قال سبحانه وتعالى عن سيدنا داود عليه السلام: {وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} [ص: 20]. وقال سبحانه وتعالى عن سيدنا عيسى عليه السلام: {وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإنجيل} [آل عمران: 48]. وقال سبحانه: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإنجيل} [المائدة: 110]. وقال سبحانه: {وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ} [الزخرف: 63].
من الحكمة التي يمنحها الله لمن يشاء من عباده توحيد الله بالعبادة والإحسان إلى الوالدين، والتصدق على الفقراء والمساكين وابن السبيل، واتباع القصد في الإنفاق باجتناب التبذير والتقتير، وعدم الاعتداء بالقتل، واجتناب الفواحش، وعدم التعرض لمال اليتيم، والوفاء بالعهد، وإيفاء الكيل والميزان، وعدم التجسس، واجتناب الخيلاء، وبعد أن أوصى الله سبحانه وتعالى نبيه الكريم باتباع ما أمر به واجتناب ما نهى عنه من الأمور.
من الحكمة: حسن الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى بالقول اللين والموعظة الحسنة. قال سبحانه وتعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125].
من الحكمة: شكر الله سبحانه وتعالى على نعمه. قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} [لقمان: 12].
من الحكمة: الاتعاظ بالغير والازدجار بأنباء السابقين من الأمم. قال تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ * حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ} [القمر: 4، 5].
ادع الله بما دعا به إبراهيم عليه السلام: {رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ. وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ. وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ. وَاغْفِرْ لأبِي إِنَّهُ كَانَ مِنْ الضَّالِّينَ} [الشعراء: 83-85].
قال سيدنا علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه: ماعندنا شيء أسره إلينا رسول اللَّه سوى كتاب اللَّه تعالى إلا أن يؤتي اللَّه تعالى عبداً فهماً في كتابه، وكما جاء في تفسير قوله تعالى: {يُؤْتي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 269] قال: الفهم في كتاب اللَّه، وقال أصدق القائلين: {فَفَهَّمْنَاْهَا سُلَيْمَانَ} [الأنبياء: 79] فخصه بفهم منه زاده به فوق الحكم والعلم الذي شرك فيه أباه فزاده على فتيا أبيه.
عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مِنْ يَشَاءُ} [البقرة: 269] قَالَ: «الْوَرَعُ». قال الحسن: يعني الورع في دين الله.
عَنْ مُجَاهِدٍ، {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: 269] قَالَ: هُوَ الْإِصَابَةُ فِي الْقَوْلِ. عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: الْعِلْمُ وَالْفِقْهُ. قال مجاهد: الإصابة في القول والفهم والفقه. قال مجاهد: الحكمة: الإصابة في القول. قال مجاهد: الحكمة: القرآن. وقاله الضحاك.
قال مالك: الحكمة: المعرفة بدين الله، والفقة فيه، والاتباع له. وروى عنه ابن القاسم أنه قال في الآية: الحكمة: التفكر في أمر الله والاتباع له. وعنه أنه قال: الحكمة: طاعة الله والاتباع له، والفقه في الدين والعمل به. وقال مالك: إنه ليقع في قلبي أن الحكمة هي الفقه في الدين يدخل الله في القلوب من رحمته وفضله. قال مالك: الحِكمةُ الفِقهُ في الدين.
أقوال في تأويل (الْحِكْمَةَ): قال قوم: (الْحِكْمَةَ) هي القرآن، وقال قوم: (الْحِكْمَةَ) هي الإصابة لحقيقة كل شيء، وبها يتقى كل شر، وينال كل خير. وقَالَ بَعْضُهُمْ: (الْحِكْمَةَ)، هي السنة؛ كأنه أكرم رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بالذي مَن سلكه نجا، ومَن حاد عنه غوى. وقيل: الحكمة وضع كل شيء موضعه، ودفع كل حق إلى مستحقه،ولهذا قال بعض الفلاسفة في تعريف الحكمة: العلم، والعمل بالعلم في وضع الأشياء مواضعها، والعمل في إيصال كل ذي حق إلى مستحقه. وقيل: هي إحكام الأمور وإتقانها. وقال قوم: الحكمة في القرآن: فهم الحدود والأسرار، من طريق الحقائق، لا من طريق الظواهر. وقال قوم: الحكمة هي الفقه (الفهم) في الدين.
في المراد بهذه الحكمة أحد عشر قولاً: أحدها: أنها القرآن، قاله ابن مسعود، ومجاهد، والضحاك، ومقاتل. والثاني: معرفة ناسخ القرآن، ومنسوخه، ومحكمه، ومتشابهه، ومقدمه، ومؤخره، ونحو ذلك، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس. والثالث: النبوة، رواه أبو صالح عن ابن عباس. والرابع: الفهم في القرآن، قاله أبو العالية، وقتادة، وإبراهيم. والخامس: العلم والفقه، رواه ليث عن مجاهد. والسادس: الإصابة في القول، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد. والسابع: الورع في دين الله، قاله الحسن. والثامن: الخشية لله، قاله الربيع بن أنس. والتاسع: العقل في الدين، قاله ابن زيد. والعاشر: الفهم، قاله شريك. والحادي عشر: العلم والعمل، لا يسمى الرجل حكيماً إِلا إِذا جمعهما، قاله ابن قتيبة.
تأولوا فى قوله: (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) [آل عمران: 48] أنها السنة التى سنها الرسول بوحى من الله، وكلا التأويلين صحيح، وذلك أن القرآن حكمة أحكم الله فيه لعباده حلاله وحرامه، وبَيَّن لهم فيه أمره ونهيه، فهو كما وصفه تعالى فى قوله: (وَلَقَدْ جَاءهُم مِّنَ الأَنبَاء مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ) [القمر: 4، 5] وكذلك سنن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حكمة، فصل بها بين الحق والباطل، وبيَّن لهم مجمل القرآن، ومعانى التنزيل، والفقه فى الدين، فهو كتاب الله وسنة نبيه، (صلى الله عليه وسلم)، فالمعنى واحد وإن اختلفت الألفاظ.
في الحكمة سبعة تأويلات: أحدها: الفقه في القرآن، قاله ابن عباس. والثاني: العلم بالدين، قاله ابن زيد. والثالث: النبوّة. والرابع: الخشية، قاله الربيع. والخامس: الإصابة، قاله ابن أبي نجيح عن مجاهد. والسادس: الكتابة، قاله مجاهد. والسابع: العقل، قاله زيد بن أسلم. ويحتمل ثامناً: أن تكون الحكمة هنا صلاح الدين وإصلاح الدنيا.
التفكير في أمر الله والاتباع. والتفكير في أمر الله لا يكون إلا بالعقل والفهم، والتأويلات كلها قريبة بعضها من بعض في المعنى؛ لأن الفقه لا يكون إلا بالفهم، والفهم لا يكون إلا بالعقل، وفي قوله عز وجل: {وَكُلا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: 79] مع اختلافهما فيما حكما به يدل على أن كل مجتهد مصيب، وللقول في هذا مكان غير هذا.
الحكمة: يحكم عليكم خاطر الحقّ لا داعى النفس، وتحكم عليكم قواهر الحق لا زواجر الشيطان. ويقال الحكمة صواب الأمور. ويقال هى ألا تحكم عليك رعونات البشرية. (ومن لا حكم له على نفسه لا حكم له على غيره). ويقال الحكمة موافقة أمر الله تعالى، والسّفه مخالفة أمره. ويقال الحكمة شهود الحق.
قيل في تفسير قوله تعالى {يؤتى الحكمة من يشاء} إنه الفهم في كتاب الله، وقال تعالى {ففهمناها سليمان} خص ما انكشف باسم الفهم، وكان أبو الدرداء يقول المؤمن من ينظر بنور الله من وراء ستر رقيق والله إنه للحق يقذفه الله في قلوبهم ويجريه على ألسنتهم.
إنها الإصابة فى القول والفقه والفهم، وقيل: الحكمة طاعة الله والاتباع له، والفقه فى الدين، وقيل: الحكمة الفهم عن الله من أمره ونهيه، وقال مالك في الحكمة: الفقه فى الدين يدخله الله فى القلوب.
الحكمة: إصابة الحق بالعلم والعقل. والحكمة من الله: معرفة الأشياء وإيجادها على غاية الإحكام، ومن الناس: معرفة الموجودات وفعل الخيرات، وهذا هو الذي وصف به لقمان في قوله: {ولقد آتينا لقمان الحكمة} [لقمان:12]
الحكمة هي العلم النافع الذي يتبعه العمل الصالح وهو نور يقذف في القلب يفهم بها معنى العلم المنزل من السماء ويحض على اتباعه والعمل به ومن قال الحكمة: السنة فقوله الحق لأن السنة تفسر القرآن وتبين معانيه وتحض على اتباعه.
عن أبي العالية {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ} (2)، قال: "الحكمة" الخشية، فإن خشية الله رأس كل حكمة".
عن مقاتل: إن تفسير الحكمة في القرآن على أربعة أوجه: أحدها: مواعظ القرآن وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ [البقرة: 231] وثانيها الحكمة بمعنى الفهم وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا [مريم: 12] وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ [لقمان: 12] وثالثها الحكمة بمعنى النبوة وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ [البقرة: 251] ورابعها القرآن بما فيه من الأسرار يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وجميع هذه الوجوه عند التحقيق ترجع إلى العلم. فتأمل يا مسكين شرف العلم
وليست الحكمة مما يحصل بمجرد التكرار كما ظنه أهل الإنكار والذين لم يفرقوا بين المعقولات وبين الأسرار والحكم الإلهيات. فالمعقولات ما تكتسب بالبرهان وهي مشتركة بين أهل الأديان، والأسرار الإلهية مواهب الحق لا ترد إلا على قلوب الأنبياء والأولياء نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ [النور: 35] وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ الذين لم يقفوا عند القشور وارتقوا إلى لب عالم النور.
وَأخرج عبد بن حميد عَن مُجَاهِد {يُؤْتِي الْحِكْمَة} قَالَ: الإِصابة فِي القَوْل
وَأخرج عبد بن حميد عَن قَتَادَة {يُؤْت الْحِكْمَة} قَالَ: الْفِقْه فِي الْقُرْآن
وَأخرج عبد بن حميد عَن الضَّحَّاك {يُؤْتِي الْحِكْمَة} قَالَ: الْقُرْآن
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن أبي الْعَالِيَة {يُؤْت الْحِكْمَة} قَالَ: الخشية لِأَن خشيَة الله رَأس كل حِكْمَة وَقَرَأَ (إِنَّمَا يخْشَى الله من عباده الْعلمَاء) (فاطر الْآيَة 28)
فثبت ان الحكمة من المواهب لامن المكاسب لانها من الأقوال لا من المقامات والمعقولات التي سمتها الحكماء حكمة ليست بحكمة فانها من نتائج الفكر السليم من شوب آفة الوهم والخيال
قال البيضاوي: الحكمة: تحقيق العلم وإتقان العمل. هـ. وقيل: هي سرعة الجواب وإصابة الصواب، وقيل: كل فضل جَزْلٍ من قول أو فعل.
الحكمة هي العلم وقيل الفهم، وقيل الإصابة في القول، ولا مانع من الحمل على الجميع شمولاً أو بدلاً، وقيل إنها النبوة وقيل الخشية وقيل العقل، وقيل الورع، وقيل المعرفة بالقرآن وقيل الفقه في الدين وقيل التفكر في أمر الله وقيل طاعة الله والعمل بها. وهذه الأقوال كلها قريب بعضها من بعض لأن الحكمة مصدر من الإحكام وهو الإتفاق في عمل أو قول، وكل ما ذكر هو نوع من الحكمة التي هي الجنس، فكتاب الله تعالى حكمة، وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - حكمة، وأصل الحكمة ما يمنع من السفه وهو كل قبيح.
وعن ابن عباس قال: الحكمة المعرفة بالقرآن ناسخه ومنسوخه ومُحكَمه ومتشابهه ومقدمه ومؤخره وحلاله وحرامه وأمثاله. وعنه قال إنها القرآن، يعني تفسيره، وعنه إنها الفقه في القرآن، وعن أبي الدرداء إنها قراءة القرآن والتفكر فيه، وعن أبي العالية هي الكتاب والفهم به، وبه قال النخعي، وعن مجاهد هي الكتاب يؤتي إصابته من يشاء، وعنه قال: هي الإصابة في القول، وعن أبي العالية ومطر الوراق قال هي الخشية.
الحكمة هي العلم النافع وفعل الصواب. فقيل في حد الحكمة: هي التخلق بأخلاق الله بقدر الطاقة البشرية، كقوله صلّى الله عليه وسلّم: «تخلّقوا بأخلاق الله تعالى».
الحكمة إتقان العلم والعمل. وبعبارة أخرى معرفة الحق والعمل به. قال أبو مسلم: الحكمة فعلة من الحكم وهي كالنحلة من النحل، ورجل حكيم إذا كان ذا حجا ولبّ وإصابة رأي. وهي في هذا الموضع في معنى الفاعل. ويقال: أمر حكيم، أي محكم. وهو فعيل بمعنى مفعول.
أي إنه تعالى يعطى الحكمة والعلم النافع المصرّف للإرادة لمن يشاء من عباده، فيميز به الحقائق من الأوهام، ويسهل عليه التفرقة بين الوسواس والإلهام وآلة الحكمة العقل المستقل بالحكم في إدراك الأشياء بأدلتها، وفهم الأمور على حقيقتها- ومن أوتى ذلك عرف الفرق بين وعد الرّحمن ووعد الشيطان، وعضّ على الأول بالنواجذ وطرح الثاني وراءه ظهريا.
وقد فسر حبر الأمة عبد الله بن عباس الحكمة بالفقه في القرآن أي معرفة ما فيه من الهدى والأحكام بأسراره وحكمه، ومن فقه ما ورد في الإنفاق وفوائده وآدابه من الآيات- لا يكون وعد الشيطان له الفقر وأمره إياه بالبخل مانعا له من البذل والإنفاق.
والآية الكريمة رافعة شأن الحكمة بأوسع مالها من المعاني، وهادية إلى استعمال العقل في أشرف ما خلق له.
في قوله جل وعلا: {وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} (1) يعني السنة، وكما في قوله سبحانه {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} (2) الآية، فالأدلة الواضحة تسمى حكمة، والكلام الواضح المصيب للحق يسمى حكمة كما تقدم، ومن ذلك حكمة التي تكون في فم الفرس وهي بفتح الحاء والكاف سميت بذلك؛ لأنها تمنع الفرس من المضي في السير إذا جذبها صاحبها بهذه الحكمة.
فالحكمة كلمة تمنع من سمعها من المضي في الباطل وتدعوه إلى الأخذ بالحق والثأر به والوقوف عند الحد الذي حده الله عز وجل
الحكمة هي التصرف الرشيد الذي توضع به الأمور مواضعها اللائقة بها بإعطاء كل ذي حق حقه والاعتراف لكل ذي فضل بفضله، وأن أبلغ الحكمة معرفة العبد حق فاطره وخالقه سبحانه وتعالى، فإنه سبحانه له الحق الأكبر على عباده وله الفضل العظيم عليهم، فعلى العبد أن يعرف ذلك لربه ثم يقوم بما تقتضيه هذه المعرفة من شكره وطاعته خوفا من عقابه وطمعا في ثوابه
فى المراد بهذه الحكمة أحد عشر قولا: أحدهما: أنها القرآن، قاله ابن مسعود ومجاهد والضحاك ومقاتل فى آخرين.. الثانى: معرفة ناسخ القرآن ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ومقدمه، ومؤخره، ونحو ذلك، رواه على بن أبى طلحة عن ابن عباس.. الثالث: النبوة، رواه أبو صالح عن ابن عباس. والرابع: الفهم فى القرآن، قاله أبو العالية وقتادة وإبراهيم. الخامس: العلم والفقه رواه ليث عن مجاهد. والسادس: الإصابة فى القول، رواه ابن أبى نجيح عن مجاهد. والسابع: الورع فى دين الله، قاله الحسن. والثامن: الخشية لله، قاله الربيع بن أنس. والتاسع: العقل فى الدين، قاله ابن زيد. والعاشر: الفهم، قاله شريك. والحادى عشر: العلم والعمل، لا يسمى الرجل حكيما إلا إذا جمعهما، قاله ابن قتيبة.. ومما نحب أن نشير إليه أننا قد ربطنا بين هذه الآراء المختلفة فى معرض حديثنا عن الحكمة فقلنا: وردت كلمة الحكمة كثيرا فى اللغة العربية: فى الشعر وفى القرآن الكريم، وفى الاحاديث النبوية. وهى تطلق عند علماء الإسلام، وفى اللغة العربية على معان عدة، بلغ بها صاحب البحر المحيط تسعة وعشرين رأيا منها: الإصابة فى القول والعمل، ومنها: الفهم: ومنها: الكتابة، ومنها: اصلاح الدين واصلاح الدنيا. ويذكر صاحب البحر المحيط: أن معانى الكلمة قريب بعضها من بعض، ما عدا قول السدى. أما قول السدى فى تفسير الحكمة فهو: انها النبوة، ولكن السدى لا يستقل بهذا الرأى فقد قاله ابن عباس، فيما رواه عنه أبو صالح. وقريب منه ما قيل: فى معنى الحكمة، من أنها: العلم اللدنى، أو من أنها: تجريد السر لورود الالهام. والواقع أن معانى هذه الكلمة: تنقسم طبيعيا إلى قسمين: أحدهما: ما يبدو فى السلوك الخارجى: من سداد فى الرأى، واتزان فى التفكير، واتجاه فى السلوك إلى الطريق الاقوم. والثانى: هو الناحية الاشرافية الالهامية، وهى ناحية باطنية داخلية، يعلمها صاحبها ويلقنها من يصطفيهم من خاصة صحبة أو تلاميذه. وهذان المعنيان لا يتعارضان، وإنما يوجد ان أحيانا فى انسجام وتناغم، وأحيانا يوجد المعنى الأول فقط. ومما لا شك فيه: إنه لا يوجد المعنى الثانى بدون المعنى الأول. فالشخص الملهم: مسدد الرأى، متزن التفكير، أنه «حكيم» باطنيا وظاهريا. وبهذين المعنيين فسر علماء الإسلام معنى كلمة: «حكمة» فى عدة آيات من القرآن الكريم، مثل قوله تعالى فيما يتعلق بداود عليه السّلام: وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ (سورة البقرة الآية 251) وقوله تعالى: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً.
معنى (الحكمة) تنحصر فيما يأتي: 1 - القرآن والفقه به. 2 - السنة. 3 - المعرفة بالدين والفقه فيه. 4 - النبوة. 5- الإصابة في القول والفعل. 6 - الخشية. 7 - شيء يجعله اللَّه في القلب ينور له به.
الحكمة هي إصابة الحق في الأقوال والأفعال، وهي من أعظم النعم.
فقه الحكمة قال الله تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269)} [البقرة: 269]. وقال الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)} [النحل: 125]. الحكمة: هي العلم النافع، والعمل الصالح. وكمال العبد متوقف على الحكمة، إذ كماله بتكميل قوتيه العلمية والعملية: فتكميل قوته العلمية بمعرفة الحق، ومعرفة المقصود به. وتكميل قوته العملية بالعمل بالخير، وترك الشر. وبذلك يتمكن من الإصابة بالقول والعمل، وتنزيل الأمور منازلها في نفسه وفي غيره، وبدون ذلك لا يمكنه ذلك. فالحكمة: معرفة الحق والعمل به، والإصابة في القول والعمل. والحكمة نوعان: علمية، وعملية. فالعلمية: الاطلاع على بواطن الأشياء، ومعرفة ارتباط الأسباب بمسبباتها خلقاً وأمراً، وقدراً وشرعاً. والعملية: هي وضع الشيء في موضعه. والحكمة على ثلاث درجات: الأولى: أن تعطي كل شيء حقه، ولا تعديه حده، ولا تعجله عن وقته، ولا تؤخره عنه، وهذا حكم عام لجميع الأسباب مع مسبباتها شرعاً وقدراً. فإضاعتها تعطيل للحكمة، بمنزلة إضاعة البذر، وسقي الأرض، وتعدي الحق، كسقيها فوق حاجتها، بحيث يغرق البذر والزرع ويفسد. وتعجيلها عن وقتها كحصاد الزرع قبل إدراكه وكماله، وترك الغذاء والشراب واللباس إخلال بالحكمة، وتعدي الحد المحتاج إليه خروج عنها. وتعجيل الشيء قبل وقته إخلال بالحكمة، وتأخيره عن وقته إخلال بها كذلك. فالحكمة إذاً.. فعل ما ينبغي، على الوجه الذي ينبغي، في الوقت الذي ينبغي. والله تبارك وتعالى أورث الحكمة آدم وبنيه، فالرجل الكامل من له إرث كامل من أبيه، والناس فيه درجات، والتفاوت في ذلك لا يحصيه إلا الله تعالى. وأكمل الخلق في ذلك الرسل عليهم الصلاة والسلام، وأكملهم أولو العزم، وأكمل أولي العزم محمد - صلى الله عليه وسلم -. ولهذا امتن الله عليه وعلى أمته بما آتاهم من الحكمة كما قال سبحانه: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151)} [البقرة: 151]. فكل خلق، وكل أمر، وكل حركة، وكل سكون، وكل موجود، مرتبط بهذه الصفة، وكل نظام في الوجود قائم على هذه الصفة، وكل خلل في الوجود والتصرفات فسببه الإخلال بها. فأكمل الناس أوفرهم منها نصيباً.. وأنقصهم وأبعدهم عن الكمال أقلهم منها ميراثاً. والحكمة لها ثلاثة أركان: العلم.. والحلم.. والأناة. وآفاتها وأضدادها: الجهل والطيش والعجلة، فلا حكمة لجاهل، ولا طائش، ولا عجول. الدرجة الثانية: أن تشهد نظر الله في وعده، وتعرف عدله في حكمه، وتلحظ بره في منعه، فتعرف عدله في وعيده، وإحسانه في وعده. وكل قائم بحكمته كما قال سبحانه: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (160)} [الأنعام: 160]. وكذلك تعرف عدل الله في أحكامه الشرعية، وأحكامه الكونية الجارية على الخلائق، فإنه لا ظلم فيها ولا حيف ولا جور، وإن أجراها على أيدي الظلمة فهو أعدل العادلين، ومن جرت على يديه فهو الظالم كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40)} [النساء: 40]. وكذلك تعرف بره في منعه، فإنه سبحانه هو الجواد الذي لا ينقص خزائنه الإنفاق، وما منع من منعه فضله إلا لحكمة كاملة في ذلك. فإنه الجواد الحكيم، وحكمته لا تناقض جوده. فهو سبحانه حكيم خبير، لا يضع بره وفضله إلا في موضعه ووقته، بقدر ما تقتضيه حكمته: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27)} [الشورى: 27]. ولو علم الله في الكفار خيراً وقبولاً لنعمة الإيمان، وشكراً له عليها، ومحبة لها، واعترافاً بها، لهداهم إلى الإيمان. ولهذا لما قالوا للمؤمنين: أهؤلاء مَنَّ الله عليهم من بيننا؟. فأجابهم الله بقوله: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (53)} [الأنعام: 53]. فالله سبحانه ما أعطى إلا بحكمته، ولا منع إلا بحكمته، ولا هدى إلا بحكمته، ولا أضل إلا بحكمته. الثالثة: أن تصل باستدلالك إلى أعلى درجات العلم، وهي البصيرة التي تكون نسبة العلوم فيها إلى القلب كنسبة المرئي إلى البصر واضحاً جلياً.
في الحكمة سبعة تأويلات: أحدها: الفقه في القرآن، قاله ابن عباس. والثاني: العلم بالدين، قاله ابن زيد. والثالث: النبوّة. والرابع: الخشية، قاله الربيع. والخامس: الإصابة، قاله ابن أبي نجيح عن مجاهد. والسادس: الكتابة، قاله مجاهد. والسابع: العقل، قاله زيد بن أسلم. ويحتمل ثامناً: أن تكون الحكمة هنا صلاح الدين وإصلاح الدنيا.
وأَمَّا الحِكمة فمن الله - تَعَالى - معرفة (الأَشياءِ وإِيجادُها) على غاية الإِحكام والإِتقان، ومن الإِنسان معرفة الموجودات وفعل الخيرات. وقد وردت فى القرآن على ستَّة أَوجهٍ: الأَوّل: بمعنى النبوّة والرّسالة {وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ} {وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ} أَى النبوّة. الثانى: بمعنى القرآن والتَّفسير والتأْويل وإِصابة القول فيه {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً}. الثالث: بمعنى فهم الدّقائق والفقه فى الدّين {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً} أَى فهم الأَحكام. الرّابع: بمعنى الوعظ والتَّذكير {فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} أَى المواعظ الحسنة {أُوْلَائِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ}. الخامس: آيات القرآن وأَوامره ونواهيه {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}. السّادس: بمعنى حُجّة العقل على وَفْق أَحكام الشَّريعة {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} أَى قولاً يوافق العقل والشرع. وأَصل المادّة موضوع لمنع يُقصد به إِصلاح ومنه سمّى حَكمة الدّابة فقيل: حكمته وحكمت الدّابة منعتها بالحَكَمة، وأَحكمتها: جعلت لها حَكَمةً والحُكْم بالشئ أَن تقضى بأَنه كذا أَو ليس بكذا سواء أَلْزمت ذلك غيرك أَولم تلزمه، قال الشاعر: *واحكم كحكم فتاة الحىّ إِذا نظرت * إِلى حمامٍ سِرَاعٍ واردِ الثَّمَد* وإِذا وُصِفَ القرآن بالحِكْمَةِ فلتضمُّنه الحكمة نحو {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} وقيل: معنى الحكيم المحكم نحو {أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ} وكلا المعنيين صحيح. والحكم أَعمّ من الحِكمة فكلّ حِكْمة حُكْم وليس كلّ حكم حِكمةً وقوله *الصّمت حُكْم وقليل فاعله* أى حِكْمة {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} قيل: تفسير القرآن. والمحكّمون أَصحاب الأُخدود يروى بفتح الكاف وكسرها، سُمّو الأَنَّهم خُيّروا بين أَن يُقتَلوا مُسلمين وبين أَن يرتدُّوا. ومنه الحديث "إِنَّ الجَنَّةَ للمحكَّمين" وقيل عنى المختصّصين بالحِكمة. وأَمّا الحكيم فقد ورد فى القرآن على خمسة أَوجه: الأَوّل: بمعنى الأُمور المقَّضيَّةِ على وجه الحكمة {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}. الثانى: بمعنى اللَّوح المحفوظ {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ}. الثالث: بمعنى الكتاب المشتمل على قبول المصالح {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} وقيل فى معناه غير ذلك وقد تقدّم. الرّابع: بمعنى القرآن العظيم المبيّن لأَحكام الشَّريعة {يس والقُرْآنِ الحَكِيمِ}. الخامس: المخصوص بصفة الله عزَّ وجلّ تارة مقروناً بالعلوّ والعظمة {إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} وتارة مقروناً بالعلم والدّراية {إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} وتارة مقروناً بكمال الخِبْرَة {مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} وتارة مقروناً بكمال العزَّة {وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً}.
رجاحة العقل.
عن ابن عباس في قوله: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ يعني: المعرفة بالقرآن ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ومقدمه ومؤخره، وحلاله وحرامه وأمثاله. وروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس مرفوعا: الحكمة القرآن. يعني: تفسيره، قال ابن عباس: فإنه قد قرأه البر والفاجر. رواه ابن مردويه، وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد يعني بالحكمة: الإصابة في القول. وقال ليت بن أبي سليم عن مجاهد: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ ليست بالنبوة، ولكنه العلم والفقه والقرآن، وقال أبو العالية: الحكمة: خشية الله، فإن خشيه الله رأس كل حكمة، وقد روى ابن مردويه من طريق بقية عن عثمان بن زفر الجهني عن أبي عمار الأسدي عن ابن مسعود مرفوعا: رأس الحكمة مخافة الله وقال أبو العالية في رواية عنه: الحكمة الكتاب والفهم. وقال إبراهيم النخعي: الحكمة: الفهم. وقال أبو مالك: الحكمة: السنة. وقال وهب عن مالك: قال زيد بن أسلم: الحكمة: العقل، قال مالك: ( إنه ليقع في قلبي أن الحكمة: هي الفقه في دين الله، وأمر يدخله الله في القلوب من رحمته وفضله. ومما يبين ذلك أنك تجد الرجل عاقلا في أمر الدنيا إذا نظر فيها، وتجد آخر ضعيفا في أمر دنياه عالما بأمر دينه بصيرا به يؤتيه الله إياه ويحرمه هذا، فالحكمة: الفقه في دين الله ).
الحكمة فهم القرآن وتفسيره
يعني: - والله أعلم - الإصابة في الفهم والسداد في القول والعمل وحسبك بهما نعمة.
أي: يعطي الله فضل التمييز بين الحق والباطل، من يشاء من عباده الأخيار، فيختار الحق ويعمل بمقتضاه، ويذر الباطل ويبعد عن طريقه.
الحكمةُ خيرٌ كثيرٌ تجمعُ للمرء مكارِمَ الأخلاق والتصرُّفات، فهي مِقبَضُ رَحاها، وأُسُّها الحاكم
الحكمة: "هي نفاذ البصيرة إلى سنن الحوادث ومجريات الأمور، وإتقان العمل والتصريف، دون صدام مع قوانين الظواهر في ضوء ظروف العصر
الحكمة هي الفهم. وفي رسالة عمر بن الخطاب لأبي موسى الأشعري في القضاء: (... الفهم الفهم فيما يختلج في صدرك مما لم يبلغك في القرآن والسنة، فتعرف الأمثال والأشباه ثم قس الأمور عند ذلك... ) (5)، وعنون البخاري في صحيحه في كتاب العلم: (باب الفهم في العلم).
الحكمة: هي فعل ما ينبغي، في الوقت الذي ينبغي، على الوجه الذي ينبغي، وأركانها: العلم والحلم والأناة -عدم العجلة- وآفاتها وأضدادها ومعاول هدمها: الطيش والعجلة والجهل.
الحكمة نعمة.
أي يعطي العلم النافع المؤدي إِلى العمل الصالح من شاء من عباده
قال الحافظ ابن حجر فى الفتح: أصح ما قيل فى الحكمة هى وضع الشىء فى محله.
قال أبو الدرداء: الحكمة هي: قراءة القرآن والفكرة فيه.
قال تعالى: وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما النساء: 113 وقال عن المسيح عليه السلام: ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل آل عمران: 48 الحكمة في كتاب الله نوعان: مفردة ومقترنة بالكتاب فالمفردة: فسرت بالنبوة وفسرت بعلم القرآن قال ابن عباس رضي الله عنهما: هي علم القرآن: ناسخة ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه ومقدمه ومؤخره وحلاله وحرامه وأمثاله
وقال الضحاك: هي القرآن والفهم فيه وقال مجاهد: هي القرآن والعلم والفقه وفي رواية أخرى عنه: هي الإصابة في القول والفعل وقال النخعي: هي معاني الأشياء وفهمها وقال الحسن: الورع في دين الله كأنه فسرها بثمرتها ومقتضاها وأما الحكمة المقرونة بالكتاب: فهي السنة كذلك قال الشافعي وغيره من الأئمة وقيل: هي القضاء بالوحي وتفسيرها بالسنة أعم وأشهر
وأحسن ما قيل في الحكمة: قول مجاهد ومالك: إنها معرفة الحق والعمل به والإصابة في القول والعمل وهذا لا يكون إلا بفهم القرآن والفقه في شرائع الإسلام وحقائق الإيمان و الحكمة حكمتان: علمية وعملية فالعلمية: الاطلاع على بواطن الأشياء ومعرفة ارتباط الأسباب بمسبباتها خلقا وأمرا قدرا وشرعا و العلمية كما قال صاحب المنازل: وهي وضع الشيء في موضعه قال: وهي على ثلاث درجات الدرجة الأولى: أن تعطي كل شيء حقه ولا تعديه حده ولا تعجله عن وقته ولا تؤخره عنه لما كانت الأشياء لها مراتب وحقوق تقتضيها شرعا وقدرا ولها حدود ونهايات تصل إليها ولا تتعداها ولها أوقات لا تتقدم عنها ولا تتأخر كانت الحكمة مراعاة هذه الجهات الثلاثة بأن تعطي كل مرتبة حقها الذي أحقه الله لها بشرعه وقدره ولا تتعدى بها حدها فتكون متعديا مخالفا للحكمة ولا تطلب تعجيلها عن وقتها فتخالف الحكمة ولا تؤخرها عنه فتفوتها وهذا حكم عام لجميع الأسباب مع مسبباتها شرعا وقدرا فإضاعتها تعطيل للحكمة بمنزلة إضاعة البذر وسقي الأرض وتعدي الحق: كسقيها فوق حاجتها بحيث يغرق البذر والزرع ويفسد وتعجيلها عن وقتها: كحصاده قبل إدراكه وكماله.
الحكمة في اللغة بكسر الحاء وإهمال الكاف وضم الميم: العدل2. والحكيم: المتقن للأمور3. والحكيم: العالم4. أما في الاصطلاح فقد ذكر العلماء لها عدة معان منها: 1-عن ابن عباس رضي الله عنهما: يعني المعرفة بالقرآن ناسخة، ومنسوخة، ومحكمه ومتشابهه، ومقدمه، ومؤخره، وحلاله وحرامه، وأمثاله. 2-قال السدي5: الحكمة النبوة. 3-قال أبو مالك: الحكمة السنة. 4-قال أبو العالية6 الحكمة خشية الله. 5-قال إبراهيم النخعي1: الحكمة الفهم. 6-قال زيد بن أسلم2: الحكمة العقل. 7-قال مالك: وإنه ليقع في قلبي أن الحكمة: هو3 الفقه في دين الله، وأمر يدخله الله في القلوب من رحمته وفضله4. 8-قال الراغب الأصفهاني5: الحكمة: إصابة الحق بالعلم والعقل6. 9-قال إسماعيل الهروي: هي وضع الشيء في موضعه7. 10-أما ابن القيم فعرف الحكمة بأنها: فعل ما ينبغي على الوجه الذي ينبغي في الوقت الذي ينبغي8. والذي أراه أن الأرجح من هذه الأقوال هو تعريف الإمام ابن القيم والله تعالى أعلم بالصواب. هذا فيما يتعلق بمفهوم الحكمة على الإطلاق، أما باعتبار خصوصيتها للمحتسب فهي: معيار ضابط للقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باعتبار حال المأمور والمنهي، والأسلوب المناسب له، في الوقت المناسب. فليس كل الناس يصلح لهم أسلوب واحد في الاحتساب، وليست جميع المنكرات يصلح لها الاحتساب نفسه في الوقت نفسه، هذا التفاوت يقتضي استخدام المعيار الضابط لذلك كله وهو الحكمة في جميع الأحوال بحيث يستخدم المحتسب الأسلوب المناسب للاحتساب مع من يناسب من الناس في الوقت المناسب. "فليس من الحكمة استخدام أسلوب واحد في الأمر والنهي مع الكبير والصغير والرجل والمرأة والمثقف والجاهل والأمير والحقير والغضوب والهادئ بل لابد من تنويع أسلوب المخاطبة بما يناسب السن والثقافة والطبيعة النفسية والمركز الاجتماعي لكل فرد"1. لأن الحكمة تعني الإصابة في الأقوال والأفعال ووضع كل شيء في موضعه2. إذن هي لين في وقت اللين فحسب، وشدة في وقت الشدة فحسب3. فهي تعني العلم والوعي وتقدير الموقف ثم التفاعل مع الحدث تفاعلا مثمرا4.
رهن إيتاء الحكمة بتقوى الله ومراقبته حيث قال: " واتقوا الله ويعلمكم الله " (البقرة: 282)
الحكمة اسم لأحكام وضع الشيء في موضعه وهي على ثلاث درجات الدرجة الأولى أن تعطي كل شيء حقه ولا تعديه حده ولا تعجله وقته والدرجة الثانية أن تشهد نظر الله في وعيده وتعرف عدله في حكمه وتلحظ بره في منعه والدرجة الثالثة أن تبلغ في استدلالك البصيرة وفي إرشادك الحقيقة وفي إشارتك الغاية.
تفسير الحكمة في القرآن الكريم جاء على أربعة أوجه: 1- مواعظ القرآن الكريم. 2- الحكمة بمعنى الفهم والعلم. 3- الحكمة بمعنى النبوة. 4- القرآن الكريم نفسه بما فيه من عجائب وأسرار.