يقول الله تعالى: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [فاطر: 8]، ويقول الله تعالى: {وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ} [الزمر: 37]، ويقول الله تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات: 17]، ويقول الله تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى} [الليل: 12].
أي: يوفق من يشاءُ للهداية، وقال قوم: لَوْ شاءَ الله لهداهم أي لاضطرهم إِلى أن يهتدوا - كما قال: (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ. وكما قال عزَّ وجلَّ: {ولَوْ شَاءَ اللَّهُ لجَمَعهُم عَلَى الهُدى} وهذا ليس كذلك. هذا فيه: {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ). فَلاَ مُهتديَ إِلا بتَوفيق الله - كما قال: (وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ باللَّه}.
وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ [التغابن: 11] فهو إشارة إلى التّوفيق الملقى في الرّوع فيما يتحرّاه الإنسان وإياه عنى بقوله عزّ وجلّ: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً [محمد: 17] وعدّي الهِدَايَةُ في مواضع بنفسه.
{ومن يضلل الله} عن الهدى {فلن تجد له سبيلاً} أي: طريقاً إلى الهداية.
أي: هدايته، أي يَدُلُّهُ ويرشده وَيُوَفِّقُهُ ويجعل قلبه قابلاً للخير، فهداية القلوب إليه سبحانه يهدي من يشاء بفضله، ويضل من يشاء بعدله، فلا تطلب الهداية إلا منه، فهو الهادي سبحانه، كما قال: من يهديه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له.
الهداية في الحقيقة إمالة القلب من الباطل إلى الحقّ، وذلك من خصائص قدرة الحقّ سبحانه وتطلق الهداية بمعنى الدعاء إلى الحق توسّعا، وذلك واجب في صفته صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52].
أي: إن أمر الناس في الاهتداء مفوّض إلى ربهم، بما وضعه لسير عقولهم وقلوبهم من السنن، فهو الذي يوفقهم إلى النظر الصحيح الذي يكون من ثمرته العمل الموصل إلى سعادتهم.
{وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ} بفضله وإحسانه، فالأمور كلها بيد الله خيرها وشرها، ولكن من جهة الأدب مَّآ أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ.
إنّ الهدى يستعمل في القرآن استعمالين؛ أحدهما عام، والثاني خاص. أما الهدى العام فمعناه إبانة طريق الحقّ وإيضاح المحجة سواء سلكها المبين له أم لا.
وَلَكِنَّ الله يَهْدِي مَن يَشَاءُ، أي: لا يجب عليك جعل الناس مهديين، فإنه ليس في يدك وقدرتك، ولكن الهداية من الله.
يعني: إنك لا توفق ولا تستطيع أن توفِّق، بل الذي يوفق هو الله، وهو الذي يخلق الهداية في القلوب.