيما يأتي نبين مواقف الناس من العولمة، بين منجرف معها دون تمييز الغث من السمين، وبين مَن يراه الموت المحقق لقيمه وثوابته، وبين العقلانيين الذين يستفيدون من منافعها ويدفعون شرها. الموقف من العولمة: إن العولمة من أبرز الظواهر التي تواجه العالم بأسره، والعالم العربي جزء من هذا العالم، وليس هناك من سبيل إلى رد العولمة، بقدر ما هنالك من سبل للتعامل معها، وكما هو الحال في كل جديد، ينقسم الناس في تعاملهم معه إلى ثلاث فئات: فئة سلبية، وفئة إيجابية، وفئة عقلانية معتدلة متوسطة. الموقف السلبي: والدعوة إلى محاربتها، فقد رأى بعض الناس أن العولمة شر محض، وأداروا ظهرهم لها، ولم يتجاوبوا معها، بل قصروا في الاستفادة منها، وأغلقوا الباب على أنفسهم، وأوصدوا منافذ فكرهم، ونقول لهؤلاء: لِمَ العزلة!!، إن العولمة موجودة لا مفر منها، وستدخل بيوتكم، وتصل إلى أبنائكم،وهي منتشرة في مدارسكم، فلا داعي لهذه النفرة، كما نقول: إن الجمود أمام كل جديد والتأخر عن استيعابه يجعل المرء في ذيل القائمة، والأمة في ذيل قائمة الأمم. الموقف الإيجابي: وقد فتح أناس ذراعيهم للعولمة، وضموها إلى صدورهم، واحتضنوها في قلوبهم، وراحوا ينادون بها، ويحملون الناس على السير في ركابها، يكتبون المؤلفات ويعقدون المؤتمرات ويقيمون الندوات؛ دعوة إلى الدخول في العولمة، على أنها الضالة المنشودة، والأمل الذي طال انتظاره،وهؤلاء هم المصابون بعقدة النقص في الذات، وعقدة الإعجاب بما عند الغير، وإن عذرنا أصحاب هذا الاتجاه في العولمة العلمية (التكنولوجية)، فكيف نرضى لهم الاستسلام للعولمة الثقافية أو الاقتصادية. الموقف المعتدل: وهؤلاء هم الذين يرون أن كل ما في هذه الحياة يحكم عليه ـ عند التعامل معه ـ من خلال منافعه ومضاره، وأن الجديد المفيد مكسب ينبغي استثماره والإفادة منه، مع ملاحظة عدم تأثيره على الثوابت الأصيلة، ويجب أن يكون النظر إلى العولمة بمنظارين: منظار الإيجابيات، ومنظار السلبيات معاً، فالإيجابيات يستفاد منها، ويتعمق الإنسان فيها، والسلبيات يتعرف عليها؛ ليدفعها ويواجهها ويحاول التقليل من شرها ما أمكن. ومعروف عن الإنسان العربي: تمسكه بقيمه وثقافته ومبادئه وأهدافه، وهو متفائل مستفيد من تقنيات العصر، ومتطلبات الحياة ومستلزماتها، ولديه القدرة على إخضاعها لثوابته، فالمطلوب تعظيم منافع العولمة، وتصغير مساوئها ومضارها. ويجب ألا يقف الإنسان مذهولاً أمام المكتَشَف الجديد، بل عليه أن يستوعب التطورات الحاصلة، ويتأقلم معه، ويفيد من منافعه، ويخفف من الخسائر المترتبة عليه، ويوطن نفسه لتطورات قادمة. ويحسن تشبيه العولمة بغابة فيها كل الكائنات الحية؛ من الوحوش الكاسرة الفتاكة، إلى الغزلان والأرانب النافعة، والإنسان محتاج لدخول الغابة لاصطياد الغزلان والأرانب، ولكن بشرط أن يكون متسلحاً (بسلاح العلم والمعرفة) ليتجنب من الوقوع تحت سيطرة الوحوش. وفيما يأتي بيان للسلاح العلمي والمعرفي الواجب في مواجهة العولمة والاستفادة منها:
التحديات الثقافية
يشمل الحديث في الفصل: العولمة ولغة القرآن. لغة القرآن والبناء الحضاري. اللغة العربية بين الأصالة والتجديد
العولمة ولغة القرآن
ما من شك بأن العولمة لها عدة مظاهر من أبرزها: العولمة الاقتصادية ومن أخطر مظاهر العولمة: العولمة الثقافية. لا شك أن العولمة الثقافية هي أشد خطراً من العولمة الاقتصادية على أساس أن الفكر هو المؤثر الأول في سلوك الإنسان وفي حياته والإنسان أسير عقيدة وفكر قبل أن يكون أسير معدته وبطنه ومطعمه ومشربه. والشيء الذي لا يجوز عولمته هو الثقافة لان الثقافة ليست هي العلم بل هي ما يعبر عن خصوصية كل امة في عقائدها وفي شرائعها وفي قيمها وفي نظرتها إلى الكون والحياة والإنسان والى الدين والدنيا والى الفرد والمجتمع. وهذه الفلسفة الكلية تختلف من امة لأمة فلابد أن تبقى للأمم خصوصياتها والبشرية تستفيد وترتقي باختلاف التنوع وليس باختلاف التضاد أو التصارع أو التناقض لأنه باختلاف التنوع يستفيد كل واحد من الآخر. وقد عبر القرآن عن ذلك باختلاف الألوان: (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها) فاختلاف الألوان في الحضارات والثقافات أمر مطلوب فتستفيد الحضارات بعضها من بعض فحوار الحضارات يرحب به بأن تتحاور الحضارات وتتفاهم وتتعايش ويأخذ بعضها من بعض ما تفوقت فيه عن طريق التلاقح الفكري والثقافي بدل التصارع. فعولمة العلم مطلوبة وإما عولمة الثقافة بمعنى إلغاء الخصوصيات هذا مرفوض. الاختراق الثقافي وليس الغزو الثقافي: والعولمة الثقافية وصلت إلى درجة الاختراق الثقافي بل والاكتساح الثقافي والمعرفي فقد مضى زمن الحديث عن الغزو الثقافي والفكري ومن الملاحظ أن العولمة تحمل في طياتها مشروعا لأمركة العالم لان القيم النفسية والسلوكية والعقائدية الأميركية هي المهيمنة على هذه العولمة الثقافية. ولعل أعظم سلاح يستخدم في هذه الأيام في المعركة الثقافية: هو اللغة وإذا كانت للحروب التقليدية خططا فان للحرب الثقافية واللغوية خططا وبرامج واستراتيجيات بعيدة المدى: وأقرب الخطط مما يشاهد: ترويج منافع المدنية الحديثة بكل منتجاتها المعيشية وبكل مبتكراتها الفنية وبكل محصلاتها التقنية من خلال جحافل الكماليات الموجبة للرفاه والدعة. وابعد الخطط مدى: هو إذابة الثقافات كلها في ثقافة الأقوى ماديا والقضاء النهائي على التراث الثقافي والمكون الحضاري للأمة العربية والإسلامية بعد أن لم يبق في مواجهة الطغيان سوى الإسلام وما يحمله من الضوابط والقواعد الأخلاقية ليعيش الناس في أمان واطمئنان بدل التشرد والحرمان. ووسيلة أصحاب القرار إلى تلك العولمة المنشودة من جهتهم: وسائل الإعلام العالمية ووسائل الاتصالات الرقمية التي تعطي لأميركا الهيمنة الثقافية وبما أن أجهزة الاستقبال والتقاط البث الإذاعي والتليفزيوني الفضائي قد استطاعت في الآونة الأخيرة الدخول إلى مجمل المنازل والبيوت بسبب انتشارها وكثافة تسويقها العالمي ورخصها كذلك فان المادة الإعلامية الغربية والأميركية بدأت فعلا تصل إلى المتلقي في العالمين العربي والإسلامي دون حواجز تذكر بل بسهولة ويسر. ومن المعروف أن وسائل مقاومة الغزو كانت متيسرة وأكثر فاعلية فيما مضى بحيث كان بمقدور المؤسسات الحكومية والأهلية أن تقاوم هذا الغزو أو تقف في وجهه أو على الأقل تخفف من آثاره السلبية كما كان بإمكانها في بعض المجالات أن تصد هذا الغزو إلا أن الوضع الآن قد اختلف كثيرا فلم يعد بإمكان المؤسسات الحكومية أو الأهلية أن تقوم بالدور نفسه ومما يزيد الوضع خطورة ارتباط هذا الاختراق أو العولمة الثقافية بتبني الخيارات الاقتصادية والسياسية الغربية. الأخطار الرئيسة التي تواجه الأمة المسلمة اليوم: ـ أخطار سياسية: متمثلة في الخطر الصهيوني الذي لا يعترف بحدود والزحف العسكري الباغي بلا حدود على الأمة الإسلامية وبكل أسف فقد تأثر قسم من أبناء الأمة بالطاغوت ويرى بعضهم انه اقرب إلى مصالحهم المادية والنفعية الدنيوية كما تأثر قسم آخر بالحركة التغريبية وتغربوا في أفكارهم وفي مشاعرهم وفي عاداتهم وفي تقاليدهم وفي قيمهم وجاروا العدو وتماشوا معه وتعايشوا معه باسم التطبيع وأصبحوا خارج نطاق هذه الأمة. ـ أخطار اجتماعية: وتتمثل في التوجيهات القطرية ولكن الأمة العربية والإسلامية واحدة على مدار التاريخ بتوحيد الإسلام لها ويلاحظ الآن أن الوحدة الاجتماعية أصبح فيها خلل فهناك توجه قطري للتأسيس الثقافي لكل قطر بصورة مستقلة. ـ وأخطار اقتصادية: وتتمثل في محاولات الهيمنة والخطر الاقتصادي من إسرائيل فبرنامج الشرق أوسطي الذي طرحه (بيريز) يراد من خلاله أن تكون المنطقة ذات اقتصاد إقليمي ثم عالمي تنفذ إليه إسرائيل وبالتالي ستكون السيادة والتأثير والقوة والاستغلال للمال الإسرائيلي. ـ وأخطار ثقافية: من خلال التغريب الذي يمارس على فكر أبناء الأمة ويتضح في هز الثوابت وزعزعة الأسس التي تقوم عليها الأمة وما الدعوة نحو اللهجات إلا دعوة للتشرذم العربي وهي امتداد للحرب الصهيونية ضد القومية العربية والدين الإسلامي. وفي مواجهة الأخطار المحدقة بالأمة فإنها تمتلك ثوابت: القرآن الكريم كتاب الله المبين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. والسنة النبوية المطهرة المبينة لأحكام القرآن المجملة والموضحة للتفاصيل والفروع الجزئية من أحكام التشريعات الإسلامية. ولغة القرآن القاسم المشترك بين أبناء الأمة من المحيط الهادي إلى المحيط الأطلسي. فالوحدة الثقافية المستمدة من القرآن والسنة تحقق للأمة الإسلامية نوعا من التماسك والترابط فالقرآن معظم والقبلة واحدة ولغة القرآن تجمع ولا تفرق. وبالمقارنة العلمية فان اللغات لم تستمر ولا تستمر أكثر من أربعة قرون وهذا هو الحد الأقصى للغات ولكن المتابع للمسيرة البشرية عبر التاريخ يتأكد له بلا ريب أن لغة القرآن عاشت حتى الآن سبعة عشر قرنا وستستمر في الحياة ما بقى القرآن جامعا لها ومحافظا عليها. محاولات الغرب زعزعة الأمة ثقافيا: لقد شرع الغرب في نشر لغته ونموذجه الحضاري داخل الأوساط الاجتماعية مستغلا الضعف الذي كانت الثقافية العربية والإسلامية تعاني منه فعمل الغرب على زيادة تهميش عناصر الثقافة العربية والإسلامية وأهمها لغة القرآن كأداة فاعلة لنقل الثقافة والمحافظة عليها باعتبارها الوسيلة الوحيدة للارتباط بالموروث الثقافي للأجداد وقد استخدم عدة صور ووسائل منها: ـ الدراسات الاستشراقية والاستعمار (الاستخراب) المادي والعسكري فالتآمر على لغة القرآن في العصر الحديث جاء من الغرب بالتركيز وتكريس اللهجات المحلية فقد كان المستشرقون أول من دعوا إلى الكتابة بالعامية وفي مقدمتهم مثلا المستشرق اليسوعي الأب (لامنس) والبعثات إلى الشرق الأوسط في بعض الأحيان اتخذ شكلا تبشيرا وبعضها اتخذ شكلا فرديا بصورة مبعوث دبلوماسي أو تاجر مثل (لوران دارفيو) فهؤلاء أتوا لدراسة المنطقة وفي الوقت نفسه لوضع دعائم ركائز للاستعمار وضرب أهم المكونات الحضارية لتلك المنطقة إلا وهي لغة القرآن حافظة الدين والتراث والقيم والعادات. ـ زرع الفكر السياسي القومي الذي أهمل الدين فقد كانت محاولة الفكر القومي العربي لتغريب هذه الأمة ودعوته اكبر من دعوات أشخاص في كتب وفي مقالات وقيادته هي التي صاغت مناهج التربية ومناهج السياسة والتشريعات والأمور الاجتماعية وقد كان من اكبر عوامل فتح المجال التغريب هذه الأمة لأنه اعتبر أن الأمة تقوم على عنصرين هما: اللغة والتاريخ حسب النظرية الألمانية التي تقول: أن الأمة تقوم على اللغة والتاريخ عكس اللغة الفرنسية عكس المدرسة الفرنسية هذا الفكر استثنى الإسلام إذ ليس للإسلام في فكره دور في تكوين هذه الأمة وجعل النموذج المقتدى له هو الغرب فبالتالي أصبح الغرب بكل تشريعاته بتجربته السياسية والاقتصادية وبتشريعاته موجود في الساحة الوطنية. ـ العمل على تفريغ الإسلام من محتواه من خلال توظيف بعض من ينتسبون إلى هذه الأمة والمحسوبين على العلماء كي يقوموا بما يسمى (عملية تطوير وإعادة صياغة للإسلام) وعملهم في المضمون والهدف: إفراغ الإسلام من محتواه السياسي والتشريعي والاقتصادي والعمل على تدجين الإسلام ليخضع المسلمون للغرب ويسيروا في ركابه وجذب مجموعة من المثقفين العرب في محاولات التزلف للغرب والحصول على مناصب. ـ دور وسائل الإعلام فبعض القنوات الفضائية العربية للأسف التي لا تحترم هذه لغة القرآن ولا تعتبرها لغة أساسية في بثها والأطفال يستمعون لهذه القنوات ويتابعونها إذا كانت مثل هذه القنوات لا تحترم لغة القرآن ولا تعطينا الأولوية فكيف نستطيع أن نربي أطفالنا على حب هذه اللغة والاعتزاز بها ؟!. ـ ثورة الاتصالات الحديثة: عبر الهواتف النقالة المتصلة بالأقمار الصناعية وكذا شبكة المعلومات العالمية (الانترنت) والبث المرئي عبر القنوات الفضائية التي لم يعد لها حد ولا حصر. ـ أهمية العامل اللغوي في الوحدة: ما من شك أن اللغة تعد احد أهم مكونات الوحدة الشاملة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وما تجربة الحضارة العربية الإسلامية عنا ببعيد وفي هذا الصدد سأعرض لنماذج من المدنيات الأخرى والدول الحديثة للتدليل على العامل اللغوي في البناء المدني بعيد عن التقييم الأخلاقي والحضاري: فاللغة هي الجامع للناس في الولايات المتحدة الأميركية مع اختلاف دياناتهم وثقافاتهم وأعرافهم وتقاليدهم. وفي طريق تحقيق الاتحاد السوفييتي: عملت الحكومة على فرض اللغة بالقوة بما سمي بالتطير اللغوي في موازاة التطهير الديني والعرقي للوصول إلى الوحدة الاجتماعية والسياسية. وفي كوريا كان أول مرسوم بعد انتهاء احتلال اليابان لها: حظر تداول لغة المحتل. وفي الصين كان أول قرار بعد نجاح (ماوتسي تونغ) في عام 1949م التوحيد اللغوي وقد اختاروا اللغة الخانية لغة بكين. وفي فرنسا: فرضت الحكومة الفرنسية اللغة بالقوة ـ في المدارس ـ وكانوا يسخرون بل يطردون الذي يتكلم باللهجة المحلية. حتى في الأراضي المحتلة: استطاع الصهاينة في مشروعهم إحياء اللغة العبرية الميتة منذ ألف سنة من خلال ثلاثة عوامل: عامل التخاطب والعامل السياسي (القومي) والعامل الديني (التربوي). وفي الحديث عن الديمومة والاستمرار:هناك بشارة فكتاب الله تعالى يقول: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) ومع ذلك فلا بأس بعرضها: أعلن الأسباني كاميلو جوزي سيلا (الحاصل على جائزة نوبل في الأدب لعام 1989م ) أن اغلب اللغات ستنسحب من ساحة التعامل الكوني وستتقلص في أحجام محلية ضيقة ولن يبق من اللغات البشرية إلا أربع لغات قادرة على الحضور العالمي وعلى التداول الإنساني: الإنكليزية والأسبانية والعربية والصينية. بالتعليق: فان اللغة الإنكليزية هي لغة المال والتجارة العالمية والاقتصاد المفتوح واللغة الأسبانية هي لغة المساحة الواسعة إذ أن قارتين (أميركا الوسطى والجنوبية) بالإضافة إلى قسم من أوروبا تتحدث باللغة الأسبانية ولغة القرآن هي لغة الثقافة العليا والحضارة العالمية واللغة الصينية هي لغة العدد الأكبر. المطلوب: أمام التحديات والمخاطر وبعد معرفة أهمية العامل اللغوي في التوحيد لابد من عمل وما التوصيات والمقترحات والمقررات التي تخرج بها المؤتمرات إلا حبرا على ورق بلا قيمة نافعة إذا لم تترجم إلى ارض الواقع. وبداية للتوصيات أقول: أن الدخول إلى عصر العولمة لا يعني التخلي عن مكوناتنا ومكنوناتنا الدينية والثقافية والاجتماعية فهذه تفاعلات شعوب وتبادل آراء وتلقيح أفكار فلا ينبغي أن تتدخل فيها القرارات السياسية أو الاقتصادية. وبما أن اللغة تدخل في شؤون الحياة جميعا فان التوصيات متشعبة كل حسب اختصاصه: إلى الحكومات: تكوين رابطة تجمع القوى العلمية والثقافية والمجامع اللغوية في مؤسسة واحدة راعية للجهود على غرار الفرانكفونية. وضرورة الاهتمام بقطاع التربية والتعليم شكلا ومضمونا والبحث عن الوسائل الفاعلة لإخراجه من الثنائيات التي تحكمت فيه خلال العقود الماضية. لوسائل الإعلام المرئي والمسموع: إعادة النظر فيما يعرض من البرامج ليكون المعروض مؤصلا للثقافة العربية وداعماً للغة العربية الأم. لكليات الهندسة ومؤسسات التقانة العالية: دعوة المختصين ببرمجيات الحاسب الآلي لإنتاج برمجيات متطورة قادرة على التعامل مع النص العربي لسهولة تسويقه عبر الشبكات العالمية وكذا برمجيات لتيسير الترجمة البينية بين العربية واللغات الأخرى ليحصل التفاعل الثقافي على أساس العالمية العلمية لا العولمة الغربية. وكشف أهمية استخدام وسائل العولمة وتقنيتها المتطورة لنشر الإنتاج الثقافي العربي عبر الصورة والصوت مع الاهتمام بجودته لينجذب إليه المتلقي العربي فيستهلكه بدلا عن الإنتاج الغربي. لكليات التعليم التربية والتعليم العالي: الدعوة إلى تعريب المناهج العلمية والعملية (التطبيقية) في كل الفروع العملية والثقافية: وتجربة سوريا ليست ببعيدة وكذلك اذكر بالفخر كلية إدارة الأعمال الإسلامية. لوزارات الثقافة والإعلام الثقافي: العمل على حرية تنقل الكتاب ووسائل المعرفة بين البلاد العربية ورفع الحظر عن ذلك لتعميق الوحدة الثقافية بين البلاد العربية. لكليات الآداب واللغة العربية: الدعوة إلى إصلاح القواعد اللغوية وتطويرها وتحديثها بغية تبسيطها وتوضيحها واختصارها. لكليات العلوم الشرعية الدعوة والشريعة وأصول الدين الدعوة إلى تقوية الأواصر بين الناس والمصادر الأصيلة في تلقي اللغة الأسرة والمدرسة. وفي الختام: إنا نحمل لغة حية وموروثا إنسانيا يسهم في رفد عصر العولمة باحتياجاته الإنسانية وبدون قيم الإسلام يصبح عصر العولمة (آليا لا روح فيه).
لغة القرآن والبناء الحضاري
باللغة تكتمل آدمية الإنسان الذي خلقه ربه الرحمن وعلمه الهدى والبيان، وأنزل عليه الخير والفرقان. ولكن لما كانت اللغة ظاهرة اجتماعية وفكرية وتربوية، وليست مجرد وسيلة للتخاطب، فإنها لا تزال من أهم مواقع الصراع الفكري بين الأمم، ومن أخطر أسلحة الاحتواء الاستراتيجي لثقافات الشعوب. ويُستخدم التأثير الثقافي وسيلة للتغييرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وبشكل سريع ومتلاحق عنيف ومتدفق. أصل المشكلة: إن وجود أمة ما ذات شخصية متميزة، مرتبط تمام الارتباط ببقاء لغة هذه الأمة، بل مرتهن بحياة هذه اللغة أو موتها ومحاذٍ لمستويات ازدهارها وضعفها. فحياة اللغة تعني حياة الأمة، وعلى الوجه الآخر فإن اللغة من أقوى الأسلحة للسيطرة على الأفكار والأشياء والانتماء للوطن والدفاع عن الهوية. والذي ينتج من غلبة لغة على لغة وحلولها محلها أن تذوب شخصية الأمة صاحبة اللغة المغلوبة تدريجياً في الأمة الغالبة، وتصبح مندمجة في أمة أخرى. ويأتي بعد هذه النتيجة أيضاً أن تُقطع الأمة التي استُبدِلت لغتها عن تراثها وأصلها، فتنشأ أجيال فاقدة الهوية، لا تراث ولا انتماء، مما ييسر احتواء هذه الأجيال وإذلالها والتحكم في توجيهها. ومن هنا تعيش اللغة العربية اليوم أزمة شديدة موازية للأزمات الأخرى للأمة؛ بما أن اللغة اليوم مغلوبة على أمرها، تستهلك أكثر مما تنتج، بدءاً بعالم الأفكار وصولاً إلى عالم الصناعات، مروراً بعالم العادات وأشكال (الموضة)، حتى لحن الخطاب في التحية أو إلقاء الخبر. ومن الواجب والوفاء أن نفكر بجد في إعادة بناء جيل قيادي متكلم بالعربية الحقيقية؛ عربية القرآن. فلغتنا العربية تعيش اليوم غريبة مستوحشة وسط أبنائها، وأمست في جفوة مفتعلة صنعتها سلبيات من الداخل والخارج، حتى أضحت للبعض تركة مثقلة، وعبئاً جسيماً تشفق من حمله الجامعات رغم توسع مناهجها. وهناك تنكر مفتعل لحضارة الأمة الرفيع وتراثها الرصين، وميول للدخيل الغريب وتقديس للمستورد المريب. وبالتالي فقد أضحت مسألة اللغة العربية بالنسبة للأمة ليست ترفاً فكرياً، بل هي قضية وجود أو عدم. أهمية اللغة العربية: اللغة من الأمة أساس وحدتها، ومرآة حضارتها. والقرآن بالنسبة إلى العرب جميعاً كتاب لبست فيه لغتهم ثوب الإعجاز، وهو كتاب يشد إلى لغتهم مئات الملايين من أجناس وأقوام يقدسون لغة العرب، ويفخرون بأن يكون لهم منها نصيب. ولا بأس بأن أورد هنا أقوالاً لبعض العلماء الأجانب قبل العرب في أهمية اللغة العربية. يقول الفرنسي إرنست رينان: (اللغة العربية بدأت فجأة على غاية الكمال، وهذا أغرب ما وقع في تاريخ البشر، فليس لها طفولة ولا شيخوخة). ويقول وليم ورك: (إن للعربية ليناً ومرونةً يُمَكِّنَانِها من التكيف وفقاً لمقتضيات العصر). وعن ضرورة الاهتمام باللغة العربية يقول الدكتور طه حسين: (إن المثقفين العرب الذين لم يتقنوا لغتهم ليسوا ناقصي الثقافة فحسب، بل في رجولتهم نقص كبير ومهين أيضاً). اللغة طريق إلى الثقافة المكونة للحضارة: معلوم أن هناك علاقة بين اللغة والثقافة وهي علاقة ترابط قوية، لكون الأولى تعبر عن الثانية وتسجلها، ولكون الثانية مادة الأولى وإنتاجها. المشروع الحضاري للأمة: لا شك أن قضية النهوض الحضاري هي مشروع شمولي كلي، كما أن انهيار ركن من الأركان مؤدٍّ بالضرورة إلى انهيار كل الأركان، كما هو مقرر في قواعد الأصوليين. إن البناء إذا ما انهد جانبه لم يَأمَنِ الناسُ أن ينهد باقيه! فلا يمكن أن تحصل نهضة حقيقية للأمة بغير نهضة لغوية، متزامنة مع المشروع الكلي، سواء من ذلك ما تعلق بتأصيل الفهم والتلقي للخطاب اللغوي، أو ما تعلق بالبلاغ والتواصل التعبيري المرتبط بالمفاهيم المكوِّنة لهوية الأمة على الإجمال. وما بين هذا وذاك تنتصب مشكلة إصلاح اللغة من ضروب المراجعة والتدقيق في هوية ما نروِّجه من كلامات ومصطلحات؛ قادمة من الآخر لتكون خراباً عقَدِيّاً، وإرباكاً لمشروع إعادة البناء والإعمار للحضارة والإنسان! لغة القرآن: أخذ القرآن الكريم بيد العربية وارتقى بها لتصبح ـ وخلال مئة عام فقط ـ لغة عالمية حقاً، بل أكمل لغة في العالم. وقد اشترك في دراسة هذه اللغة والعناية بها رجال من مختلف الجنسيات والقوميات ووضعوا لها القواعد والأصول التي تحفظ وجودها بالشكل الجميل في النطق لفظاً وفي التعبير لإظهار المعاني. هذه اللغة تَغَنَّى بها الشعراء العرب، في جاهليتهم، وفي أسواقهم، وصاغ بها المسلمون علوم القرآن الكريم والفقه والقانون والساسة والأدب والفنون العسكرية والطبية والزراعة والهندسة.. إلخ. لذا لا يجوز لمن يتكلم بهذه اللغة العظيمة، ويكتب بها، أن يتنكر لها أو يذمها في أي ناحية من النواحي الإنسانية التي يعبر عنها باللغة. الحضارة وحاجتها للغة: في زحمة الصراع الحضاري العالمي تحاول كل أمة إبراز حضارتها، والتمسك بها، وتعمل على نشرها وتثبيتها، والمسلمون اليوم بوجه عام، والعرب بوجه خاص ـ وفي زحمة هذا الصراع الحضاري العالمي ـ لا ينشرون حضارتهم وثقافتهم إلاّ على استحياء، ولا يعملون على تثبيتها وبيانها إلاّ في المناسبات، وفي مؤتمرات قليلة تعقد هنا وهناك. وهو عمل تقوم به هيئات إسلامية أو أفراد، وقلما تشترك الحكومات، إلاّ في حدود ضيقة، ولعل مرجع ذلك إلى الخمول الذي أصاب الناطقين بها، والتفرق فيما بينهم على أساس العنصرية الضيقة أو الإقليمية المفرقة، والتعصب لهما على أساس التجزئة؛ فأصبح ولاء كلّ دولة لقطرها، وانتماؤها لبلدها دون الانتماء للحضارة الإسلاميّة الواسعة وثقافتها. اللغة والنمو الحضاري للشعوب: يعتمد النمو الحضاري للشعوب على قوة وسهولة اللغة المستعملة بين الناس، فمن ثَمَّ تقاس قوة اللغة وحيويتها بقدرتها على المشاركة في حركة النمو الحضاري للمجتمعات عن طريق عناصر عديدة نورد أهمها: أولاً: قدرة اللغة على إيجاد التوافق بين الأفعال والحركات والأصوات والفترة الزمنية التي تتم فيها هذه الأفعال، ومن ثَمَّ تكون قدرتها المتصاعدة والمتميزة للتعبير عن تلك الأفعال نطقاً وكتابة. ثانياً: قدرة اللغة على نحت الألفاظ والكلمات واشتقاق واستيعاب المتغيرات والمحدثات الجديدة. ثالثاً: وفرة المرادفات. اللغة مقياس الحضارة: ويتفق العلماء فيما بينهم، أن اللغة رباط معنوي ومادي تقاس به قدرة الحضارات، على مواجهة المتغيرات التي تطرأ عليها ما بين الحين والحين، كما يتفق العلماء أيضا على أن تضاؤل قدرة أية لغة على استيعاب متطلبات النمو الحضاري والتعبير عنها يؤدى إلى أفول تلك الحضارة. تلمس الحلول: بالنظر إلى الثوابت والمتغيرات، يُلاحظ أن الفاعل في أي تغيير حضاري هو الإنسان، وبالتالي فالأزمة أزمة إنسان لا أزمة لسان؛ فما الكلام إلا فعل من الأفعال التي تترجم عن الإنسان ويختبئ وراءها، وهي تحمل سيماه؛ سِيما يعرفها الناظر، ويلمسها البصير بالكلام. ومن هنا فإن من جملة أساليب تطوير اللغة، وتفعيل الثقافة: الاستعمال والتداول. وسبيل ذلك القراءة والكتابة، ومن هنا كان قول الله: ]اقْرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ[ [العلق: 1]، وقوله تعالى:{ن، وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ[ [القلم: 1]. إن انصراف القوم ـ اليوم ـ إلى التوافه والمبالغة فيها بقوةٍ صَرَفَهم عن المطالعة والقراءة؛ فاستخفت الهمم؛ فرضيت بالذي هو أدنى، ورغبت عن حفظ النصوص الأدبية الرفيعة، أياً كانت: قرآنية أم حديثية، شعرية أم نثرية، خُطَبَاً أم أمثالاً. إن قلباً لم يمتلئ بالنصوص القوية يهوي بلسان صاحبه إلى هاوية العَيِّ والعجمة والرطانة؛ لأن اللغة مَلَكة بالفطرة، ويصار إليها أيضاً بكثرة الممارسة والمزاولة. ومن أسباب العزوف عن المطالعة والقراءة بلغة القرآن: عدم قَدْرِهَا حقَّ قدرها، بتوهم أن الوسائل السمعية البصرية تغني كل الغَناء؛ ويجب التنبيه إلى بيان أن الأجهزة العصرية تجعل وسائل التعقل عند الإنسان جهازاً واحداً، اختزلت فأضلت وأجحفت. ومن حق السمع والبصر: التكامل والتداخل، لا الغلبة والطغيان. وكأني بهذه الأجهزة تلبي حاجة واحدة تشفي، لكن لا تجدي؛ لأنها تقصي سائر الملكات العقلية والقلبية؛ علماً أن من بني آدم من جعلت قوته في سمعه، ومنهم من رزقها في بصره، ومنهم من كانت وديعة في عقله وقلبه.
اللغة العربية بين الأصالة والتجدد
إن أمة تتصف بالعلم، وترفع شعار القراءة لهي أمة جديرة بحمل الحضارة ونشرها، وأُذَكِّر الأمة العربية بأن التحول الأكبر قد حصل فيها نتيجة الوحي القرآني المنـزل على رسول الله r بقول تعالى: )اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ([العلق: 1]، والقراءة هنا قراءة هادفة، واضحة المعالم، منضبطة المقاصد، قال تعالى: )اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ(1)خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ(2)اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ(3)الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ(4)عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ(5)([العلق: 1-5]، فالقراءة والعلم مقرونان بالتربية المستنيرة بمنهج خالق الكون. ومن المعلوم أن مظهر العلم وأداته هو اللغة، فهي من أهم أدوات التشكيل الثقافي، والبناء الحضاري للأمم، فاللغة وعاء الفكر، وأداة التعبير، وطريقة التفاهم، وأسلوب التواصل؛ بها تقوى الصلات، وتزداد الروابط، وهي مخزون الأمة الثقافي وتراثها، وقد قالوا: مَن تكلَّم بلسان قوم فكَّر بعقلهم. ولغة اليوم الحاضر جسر ممدود بين ماض مشرِّف، نعتز به ونفتخر، ومستقبل زاهر، نتطلع إليه ونتشوف، وبهذا الجسر تتحدد شخصية الأمة وتنضج هويتها، وكما قال همبلت (Humboldt) بأن (روح الشعب لغته) ([3]). فاختيار ألفاظ التعبير وأدوات التواصل الفكري يؤَثِّران في بناء المَلَكة العقلية والقدرة التفكيرية، وفي الحِكَم قالوا: لسان الحكيم من وراء عقله. ويقال: الأسلوب هو الشخصية، فأسلوب الكلام، وطريقة الأداء، واختيار الألفاظ، يدلاَّن على شخصية صاحبها. فالأمة القوية ـ بالمقاييس العلمية ـ : هي التي تكون لغتها رصينة، قوية في تراكيبها، متينة في أسلوبها، جميلة في ألفاظها، حسنة في جرس أصوات حروفها. والأمة المهزوزة المهزومة تخلط في لسانها بين أصلها وتراثها من جهة، وبين لسان غيرها فتصبح هجينة؛ لا تبقى على حالها وأصلها، ولا تستطيع اللحاق بالآخر. وفي الصميم: ما أروع الأمة التي تكفَّل الله حفظ لسانها ولغتها بتكفل حفظ القرآن الكريم. وما أسخف مَن تناسى أو تجاهل هذا الأمر، وراح ينطق بلغة غيره، أو يستخف بلسان قومه. ومن المسَلَّمات: أ – وجود علاقة التلازم بين التعبير والتفكير. ب – دور اللسان واللغة في بناء العقل. ج – أثر اللغة في إغناء العقل بمجموعة المفردات، فكلما كانت خفيفة مرنة كان تشكيل العقل انسيابياً بعيداً عن انحباس المعاني. د – غَناء اللغة يمنح العقل رحابةً وانطلاقاً في التفكير. وما دامت اللغة من أهم العوامل في تشكيل الأمة وتفاهمها وتواصلها، فهي ـ أي اللغة ـ من القلاع الأساسية، والحصون الواجب المحافظة عليها. وإذا تم الحديث بلغة الانتصارات والانهزامات فإن النصر يأتي للأمة القوية فكرياً، قبل أن يأتي للأمة القوية عسكرياً. والقوة الفكرية أساسها: اللغة، ومنطلقها: الاجتماع، ووسيلتها: الاقتصاد، وسياجها: السياسة. فإذا ما تم اكتمال عناصر القوة فكرياً تم تحقيق النصر العسكري، وما توالي هزائم الأمة العربية والإسلامية إلا بسبب انفراط عِقد هذه السلسلة المتلازمة في التشكيل العام، وخير دليل على صحة هذه المتلازمة: التاريخ المجيد للأمة التي حملت القرآن لساناً، وتكافلت اجتماعياً، وأخذت بالوسائل المتطورة اقتصادياً، وحمت نفسها بسياج الشورى سياسياً؛ فكُتِب لها النجاح في الأرض، وعم نورها الآفاق، وسطع نجمها في سماء الأمم. ومع تجارب الأمم والشعوب، وتلاقح الحضارات أدرك المفكرون هذه القضية فاستهدفوا أساس الانتصارات، فبدأوا بتعطيل وسيلة التفكير عند الآخر، ألا وهو اللغة؛ ليصلوا إلى إلغاء العقل، وطمس الشخصية، عن طريق العبث بالثقافة، وقطع أوصال الجيل بتراثه، وتجفيف منابع الانطلاق نحو المستقبل، واجتثاث الجذور؛ ليعيش الأفراد في مهب الريح. وقد عرف المستعمرون أهمية اللغة في تشكيل الوعي السياسي فكانت أهدافهم منصبة إلى اللغة العربية لأنها لغة ودين أيضًا، واستطاعوا أن يضعفوها عن بعض البلاد العربية. غربة العربية وسطوة الإنجليزية إن اللغة لم تعد وسيلة للتفاهم فقط، ولكنها صارت مظهرًا من مظاهر السيطرة والسيادة اقتصاديًا وإعلاميًا وفكريًا وعسكريًا، وهذه السطوة لا تخلو من دلالات أهمها:
أن محاولة نشر اللغة الأجنبية ربما يقصد منها محاولة طمس هويتنا، فاللغة والدين كلاهما يرتبط بالآخر. خطر الحداثة بمفهوم أعداء اللغة: إن كل سقطة لغوية ينطق بها مذيع، أو معلم، أو مقدم برامج، أو صحفي، أو محاضر، أو خطيب، أو ممثل: تترك آثارها الضارة وبصماتها البارزة في حياة الناس بالسلب أو الإيجاب. ومن وسائل المكائد وأدوات المصائد التي يستخدمها أعداء الأمة: تلك المحاولات المستمرة التي تستهدف اللغة العربية بما يسمى بـ (الحداثة)، ومحاولة هدم المعمار الغوي، وتجاوز بناء الجملة، وطمس دلالات المصطلحات، وكسر الأوزان الشعرية، والدعوة إلى إلغاء قواعد اللغة؛ بنحوها وصرفها، وزرع لغة جديدة وإنتاج خليط هجين من المفردات والتراكيب. العامية والتحديث: بدعوى الحداثة والتطوير، يريدون ليطفؤوا نور الله بأفواههم. يريدون وضع حواجز بين الأمة وكتابها. يريدون وضع حواجز بين الأمة وعقيدتها. يريدون وضع حواجز بين الأمة ومعرفتها. يريدون وضع حواجز بين الأمة وفكرها. يريدون تحقيق القطيعة الكاملة مع الذات. يريدون تحقيق العجز عن فهم الحضارة. يريدون تحقيق العجز عن إدراك الحياة الوسطية المعتدلة. لأن العامية ستبدأ بنقطة انفصال عن الأصل، ثم تتوسع دائرة الانفصال لينشأ عنها انفصالات أخرى، وعاميات متعددة تؤدي إلى مزيد من حواجز التمزيق داخل الأمة، وتحول دون تفاهمها وتماسكها. فانفصال اللبنانية مثلاً عن اللغة العربية،سيتبعه انفصال فيما بعد للبيروتية عن اللبنانية، وهكذا يجد الناس أنفسهم في نطاقات ضيقة، أو يقومون باستيراد لغة تجمعهم: الإنجليزية للتجارة، والفرنسية للمحادثة اليومية،ونحو ذلك. إشكالية لغة العلم: في نطاق الدعوة نحو التحديث والتطوير، قُدِّمت إشكالية كبيرة إلى اللغة العربية مفادها: أن اللغة العربية تفتقر إلى المصطلحات العلمية الحديثة المتطورة والمتلاحقة المتسارعة، كما أن غياب المراجع العلمية التي يحتاجها البحث والدارس أدى إلى مزيد من هذه الهوة. وبالتالي فإن اللغة العربية في طريقها لتكون لغة دين، وطقس عبادة، معزولة عن المجالات العلمية، حبيسة عن التطورات التقنية. والجواب: إن مسألة توحيد المصطلح العلمي بين الدارسين في أرجاء الوطن العربي أمر مهم، وليس رغبةً؛ مَن شاء فعلها، ومَن شاء تركها، فالمسألة ليست خاضعة لنـزعة سياسية متقلبة، أو اجتماعية مزاجية، بل ضرورة كبرى، واستراتيجية عليا. هذا، وإن الخطأ في هذا الجانب ليس في اللغة ذاتها، بل في الإنسان الذي يحملها دون أن يواكب الحياة، فليست المسؤولية واقعة على اللغة؛ فبمقدورها ـ من خلال مخزونها وكنوزها ـ استيعاب العلوم والفنون وإبداع المصطلحات، والمسؤولة عن التقصير تتوجه إلى الإنسان، أي أفراد الأمة المتخاذلين منهم، العاجزين عن الامتداد والنمو العلمي، الأمر الذي جعل الأمة بأسرها تعيش على فتات الآخرين، ومن المعلوم أن مَن أكل طعام غيره نطق بالشكر والثناء عليه، وتكلم بلسانه، وتفكَّر بعقله إن حاول التفكير، وربما ارتضى لنفسه الكسل والخنوع، والتقليد والمحاكاة؛ بعيداً عن كل إبداع وابتكار، فتابع العيش على خيرات الآخرين، دون أن يكلِّف نفسه عناء العمل وبذل الجهد. هذا، ولا يُنكر الجهد المحدود المشكور في مجال تعريب العلوم ومناهج التعليم المصطلحات العلمية، في بعض الجامعات العلمية العربية، وبخاصة في بلاد الشام، وإنه لحجة على أولئك المتكاسلين، ودليل على قدرة اللغة العربية، وشاهد حق في وجه المتخاذلين. التحول إلى اللغة اللاتينية: ولعل من أهم الإصابات الخطيرة والسهام الموجهة إلى صدر اللغة العربية، ويُخشى أن تصيبها في مقتل: ما قيل عن صعوبة كتابة اللغة العربية، وصعوبة رسم حروفها، وتعقيد رسمها وشكلها، وصعوبة قواعدها ونحوها وصرفها. وإن الوسائل والتقنيات الحديثة قد جاءت كلها بالحروف اللاتينية، وإن الدخول إلى عالم الحاسبات الآلية، وشبكة المعلومات العالمية يتطلب إبدال الحرف اللاتيني بالحرف العربي. وهذا هو أحد طرق التغريب للأمة العربية،ومَن ورائها من أمم المسلمين، إذ العجيب الغريب أن تلك الصعوبات لم تنطبق إلا اللغة العربية. أما اللغة الصينية ـ مثلاً ـ بكب تشعبات حروفها وتضاريس كلماتها، وكذا اللغة اليابانية بكل تعقيدات رسوم حروفها وكلماتها، وحتى اللغة العبرية التي كادت أن تنقرض لم تعانٍ من هذه الإصابة في المقتل؟!!!. ولعل السبب أن وراء هذا اللغات أمم تُدرك أهمية اللغة، ودورها في الحياة، وتأثيرها في تشكيل العقل، وتكوين الوجدان، وصياغة الهوية، ومن جهة أخرى إهمال للغة العربية من قِبَل بعض حامليها،أو المولودون فيها بأجسادهم، والمنشؤون في الغرب بأفكارهم، مِمَن تتلمذ لعدو الأمة، وحظي بالدعم الخارجي؛ لتحطيم الأمة من داخلها. غيورية الأمم الأخرى على لغاتها: يقول غوستاف لوبون: (إذا استعبدت أمة، ففي يدها مفتاح حبسها؛ ما احتفظت بلغتها) ([4]). هذا، وإن أمماً كثيرة مزقها الاستعمار فاعتصمت بوحدة اللغة، واتخذت من ذلك سلاحاً ضد التفرقة ورمزاً للتحرير([5]). فاللغة القومية تشد الإنسان الفرد إلى قومه، وتُربي فيه شخصية أمته، وتنمي فيه عزتها وتمنحه أصالة الانتماء إليها. وفي شتى بلدان العالم نجد الغيورون على اللغات الوطنية يسعون لتأكيد أصالتها من خلال التعامل مع المصطلحات الأجنبية وفق ما يقتضيه حال لغتهم، والبحث عما يقابله في اللغة الأصلية أولاً، فعلى سبيل المثال:
تهاون مقابل الغيرة: في مقابل تلك الغيرة من الآخرين على لغتهم، يُلاحَظ التهاون والتساهل من قِبَل بعض العرب بلغتهم، فعلى سبيل المثال([11]): كلمة (Pendulum) يستخدمها المصريون تحت تسمية: بندول الساعة. ويستخدمها العراقيون تحت تسمية: رقاص الساعة. ويستخدمها السوريون تحت تسمية: نواس الساعة. ويستخدمها الأردنيون تحت تسمية: خطار الساعة. فعلى الأقل ينبغي أن تختار الدول العربية ترجمة واحدة للمصطلح الحديث، أو تختار لهم مجامع اللغة العربية كلمة واحدة تعم الوطن الواسع بعد التنسيق والتعاون بين المجامع. هذا، ويمكن تعميم هذا الخطأ على الطوفان الجارف من مصطلحات التقنية الحديثة والاختراعات المتجددة. حتى في المصطلحات السياسية والإعلامية يلاحظ التقليد والمحاكاة للمصطلحات حسب مفاهيم الآخرين، وليس حسب مفاهيم المنطقة، فمثلاً كلمة (Terror) والتي تعني فيما تعنيه: القتل والتدمير، والخروج على القانون، وضعت بدل كلمة الرهبة والخشية. إن عدداً كبيراً من الألفاظ والتراكيب لا يُعرف واضعها ولا صانعها أصبحت من صميم لغة التعامل اليومية في الأمة العربية. وإن من حق اللغة العربية على أبنائها أن يعيشوها في حياتهم نطقاً، ويحيونها في يومياتهم سلوكاً، وأن تكون في موقع الصدارة في الخطاب بين أبنائها فكراً، ومن حق الأمة أن تسمي الأشياء الوافدة عليها ـ من مخترعات ومصطلحات ـ بلغتها هي وبمسميات متناسبة مع البيئة المحلية. خطر التخلي عن اللغة الأصيلة: إن قضية التمييز بين اللغة الفصحى واللهجة العامية ليست أقل خطورة في صراع الأصالة والتجديد من خلال دعوى التخلي عن اللغة أصلاً؛ فباسم الحداثة والتطور، وباسم التقدم والتجدد: ظهرت دعوات لاعتبار اللهجة العامية هي الأصل؛ كونها هي المنطوقة، والمستعملة يومياً، وكونها أكثر سلاسة وانسياباً، وأيسرَ في التفاهم والتعارف، ودعوة إلى ترك اللغة الفصحى لتبقى محنطةً في المعاجم والكتب التراثية؛ كونها فاقدة القدرة على الإرسال والتفاعل مع الحياة؛ نظراً لصعوبة تعلمها والإحاطة بها. ويمكن وصف أصحاب هذه الدعوة ضيقو النظر، ضعيفو المدْرَك، حيث إنهم: يريدون العيش في إطار محدود في المكان والزمان، وضمن إطار ضيق؛ مِمَن يعرفون لهجة واحدة، وهؤلاء الذين يعرفون لغة واحدة متفقاً عليها لا يتجاوزن في العدد حدود نصف أصغر دولة، وكأنهم نسوا أو تناسوا أن العالم اليوم يعيش في زمن الانفتاح والتوسع، وفي مرحلة التضامن والتكتل؛ بشرياً واقتصادياً؛ لمواجهة مخاطر الحياة القاسية. ومن جهة أخرى أقول بأن هؤلاء ـ دعاة التمزق والتشرذم ـ قد أخطأوا القياس في جعل اللغات كلها بمستوى واحد؛ حيث يرددون القول بأن اللغة كائن حي؛ يولد، وينمو، ويشب، ويكبر، ثم يشيخ، ويهرم، ثم يأتيه الأجل فيموت. ومن المعلوم أن هناك تلازم بين اللهجات المحلية،وبين الجهل والأمية، والتأثر متبادل بين الجهتين، فكيف يستسيغون أن يبقولا في الجهالة والأمية. وإذا كانت هذه النظرية صحيحة في اللغات عامة؛ فإن الاستثناء من القاعدة: هو اللغة العربية؛ لا بفضل الإنسان الناطق بها وحمله لها فحسب، بل بفضل دين الله: الإسلام وحفظه لها، من خلال الوعد الذي أخذه على نفسه خالق الكون والحياة، ومنشئ الإنسان، ومعلِّم اللغات، جلَّ جلاله. إذ إن القانون الإلهي قضى أن تبقى اللغة العربية دائمة بدوام الدين الخاتَم المنـزَّل على آخر الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد r. آيات القرآن الواعدة بحفظ اللغة بحفظ الدين: )إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ([الحجر: 9]. )الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ(1)إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ([يوسف: 1 - 2]. )وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنْ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا([طه: 113]. )وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ(192)نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ(193)عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ(194)بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ([الشعراء: 192 - 195]. )تَنزِيلٌ مِنْ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ(2)كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ([فصلت: 3]. )وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا([الشورى: 7]. )حم(1)وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ(2)إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ([الزخرف: 3]. )وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ([الأحقاف: 12]. فالقرآن الكريم منح اللغة العربية قوة على قوتها، ومَتَّن بنيانها، وقوَّى أركانها، ودعم أساسها، فهي اليوم أغنى لغة في العالم؛ من حيث المفردات، ودقة التعبير، والأجدر والأقدر على مواجهة كيد الأعداء؛ مهما حاولوا جهدهم،وبذلوا طاقتهم، ولو أن تلك الطاقات وُجِّهت للغة أخرى غير اللغة العربية، أو لمجموع لغات؛ لفنيت وزالت، ومي أثرها منذ زمن بعيد. هذا، وإن حفظ اللغة من قِبَل الله عزَّ وجلَّ قائم على شتى الصعد: من التغيير والتحويل، ومن الشيخوخة والهرم، ومن الفناء والزوال. خواص اللغة العربية:
سمات اللغة العربية([12]):
وفي الختام: أنقل كلمات عن الأستاذ الدكتور الشهيد الشيخ صبحي الصالح: [لغة العرب مرنة مطواع، لها من خصائصها في الاشتقاق،ومزاياها في التوليد، وأسرارها في الصياغة،وطرائقها في التعبير، ما يفي بترجمة روائع الفكر، ومبتكرات العلم، وبدائع الفن، وما يلبي مطالب الحياة والأحياء في الأنفس والآفاق]([13]). من التوصيات:
التحديات الاقتصادية
يشمل الحديث في الفصل: العولمة وتأثيرها على العمل المصرفي الإسلامي. التكامل الاقتصادي: خيار استراتيجي للعالم الإسلامي.
العولمة وتأثيرها على العمل المصرفي الإسلامي
إن توجُّه العالم يسير اليوم نحو العولمة؛ حيث لا حدود ولا قيود، ومع أن هذه العولمة متعددة المظاهر إلا أن العولمة الاقتصادية هي الأبرز، والمسلمون يواجهون هذه الظاهرة من الناحية الاقتصادية مع مواكبة واقع قائم، وهو وجود تكتلات اقتصادية كبرى؛ متمثلة في أوروبة الموحدة، والولايات المتحدة الأمريكية بقوة شركاتها العملاقة، ونفوذها العالمي المسيطر. وفي المقابل يُلاحظ أن الاقتصاد في الدول العربية والإسلامية عموماً، والعمل المصرفي والمالي الإسلامي بوجه خاص تسوده حالة من المباعدة بين أطرافه؛ على الصعيد التطبيقي والاستثماري، وتطغى على علاقات أطرافه روح التنافس والتناحر لإثبات الوجود أمام المثيل، بدل أن يكون لإثبات الوجود أمام النقيض، رغم أن تلك المؤسسات المالية والمصرفية الإسلامية تنهل من معين واحد في النظرية والفكر؛ القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة. ومما لا شك أن ما يشهده العالم في الآونة الأخيرة من ظواهر جديدة متلاحقة في عالم المؤسسات المالية من اندماجات وتحالفات، فضلا عن عولمة العمليات المالية نتيجة التطور الهائل في تكنولوجيا الاتصالات والنقود والتجارة الإلكترونية وظهور كيانات ضخمة قادرة على التوسع في خدماتها من خلال شبكات الاتصال من دون الحاجة لإنشاء شبكة لفروعها، كل ذلك يفرض على الأمة الإسلامية؛ على كافة الأصعدة تحديات خطيرة، ويقع على عاتق المصارف الإسلامية، تحديات كبيرة تتطلب إعمال التطوير اللازم لملاحقة تلك المستجدات من دون الخروج على طبيعة عملها والأسس التي قامت عليها. ومن جهة المؤسسات المالية والمصرفية، فإن المرحلة المقبلة تتحدث عن عهد انفتاح ولقاء مكشوف مع المؤسسات المصرفية العملاقة في تصوير الأرقام والبيانات الحسابية. وبالوجه الناصع برزت المصارف الإسلامية في الدول العربية والإسلامية وخارجها في الآونة الأخيرة، واستطاعت تصميم مجموعات متنوعة ومتزايدة من الخدمات والمنتجات المالية والمصرفية، وأخذت شكل صيغ التمويل والعمليات المصرفية الإسلامية وبالتالي فرضت وجودها الإقليمي والدولي على الساحة المالية والمصرفية. ولكي تستطيع تلك المؤسسات مواجهة التطورات الكبيرة في الصناعة المصرفية فإنها مدعوة اليوم أكثر من أي وقت مضى، إلى تصميم تشكيلات متنوعة ومتطورة من الخدمات والمنتجات وتقديمها بسرعة وبكفاية، وبتكلفة أقل لكي تنافس بها المصارف التجارية التقليدية المحلية، والمصارف الأجنبية التي بدأت تزحف نحو المنطقة، وبالتالي تثبت هذه المؤسسات المالية والمصرفية قدرتها على البقاء والتكيف المتواصل مع مستجدات العمل المصرفي. وأصبحت المصارف الإسلامية وبعمرها القصير مثار جدل لدى الاقتصاديين لاقتطاعها جزءاً من سوق الخدمات المصرفية ونجاحها في إدخال قنوات اقتصاديات جديدة وتمكنها من ترسيخ أقدامها على مستوى العالم، وبالتالي فقد أضحت مستهدفة، بل ومتهمة أيضا في تعاملاتها ووصل الأمر إلى اتهامها بتمويل الإرهاب والأنشطة المعادية حتى للدول الإسلامية. وتحاول الدول الكبرى جاهدة للنيل من الإسلام وأهله، ونظمه الفكرية والاقتصادية والاجتماعية، والسعي إلى تهميش دور الاقتصاديات العربية والإسلامية لتكون اقتصاديات تابعة خادمة لا تتمتع باستقلالية، وتتخذ تلك الدول القطاع المصرفي والمالي أداة للتشويش والتهميش؛ كون هذا القطاع الحيوي هو عصب هذه الاقتصاديات. وقد استخدمت الدول الرأسمالية وستستخدم الأساليب المشروعة وغير المشروعة سواء بالترغيب أو الترهيب بهدف إعاقة كل برامج التنمية في الدول العربية والإسلامية، وكذلك للسيطرة على أسواق الاستثمار التي تمتلكها المصارف التقليدية عموماً، والمصارف الإسلامية بوجه خاص. أهمية المصارف الإسلامية: على الرغم من التحديات الجمة التي تعترض المعاملات المالية الإسلامية في الوقت الراهن، فمما لا شك فيه أن المؤسسات المالية والمصرفية الإسلامية أرست لنفسها قاعدة راسخة في المعاملات المالية الدوليـة، وهي تمر الآن بمرحلة من النمو الملحوظ وما زالت أمامها تطلعات عديدة وآفاق واسعة. فقد أصبحت المصارف الإسلامية أمراً واقعاً في الحياة المصرفية والدولية بعد أن شقت طريقها في بيئات مصرفية بعيدة في أسسها وقواعدها وآليات العمل فيها عن الروح والقواعد الإسلامية. وتعتبر المصارف الإسلامية تجربة جديدة أثبتت إلى حد كبير نجاحها في نظام رأسمالي سائد قامت فيه البنوك التقليدية على أساس واحد وهو أسعار الفائدة، بينما اتخذت هذه البنوك الإسلام أساساً لممارسة أعمالها المصرفية، واتخذت صيغ الاستثمار الإسلامي دليل عمل لها، وتقيدت بالأصول والأحكام الشرعية في مواجهة ما استجد من معاملات مصرفية. وقد بلغ عدد المصارف الإسلامية مع نهاية عام 2000 نحو 187 مصرفاً، بعد عمليات دمج جرت بين عدد منها، مقارنة مع نحو 200 مصرفاً ومؤسسة عام 1998 و25 مؤسسة عام 1985م، تديراً أصولاً مالية يزيد حجمها عن 400 مليار دولار في مقابل 215 ملياراً عام 1999م، و150 ملياراً عام 1989، فيما يتراوح حجم تعاملاتها ما بين 120 إلى 170 ملياراً. وتتوزع خريطة المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية في دول العالم على أربع مناطق: أولها منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي: حيث تشمل 43 مؤسسة مالية إسلامية تشكل 70% من الحجم المالي لكافة المصارف الإسلامية وتصل قيمة ودائعها إلى نحو 70 مليار دولار وقيمة أصولها إلى 85 مليار دولار، وإجمالي رؤوس أموالها 3.5 مليارات دولار، وأرباحها السنوية تصل لأكثر من مليار دولار. ثم المنطقة الأسيوية: تضم 80 مؤسسة مالية إسلامية قيمة أصولها تصل إلى 8.3 مليارات دولار وودائعها 5.1 مليار دولار وأرباحها حوالي 531 مليار دولار. ثم إفريقيا التي تقع بها 35 مؤسسة مالية إسلامية، وقيمة أصولها 9.1 مليار دولار وتحقق أرباح تصل إلى 39مليون دولار. وأخيرا أوروبا وأمريكا التي تضم 8 مؤسسات مالية إسلامية، بقيمة أصول 952 مليون دولار، وباحتياطي 93 مليون دولار وتصل أرباحها نحو 53 مليون دولار. ويوجد حالياً أكثر من 170 مؤسسة مالية إسلامية تعمل في 62 بلدا في العالم، وتصل أصولها إلى 7500 بليون دولار([14]). وتتوزع استثماراتها على النحو الآتي: الشرق الأوسط -65%-، دول الخليج -81%- جنوب آسيا -41%- أوروبا وأمريكا -7%- إفريقيا -3%- جنوب شرق آسيا -2%-. المشكلات القائمة: منذ هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر الماضي تسود أوساط المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية حالة من القلق وعدم الاستقرار، خوفاً من انعكاسات الأحداث الجارية، والتي بدأت نُذُرُها السيئة بتجميد بعض رؤوس أموالها أو أموال المودعين فيها والموجودة في المصارف الغربية. وتزايد هذا القلق بعد إدراج أسماء عدد من المصارف والمؤسسات والجمعيات والأشخاص ذات الصبغة الإسلامية في القوائم التي تصدرها الولايات المتحدة بأنها تُمَوِّل الإرهاب، الأمر الذي يعني مصادرة هذه الأموال أو تجميدها في أحسن الحالات دون أي سند قانوني أو حتى تقديم مبررات مقبولة، وهو ما دفع بالعديد من أصحاب رؤوس الأموال العربية والإسلامية إلى سحب ودائعهم المالية من المصارف والمصارف الغربية. وقد شنت بعض الدوائر المالية الغربية حملة إعلامية منظمة ضد المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية على الرغم من نفي أصحابها لهذه التهم، والتأكيد على أن جميع معاملاتها قانونية ولا غبار عليها، كما أن جميع عملياتها المالية تتم بإشراف مباشر من المصارف المركزية في الدول التي تعمل بها. مضامين العولمة وأدواتها الأساسية، والعوامل التي ساعدت على انتشارها: كما ذكرت فإن للعولمة مظاهر سياسية واقتصادية واجتماعية وفكرية وثقافية، غير أن الطابع العام للعولمة هو المظهر الاقتصادي، ويُلاحَظ هذا من خلال عولمة النشاط المالي واندماج وارتباط أسواق النقد والمال ببعضها، ووجود كيانات مصرفية عملاقة، ومؤسسات استثمارية عابرة للقارات، وشركات متعددة الجنسيات، وعلى رغم التطورات والتغيرات المتسارعة التي حدثت في النصف الأخير من القرن العشرين والتي كان لها الأثر الكبير على مجريات اقتصاديات العالم فإن معظم الكُتَّاب لا يغفلون الحديث عن أن هناك خمسة عناصر أساسية يعتقدون أنها أدت إلى بروز تيار العولمة وهي:
ويمكن إجمال الحديث عن هذه العناصر على النحو التالي: 1 ـ تحرير التجارة الدولية: ويقصدون به تكامل الاقتصاديات المتقدمة والنامية في سوق عالمية واحدة مفتوحة لكافة القوى الاقتصادية في العالم وخاضعة لمبدأ التنافس الحر، فبعد الحرب العالمية الثانية رأت الدول المنتصرة ضرورة قيام نظام اقتصادي عالمي يخدم بالأساس مصالحها، ومصالح البلدان الصناعية بصفة عامة، وقد مهد مؤتمر (بريتون وودز) عام 1944م الطريق لتأسيس النظام الاقتصادي العالمي الحديث حيث تم بموجبه إنشاء صندوق النقد الدولي، World Trade Organization (WTO) وقد باشر نشاطه بالفعل عام 1947م، والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، والاتفاقية العامة للتعرفة والتجارة General Agreement of Trade and Tariff (GATT الجات). ومع الانتقال من (الجات) إلى منظمة التجارة العالمية في عام 1995م، والتي تسعى إلى إلغاء كل الحدود التجارية في العالم انتقل الاقتصاد العالمي إلى مرحلة اشتراكية السوق عبر المشاركات الضخمة، أو دكتاتورية السوق عبر الاحتكارات العالمية، وأن الفوائد المرتقبة للعولمة ستكون موزعة توزيعاً غير عادل وغير متكامل في داخل الدول النامية، وفيما بينها وبين المتقدمة، بل وبين المتقدمة نفسها. 2 ـ حرية حركة رؤوس الأموال وانتقالها بين الدول، وتدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى الدول النامية: حدثت تطورات مهمة خلال السنوات الأخيرة تمثلت في ظهور أدوات ومنتجات مالية مستحدثة ومتعددة، إضافة إلى أنظمة الحاسب الآلي ووسائل الاتصال والتي كفلت سرعة انتشار هذه المنتجات، وتحولت أنشطة البنوك التقليدية إلى بنوك شاملة تعتمد إلى حد كبير على إيراداتها من العمولات المكتسبة من الصفقات الاستثمارية من خارج موازنتها العمومية، ويرجع ذلك إلى سببين رئيسيين هما: أ/ تحرير أسواق النقد العالمية من القيود، بإعلان الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون في 1/8/1971م، فك الارتباط بين الدولار والذهب. ب/ الثورة العالمية في الاتصالات الناجمة عن الأشكال التكنولوجية الجديدة. 3 ـ التقدم العلمي والتكنولوجي: وهو ميزة بارزة للعصر الراهن، وبخاصة في مجال النقل والاتصال، وإلغاء حواجز الوقت والمسافة بين الدول، من خلال الهاتف المحمول، والبريد المصور، والبريد الآلي، وتبادل المعلومات عبر الشبكة العالمية، وهذا التقدم العلمي جعل العالم أكثر اندماجاً، كما سهَّل حركة الأموال والسلع والخدمات، ( وإلى حد ما حركة الأفراد )، والجدير بالذكر أن صناعة تقنية المعلومات تتركز في عدد محدود من الدول المتقدمة أو الصناعية دون غيرها، وما عداها من الدول أضحت مستهلكة لِمَا يُنتَج في الدول الصناعية الكبرى، أو مَن سار معها. 4 ـ الشركات متعددة الجنسيات: إذا صح وصف هذا العصر بأنه عصر العولمة، فمن الأصح وصفه بأنه عصر الشركات متعددة الجنسيات باعتبارها العامل الأهم لهذه العولمة. وهي منشآت كبيرة تعمل في سوقِ منافسةِ احتكارِ القلة، وتتميز بزيادة إنتاجها؛ نظراً لخبرتها الإنتاجية، ومعرفتها بالفنون التسويقية، ويرجع تأثير هذه الشركات كقوة كبرى مؤثرة وراء التحولات في النشاط الاقتصادي العالمي إلى الأسباب التالية: أ/ تحكم هذه الشركات في النشاط اقتصادي في أكثر من بلد، وإشاعتها ثقافة استهلاكية موحدة. ب/قدرتها على استغلال الفوارق بين الدول في الموارد الطبيعية التي وهبها الله عزَّ وجلَّ. ج/ مرونتها الجغرافية، وسهولة حركتها وتنقل أفرادها، مع إمكانية اتخاذ القرارات الحاسمة والسريعة. وتشير الإحصاءات والتقديرات أن قيمة المبيعات السنوية لعدد كبير من هذه الشركات تتجاوز قيمة الناتج المحلي الإجمالي لعدد من الدول متوسطة الحجم، والدول العربية والإسلامية نموذج لذلك. وحسب تقرير ( UNCTAD) مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية؛ فإنه توجد (500) شركة عملاقة تسيطر على أكثر من نصف قيمة السلع المادية التي تنتجها جميع شعوب العالم، وأن بينها (100) شركة فقط تسيطر على حوالي ثلث ناتج السلع المادية في العالم كله، ويزيد حجم رأس المال الكلي لهذه الشركات على خمسة آلاف مليار دولار([15]). وتقوم هذه الشركات بتحالفات استراتيجية ضمن تخصصاتها الاقتصادية والإنتاجية، من هذه التحالفات: تحالف (توشيبا، وموتورلا)، في مجال صناعة وتسويق وسائل الاتصال الإلكترونية. تحالف (شويتر، وفيلبس). تحالف (تومسون الفرنسية، و جي في سي اليابانية) في صناعة شرائط الفيديو. تحالف (فورد، ومازدا)، في مجال صناعة السيارات. ومما لا شك فيه أن هذه التحالفات تؤدي إلى تقليل تكلفةِ التنافس فيما بينها من جهة، وتعزيزِ القدرة التنافسية للمتحالفين أمام الغير، وهذا بيت القصيد الذي ننشده للمصارف الإسلامية. 5 ـ التكتلات الاقتصادية، وتتمثل في الاتحاد الأوروبي (EU) 1993م، وتكتل جنوب شرق آسيا (ASEAN) 1967م، ومنتدى التعاون الآسيوي الباسيفيكي (APEC) 1989م، والسوق الأمريكية الشمالية (MAFTA) 1994م، والسوق المشتركة للكتلة الجنوبية (MIRCOSOR) 1995م. الانعكاسات السلبية للعولمة على القطاع المصرفي: إن تحرير التعامل في الخدمات المصرفية أدى إلى خلق نوع من المنافسة غير المتكافئة بين المصارف العالمية والمصارف المحلية، ومنها المصارف الإسلامية، والتي لا تزال غير مهيأة لمواجهة هذه المنافسة؛ نظراً لمحدودية أحجامها، وضعف إمكاناتها الاقتصادية، وتواضع خدماتها بالمقارنة بالمصارف الأجنبية، ولم تجد المصارف الأجنبية العالمية صعوبة في خطف العمليات التمويلية الضخمة من أفواه المصارف المحلية؛ التقليدية والإسلامية، وذلك بسبب فارق الإمكانات وتوافر التقنيات الحديثة المتقدمة. إن وجود المصارف الأجنبية داخل الدول التي يوجد فيها مصارف إسلامية، يُمَكِّن المصارف الأجنبية من تحريك الأموال وفقاً لمصلحتها نتيجة سرعة اتخاذ القرار، دون مراعاة لضوابط تلتزم بها المصارف الإسلامية، فيما تحتاج المؤسسات المالية والمصرفية في الغالب لوقت كافٍ حتى يتم تدارس الأمر مع هيئة الرقابة الشرعية؛ كون أصحاب القرار في تلك المؤسسات لا يمكنهم البت في المستجدات حتى يشاوروا هيئة الرقابة الشرعية، مما يتطلب التفرغ الكامل للهيئة لتكون على صلة دائمة. إن تحرير التجارة في الخدمات المصرفية يقلل بدرجة حادة أو يلغي دعم الصناعات الوليدة من المؤسسات المالية الإسلامية، مما يضعف دور المؤسسات المالية والمصرفية الإسلامية في الاستثمار والتنمية. الانعكاسات الإيجابية للعولمة على القطاع المصرفي: إن تحرير التعامل في الخدمات المصرفية سوف يعمل على رفع كفاية وفاعلية المؤسسات المصرفية والمالية الإسلامية؛ لإثبات وجودها. تطوير الأساليب والممارسات المصرفية باستخدام أحدث التقنيات المتاحة في العالم. التعرف على أفضل الأساليب الإدارية والمحاسبية، والاستفادة من تراكم الخبرة لدى المصارف الأجنبية. يمكن للمصارف الإسلامية الاستفادة من المعاملة بالمثل، وطلب الحصول على تيسيرات وتسهيلات مماثلة في دول المصارف الأجنبية، سواء بإنشاء مصارف كاملة أو فروع لها، مما يوصل فكرة المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية إلى الدول المتقدمة، ويأتي دور الوعي الإسلامي في نشر الفكر السليم، بما يعزز دور الإسلام وحضارته في قيادة العالم. إن الحملة الغربية المنظمة على المصارف الإسلامية ورغم انعكاساتها السلبية لها انعكاسات إيجابية على صعيد تنمية المصارف الإسلامية وتغذيتها برؤوس أموال عائدة؛ كأن يجري استثمارها في المصارف وأسواق المال الغربية خاصة، وتزداد هذه الإيجابية إذا ما أحسنت المصارف الإسلامية استحداث أدوات استثمارية أكثر فاعلية، وأغرت القطاع الخاص العربي والإسلامي في توظيف أمواله لديها بتقديم خدمات مصرفية متطورة تنافس الخدمات التي تقدمها المصارف الربوية، (فعلى سبيل المثال تبلغ قيمة الثروات الخليجية الخاصة المستثمرة في الخارج حوالي 1200 مليار دولار). تحديات العمل المصرفي الإسلامي: في القراءة التاريخية للمصارف الإسلامية يمكن القول المجمل: إن عقد الستينات من القرن العشرين كان عهد الحديث النظري عن تأسيس المصارف الإسلامية، ودخل عقد السبعينات ليشهد مرحلة التأسيس للمصارف الإسلامية على المستوى الشعبي والرسمي والتي لا زالت مستمرة، وكان عقد الثمانينات عهد الترسيخ وإثبات المكانة والجدارة، وشهد عقد التسعينات الانطلاقة الدولية للبنوك الإسلامية، ومع بداية القرن الحادي والعشرين بدأ عِقْد التحديات الضخمة التي تواجه المصارف الإسلامية مع تزايد الاتجاه نحو عولمة المال والاقتصاد. وتواجه المصارف الإسلامية عبر العالم في الأشهر الأخيرة وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001م، تحديات هي الأخطر منذ بداية تأسيسها قبل أكثر من ثلاثين عاماً. ولعل أحداث أيلول كانت الشعرة التي تريد أن تقصم ظهر البعير، إذ أضحت الفرصة مواتية أمام النظام الربوي لتشويه صورة المصارف الإسلامية، فالمصارف وكافة المؤسسات الاقتصادية الإسلامية تعد منافساً عملياً للنظام الربوي الدولي، من خلال النجاحات المتواصلة لهذه المصارف ونسب الأرباح المرتفعة التي تحققها سنوياً. كيف تعاملت الدول الغربية مع المصارف الإسلامية قبل الأحداث الأخيرة: في ظل النجاح المتصاعد الذي حققته المصارف الإسلامية بدأت الدول الغربية تتعامل مع المصارف الإسلامية وفق محورين. الأول: دراسة النظام المصرفي الإسلامي وتجربة المصارف الإسلامية دراسة معمقة من خلال جعله مقرراً من المقررات الأكاديمية في الجامعات والمعاهد الغربية، وقد كانت جامعة "لوجبوروج للتكنولوجيا" أول مؤسسة أكاديمية في أوروبا تدخل الاقتصاديات والنظام المالي الإسلامي في برنامجها الدراسي. الثاني فتمثل بالقيام بتطبيقات عملية لأدوات الاستثمار الإسلامي من خلال إجراء تجارب على أرض الواقع، حيث بادرت العديد من المصارف الغربية إلى فتح نوافذ استثمار إسلامية للاستفادة من هذا القطاع الحيوي، وكان أول من قام بهذه الخطوة سيتي بنك الأمريكي، الذي أقام مصرفاً إسلامياً في البحرين برأسمال عامل يبلغ 20 مليون دولار([16]). ومنذ ذلك التاريخ أقدمت العديد من المصارف والمؤسسات المالية الغربية على تقديم صناديق تبادلية إسلامية وبرامج استثمارية أخرى في محالة منها لجذب السيولة المالية من هذه السوق المتنامية، ومن هذه المصارف بنك "جولدمان ساتشس" وبنك "كلاينوورت بنسون" وبنك "أنز جريندلايز" حيث قدمت برامج مالية تتوافق مع الشريعة الإسلامية، وفي كانون أول (ديسمبر) عام 1999م، بدأ رابع أكبر بنك في ألمانيا "كوميرزبنك" في تقديم صناديق تبادلية إسلامية. أما التطور الأبرز على صعيد التعامل الغربي مع المصارف والشركات الإسلامية فحدث في شباط /فبراير عام 1999 حينما طرحت مؤسسة "داو جونز أند كومباني" ومقرها نيويورك مؤشراً جديداً للأسهم الدولية خاصاً بالمستثمرين المسلمين الراغبين في الاستثمار في الأسهم وفق مبادئ الشريعة الإسلامية. وأطلقت المؤسسة على هذا المؤشر اسم (داو جونز إسلاميك ماركت اندكس) (دي جيم)، وتشارك في هذا المؤشر الشركات الناشطة في مجالات تتناسب مع أهداف الاستثمار الإسلامي، ويضم المؤشر 600 سهم خاصة بشركات تنشط في 30 دولة حول العالم كانت قيمتها الإجمالية في نهاية عام 1998 نحو 7.5 تريليون دولار، وجاءت بادرة مؤسسة (داو جونز) استجابة لازدياد المستثمرين المسلمين الذين بلغت قيمة استثماراتهم في الأسهم في ذلك التاريخ نحو 8 مليارات دولار. اهتزاز النظام المصرفي العالمي وظاهرة سحب الأموال من المصارف الغربية كان من أولى نتائج زلزال أيلول (سبتمبر) الماضي وتدمير مركز التجارة العالمية الذي يضم في برجيه أكثر من 420 شركة عالمية اهتزاز النظام المالي العالمي بصورة لم يسبق لها مثيل. وتتابعت عمليات الاهتزاز بإقدام الولايات المتحدة على اختراق وكسر القواعد التي كانت سائدة في النظام المالي الغربي من خلال عمليات مصادرة الأموال وتجميد الحسابات المصرفية استناداً إلى قوائم الإرهاب الأميركية المتتالية، مما أدى على الصعيد العالمي إلى انهيار الثقة بالنظام المالي الغربي باعتباره مصدراً آمناً وسرياً لحفظ الأموال وتنميتها، وهو ما سيؤدي في المستقبل إلى حركة عكسية للأموال والاستثمارات الأجنبية من الولايات المتحدة ومنها رؤوس الأموال العربية والإسلامية باتجاه دولها أو إلى أماكن أكثر استقراراً وأمناً. وبدأت هذه الحركة بالفعل وفي أكثر من اتجاه، فعلى صعيد رؤوس الأموال العربية والإسلامية أكد "معظم علي" رئيس معهد الدراسات المصرفية والتأمينية الإسلامية في لندن أن قيام السلطات الغربية بتجميد بعض الأرصدة المالية في سعيها لتعقب أموال غير مشروعة في أعقاب هجمات 11 أيلول (سبتمبر) دفع مستثمرين مسلمين لسحب أموالهم من الأسواق الغربية. التحديات الداخلية: لا تعاني المصارف الإسلامية من تحديات العولمة الخارجية، بل حتى من تداعيات العولمة وتأثيراتها غير المباشرة على الساحة الداخلية، ويلاحظ أن نوعية التحديات التي تواجه البنوك الإسلامية تبدو أكثر صعوبة من التحديات التي تواجهها مؤسسات مصرفية أخرى؛ نظراً لطبيعة البيئة المصرفية التي تعمل فيها. من هذه التحديات: التحديات التي تواجه المصارف الإسلامية من النواحي التشريعية: وذلك من حيث تناقض الفتاوى لدى هيئات الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية مع تعددها، وبين تلك الهيئات الشرعية وعلماء المسلمين من خارج هيئات الرقابة الشرعية، ما بين فتاوى نظرية وفتاوى تلامس الحاجة المصرفية والحياة الاقتصادية، وما بين متمسك بالأصل الشرعي، وبين محاول تبرير الواقع، ومن الملاحظ أن بعض المصارف الإسلامية ـ وللأسف ـ تعيش على تطويع المسائل الفقهية بما يتناسب مع أعمالها، مما يصل في بعض الأحيان إلى درجة التساهل والتفريط؛ بدافع الحرص على المسيرة المصرفية الإسلامية. التحديات التي تواجه المصارف الإسلامية من النواحي القانونية: عدم اعتراف المصارف المركزية بالمصارف الإسلامية في أغلب الدول التي تعمل في نطاقها، ذلك أن معظم قوانين التجارة والمصارف والشركات قد وُضِعَت في البلدان العربية والإسلامية وفق النمط المصرفي التقليدي وتحتوى أحكاما لا تناسب أنشطة العمل الإسلامي. التحديات التي تواجه المصارف الإسلامية من النواحي الاقتصادية: منع المؤسسات المالية والمصرفية من ممارسة أعمال التجارة، وتملك المعدات والعقارات واستئجارها وتأجيرها مع أن تلك الأعمال من صميم أنشطتها، وندرة الاستثمارات طويلة الأجل والصغر النسبي للبنوك الإسلامية، كما أن فرض الضرائب المرتفعة على أرباحها وعوائدها يؤثر سلبا على نشاطها في الوقت الذي تعفى فيه رساميل وفوائد البنوك التقليدية. التحديات التي تواجه المصارف الإسلامية من النواحي التشغيلية: إلزام المصارف الإسلامية بضرورة الاحتفاظ بنسبة من ودائعها لدى المصارف المركزية التي تقوم بدورها بإقراضها بفائدة وهو ما لا يتفق مع منهجها، وعلى سبيل المثال في سورية يطلب المصرف المركزي نسبة 10% من أموال المصارف الخاصة لتكون لدى المصرف المركزي. ومن التحديات في هذا المجال: زيادة وتنوع أدوات الاستثمار لدى المصارف الإسلامية وتوسع آفاقها، مما يتطلب موارد بشرية ذات كفاءة عالية تستطيع تطوير وابتكار أدوات استثمارية جديدة ومتنوعة بما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية. التحديات التي تواجه المصارف الإسلامية من النواحي الإدارية: افتقارها إلى التنظيمات الخاصة التي تحدد إجراءات التأسيس، وقواعد المراقبة والتفتيش، وسقوف الائتمان، ومشاكل نسب الاحتياطيات والسيولة، والتنسيق فيما بين الإدارات وفيما بين المصارف الإسلامية الأخرى. التحديات الخارجية: إن من التحديات الخارجية التي تواجه المصارف الإسلامية، هو: اتساع نشاط القطاع المالي الغربي عموماً، والأوروبي بوجه خاص، واتجاه المؤسسات المالية العالمية نحو الاندماج والتعملق. مستقبل العمل المصرفي الإسلامي: على الرغم من التطور الذي شهدته المصارف الإسلامية من حيث زيادة أصولها، ورؤوس أموالها، إلا أن هذه المصارف لا زالت تعاني من صغر أحجامها مقارنة مع المصارف الأخرى في الأسواق المحلية والدولية. وبقراءة إلى جدول ترتيب وحجم المصارف العربية والعالمية يلاحظ وجود مصرفين إسلاميين: مؤسسة الراجحي المصرفية للاستثمار، وترتيبها عالمياً: (220). بيت التمويل الكويتي وترتيبه السابع بعد الأربعمئة (407)، مع ملاحظة أن أكبر مصرف عربي من حيث رأسماله هو البنك السعودي الأمريكي لم يتجاوز ترتيبه (166) عالمياً. ويقولون: لا تستطيع التعامل مع الأقوياء إلا إذا كنت قوياً، والعالم اليوم يعيش سلطة القوة، ولا يعيش سلطة الحق، فالقوي هو الذي يفرض شروطه، ويحدد أهدافه، وما على الآخرين إلا أن يستجيبوا له، والعالم الإسلامي قوي بمجموعه، ضعيف بتجمعاته الصغيرة، والمصارف الإسلامية أحد مظاهر قوة (ضعف) العالم الإسلامي. وتتزايد الدعوات في الوقت الحاضر إلى إعداد الدول الإسلامية لمواجهة القرن الحادي والعشرين وذلك بالاستفادة من مواردها المختلفة واستثمارها في ترسيخ قيمها الإنسانية عالميا، وللقطاع المالي وبخاصة المصارف الإسلامية، دور في إيصال ودعم الرسالة الإنسانية للدول الإسلامية إلى العالم وذلك باستثمار تواجدها المالي والمصرفي في كافة أنحاء العالم يدعمها ما تمتلكه من نقاط قوة تتمثل في أنها تضم 23% من سكان العالم، وتسيطر على 30% من الموارد الاقتصادية الأساسية للعالم وهو ما يؤهلها لتكون قوة فاعلة اقتصادياً. وإذا أرادت المصارف الإسلامية أن تعيش للمستقبل فعليها أن تحقق الاندماج في كيان واحد أو شركة كبرى تكفل لها القوة التي تصمد بها في وجه العولمة، ومما يبشر بالخير والغد المشرق أن بعض البنوك الإسلامية تم دمجها بالفعل، والدمج يضمن القوة والاستمرارية للبنوك الإسلامية. ومن الخطأ والخطر تسليم المصارف الإسلامية للمصارف المركزية، التي تعمل ضمن قوانين التسليف والنقد الربوي، ولا تسمح بالاستثمار المباشر. ومستقبل المصارف الإسلامية يستمر في النجاح إذا استمر في أداء أغراض تنموية في المجتمعات وناجحة؛ في تقديم منتجات تتطور باستمرار ولا تقف عند حد معين، وزيادة جرعة التوعية عبر كل المنابر الإعلامية من صحافة وتلفزيون وإذاعة ومحاضرات وندوات في المراكز والأندية والقاعات والجامعات حتى المدارس الثانوية وما دونها لأن الوعي أساس التطوير. العولمة وأثرها على سوق الأوراق المالية: من مؤشرات التقدم الاقتصادي في هذا الزمان أسواق الأوراق المالية، وقد أثرت الأحداث الأخيرة على هذه الأسواق، كما أن المسلمين تنبهوا إلى أهمية هذه الأسواق، فكان لهم معها شأن. سوق الأوراق المالية وتأثرها بأحداث سبتمبر/أيلول 2001م: تأثرت أسواق الأسهم في المنطقة أيضاً بأحداث 11 سبتمبر/أيلول، وخسر بعضها معظم مكاسبها المسجلة منذ أول العام. فمثلاً السوق السعودي الذي ارتفع 14.4% خلال الفترة من 1 يناير إلى 9 سبتمبر 2001، أنهى شهر نوفمبر على ارتفاع 4.5% فقط، أي بخسارة 10% خلال 11 أسبوعاً عقب الهجوم، وكذلك سوق الكويت الذي ارتفع 32% حتى 9 سبتمبر، أنهى شهر نوفمبر بزيادة 23% فقط أي بتراجع عن المستوى العالمي الذي وصله قبل الهجوم في حدود 10%. أما سوق الأسهم المصري الذي سجل تراجعاً بنسبة 17% منذ بداية العام حتى 9 سبتمبر، زادت خسارته بنسبة بعد أحداث سبتمبر لينهي نوفمبر على خسارة قدرها 39% مقارنة بمستواه في بداية العام. وقد استطاعت كل من أسواق الأسهم في الأردن والإمارات العربية المتحدة وقطر من استعادة الخسائر التي منيت بها عقب هجوم 11سبتمبر/أيلول 2001م، وأنهت شهر نوفمبر/تشرين الثاني على ارتفاع مقارنة مع ما كانت عليه قبل الهجوم، كذلك سجل سوق فلسطين تحسناً ملموساً خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة قبل أن يعود ويتراجع في الأسبوع الأول من ديسمبر/كانون الأول. السوق المالية الإسلامية الدولية : من وسائل القوة المصرفية الإسلامية تأسيس أول سوق مالية إسلامية دولية فعلى صعيد التعاون والتنسيق بين الدول والمؤسسات الإسلامية في المجال المالي والنقدي، فقد أعلن أن ست دول هي البحرين والسعودية وماليزيا وإندونيسيا وبروناي والسودان وقعت على اتفاقية إنشاء أول سوق مالية إسلامية دولية وذلك بمشاركة البنك الإسلامي للتنمية، وذلك في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، مقرها البحرين. وهذا يعني قيام مؤسسة تكون مسؤولة عن تطوير وتنظيم السوق المالية الإسلامية الدولية، من شأنها إيجاد جهة تكون مسؤولة على المصادقة على شرعية ونظامية الأدوات المالية الإسلامية أو ما يطلق عليه "الصكوك" حتى تكون مقبولة للتداول بين المؤسسات المالية والأفراد في السوق العالمية بحيث يمكن بيعها في أسواق (طوكيو ولندن ونيويورك). وحيث أنه توجد في الوقت الحاضر عدة جهات ومؤسسات إسلامية تصدر الصكوك مثل سندات الإجارة، وسندات المرابحة وسندات المشاركة والمضاربة، فإن هذه المؤسسة ستوحد تلك الجهات، ومن شأن هذه المؤسسة سد ثغرة كبيرة في سوق الإصدارات المالية ومعالجة السلبيات فيها. ويضم مشروع السوق المالية الإسلامية الدولية إنشاء مؤسسة أخرى تم الاتفاق على أن يكون مقرها ماليزيا، تكون مهمتها (رقابية) في الدرجة الأولى على نشاط المؤسسات المالية وستكون من أعضائها البنوك المركزية في الدول الإسلامية، وهذه المؤسسة أيضا ستسد ثغرة أخرى في نشاط المؤسسات المالية مثل إجراءات التأسيس وشروطها وقواعد التفتيش والمراقبة وأساليب وسقوف التأمين والصلاحيات الممنوحة للإدارة ونسب الاحتياطات والمخصصات. ونتيجة لعضوية بعض المصارف المركزية في هذه المؤسسة، فإن ذلك سيساعد في تقريب وجهات النظر وإزالة أسباب الاختلاف بينها وتضييق الفجوة بينها وبين المؤسسات المالية الإسلامية. وعلى سبيل المثال، ففي عام 1962م حينما تم إنشاء أول مصرف إسلامي في مصر، عانت المصارف المالية الإسلامية من التصادم مع المصارف المركزية والسلطات النقدية في بعض الدول نتيجة وضعها وشكلها القانوني وضرورة خضوعها لمعايير الرقابة والتفتيش الخاصة بالمصارف التقليدية، وبما أثر بشكل مباشر على أرباحها وحفاظها على التزامها الشرعي منها نسب السيولة والاحتياطات التي تشكل نسبة كبيرة من قيمة الودائع وتؤدى إلى تجميد جزء كبير منها وبما يؤثر على ربحيتها. إن الاهتمام الكبير الذي يوليه نخبة كبيرة من خبراء المال والاقتصاد العرب والمسؤولين بالمصارف المركزية بالصناعة المالية الإسلامية، والتي تعد من قضايا العمل المصرفي والإسلامي الساخنة، يهدف إلى تحديد كيفية تعايش البنوك الإسلامية بأساليبها ومفاهيمها في إطار البيئة المصرفية التقليدية، بالإضافة إلى تطويع أدوات التمويل الإسلامية من مشاركات ومضاربات ومرابحات وإيجار ومقارنة بالأدوات المالية التقليدية، ووفقا للتحليل السابق، وفى إطار سعى العديد من البنوك العربية التقليدية منها أو الإسلامية للاندماج، فمن المتوقع أن تشهد المنطقة اندماجات مماثلة خلال الفترة المقبلة في إطار المنافسة المحتدمة بين تلك المؤسسات على توسيع نطاق أوعيتها الاستثمارية وخدماتها في الأسواق الإقليمية والدولية. الحذر من التمادي في لعبة الأسواق المالية (البورصة) الربوية: إن العالم في نظر المؤسسات العالمية الكبرى المنظمة لأسواق المال والأعمال (البورصة) لعبة كبيرة من ألعاب الكومبيوتر، فالذكي عندهم لا يضع أمواله في عمليات إنتاج حقيقية، بل يعمل على مضاعفة أمواله من خلال المضاربة في سوق الأموال والأسهم والحصول على أرباح طائلة من خلال التغيرات في أـسعار الأسهم والعملات وخلال فترات زمنية قد تقاس بالدقائق. ويقدر الخبراء أنه في مقابل كل (1) دولار يُستثمر في مجالات الإنتاج الحقيقة هناك (20) دولار يتم تداولها في عالم الأسهم([17]). فالشركات المتعددة الجنسيات التي تستثمر أموالها في البلدان النامية هي في الحقيقة تمتص المدخرات والأموال، وعلى سبيل المثال فإن مصر وحدها تستثمر 100 بليون دولار في مثل هذه الشركات([18]). رب ضارة نافعة: وبالعودة إلى أحداث سبتمبر/أيلول 2001م، فإن التقديرات تشير إلى أن ثلثي استثمارات العرب في الخارج والتي هي بحدود 1000 بليون دولار مستثمرة في الأسواق المالية للولايات المتحدة أو مودعة في بنوك أمريكية أو في فروع هذه البنوك، قد بدأت بالتحرك العائد نحو أمها وأصلها داخل البلاد العربية والإسلامية. المصارف الإسلامية في واقعها أمام خيارين كلاهما مرٌّ: إذا كانت العولمة قد أصبحت حقيقة واقعة فلا ينبغي الاستسلام لها والتسليم بفكرة الاتِّباع والتقليد الأعمى فالمصارف الإسلامية أمام أمرين كلاهما صعب، وما تُقدِم عليه هو فعل أقل الضررين: إما رفض العولمة والاحتماء بنظام خاص، والاعتراف بالضعف، ثم اليأس والانزواء، بحجة عدم القدرة على مجاراة الغير، ومن ثم الاضمحلال والتلاشي. وإما السعي إلى التفاعل مع متطلبات العولمة، والتوجه لتكون المصارف الإسلامية جزءاً من هذا النظام الجديد، الدخول في عالم العولمة كأي أحد في هذا العالم، والذوبان في معترك الحياة الاقتصادية العالمية، مما ينعكس سلباً على إمكانيات المصارف الإسلامية اقتصادياً وفكرياً. ولكن الصواب أن لا تقع المصارف الإسلامية في واحد من هذين الخيارين، دون التطلع إلى المستقبل والنظرة الاستراتيجية وما ينتظر منها المسلمون، فالمصارف والمؤسسات المالية الإسلامية بما تمتلك من ميزات اجتماعية وثقافية وتعليمية وفكرية تستطيع أن تدخل إلى أوسع مدى في الموارد البشرية وتعمل على تنميتها لتكون هذه الموارد في صفها في مواجهة العولمة. والإسلام يريد من أتباعه أن يكونوا قادرين على المواجهة والتعايش، والتكافؤ والندية للآخرين، دون افتتان أو تأثر بالفاسد مما عند الآخرين، ومن المعلوم أن سيدنا عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قد أخذ عن الفرس والروم فكرة نظام الإدارة المالية والكتابية وسك العملات، مما يكون في إطار الوسائل لا المقاصد، وفي إطار مستلزمات الحياة لا الأسس والمبادئ. وأفضل ما يمكن أن تفعله المصارف الإسلامية: التكامل والاندماج، والعمل على الشراكة المتعددة الاستثمارات، بإشراف هيئة عامة ومجلس أعلى يربط الأمور ببعضها. والمصارف الإسلامية لا تعدم المقومات المؤهِّلَة لقيامها بهذه الأدوار، وذلك: بتوضيح صورتها الناصعة في أذهان أبناء الأمة الإسلامية، من حيث: الحاجة الوطنية لوجود مثل هذه المؤسسات، وكذا الحاجة الاقتصادية والاجتماعية، ويتمثل ذلك في تحقيق مقصد معتبر من مقاصد الشريعة الغراء، في المحافظة على مال المجتمع الإسلامي، وتوجيهه لخدمة مصالح الجماعة، وليس استخدام وسائل لمجرد الاحتيال للوصول إلى الربا المحرم. ما تحتاج إليه المصارف الإسلامية: إذا كانت العولمة الاقتصادية تعني إلغاء الحماية الجمركية، وحرية تبادل السلع والخدمات والاستثمار، وحرية انتقال رؤوس الأموال، وغير ذلك من آليات السوق؛ فإن ذلك يتطلب نظاماً اقتصادياً مشتركاً؛ يوفِّر ضمانةً أكبرَ لمواجهة الضغوط الدولية، وهذا ما يجعل العولمة خياراً نسبياً أكثر منه خياراً حتمياً. وإن التحديات والمستجدات التي يحملها القرن الحادي والعشرين تتطلب مستوى عاليا من الوعي والمسؤولية ووضوح الرؤية ونضوج الفكر للتعامل بواقعية مع آفاق المستقبل. ويتمثل ذلك في الأمور الآتية: 1 ـ إعادة النظر في الهيكلية الإدارية للمصارف الإسلامية، وتأهيل تلك المؤسسات لتكون في مستوى المواجهة العالمية لتحقق أمرين على غاية من الأهمية: الأمر القريب: الصمود وحفظ الوجود أمام المؤسسات المالية والمصرفية الأخرى. الأمر البعيد: إيصال رسالة العدل الإلهي إلى سائر البشر. 2 ـ الدفع الاقتصادي نحو الإنتاج باستخدام عوامله الأصلية: الأرض والعمل، والبعد عن التوظيفات الإقراضية أو شبهها (المرابحة)، فالمال المتجمع في خزائن المصارف الإسلامية يتكاثر صحياً بالإنتاج، وينمو مرضياً ببعض أدوات التمويل غير الإنتاجية. والأمة الإسلامية تعلق آمالها على المصارف الإسلامية، إذ كلما قويت الأمة في إنتاجها كانت أقدر على إثبات وجودها، وتقوية مركزها المالي، والارتقاء بمستوى معيشة أبناء المسلمين. 3 ـ التعاون والتنسيق الذي يبدأ ثنائياً وضمن مجموعات، ثم يتطور ليشمل الجميع؛ بهدف بناء قاعدة سليمة لمنطقة تجارة حرة إسلامية. وأي نجاح تراه بعض المصارف الإسلامية في الإطار المنفرد دون التقدم نحو التعاون سيزيد من قوة التبعية المطلقة للكتل الاقتصادية الرئيسة. والسير في الاتجاه الانعزالي يجعل التعاون في المستقبل صعباً، وكلما بعد الزمان وامتدت الفترة زاد الأمر صعوبة، بل إن المؤسسات المالية والمصارف الإسلامية ستحارب بعضها وتنافس أخواتها ومثيلاتها لإثبات قوتها أمام أسواق الكتل الكبيرة. من الوسائل العملية التي تساعد المصارف الإسلامية على التحدي والصمود: الخصخصة: إن تدهور أوضاع القطاع العام والمؤسسات الاقتصادية الحكومية لدى كثير من الدول العربية والإسلامية، وتخلف تلك المؤسسات عن حسن الأداء وعن تحمل عبء التنمية شجع على التفكير في الخصخصة، وقد تنوعت الدوافع الظاهرة للعمل بالخصخصة، فمنها دوافع اقتصادية متعلقة بالسوق الحرة التنافسية التي فرضتها العولمة، وهذا ما يهمنا، ومنها ما هو مالي يتعلق بالميزانية العامة وأعبائها، ومنها ما هو اجتماعي يتعلق بربط العائد بالكفاية. ومن واجب المؤسسات المالية والمصرفية الإسلامية التنبه إلى أهمية الخصخصة؛ والتي هي إحدى مظاهر العولمة، والمطلوب أن تسارع في الدخول في سوق الاستثمارات عن طريق الخصخصة لشراء الأنصبة من الشركات التي تتحول من ملكية القطاع العام إلى ملكية القطاع الخاص. وبدخول المؤسسات المالية والمصرفية الإسلامية عالم الخصخصة تدعم موقفها الاقتصادي، وتبتعد عن شكوى الهم الكبير من فوائض الأموال التي لا تجد لها باب استثمار يحقق أهدافها. فالعولمة وما تطلبه من تحرر اقتصادي، وتحويلٍ لملكيات وسائل الإنتاج، أعطى فرصة ذهبية للمؤسسات المالية والمصرفية لتمتلك، بل تكون صاحبة المنافسة في التنمية والاستثمار في الشركات التي تطرح نفسها للخصخصة. وبذا أصبحت الخصخصة قناة إضافية لعمل المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية، ودفع عملية الربح إلى أبعد حد وأعمق مدى، بدل التوقف والجمود عند الوسائل التقليدية، أو ما فيه شبهة الربا. الصيغ المطروحة في مواجهة التحديات: إذا كانت المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية تعاني من التفكك والانهيار والضعف في اقتصادياتها وتباطؤ النمو الاقتصادي لديها، فالواجب أن تتفق فيما بينها بغرض تأسيس استراتيجية اقتصادية لمواجهة مخاطر العولمة، وفيما يأتي أطرح بعض الصيغ التي تساعد تلك المؤسسات على مواجهة آثار العولمة: الصيغة الأولى: التكامل الاقتصادي: إن التكامل الاقتصادي بين مختلف الأقطار الإسلامية مهم في هذه المرحلة، وأداته المثلى في ذلك: التكامل المالي والمصرفي، حيث لا تستطيع هذه الأقطار، وكذلك المؤسسات منفردة مواجهة متطلبات العولمة اعتماداً على الإمكانات المحلية، فالترابط والتكامل الاقتصادي الإسلامي أصبح قضية مصيرية. ولكن من المحزن حقاً أن نرى حماس الدول الإسلامية للتكتل والاندماج يضعف ويخبو في الوقت الذي أصبح فيه الاندماج والتكتل سمة العصر. ويلاحظ أن حال المصارف الإسلامية ليس بدعاً من حال الاقتصاد الإسلامي ككل، فنسبة التبادل التجاري بين الدول العربية على سبيل المثال لا تشكِّل سوى 6% فقط من حجم تجارتها العالمية؛ ويعود السبب في ذلك إلى حالة التفكك وانعدام الثقة بين الدول والشعوب، وبسبب التشرذم والانكفاء على الذات. الصيغة الثانية: الشراكة: ومن الخيارات والوسائل التي يمكن للمصارف الإسلامية أن تعتمدها في مواجهة العولمة: العمل المشترك فيما بينها في المجال الاقتصادي، وتنسيق السياسات الاستثمارية؛ لإيجاد مبررات البقاء الاقتصادي بعد الاتحاد الفكري الذي يربط بينها. وتظهر الشراكة من خلال المساهمة في تأسيس صناديق الاستثمار المشتركة، وإصدار الأسهم والسندات المشتركة، وشركات التمويل التأجيري، وتمويل إنشاء المجمعات الصناعية المتكاملة، والمشروعات الزراعية الحيوية. والذي يبرر وجوب الشراكة فيما بين المصارف والمؤسسات المصرفية: توافر الموارد الاقتصادية بأنواعها المختلفة، وتوزيعها الجغرافي، وتنوعها البيئي؛ مما يوصل إلى الكفاية في تخصيص الموارد، والحد من الهدر واستنـزاف الطاقات. ومن المعروف أن التمويل القائم في ظل المشاركة يقوم على الاشتراك في العائد المتحقق بالنتيجة بعد الاستثمار في عناصر الإنتاج، ولما كان حساب تكلفة الاستثمار ذا أثر حاسم في توجيه مصادر التمويل؛ فإن نظام التمويل بالمشاركة هو الجاذب الحقيقي للاستثمارات الأجنبية إذا أحسن القائمون على إدارات المصارف الإسلامية عرض النظام الإسلامي بصورته الناصعة، واختيار مواقع النجاح في عقر الديار الصناعية المتقدمة، فالمواطن الغربي الذي أوصدت في وجهه أبواب التمويل الربوية بسبب ضيق ذات يده سيجد المصارف الإسلامية يداً حانية. المزايا الاقتصادية والاجتماعية للمشاركة: حشد الموارد الاقتصادية وتأسيس المشروعات الإنتاجية، وزيادة فرص التشغيل، مما يعني معالجة الأمراض الاقتصادية (الركود، التضخم، سوء توزيع الثروة، هدر الموارد الاقتصادية). التخصيص الأمثل للموارد الاقتصادية، فالمصارف والمؤسسات الإسلامية لا تُقَدِّم التمويل للآخرين لمجرد قدرة العميل على السداد، بل بالنظر في جدوى المشروع. توزيع المخاطر بين المموِّلين. توفير الجهود بسبب توزيع المسؤوليات بين الشركاء. الصيغة الثالثة: العمل للوصول إلى تطبيق المصرف الشامل: فكرة المصارف الشاملة Universal Banks، يقصد بها: تلك التجمعات المصرفية التي تسعى وراء تنويع أدوات التمويل، ومصادر التوظيف، وتعبئة أكبر قدر ممكن من المدخرات من كافة القطاعات، وتوظيف مواردها في أكثر من نشاط، وفي عدة مجالات متنوعة، بما يساعد في التغلب على المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها كثير من الدول العربية والإسلامية، وتعمل على خلق مناخ استثماري ملائم، وتشجع على السير قدماً في الإصلاحات الاقتصادية المنشودة. ويُقترح أن يكون الشكل التنظيمي للمصارف الشاملة في شكل شركة مصرفية قابضة؛ تمتلك شركات تابعة تخدم نواحي النشاط المختلفة، ومجموعة دلة البركة تجربة رائدة في ذلك. الصيغة الرابعة: الاندماج والتكامل بين المصارف الإسلامية: إن عملية الاندماج بين المصارف الإسلامية والمؤسسات المالية الإسلامية ضرورة ملحة لمواجهة التكتلات المصرفية العملاقة على مستوى العالم. والعالم اليوم يعيش عصر التكتلات والكيانات الاقتصادية الكبيرة والعملاقة، ولا مكان للمصارف الصغيرة لأنها لن تستطيع المنافسة، وخير دليل على ذلك الأمر وجود البنوك الكبيرة في أوروبا وأميركا واليابان وهي تندمج مع بعضها البعض. وتشير التقارير إلى تزايد عدد الاندماجات المصرفية في العالم إلى ما يفوق (4000) حالة، وقد بلغت القيمة السوقية لهذه الاندماجات (200) مليار دولار عام 1994م، وأخيراً (900) مليار دولار عام 1999م، ونتيجة لهذه الاندماجات برزت على الساحة الدولية: المصارف العملاقة. أمثلة في الاندماج على سبيل المثال([19]): اندمج (سيتي بنك) مع شركة (ترافلرز للتأمين) التي سبق لها امتلاك بنك الاستثمار والخدمات المالية المعروفة (سالمون سميث بارني)، والذي نشأ بدوره عن اندماج شركتين سابقتين. وفي اليابان: اندمجت ثلاثة بنوك في 20/ أغسطس، آب/1999م، بموجودات تبلغ 1.27 تريليون دولار. ولم تقتصر الاندماجات بين المصارف الوطنية في دولها، بل تجاوزت الحدود الدولية، ويلاحظ اندماج شركة بانكرز ترست نيويورك الأمريكية مع أكبر البنوك الألمانية بنك دويتش في عام 1999م، لتصل الموجودات المشتركة لهما إلى أكثر من (865) مليار دولار. ففي فرنسا تراجع عدد البنوك من 153 بنكاً إلى 127 بنكاً في الفترة من 1980م، إلى عام 1995م، وفي أمريكا تراجع عدد البنوك من 12700 بنكاً إلى 11000 بنكاً في الفترة من 1980م، إلى عام 1995م([20]). وتمت عملية الدمج([21]) ما بين البنك السعودي الأمريكي (سامبا) والبنك السعودي المتحد؛ علماً بأن البنك السعودي المتحد قد قام نتيجة عملية دمج بين مصرفين، هما: بنك القاهرة السعودي، والبنك السعودي التجاري المتحد، كما اندمج البنك السعودي العالمي في بنك الخليج الدولي. وفي عُمان: تم اندماج البنك الأهلي العُماني في بنك مسقط، وبنك عُمان والبحرين والكويت في بنك عمان التجاري. وفي الأردن: تم اندماج بين الشركة الأردنية للاستثمارات المالية وبنك فيلادلفيا للاستثمار، وبين بنك الأعمال والبنك الأهلي الأردني، بالإضافة إلى قيام البنك العربي بشراء بنك عمَّان للاستثمار. وفي مصر: تم اندماج بنك الاعتماد والتجارة وبنك مصر، وثلاثة عشر مصرفاً من بنوك المحافظات للتنمية مع البنك الوطني للتنمية، والبنك العربي الأمريكي نيويورك مع البنك الأهلي المصري. وفي المغرب: تم الاندماج بين بنك الشعب المركزي والاعتماد الشعبي للمغرب مع مجموعة البنوك الشعبية. وفي تونس: تم الاندماج ما بين بنك تونس والإمارات للاستثمار مع الاتحاد الدولي للبنوك، كذلك البنك القومي للتنمية السياحية وبنك التنمية للاقتصاد التونسي مع الشركة التونسية للبنك. وفي لبنان: تم تنفيذ 12 عملية دمج بين المصارف اللبنانية. وفي البحرين تم الاندماج بين البنك السعودي العالمي مع بنك الخليج الدولي. ومن عمليات الاندماج التي شهدتها البحرين مؤخراً: المؤسسات المالية الإسلامية، حيث بادر بيت المال الإسلامي بتوحيد آلياته التجارية والاستثمارية في مؤسسة مالية واحدة هي بنك شامل البحريني. ومن تجارب الاندماج التي شهدتها المؤسسات المالية العربية مؤخرا كانت بين أكبر مؤسستين ماليتين إسلاميتين هما "مجموعة دلة البركة السعودية، وشركة المستثمر الكويتية" واللذان وقعا اتفاقاً يقضى باندماج بعض الوحدات المصرفية في المجموعة مع شركة المستثمر الدولي لينشأ بمقتضاه أكبر كيان مصرفي إسلامي باسم شركة "البركة المستثمر" كشركة قابضة يزيد رأسمالها عن 350 مليون دولار وموجوداتها عن 3 مليارات دولار وتجمع بين قوة شبكة مجموعة دلة البركة في مجال البنوك الإسلامية وخبرة شركة المستثمر الدولي في مجال مصارف الاستثمار، وبحيث تتكون في النهاية منظومة متكاملة من الخدمات المصرفية والاستثمارية الإسلامية في أرجاء الشرق الأوسط وأفريقيا. فوائد الاندماج: تظهر أهمية الاندماج من خلال كبر حجم المصرف اقتصادياً، وذلك في تدعيم إمكانياته وقدراته في جميع الاتجاهات؛ بحيث: يحقق عوائد أكبر للمساهمين. يعمل على تخفيض التكاليف التشغيلية. يتيح الاندماج للمصرف الدامج فرص توسيع أسواق العملاء على اختلاف أهدافهم الإيداعية والاستثمارية. تعزيز القدرة على الاستثمار في الموارد البشرية وتنمية مهاراتها وخبراتها من خلال التدريب المتخصص. مواكبة متطلبات التحديث والعصرنة للبنية الإنتاجية والمؤسساتية والتقنية والبشرية بشكل أفضل مما هي عليه في حال المصارف الصغيرة، كما يساعد الاندماج على زيادة القدرة على المنافسة العالمية. ويعد دخول المصارف الإسلامية إلى أسواق التمويل الدولية تطوراً مهماً وضرورياً في توسيع نطاق التمويل للاقتصاديات الإسلامية. ومن ضرورات المرحلة والاستمرار: تأسيس مجلس أعلى للمصارف الإسلامية: من أجل استمرار عمل المؤسسات المالية والمصرفية الإسلامية بشكل صحيح لا بد من مرجع ومرجح ومشرف ومتابع وناصح، كل ذلك يتحقق إذ تم الاتفاق على تأسيس مجلس يتبنى مشروع إنشاء مركز معلومات للمصارف الإسلامية، لتكون للمصارف قاعدة معلوماتية ومرجع للسلطات النقدية ومؤسسات ومراكز الأبحاث والجامعات، ومن أبرز مهام المجلس الأعلى هو: محاولة التنسيق بين المصارف الإسلامية في المشاريع المشتركة، والتعريف بالخدمات المالية الإسلامية، والعمل على تنمية وتطوير الصناعة المالية الإسلامية، وتعزيز التعاون بين الأعضاء والمؤسسات العاملة في المجالات المشابهة، ولا نريد من هذه المؤسسة الجامعة أن تكون على غرار البنك المركزي، بل كمدير لأموالها الفائضة، وضامن إصداراتها من الأدوات التمويلية الإسلامية، وداعم تمويلي مساند. التوصيات: يتعين على البنوك الإسلامية مواجهة التحديات من خلال عدد من الخطوات لعل أبرزها:
التكامل الاقتصادي: خيار استراتيجي للعالم الإسلامي
لن أدعي أن آتي بجديد في مجال بحث التكامل الاقتصادي، فقد قدمت عدة دراسات عن تكامل العالم الإسلامي، منها على سبيل المثال: كتاب (صيغة مقترحة للتكامل الاقتصادي بين بلدان العالم الإسلامي: اختيارات وبدائل) ([22]). ومن الدراسات المهمة ما أعده المعهد الإسلامي للبحوث و التدريب بالبنك الإسلامي للتنمية بعنوان: The Theory of Economic Integration And Its Relevance To Oic Members Countries ([23]). وما هذه القراءة ما هي إلا تأكيد على ما سبق، وضم البحث إلى البحث، وتضافر الجهود العلمية الرامية إلى تحقيق الآمال والتطلعات. وعلى الرغم ما يحتويه الإسلام من مبادئ سامية، وقيم عليا، وما يتضمنه من نصوص دافعة للتوحد والتكامل والتقدم، وأخرى مانعة محذرة من الفرقة والأحادية والتخلف؛ فإن واقع المسلمين يحكي خلاف النظريات، ويعكس حالة مزرية؛ لا تسر صديقاً، ولا تجعل العدو حاسداً. وفي الآونة الأخيرة تعددت الأوصاف للمرحلة الراهنة على الصعيد الاقتصادي، فأطلقت على هذا الزمان أسماء، مثل: عصر التكتلات الاقتصادية، عصر الاتصالات، عصر العولمة، وغيرها من الأوصاف التي توحي بأن العالم متجه نحو الاندماج في شكل مجموعات متراصة تربطها مصالح اقتصادية، فأين موقع العالم الإسلامي من هذه التجمعات؟. فقارة أمريكا الشمالية بأكملها قاب قوسين أو أدنى من تشكيل اتحاد كامل يمكن أن يشكل مع الاتحاد الأوروبي كتلة غربية مهولة من حيث القوة الاقتصادية والتقنية العسكرية، يقابلها من الناحية الأخرى كتلة شرقية مهولة يمكن أن تتشكل قريباً تضم الأعداد الرهيبة من السكان الصينين واليابانيين والكوريين ذوي الفكر والثقافة والتاريخ والاقتصاد والتراث الواحد، والذين يتمتعون بمعدلات نمو اقتصادية غير عادية، فأين موقع المسلمين في خارطة التكتلات؟. فالعالم ينقسم انقساماً اقتصادياً حاداً له مدلول واضح، فالدول الغنية تمثِّل نحو ربع سكان العالم وهي تملك أكثر من ثلاثة أرباع إجمالي الدخل العالمي. في حين أن الربع الباقي من الدخل العالمي يعيش عليه ثلاثة أرباع سكان العالم، ومن بين دول العالم النامي تُوجد دول شديدة الفقر تعيش على حدِّ الكفاف. وفي حين أن قسماً من الدول الإسلامية قد تمتلك من مصادر الثروات الطبيعية ما يزيد على ما تمتلكه بعض الدول الغنية، إلا أن الفقر هو السمة البارزة للمجتمعات الإسلامية. وبين الكثرة الفقيرة والقلة الغنية ترتفع الأصوات المنادية بالاعتصام بالقرآن الكريم، والعمل بتشريعاته؛ الداعية إلى التكافل والتكامل. نماذج من التكامل: إن التكامل الاقتصادي الإسلامي ضرورة شرعية، فقد وصف الله سبحانه وتعالى الأمة الإسلامية بأنها أمة واحدة وأمرها بعبادته سبحانه وتعالى قال الله تعالى: ]إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فاعبدون [[الأنبياء:92]، وقال الله تعالى: ]وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ[[المؤمنون:52]. فهل أصبحت الحياة الأولى للمسلمين قصص تاريخية خيالية لا صلة لها بالواقع، أم ما زال بريقها وألقها يتلألأ ؛ داعياً المسلمين للعمل بالتوجيهات القرآنية والنبوية، ولتكون حياة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قدوة تحتذى، ومثالاً يقتدى به!!؟. الإخوة الإيمانية: يوم أن قال رسول الله e: "تآخوا في الله أخوين أخوين"، واختار الرسول الأعظم أخوة مَن أشبه خلقه وخُلُقه: الإمام علي t([24])، وقوله r لعلي t: أنت أخي في الدنيا والآخرة: عن ابن عمر قال: إن رسول الله r: آخى بين أصحابه ، فآخى بين أبي بكر وعمر، وبين طلحة والزبير ، وبين عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف فقال علي عليه السلام : يا رسول الله ، إنك قد آخيت بين أصحابك ، فمن أخي ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أما ترضى يا علي أن أكون أخاك ، قال ابن عمر : وكان علي جلدا شجاعا ، فقال علي : بلى يا رسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أنت أخي في الدنيا والآخرة([25]). وعن ابن عمر قال: آخى رسول الله r بين أصحابه ، فجاء علي t تدمع عيناه، فقال: يا رسول الله: آخيت بين أصحابك، ولم تواخ بيني وبين أحد، فقال رسول الله r: "أنت أخي في الدنيا والآخرة"([26]). الأوس والخزرج ويوم أن عرض أهل المدينة (الأنصار) أموالهم على القادمين من مكة (المهاجرين)؛ بجعلها مناصفة، فكان التوجيه النبوي بأن تبقى ملكية الأراضي والأصول لأصحابها، وأما المهاجرون فيكونون شركاء في العمل؛ أليس هذا هو التخصص وتقسيم العمل على طريقة الأقوياء الشركاء، والأنداد الأصفياء، وليس الأعداء الألداء على طريقة النظم المعاصرة بأن يكون العامل أجيراً قد يصل به الحال إلى العمل ولو بأقل من الكفاف!!؟. هذا الفعل الرائع: ألم تكن له دوائر واسعة الانتشار، وانعكاسات صالحة الاستمرار؟، ألم يكن بالقوة الكافية لإحداث الاتساع بالفكرة عبر الزمان والمكان، كجسم صلب يُلقى في الماء فيُحدث دوائر تتسع كلما بعدت عن المركز؟!!، أم يحلو القول بأن تلك الحالات كانت طفرة في عمر البشرية لا تتكرر، وأن الجسم لم يكن بتلك الصلابة لإحداث دوائر واسعة؟، وهو قول باطل يوصل إلى نتائج باطلة؛ بوصف الإسلام بالمحدودية. هل اختلفت النصوص الدافعة والمانعة وتغيرت، أم تنافرت عقول الأتباع وتبدلت؟. مَن ذا الذي فَرَّغ النصوص الإسلامية من محتواها؟، ومَن ذا الذي يغيبها عن ساحة الوقائع المتجددة في كل عصر وأوان، وفي كل زمان ومكان؟. ومن جهة أخرى فليس أضرّ على المسلمين في هذا الوقت من ابتعادهم عن نظام الإسلام الشامل، ونهجه الرباني المتكامل، ذاك النظام الذي يبتعث كوامن الحياة ودوافع العمل، ورعاية المصلحة في الأمة بأسرها، ويَنْفُذ إلى لباب مشكلات الحياة عملاً للوصول إلى السعادة في الدنيا، والفلاح في الآخرة. إن التعاون الاقتصادي بين دول العالم الإسلامي ليس خياراً مطروحاً على مجالس الشورى والبرلمانات للحوار حول أهميته وضرورته، وللتصويت عليه، والأخذ به في حال الاقتناع، أو نبذه في حال الاختلاف، وليس التعاون الاقتصادي المنشود بين دول العالم مجرد مظهر من مظاهر التضامن، بل هو أمر وجود وعدم، قضية حياة أو موت، وهو أمر حتمي تفرضه وقائع الدهور وحوادث الأيام. فالتجمعات الاقتصادية الكبرى التي يشهدها عالم اليوم، والتكتلات الاقتصادية العالمية قد لا تجمع أفرادها إلا المصالح المادية المشتركة، بعيداً عن القيم الأخلاقية، والمثل العليا، والأحكام الدينية؛ فما بالك بعالم تلفه ـ بالإضافة إلى تلك المصالح الاقتصادية ـ مبادئ رفيعة، وقيم سامية؛ ربانية المنهج، إنسانية النـزعة؛ من أجل تحقيق الأهداف الكبرى؛ سعادة الإنسان، وإرادة الخير له. وإن حالة التكامل المنشودة لا تتحقق بالدعوات والصلوات، والأمنيات والشعارات، ولا باستنـزاف المزيد من الثروات، ولا بإضاعة الوفير من الموارد الطبيعية والخيرات؛ بل تتم عبر أجنحة التنمية الشاملة المستدامة؛ بنفخ الروح الإيمانية فيها، والتغلب على الصعوبات والشدائد، وتجاوز المحن والمصائب؛ للإقلاع بطائرة التكامل، والإبحار بسفينة النهضة. تاريخ الحديث عن التكامل الاقتصادي في العصر الحاضر: بداية الجهود الجادة والصياغة الرسمية لأفكار التعاون بين البلدان الأعضاء في المنظمة كانت مؤتمر القمة الإسلامي الثالث الذي عقد في مكة المكرمة-الطائف في يناير 1981م؛ حيث تبنى في بيانه الختامي "خطة العمل لتعزيز التعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء." وقد حددت هذه الخطة المكونة من عشرة فصول قطاعات ومجالات التعاون من حيث الأهداف، والمبادرات الهامة والسياسات المقترحة من أجل العمل المشترك. غير أن صياغة برامج العمل والمقترحات الملموسة لم تبدأ إلا بعد تأسيس اللجنة الدائمة للتعاون الاقتصادي والتجاري لمنظمة المؤتمر الإسلامي (كومسيك) في 1984 بمناسبة انعقاد مؤتمر القمة الإسلامي الرابع في الدار البيضاء([27]). الواقع الاقتصادي للأقطار الإسلامية: من خصائص الوضع الاقتصادي للعالم الإسلامي أنه متخلف، وإنجازاته التنموية متواضعة، مع التشابه النوعي في مشاكله. ومن مفارقات الزمان وترهات العصر، والمضحك المبكي في الفكر: أن الدول الغربية تستورد المواد الخام من الدول الإسلامية بأسعار زهيدة، وتستثمر في تصنيعها أموال المسلمين، ثم توزع منتجاتها في الدول الإسلامية بأسعار باهظة؛ فمكاسبها ثلاثية مكعبة. إذ تشكل صادرات العالم الإسلامي في الأغلب والأعم السلع الخام غير المصنعة أو نصف المصنعة التي تباع بأسعار زهيدة، لتبقى دول العالم الإسلامي مستودعًا وتابعًا للدول الصناعية، وفي الوقت نفسه عالماً مستهلكاً، وبذلك تزيد الفجوة بين العالمين بين العالم الإسلامي المستهلك، والعالم الصناعي المنتج ومالك التقنية والثروة. وهذه بعض مظاهر الاقتصاد في العالم الإسلامي. 1- الفقر وانخفاض الدخول: يشكل الفقر وانخفاض نصيب الفرد من الناتج المحلي سمة بارزة في معظم الأقطار الإسلامية – عدا بعض الدول المصدرة للنفط –. فالمسلمون يجمعون التناقضات؛ فترى بعضهم يعيش في ترف وإسراف، وآخرون يعانون من التضخم والبطالة، وعلى مستوى الدول ترى ضعف الهياكل الاقتصادية. وبلغة الأرقام: فإنه مما لا فيه شك أن أغلب الدول الإسلامية تعتبر من الدول النامية، وكثير منها من الدول الأشد فقراً، والذي ينظر إلى خريطة العالم يجد الدول الإسلامية كلها في آسيا وأفريقيا وهي من دول العالم الثالث، حيث تبلغ نسبة السكان تحت خط الفقر في العالم الإسلامي 37%، أعلاها توجد في سيراليون (68%)، تليها غامبيا (64%)، ثم أوغندا (55%)، وهو ما يعادل 405 ملايين نسمة من المسلمين، وتبلغ نسبة المسلمين إلى فقراء العالم 39%([28]). ويبلغ معدل حصة الفرد الواحد من الناتج المحلي الإجمالي 3934 دولارا، أعلاها في الكويت (22,700 دولار)، تليها الإمارات العربية المتحدة (17,400 دولار)، ثم قطر (17,100 دولار). أما أدناها ففي سيراليون (530 دولارا)، يليها الصومال (600 دولار)، ثم جزر القمر (700 دولار) ([29]). 2- هيكل التجارة الخارجية واتجاهاتها: للتجارة الخارجية دور مهم في حياة الأمم. ويُلاحظ في دول العالم الإسلامي: سيطرة السلع الأولية في سلم الصادرات، مثل: الوقود، والمعادن، والمنتوجات الزراعية، وأن اتجاه التصدير إلى الدول الصناعية الكبرى. ويضاف إلى ذلك: ضعف التبادل التجاري بين الدول الإسلامية نفسها، ومرده إلى: اختلاف السياسات الاقتصادية العامة، وتشابه الإنتاج، وضعف التنوع في الاقتصاد، وتخلف البنية التحتية. فالتجارة الإسلامية البينية لا تتجاوز 10% من مجموع التجارة بين المسلمين والدول الصناعية([30]). 3- انخفاض نسبة مساهمة الصناعة في الناتج المحلي: إن التنمية الصناعية تعتبر الطريق والأساس الوحيد للإفلات من التبعية الاقتصادية، وهي وسيلة لزيادة فرص العمل المنتج وتوليد دخل أعلى، ورغم ذلك فلا تزال جميع الدول الإسلامية متخلفة صناعياً. فحصة قطاع الصناعة من الناتج المحلي الإجمالي: 30%([31]). 4- ارتفاع حجم المديونية الأجنبية، وازدياد أعباء خدمتها: دخلت كل الدول الإسلامية نادي المديونية، واستمرار ذلك يشكل مصدر تهديد للأمن الاقتصادي والاجتماعي لسرعة تراكمها على مر الأعوام. 5- أزمة الغذاء: بالرغم من أهمية القطاع الزراعي في اقتصاديات البلدان الإسلامية إلا أن العجز عن تلبية الطلب المحلي المتزايد على السلع الغذائية جعل معظم الدول الإسلامية تصبح منطقة عجز غذائي كبير ومتزايد، ولا سيما في السلع الأساسية، والاستراتيجية التي لا غنى عنها مثل القمح. وهي تنفق مبالغ كبيرة لاستيراد تلك الموارد، الأمر الذي يشكل استنـزافاً لاقتصاد الدول الإسلامية، إضافة إلى التبعية الغذائية للدول المتقدمة المصدرة للغذاء. 6- أزمة المياه: يعتبر مورد المياه من المقومات الأساسية للتنمية، وتتركز مشكلة المياه في الأقطار الإسلامية بسبب توزيعها غير المتكافئ، فهو بين توفره بشكل كاف في بعض الأقطار إلى ندرة شديدة في بعضها الآخر، وما يترتب على ذلك من جفاف وتصحر. 7- الإنفاق العسكري: إن التسلح والإنفاق العسكري والخسائر الباهظة التي تسببها الصراعات العسكرية (الإسلامية) قوضت استجابة الحكومات للتنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة، ففي عالمنا الإسلامي غُلِّب مفهوم (الأمن) في إطاره الضيق على مفهوم التنمية الشاملة. 8- تتجلى أزمة التعليم في: غياب فلسفة تربوية واضحة المعالم، وانتشار الأمية، والوضع التعليمي للمرأة المسلمة، والاهتمام بالتعليم النظري دون التعليم الفني، وهجرة العقول المسلمة، وهل من تناسب بين مخرجات التعليم وأسواق العمل؟، وبالأرقام فإن نسبة التعليم في دول العالم الإسلامي: 63.2%، أما معدل الإنفاق على التعليم من الناتج القومي الإجمالي فهو 4% فقط ([32]). 9- وسائل الاتصال: إن معظم الدول الإسلامية تعاني من قصور فاضح في الاتصالات والمواصلات، وذلك إذا قورنت بالدول الصناعية. حقائق في أرقام وآمال جسام: تصنف الأمم المتحدة سنوياً دول العالم في ثلاثة مستويات تنموية وفقاً لمجموعة كبيرة من المؤشرات، وتتراوح قيمة التصنيف بين (1 و صفر)، وتقع 31 دولة إسلامية في مجموعة مستوى التنمية المتوسط (0,5 ـ 0,8)، فيما تقع 20 دولة في مجموعة مستوى التنمية المنخفض (أقل من 0,5)، وتتمتع خمس دول فقط بمستوى تنمية مرتفع، وهي: بروناي (0,889)، البحرين (0,872)، الإمارات (0,855)، الكويت (0,848)، قطر (0,840) ([33]). يبلغ الناتج المحلي الإجمالي([34]) في العالم الإسلامي 3483 مليار دولار للعام 1999م. وأعلى بلدان العالم الإسلامي من حيث ناتجها المحلي الإجمالي هي إندونيسيا (602 مليار دولار)، تليها تركيا (425 مليارا)، ثم إيران (340 مليارا). أما أقلها فهي جزر القمر (410 ملايين)، تليها المالديف (540 مليونا) ([35]). العالم الإسلامي؛ مؤشرات رقمية([36]):
ومن جهة أخرى: فإن العالم الإسلامي يمتلك مزايا تؤهله لتحقيق الوحدة الاقتصادية، وفي مقدمتها: الدين الحنيف الذي ارتضاه الله لهذه الأمة، والموقع الجغرافي والاقتصادي، والموارد البشرية الهائلة، والثروات الطبيعية الضخمة. فبلاد الإسلام تشتمل على معظم خيرات الدنيا من مواد أولية، ومعادن وكنوز بكافة ألوانها، بالإضافة إلى الرصيد الحضاري الذي يشكل قاعدة راسخة للثقة والاعتزاز والفخار، وللانطلاق والنهوض. فدول ذات فائض نقدي، ودول ذات برة تقنية، ودول ذات عمالة بشرية، ودول ذات مساحات شاسعة، ودول ذات مياه غزيرة. وبلغة الأرقام: تمتلك دول العالم الإسلامي ثروات استراتيجية؛ أهمها: النفط، والغاز، والزراعة، وثروات معدنية؛ مثل: الحديد، والنحاس، والفوسفات وغيرها. حيث يختزن ثلثي الاحتياطي العالمي من النفط، و22.5 % من الاحتياط العالمي للغاز، وينتج 9% من إنتاج العالم من الحديد، ويبلغ إنتاجه 5 % من سوق النفط العالمي مبيعاً، ويشكل النفط العربي 65 % من احتياجات أوربا و80 % من احتياجات اليابان و15 % من احتياجات الولايات المتحدة([37]). المعوقات عن مواكبة الحياة: _ تخلي المسلمين عن منهج خالق الكون والحياة.
مواجهة التحديات والموقف من العولمة: إن عصر العولمة الذي نعيش فيه هو عصر التكتلات الاقتصادية ولم يعد أمام المسلمين مفر من مواجهة هذه الحقيقة. وليس من الحكمة أن تقف أقطار العالم الإسلامي مكتوفة الأيدي إزاء ظاهرة العولمة، بل يجب أن تأخذ بالأسباب لمواجهة سلبياتها بالموضوعية قبل فوات الأوان، ويرى الكاتب أن هناك حاجة لإعطاء أولوية عليا للجوانب الآتية: 1- نحو مشروع حضاري إسلامي: في ضوء التحديات والمستجدات التي يشهدها العالم فإنه لا خيار للدول الإسلامية في المرحلة المقبلة سوى الاعتماد على الذات وصياغة مشروع مستقبلي قادر على تعبئة الجهود، وإعادة الديناميكية إلى الأمة ومؤسساتها، وتعزيز لحمة التكامل الاقتصادي والتنموي بين أقطارها، ويهدف المشروع إلى تكوين الشخص المسلم الذي يفقه الدين ويفهم العصر، ولا يكون ذلك إلا بتعميق الإيمان وصدق العطاء. والمشروع الحضاري يحتاج إلى الوعي لدي جماهير الأمة الإسلامية بأهمية النهضة للعالم الإسلامي، وهذا يتطلب ضرورة العمل الجاد على محو الأمية في العالم الإسلامي. فالعلم هو سلاح العصر والذي يملك العلم يملك القوة، ومن هنا فلا مفر أمام المسلمين من التسلح بالعلم الذي هو فريضة إسلامية لا يجوز التفريط فيها. 2- التكامل الاقتصادي: فدول العالم الإسلامي لا تستطيع مواجهة متطلبات العولمة اعتماداً على الإمكانات القطرية، فالترابط والتكامل الاقتصادي الإسلامي أصبح قضية مصيرية. ولكن من المحزن حقاً أن نرى حماس الدول الإسلامية للتكتل والاندماج يضعف ويخبو في الوقت الذي أصبح فيه الاندماج والتكتل سمة العصر. إن التكتل المنشود يحتاج إلى إرادة قوية، وشعور جماعي بالأخطار الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تواجه المسلمين، والتي تتعاظم في ظل تدنى مستوى التعاون بين الدول الإسلامية، وفرض سياسات العولمة على الأمة الإسلامية. 3- ضرورة التنمية البشرية: فالعنصر البشري ركيزة كل تقدم علمي وتكنولوجي قديماً وحديثاً، وللتنمية البشرية جانبان: الأول: تشكيل القدرات البشرية مثل تحسين الصحة والمعرفة والمهارات. الثاني: انتفاع الناس بقدراتهم المكتسبة في المجالات الشخصية. 4- الشفافية ومحاربة الفساد: لقد أخذ الفساد يستشري في كثير من دول العالم الإسلامي، وبات أمراً عادياً وليس وضعاً شاذاً أقرب إلى الاستثناء. وللفساد آليتان رئيسيتان هما: 1- العمولة لتسهيل عقد الصفقات. 2- وضع اليد على المال العام، والمحسوبية، أي تحويل الموارد الحقيقية من المصلحة العامة إلى أصدقاء الحاكم السياسيين. ويعد الفساد الإداري أحد أهم المشاكل التي تعاني منها دول العالم الإسلامي، وقد صنفت مؤسسة الشفافية الدولية التي يشرف عليها البنك الدولي 85 دولة حسب مدى انتشار الفساد في سلم تنازلي من 10 (الأكثر نزاهة) إلى صفر (الأقل نزاهة). ووفق هذا السلم فإن أكثر الدول الإسلامية نزاهة جاءت في موقع متوسط، واعتبرت ماليزيا من بينها الأكثر نزاهة وحصلت على 53 نقاط، تلتها تونس (5 نقاط)، ثم الأردن (47 نقاط)، أما أقل الدول الإسلامية نزاهة فهي نيجيريا وحصلت على 19 نقطة، ثم إندونيسيا (نقطتان)، ثم باكستان (27 نقطة). وللمقارنة: جاءت الولايات المتحدة الأميركية في المرتبة السابعة عشرة بمجموع 75 نقاط، أما إسرائيل فقد جاءت في المرتبة التاسعة عشرة بمجموع 71 نقاط([38]). الارتقاء باقتصاد الأمة: بعيداً عن المرض والألم، وبنظرة إلى استشراف المستقبل ووجود الأمل، أقول: إن جوانب القوة الاقتصادية لا تزال موجودة لو أحسن المسلمون توظيفها، وأدركوا التحديات التي تواجههم. فالسبيل الأفضل للنهوض بالأمة الإسلامية وباقتصادات المسلمين: هو إجادة الاستفادة من الموارد البشرية الموجودة والاستثمار الأمثل للموارد الطبيعية المتاحة، والتوظيف الأمثل في تعزيز وتطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الدول الإسلامية. فالتكامل يتيح ظروفاً أفضل لجميع الدول؛ من خلال تجميع القوى الفاعلة، وتوحيد الطاقات العاملة، والاستفادة المثلى من الثروات، والمحافظة على الموارد المتاحة في أقصى حدودها. ولا بد من الإيمان بمرحلية التكامل، عبر التكاملات الثنائية والتكتلات الإقليمية، وما حالة أوربة عنا ببعيد، إذ قضت خمسين عاماً منذ الحرب العالمية الثانية وهي في طريقها للتكامل والتوحد الاقتصادي. أما الانتظار حتى يتم التكامل الشامل معاً؛ فإنه سيدفع إلى مزيد من التخلف والانحدار. ومن المفيد أن يُبدأ العمل التكاملي في الآونة الراهنة بتعزيز ودفع خطى التجمعات الإقليمية العربية الراهنة، كتجمع الوحدة الاقتصادية العربية (السوق العربية المشتركة) ومجلس التعاون الخليجي، والاتحاد المغاربي، ودول جنوب شرق أسيا، وتجمع الوحدة الاقتصادية الإسلامية؛ لتكون كل منها نواة يتوافر لها النجاح أولاً، كتجارب تجمع بين دول متقاربة في الظروف والأحوال والمصالح وغالباً متجاورة جغرافيّاً. وعلى ذلك تنتهج هذه الدول الأطراف فهي تلك التجمعات الإقليمية الجزئية لبلدان إسلامية النهج تتجه نحو التكامل الاقتصادي الإنمائي، الذي يقوم على أسس من الإخاء والتعاون، فضلاً عن التزام مبادئ وتوجيهات الإسلام الحنيف؛ حيث تعلو تلك الأسس والمبادئ على أي مقتضيات أو اعتبارات قومية أو عرقيه أو اقتصادية أو جغرافية، أو حتى اعتبارات طائفية أو مذهبية. فتعتنق كل من تلك التجمعات أو التكتلات الإقليمية فكرة السعي الحثيث نحو تكامل اقتصادي إسلامي شامل في الأجل الطويل، مما ينبغي معه أن تلتزم تلك التكتلات بالتنسيق المشترك فيما بينها من أجل بلوغ ذلك الهدف البعيد. ومن هذا المنطلق افتتحت قمة الثماني الدول الإسلامية الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، وسط آمال عريضة من مستثمري بلدان القمة، في دفع الاستثمارات المشتركة، وزيادة حجم التبادل التجاري والدول الأعضاء([39]) تتمتع بثروات طبيعية فضلاً عن موارد بشرية تتمثل بنحو 800 مليون نسمة يشكلون نسبة 5ر12٪ من مجموع سكان العالم، وإجماليُّ الناتج القومي يمثل نحو نصف مجموعة منظمة المؤتمر الإسلامي. ويشار إلى أن حجم تجارة دول المجموعة مع العالم بلغ ما يزيد على 400 مليار دولار، فيما لا تزيد نسبه التجارة البينية في مابينها عن حوالي 1٪ من هذا الحجم. وتتمتع دول المجموعة بنحو 88ر2٪ من حجم الصادرات الدولية و 5ر4٪ من حجم الواردات الدولية([40]). وحيث إن ماليزيا تتصدر دولَ المجموعة من حيث الصادرات والتي بلغت 5ر84 مليار دولار عام 1999م، في حين بلغت الواردات 5ر75 مليار دولار. وجاءت إندونيسيا في المرتبة الثانية من حيث الصادرات بقيمة 3ر75 مليار دولار خلال نفس العام، ثم تركيا بقيمة 7ر37 مليار دولار، تليها إيران بقيمة 2ر15 مليار دولار، ونيجريا 7ر11 مليار دولار، وباكستان 4ر8 مليار دولار، ثم بنجلاديش 5ر4 مليار دولار، وأخيرًا مصر 5ر3 مليار دولار، مع ملاحظة أن هذه الصادرات سلعية ولا تتضمن الصادرات البترولية([41]). كما حصل تكتل آخر يتكوّن من سبع دول عربية متوسطية، وهي المغرب وموريتانيا، الجزائر، ليبيا، مصر، الأردن، و 3 مندوبون من سوريا ولبنان وفلسطين. وسميت إعلان أغادير لإقامة منطقة للتبادل الحر بين الدول العربية المتوسطية([42])، ومن تجمعات التكامل الإقليمية الفرعية التي تضم بلداناً من العالم الإسلامي: اتفاقية التجارة التفضيلية لشمال أفريقيا([43]). وأما التجمعات الاقتصادية من خارج المنظمة التي تشارك فيها بلدان أعضاء في المنظمة فهي تشمل: رابطة أقطار جنوب شرق آسيا، والاتحاد الاقتصادي الأفريقي، والاتحاد الاقتصادي لدول غرب أفريقيا، والاتحاد الاقتصادي لغرب أفريقيا، واتحاد نهر مانو، ومنطقة التجارة التفضيلية لدول الشرق والجنوب الأفريقي، ورابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي([44]). ومن الملاحظ أن كل دول التكتلات اتخذت من منظمة المؤتمر الإسلامي محورًا ومرتكزًا لتنسيق الجهود نحو تحقيق الوحدة الإسلامية الشاملة، وتقوية أواصر التعاون الاقتصادي بين الدول الإسلامية مجتمعة، وبالتالي تصبح أكبر وأشمل تجمع دولي بين بلدان العالم الإسلامي في الوقت الحاضر. وإن حاجة الأمة الإسلامية اليوم إلى قليل من العمل أكثر من حاجتها إلى كثير من القول. إصلاحات داخلية في كل بلد إسلامي: ومن آليات العمل المرحلي لعملية التكامل الاقتصادي الإسلامي الكلي، أقول: لا بد أن يمر العمل أولاً بإصلاحات داخلية ضمن البلد الواحد لبناء القدرة الذاتية، وحل المشاكل التي يعاني منها المجتمع في اقتصاده. وتتجلى الإصلاحات الداخلية ـ والتي يمكن تنفيذها بالإمكانات الذاتية ـ بما يأتي:
إصلاحات إقليمية: لا بد لمَن يسعى إلى التكامل الاقتصادي من أن يبحث عن شركاء تجاريين وعلميين من بلدان العالم الإسلامي وفق السياسات الآتية:
مناحي التكامل المرحلي: سأعرض لأمرين يسيران جنباً إلى جنب، وصولاً على المراد؛ الفكر والاقتصاد، وقد كانا أساس آخر قمتين إسلاميتين؛ في إيران حيث تم التركيز على الفكر وحوار الحضارات، وفي قطر حيث تم التأكيد على القضايا الاقتصادية. أولاً على الصعيد الفكري:
وعناصر هذا الالتزام سياسياً: إقامة مجتمع الشورى، وحق محاسبة الجميع؛ وبخاصة الحكومات، ومراقبتها في أعمالها ومشروعاتها الاقتصادية؛ وبالتالي لا يضيع المال العام، أو يستثمر بما يفيد الأمة. وعناصر هذا الالتزام اقتصادياً: تجنب كل أشكال الربا، والابتعاد عن المال الحرام الناتج عن الغش والخيانة، والخديعة والمكر. ثانياً على الصعيد الاقتصادي:
يكون مقياساً ثابتاً للقيم مع مرور الزمن. يكون وعاءً مناسباً للادخار، سواء للأفراد أو للدول، اعتماداً على القيمة الثابتة للعملة الموحَدة. يسهِّل تسديد أثمان السلع والصفقات التجارية بين الأفراد والدول في العالم الإسلامي، مما يشجع التجارة البينية الإسلامية. يقلِّل من نزوح الرساميل الإسلامية إلى الخارج. يسهِّل السياحة البينية الإسلامية. يشجِّع على استثمار الفوائض النقدية الإسلامية في الدول الإسلامية دون تعرضها لخطر فقدان القيمة بسبب التضخم النقدي في العملات الدولية. يعزز الشعور الإسلامي الموحَد لدى جميع المسلمين، مما سيعطي دفعاً كبيراً نحو تحقيق أي شكل من أشكال التنسيق أو التكامل أو التضامن أو الوحدة الإسلامية التامة. تقليص هيمنة الدولار الأمريكي. استخدام الذهب كعملة دولية في العالم بدلاً من الدولار. مقترحات: فكرياً: توفير قاعدة بيانات بالمنتجات الزراعية والصناعية المتوفرة في العالم الإسلامي. توفير قاعدة بيانات بالموارد الطبيعية المتاحة للاستثمار. المصداقية في عرض البيانات والمعلومات بعيداً عن التعتيم الإعلامي، أو التضليل السياسي. التنسيق بين مندوبي دول العالم الإسلامي في اجتماعات المنظمات الدولية؛ بعقد اجتماعات تمهيدية، وتحديد وجهة نظر إسلامية في الموضوعات المطروحة للبحث في المنظمات الدولية، مثل: منظمة التجارة العالمية، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي. مالياً: الاستفادة من فقه المعاملات المالية؛ لتجميع رساميل تنهض بالأمة اقتصادياً؛ وبخاصة الركاز وصدقة الفطر. من خلال تأسيس: صندوق التنمية بالركاز؛ وهي زكاة الخارج من المعادن والنفط وما شابهها. فدول العالم الإسلامي تمتلك 35% من بترول العالم، و35% من قصدير العالم، و29% من فوسفات العالم، و12% من منغنيز العالم، وغير ذلك من الثروات الطبيعية: من الغاز، والفحم، والكروم، والبوكسيت، والنحاس، والرصاص، والبوتاسيوم، والكالسيوم، والذهب والفضة. ومقدار زكاة الركاز: 25%. صندوق صدقة الفطر السنوي، ومقدارها: دينار إسلامي، هذا يعني: مليار دينار إسلامي على الأقل تُعطى لأكثر الدول الإسلامية احتياجات، وتنفق في مشروعات تنموية. ولو توسعنا فجعلنا ديناراً إسلامي كل شهر على كل فرد من المسلمين؛ ضريبة التنمية الشاملة: ضمن صندوق (الدينار الإسلامي) الشهري، لإعطائه المليار دينار إسلامي لأحوج دولة إسلامية، فعلى مدار أربع سنوات تتكرر العملية لكل دول العالم الإسلامي. وإنشاء اتحاد اقتصادي إسلامي مشترك تمثل فيه جميع الدول الإسلامية، على غرار الاتحاد الأوربي، تتلخص مهمته في تنسيق العلاقات الاقتصادية على أساس التكامل والتعاون ووضع مخطط اقتصادي مشترك يهدف إلى تبادل الخبرات والمعونات وتشجيع مؤسسات التمويل والتجارة والمبادلات الاقتصادية. من التوصيات:
([1]) مجمع الزوائد، ابن حجر الهيثمي، 8/84. ([2]) لِم كل هذا الكره للعولمة؟!، مارتن وولف، صحيفة لومند دبلوماتيك، حزيران 1997م. ([3]) يُنْظَر: اللغة العربية في التعليم العالي والبحث العلمي، محاضرات تتناول التعريب في الوطن العري؛ تدريساً وتأليفاً ومصطلحاً، د. مازن المبارك، مؤسسة الرسالة، دار النفائس، ص62. ([4]) يُنْظَر: اللغة العربية في التعليم العالي والبحث العلمي، محاضرات تتناول التعريب في الوطن العري؛ تدريساً وتأليفاً ومصطلحاً، د. مازن المبارك، ص10. ([5]) الفصحى لغة القرآن، أنور الجندي، ضمن: الموسوعة الإسلامية العربية (10)، دار الكتاب اللبناني، بيروت، دار الكتاب المصري، القاهرة، ص 255. ([6]) يُنْظَر: الارتقاء بالعربية في وسائل الإعلام، نور الدين بليبل، ضمن سلسلة (كتاب الأمة)، العدد 84، رجب 1422هـ، السنة الحادية والعشرين، ص 119وما بعدها. ([7]) يُنْظَر: التعريب ووسائل تحقيقه، محمد الفاسي، مجلة الأصالة، عدد خاص، رقم 17/18، 1974م، ص 117. ([8]) يُنْظَر: اللغة العربية في التعليم العالي والبحث العلمي، محاضرات تتناول التعريب في الوطن العري؛ تدريساً وتأليفاً ومصطلحاً، د. مازن المبارك، ص10. ([9]) يُنْظَر: المرجع السابق، ص 116. ([10]) يُنْظَر: التقرير النهائي للمؤتمر الحكومي الدولي للسياسات الإعلامية في أفريقية، اليونسكو، 1981م، ص 16. ([11]) يُنْظَر: الارتقاء بالعربية في وسائل الإعلام، نور الدين بليبل، ضمن سلسلة (كتاب الأمة)، العدد 84، رجب 1422هـ، السنة الحادية والعشرين، ص 120. ([12]) يُنْظَر: دقة اللفظ من خصائص العربية، محمد مراح، جريدة اليوم، 26/3/2000م. ([13]) دارسات في فقه اللغة، د. صبحي الصالح، أستاذ الإسلاميات وفقه اللغة في كلية الآداب بجامعة دمشق، مطبعة جامعة دمشق، 1379هـ/1960م، ص 382. ([14]) الفايننشال تايمز، 16 مارس/آذار، 1999م. ([15]) يُنْظَر: العولمة وأثرها على اقتصاديات الدول العربية في ظل التكتلات الراهنة، د. فوزي عبد الرزاق ظاهر، مؤتمر العولمة وأبعادها الاقتصادية، كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية، جامعة الزرقاء الأهلية، جمادى الأولى 1421هـ، آب2000م. ([16]) وفق ما ذكرت صحيفة الإيكونومست البريطانية في عددها الصادر في 24 آب/أغسطس 1996. ([17]) يُنْظَر: التعاون الاقتصادي العربي والإسلامي في ظل العولمة، رعد كامل الحيالي، الموصل، العراق، مؤتمر العولمة وأبعادها الاقتصادية، كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية، جامعة الزرقاء الأهلية، جمادى الأولى 1421هـ، آب2000م، ص453. ([18]) يُنْظَر: العولمة وإعادة صياغة العالم، مصطفى محمد الطحان، مجلة المجتمع، العدد 1307، 13/ ربيع الأول 1419هـ، 7/7/1998م، ص26. ([19]) التقرير الاقتصادي العربي الموحد، سبتمر/أيلول 2000م، ص 175، نقلاً عن: اتحاد الصارف العربية 2000، القطاع المالي في مواجهة عصر الاندماج والتملك. ([20]) النقود والبنوك، د. فرج عزت، مكتبة عين شمس، القاهرة، 1998م. ([21]) التقرير الاقتصادي العربي الموحد، سبتمر/أيلول 2000م، ص 176 وما بعدها. ([22] ) للدكتور عبد العليم خضر 1403هـ والذي بَيَّن في مقدمته ضرورة التكامل للعالم الإسلامي، فهم يشكلون ربع سكان العالم، لكنهم لا يساهمون إلا بـ5.5 % من إنتاج العالم مع تناقص نمو الإنتاج الزراعي قياساً إلى نمو السكان، مما يشكل خطراً على الأمن الغذائي في هذا العالم. ([23] ) للدكتور A. Kadir D. Satiroglu.K وقد عرض الباحث ست مراحل للتكامل تمتد من مرحلة الاتحاد الجمركي حتى مرحلة الاتحاد الكامل، وكذلك أوضح الكتاب عوامل تحقيق التكامل والآثار المحتملة على رفاهية المجتمع والعالم الإسلامي. ([24] ) تاريخ ابن هشام 2 / 123، تاريخ ابن كثير 3 / 226، السيرة الحلبية 2 / 101، الفتاوى الحديثية: 42. ([25] ) المستدرك للحاكم 3 / 14. ([26] ) الجامع الصحيح، الترمذي، 2/299. ([27]) العولمة - التكامل العالمي - مع التكامل الاقتصادي الإقليمي أو بدونه؟، د. سعاد أوكسوز، أستاذ ورئيس قسم العلاقات الدولية، كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية، جامعة إيجه، إزمير، تركيا، http://www.sesrtcic.org/arabic/pubs/jec/jabsv19a04.shtml. ([28]) المسلمون بعد أحداث سبتمبر بين القصور الذاتي وحرب الإرهاب، إعداد: مركز المعلومات للدراسات والبحوث في موقع البيان، http://www.albayan.co.ae/albayan/seyase/2002/issue599/facts/1.htm، وحالة العالم الإسلامي، أرقام ومؤشرات، إعداد: أسماء ملكاوي، http://www.aljazeera.net/in-depth/oic/2000/11/11-30-3.htm. ([30]) الرسوم الجمركية تعرقل التجارة بين الدول الإسلامية، صحيفة الوطن القطرية، http://www.al-watan.com/data/20030222/index.asp?content=economy4. ([31]) المسلمون بعد أحداث سبتمبر بين القصور الذاتي وحرب الإرهاب، إعداد: مركز المعلومات للدراسات والبحوث في موقع البيان، http://www.albayan.co.ae/albayan/seyase/2002/issue599/facts/1.htm، وحالة العالم الإسلامي، أرقام ومؤشرات، إعداد: أسماء ملكاوي، http://www.aljazeera.net/in-depth/oic/2000/11/11-30-3.htm. ([32]) المسلمون بعد أحداث سبتمبر بين القصور الذاتي وحرب الإرهاب، إعداد: مركز المعلومات للدراسات والبحوث في موقع البيان، http://www.albayan.co.ae/albayan/seyase/2002/issue599/facts/1.htm، وحالة العالم الإسلامي، أرقام ومؤشرات، إعداد: أسماء ملكاوي، http://www.aljazeera.net/in-depth/oic/2000/11/11-30-3.htm. ([34]) وهو ما ينتج في اقتصاد ما من السلع والخدمات المعدة للاستخدام النهائي. ([35]) المسلمون بعد أحداث سبتمبر بين القصور الذاتي وحرب الإرهاب، إعداد: مركز المعلومات للدراسات والبحوث في موقع البيان، http://www.albayan.co.ae/albayan/seyase/2002/issue599/facts/1.htm، وحالة العالم الإسلامي، أرقام ومؤشرات، إعداد: أسماء ملكاوي، http://www.aljazeera.net/in-depth/oic/2000/11/11-30-3.htm. ([37]) الإسلام بين توازن القوى وتحديات الهيمنة، حيدر حسين الكاظمي، http://www.annabaa.org/nba35/eslam.htm. ([38]) المسلمون بعد أحداث سبتمبر بين القصور الذاتي وحرب الإرهاب، إعداد: مركز المعلومات للدراسات والبحوث في موقع البيان، http://www.albayan.co.ae/albayan/seyase/2002/issue599/facts/1.htm. ([39]) وهي حسب الترتيب الألفبائي: إيران، إندونيسيا، باكستان، بنجلاديش، تركيا، ماليزيا، مصر. ([40]) واقع الأمة الإسلامية ومواجهة التحديات، بقلم: د. عبد الحفيظ بن عبد الرحمن محبوب، www.darululoom-deoband.com/arabic/magazine/ 1053514048/fix4sub5file.htm - 59k. ([41]) المرجع السابق ناقلاً عن: جريدة الشرق الأوسط في 24/2/2001م، ص 15. ([42]) واقع الأمة الإسلامية ومواجهة التحديات، بقلم: د. عبد الحفيظ بن عبد الرحمن محبوب، www.darululoom-deoband.com/arabic/magazine/ 1053514048/fix4sub5file.htm - 59k. ([43]) العولمة - التكامل العالمي - مع التكامل الاقتصادي الإقليمي أو بدونه؟، د. سعاد أوكسوز، أستاذ ورئيس قسم العلاقات الدولية، كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية، جامعة إيجه، إزمير، تركيا، http://www.sesrtcic.org/arabic/pubs/jec/jabsv19a04.shtml. ([45]) الذي يعادل 4.25 جرامات من الذهب عيار 22. ([46]) تقول شركة "إي دينار" المحدودة التي تتخذ من جزيرة لابوان الماليزية مقرًّا لها: إن حجم التعاملات الإلكترونية في الدينار الذهبي الإسلامي عبر الإنترنت وصل حالياً إلى ما يوازي 4 أطنان من الذهب، وإن نسبة المتعاملين تنمو بمعدل 10% شهريّاً، كما أن عدد المتعاملين عبر موقع الدينار الإلكتروني( www.e-dinar.com) الذي أطلق على الإنترنت عام 1999 بعد نحو 7 سنوات من سكّ الدينار الذهبي الإسلامي وصل إلى نحو 600 ألف، وأن العدد يتضاعف كل عام تقريبًاً، ويتم حاليًا التداول في العديد من دول العالم بشكل مباشر بنحو 100 ألف دينار ذهبي إسلامي و250 ألف درهم فضي تم سكها من قبل الشركة. دينار (محمد) يهدد الدولار http://www.islamschool.com/green_waha/DENAR.htm. ([47]) من توصيات مؤتمر القمة الإسلامي الثامن المنعقد في دورته الثلاثين في طهران، الجمهورية الإسلاميـة الإيرانية. ([51]) من توصيات المؤتمر الإسلامي الحادي والعشرين لوزراء الخارجية (دورة الوحدة والتعاون الإسلامي من أجل السلام والعدل والتقدم) المنعقد في كراتشي، جمهورية باكستان الإسلامية في الفترة من 4 الى 8 ذو القعدة 1413هـ (25-29 أبريل 1993م). ([56]) من توصيات المؤتمر الإسلامي العام الرابع لرابطة العالم الإسلامي الذي عقد بمكة المكرمة، في الفترة من 23-27 /1/1423هـ الموافق 6-10/4/2002م. |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
Powered by SyrianMonster Web Service Provider - all rights reserved 2024© |