الدعاء في الأديان السماوية |
الدعاء في الأديان السماوية الحمدُ لله الذي وصَلَ الحبل من الأرضِ إلى السماءِ؛ فجعلَ بفضلهِ الدعاء سببًا للوصول واللقاء، فقرب برحمته الأولياء، وسهل على الأتقياء طريقًا للسعادة والهناء. وأصلي وأسلم على المصطفى من عباد الله أجمعين، وصاحب المقام المحمود يوم يقوم الناس لرب العالمين، وعلى آل بيته الطاهرين، وسائر أصحابه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد.
اللَّهُمَّ اقْضِ لِي فِي الْأَرْبِعَاءِ أَرْبَعاً، اجْعَلْ قُوَّتِي فِي طَاعَتِكَ، وَنَشَاطِي فِي عِبَادَتِكَ، وَرَغْبَتِي فِي ثَوَابِكَ ، وَزُهْدِي فِيمَا يُوجِبُ لِي أَلِيمَ عِقَابِكَ، إِنَّكَ لَطِيفٌ لِمَا تَشَاءُ.
إن السلوك التعبدي والحال الإيماني يبلغ بالإنسان درجة الكمال ويوجد حلاوة في الجنان وطلاوة على اللسان، لا يشعر بمذاقها إلا من جربها وأحس بها في وجدانه وكيانه. والله عزَّ وجلَّ أخبرنا في كتابه أنه جعل طمأنينة القلب بمعرفته وذكره، وقربه وحبه؛ فقال: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28]. الدعاء هو العبادة الدعاء يرد بمعنى العبادة كما جاء في حديث النعمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "الدُّعَاءَ هُوَ العِبَادَةُ"، ثُمَّ قَرَأَ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:60]([1]). والعبادة في اللغة هي الخضوع والتذليل، وكل خضوع ليس فوقه خضوع فهو عبادة، طاعة كان للمعبود أو غير طاعة، وكل طاعة لله على جهة المحبة والخضوع والتذلل فهي عبادة ([2]). والعبادة في المعنى الشرعي تعني الخضوع التام المقترن بالإرادة وتعظيم المحبوب. فإن كان الخضوع والطاعة بغير إرادة فلا تسمى عبادة، بل هي في هذه الحالة إكراه وإلزام. الدعاء نوعان: دعاء تضرع وتسبيح وتمجيد وتعظيم (مناجاة). ودعاء مسألة وطلب احتياجات. ولا شك أن التكامل حاصل بين دعاء التضرع ودعاء المسألة.
في زمان التقدم العلمي، يسمع العالم في كل يوم باختراع جديد، أو اكتشاف فريد في عالم الأسلحة، على تراب الأرض، أو في فضاء السماء الرحب، أو وسط أمواج البحر. وإن السلاح هو عتاد الأمم الذي تقاتل به أعداءها، فمقياس القوة والضعف في عُرف العالم اليوم بما تملك تلك الأمة أو الدولة من أسلحة أو عتاد. ولكن ثمة سلاح لا تصنعه مصانع الغرب أو الشرق. إنه أقوى من كل سلاح مهما بلغت قوته ودقته. والعجيب في هذا السلاح أنه عزيز لا يملكه إلا صنف واحد من الناس، إنهم المؤمنون. الدعاء سلاح رباني، سلاح الأنبياء والأتقياء على مرّ العصور. سلاح نجى الله به نوحًا عليه السلام فأغرق قومه بالطوفان. ونجى الله به موسى عليه السلام من الطاغية فرعون. نجى الله به نبيه صالحًا، وأهلك ثمود. وأذل عادًا وأظهر هودَ عليه السلام. وأعز به محمدًا صلى الله ليه وآله وسلم في مواطن كثيرة. ولا يزال ذلكم السلاح هو سيف الصالحين المخبتين مع تعاقب الأزمان وتغير الأحوال.
تلكم العبادة وذلك السلاح هو الدعاء.
الدعاء طريق النجاة، وسلم الوصول، ومطلب العارفين، ومطية الصالحين، وملجأ المستضعفين، به تُستجلب النعم، وبمثله تُستدفع النقم. ما أشد حاجة العباد إليه، وما أعظم ضرورتهم إليه، لا يستغني عنه المؤمن بحال من الأحوال.
إلهي! ما زلت تغمرنا بوابل النعم حتى لا نستطيع إحصاءها، وما زلت تسبغ علينا آيات الرضى حتى عجزنا عن أداء الشكر عليها، وما زلت تستر من سيئاتنا ما لا نملك معه إلا الطمع بغفرانك لها، وما زلت تمدنا بوسائل العون حتى لا نرى أنفسنا أهلًا لاستحقاقها، ملأت قلوب المذنبين طمعًا برحمتك، وملأت قلوب العابدين أملًا بجنتك، وملأت قلوب العارفين رجاء بدوام تجلياتك، وملأت قلوب المحبين رغبة في دوام أعطياتك، العطاء عطاؤك، والمنة منتك، والرضى رضاك، والوصال وصالك، والجمال جمالك، والجلال جلالك، والبقاء لذاتك، يا مفيض النعم حتى على الجاحدين، ويا واهب الكرم حتى للمنكرين، ويا واسع الحلم حتى على المتكبرين، ويا عظيم الرحمة حتى للمعاندين. سبحانك! سبحانك!. إلهي..! جلّت ذاتك عن أن تدركها أبصارنا، وجلَّت أفعالك عن أن تدرك تمام حكمتها أفهامنا، وجلَّت ألوهيَّتك عن أن تقوم بحقِّها عبادتنا، وجلّت نعمتك عن أن تؤدي شكرها جوارحنا، وجلَّت عظمتك عن أن تخشع لها حق الخشوع قلوبنا، وجلَّت رحمتك عن أن نستوجبها بقليل أعمالنا.
يَا مَنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ العُلَى، يَا رَحْمَاناً عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى، يَا مَنْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا، وَمَا تَحْتَ الثَّرَى، يَا مَنْ يَعْلَمُ السِّرَ وَأَخْفَى، يَا مَنْ لَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى، يَا مَنْ مَعَ عِبَادِهِ يَسْمَعُ وَيَرَى، يَا مَنْ أَعْطَى كُلّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى. أَنْتَ البَادِئُ بِالإِحْسَانِ مِنْ قَبْلِ تَوَجُّهِ العَابِدِينَ، وَأَنْتَ البَادِئُ بِالعَطَايَا قَبْلَ طَلَبِ الطَّالِبِينَ وَأَنْتَ الوَهَّابُ.
يَا خَيْرَ مَنْ سُئِلَ، وَأَجْوَدَ مَنْ أَعْطَى، وَأَكْرَمَ مَنْ عَفَا، وَأَعْظَمَ مَنْ غَفَرَ، وَأَعْدَلَ مَنْ حَكَمَ، وَأَصْدَقَ مَنْ حَدَّثَ، وَأَوْفَى مَنْ وَعَدَ، وَأَبْصَرَ مَنْ رَاقَبَ، وَأَسْرَعَ مَنْ حَاسَبَ، وَأَرْحَمَ مَنْ عَاقَبَ، وَأَحْسَنَ مَنْ خَلَقَ، وَأَحْكَمَ مَنْ شَرَعَ، وَأَحَقَّ مَنْ عُبِدَ، وَأَوْلَى مَنْ دُعِيَ، وَأَبَرَّ مَنْ أَجَابَ.
يَا ذَا الْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ، يَا ذَا الْفَخْرِ وَالْبَهَاءِ، يَا ذَا الْمَجْدِ وَالسَّنَاءِ، يَا ذَا الْعَهْدِ وَالْوَفَاءِ، يَا ذَا الْعَفْوِ وَالرِّضَا، يَا ذَا الْمَنِّ وَالْعَطَاءِ، يَا ذَا الْفَضْلِ وَالْقَضَاءِ، يَا ذَا الْعِزِّ وَالْبَقَاءِ، يَا ذَا الْجُودِ وَالسَّخَاءِ، يَا ذَا الْآلَاءِ وَالنَّعْمَاءِ.
يَا عُدَّتِي عِنْدَ شِدَّتِي، يَا رَجَائِي عِنْدَ مُصِيبَتِي، يَا مُونِسِي عِنْدَ وَحْشَتِي، يَا صَاحِبِي عِنْدَ غُرْبَتِي، يَا وَلِيِّي عِنْدَ نِعْمَتِي، يَا غِيَاثِي عِنْدَ كُرْبَتِي، يَا دَلِيلِي عِنْدَ حَيْرَتِي، يَا غَنَائِي عِنْدَ افْتِقَارِي، يَا مَلْجَئِي عِنْدَ اضْطِرَارِي، يَا مُغِيثِي عِنْدَ مَفْزَعِي.
يَا مَنْ هُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ، يَا مَنْ هُوَ إِلَهُ كُلِّ شَيْءٍ، يَا مَنْ هُوَ صَانِعُ كُلِّ شَيْءٍ، يَا مَنْ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، يَا مَنْ هُوَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، يَا مَنْ هُوَ بَعْدَ كُلِّ شَيْءٍ، يَا مَنْ هُوَ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ، يَا مَنْ هُوَ عَالِمٌ بِكُلِّ شَيْءٍ، يَا مَنْ هُوَ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، يَا مَنْ يَبْقَى وَيَفْنَى كُلُّ شَيْءٍ .
يَا مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ عَظَمَتُهُ، يَا مَنْ فِي الْأَرْضِ آيَاتُهُ، يَا مَنْ فِي كُلِّ شَيْءٍ دَلَائِلُهُ، يَا مَنْ فِي الْبِحَارِ عَجَائِبُهُ، يَا مَنْ فِي الْجِبَالِ خَزَائِنُهُ، يَا مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ، يَا مَنْ إِلَيْهِ يَرْجِعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ، يَا مَنْ أَظْهَرَ فِي كُلِّ شَيْءٍ لُطْفَهُ، يَا مَنْ أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ، يَا مَنْ تَصَرَّفَ فِي الْخَلَائِقِ قُدْرَتُهُ.
|
Powered by SyrianMonster Web Service Provider - all rights reserved 2024© |