الدين والطب النفسي |
في عنوان المؤتمر (الطب النفسي الجسدي)، وتأكيد صحة أن هناك مجموعة من المرضى يعبرون عن معاناتهم النفسية من خلال الجسم، وأن المرض العضوي يؤثر على الناحية النفسية، هناك إشارة جميلة في كتاب الله تعالى توضح العلاقة بين النفس والجسم، في قصة حزن يعقوب عليه السلام على ابنه يوسف عليه السلام: {وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} [يوسف: 84]، فالحزن حالة نفسية أثرت على البصر الجانب العضوي.
والقصد من الطب هو: حفظ سلامة الإنسان مادياً ومعنوياً بالتربية والتنمية والتقوية والوقاية من الأمراض على اختلاف أسبابها وأنواعها والعلاج بكل الوسائل النافعة مادياً ومعنوياً. والعلم علمان: علم الأبدان وعلم الأديان، وهما مترابطان.
والصحة النفسية تعتبر من الأشياء التي يطلبها الناس في مشارق الأرض ومغاربها، والدعاة إليها، يقولون إن رسالتهم هي مساعدة الأفراد على أن تكون لهم البصيرة والقدرة على التصدي لمشكلاتهم اليومية، والقدرة على حلها. وقد عبَّر عدد ليس بالقليل من علماء النفس المحدثين مثل وليم جيمس، وكارل يونج، وا.ا.بريل، وهنري لينك، عن أهمية الدين والإيمان بالله في الصحة النفسية، وأشاروا إلى الدور المهم الذي يقوم به الإيمان في بث الأمن والطمأنينة في النفس، وفي التخلص من القلق والاضطراب النفسي. وأعرض فيما يلي بعض أقوال حول العلاج الديني للقلق: في كتابه (دع القلق واستمتع بالحياة) لدائيل كارنجي، نقل عن وليم جيمس William James أنه قال: (إن أعظم علاج للقلق هو الإيمان)، وقال: (الإيمان من القوى التي لا بد من توفرها لمعاونة المرء على العيش، وفقده نذير بالعجز عن معاناة الحياة)، وقال: (إن بيننا وبين الله رابطة لا تنفصل). وقال كارل يونجC. Jung : (استشارني خلال الأعوام الثلاثين الماضية أشخاص من مختلف شعوب العالم المتحضر، وعالجت مئات كثيرة من المرضى .. وأستطيع القول إن كل منهم قد وقع فريسة المرض لأنه فقد ذلك الشيء الذي تمنحه الأديان القائمة في كل عصر لأتباعها، وأنه لم يتم شفاء أحد منهم حقيقة إلاّ بعد أن استعاد نظرته الدينية في الحياة). ويقول برين A.A.Brin المحلل النفسي: (إن المرء المتدين حقاً لا يعاني قط مرضاً نفسياً ). وذكر هنري لنيك Hnery Link العالم النفسي الأمريكي في كتابه (العودة إلى الإيمان): (أنه وجد نتيجة خبرته الطويلة في تطبيق الاختبارات النفسية على العمال في عمليتي الاختبار المهني والتوجيه المهني أن الأشخاص المتدينين والذي يترددون على دور العبادة يتمتعون بشخصية أقوى وأفضل ممن لا دين لهم أو لا يقومون بأية عبادة). كما أشار المؤرخ أرنولد توينبي A. Twinby إلى أن الأزمة التي يعاني منها الأوروبيون في العصر الحديث إنما ترجع في أساسها إلى الفقر الروحي، وأن العلاج الوحيد لهذا التمزق الذي يعانون منه هو الارتباط بالدين. إذن: لا بد من ربط الصحة النفسية بالمنبع الأصيل، والمنهج الذي أنزله الله ديناً للبشر، قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97]. مرتكزات الحياة الطيبة: العلم والإرادة: ففي القلب قوتان: قوة العلم والتمييز، وقوة الإرادة والحب.
وقد عرفت هيئة الصحة العالمية الصحة النفسية بأنها: تكيف الأفراد مع أنفسهم ومع العالم عموماً، مع حد أقصى من النجاح والرضا والانشراح والسلوك الاجتماعي السليم والقدرة على مواجهة حقائق الحياة وقبولها. يحتاج الإنسان لتتم سعادته وفلاحه: أن يعرف تفاصيل أسباب الشر والخير ويكون له بصيرة في ذلك بما شهده في العالم وما جربه في نفسه وغيره وما سمعه من أخبار الأمم قديماً وحديثاً. أنواع السعادة القلبية ثلاثة: سعادة خارجية عن ذات الإنسان، مستعارة من غيره تزول باسترداد العارية، وهي سعادة المال والحياة. وسعادة في جسمه وبدنه كصحته، واعتدال مزاجه، وتناسب أعضائه، وحسن تركيبه، وصفاء لونه، وقوة أعضائه. والسعادة الحقيقية وهي سعادة نفسانية روحية قلبية، وهي سعادة العلمُ النافع، فإنها الباقية رغم تغير الأحوال، والمصاحبة في جميع الأسفار. مؤشرات الصحة النفسية: من هذه المؤشرات ما وضعه ماسلو Maslow: ارتباط الفرد بمجموعة من القيم منها: صدق الفرد مع نفسه ومع الآخرين. وأن تكون لديه الشجاعة في التعبير عما يراه صواباً. أن يتفانى في أداء العمل الذي يجب أن يؤديه. أن يكشف من هو، وما الذي يريده، وما الذي يحبه. وأن يعرف ما هو الخير له، وأن يتقبل ذلك دون اللجوء إلى حيل دفاعية يقصد بها تشويه الحقيقة. وبربط ما سبق بقيم الدين، يُلاحظ أن تلك المؤشرات تأخذ الأبعاد الآتية: البعد الروحي: من خلال الإيمان بالله، وما يستتبعه من القبول بقضاء الله وقدره. البعد النفسي: من خلال الصدق مع النفس، وسلامة الصدر من الحقد والحسد والكره، وقبول الذات، والابتعاد عما يؤذي النفس من الكبرياء، الغرور، والكسل، والتشاؤم، مع السيطرة وضبط النفس. البعد الاجتماعي: من خلال حب الوالدين، وحب شريكة الحياة، حب الأولاد، ومساعدة الآخرين، والأمانة، والابتعاد عما يؤذي الناس، من الكذب، والغش، والسرقة، والقتل، والخيانة، والظلم، مع التحلي الصدق مع الآخرين، وحب العمل، وتحمل المسؤولية الاجتماعية. من التوجيهات الدينية: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه ألا يخشوا إلا الله تعالى وحده، وألا يسألوا إلا الله وحده: "احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ وَإِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ" [رواه الترمذي]. فالإيمان بالله يملأ النفس بالانشراح والرضا والسعادة، ويجعل الإنسان يعيش في حالة غامرة من الطمأنينة والأمن النفسي، قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28]. ومن العوامل الرئيسة لتحقيق السعادة والصحة النفسية: التقوى؛ فهي طاقة موجهة للإنسان نحو السلوك الأفضل والأحسن، ونحو نمو الذات ورقيها، وتجنب السلوك السيئ والمنحرف والشاذ. ألست الغاية من الطب النفسي: العودة بالمريض النفسي إلى مجتمعه من جديد ليتفاعل معه وبالصورة العادية التي لا يشوبها أي خلل أو اضطراب بعد أن أعيد له توازنه النفسي والاجتماعي؟. من أهم طرق العلاج المشتركة بين العلم والدين: الحديث عن المشكلة، (الاعتراف) بين الإنسان وذاته (الاستغفار)، أو أمام صاحب الاختصاص. ومن أنجح الأطباء النفسانيين: من يتمتع بإصغاء جيد لمرضاه.
أساليب السيطرة على الجانب النفسي في الإنسان: 1 ـ السيطرة على الدوافع: والتحكم فيها، دون كبت الدوافع الفطرية، وإنما هو تنظيم إشباعها، وتوجيهها بما يراعى فيه مصلحة الفرد والجماعة. 2 ـ السيطرة على الانفعالات: والتحكم فيها، وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى التغلب على انفعال الغضب ونحوه من الانفعالات الأخرى.
أساليب نشر الوعي بالصحة النفسية: يعنى الدين ببناء الإنسان وتربيته وإعداده لتحمل مسؤولياته. فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم الاستقامة في السلوك والأخلاق الحميدة والعادات الحسنة في الحياة اليومية، وفي التعامل مع الآخرين. وكان يبث في النفوس حب الناس، والتعاون، ومد يد العون والمساعدة للغير، والثقة بالنفس والاعتماد عليها، والقناعة والرضا بما قدر الله. وكان يغرس في النفوس الأمن والطمأنينة والتحرر من الخوف والقلق. ويحث على العمل والإنتاج والإتقان، وتحصيل العلم وتلقي المعرفة والتحرر من الجهل والأوهام والخرافات. ومن أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أصْبَحَ مِنْكُمْ آمِناً في سربِهِ، مُعَافَىً في جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا" [رواه البخاري في الأدب المفرد]. وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يكُنْ أحَدُكُمْ إِمّعَة، يقول: أنا مع الناس، إِن أحْسَنَ الناسُ أحسنتُ. وإن أساءوا أسأتُ، ولكن وَطِّنُوا أنفسكم إن أحسن الناسُ أن تُحْسِنُوا، وإن أساءوا أن لا تظلِمُوا" [الترمذي]. وقال صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ وَلكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ" [متفق عليه]. والمؤمن لا يصل به الحزن إلى اليأس من روح الله لأنه لا يأس من روح الله إلا مع الكفر. إنجازات العرب في الطب النفسي: لعل أقدم كتاب في تاريخ العرب والمسلمين يتحدث عن الطب النفسي، هو كتاب: (جمل مصالح الأنفس والأبدان)، لأبي زيد: أحمد بن سهل البلخي، المتوفى: سنة 340، أربعين وثلاثمائة، وقد حققه أستاذنا الدكتور عبد الستار أبو غدة، بعنوان (مصالح الأنفس). ومن إنجازات العرب في الطب النفسي:
كيفية التعاطي مع المشكلة والحل: أولاً: لا ننكر أنه زالت بعض الطرق التقليدية لعلاج الأمراض النفسية سائدة في المجتمع، ونقصد اتجاه الناس إلى السحرة والمشعوذين والدجَّالين، الذين يستعملون أساليب خرافية لعلاج الأمراض النفسية. ونقول عندما يرتقي الإنسان بالعلم إلى العقيدة الصحيحة يعلم أن الله تعالى خلق الإنسان جسداً وعقلاً ونفساً؛ فكما أن الجسم يصاب بالمرض، ويذهب المريض إلى صاحب الاختصاص، فمن سنة الله أن النفس والعقل قد يصابان بأمراض، وهنا يجب على الإنسان أن يبحث عن الأسباب المؤدية لهذه الأمراض لأخذ العلاج المناسب، قال الله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43، والأنبياء: 7]، أي: اسألوا أهل الاختصاص، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تَدَاوَوْا عِبَادَ اللهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ: الْهَرَمُ" [صحيح ابن حبان]. ثانياً: لا بدَّ من توضيح الفرقِ بين العلاج بالقرآنِ الكريم على أساسٍ فكريٍّ معرفيٍّ واضح ومن قِبَلِ من يعرف ما هو المرضُ وما أشكاله وأسبابه، وبين من ينسب المرضَ النفسي إ الدين والطب النفسي
ورقة عمل مقدَّمة للمؤتمر السنوي الرابع للهيئة العامة لمشفى ابن سينا المركز الثقافي العربي ـ كفر سوسة، دمشق 18 ـ 20/12/2010 م
الدكتور علاء الدين زعتري alzatari@scs.net.org
في عنوان المؤتمر (الطب النفسي الجسدي)، وتأكيد صحة أن هناك مجموعة من المرضى يعبرون عن معاناتهم النفسية من خلال الجسم، وأن المرض العضوي يؤثر على الناحية النفسية، هناك إشارة جميلة في كتاب الله تعالى توضح العلاقة بين النفس والجسم، في قصة حزن يعقوب عليه السلام على ابنه يوسف عليه السلام: {وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} [يوسف: 84]، فالحزن حالة نفسية أثرت على البصر الجانب العضوي.
والقصد من الطب هو: حفظ سلامة الإنسان مادياً ومعنوياً بالتربية والتنمية والتقوية والوقاية من الأمراض على اختلاف أسبابها وأنواعها والعلاج بكل الوسائل النافعة مادياً ومعنوياً. والعلم علمان: علم الأبدان وعلم الأديان، وهما مترابطان.
والصحة النفسية تعتبر من الأشياء التي يطلبها الناس في مشارق الأرض ومغاربها، والدعاة إليها، يقولون إن رسالتهم هي مساعدة الأفراد على أن تكون لهم البصيرة والقدرة على التصدي لمشكلاتهم اليومية، والقدرة على حلها. وقد عبَّر عدد ليس بالقليل من علماء النفس المحدثين مثل وليم جيمس، وكارل يونج، وا.ا.بريل، وهنري لينك، عن أهمية الدين والإيمان بالله في الصحة النفسية، وأشاروا إلى الدور المهم الذي يقوم به الإيمان في بث الأمن والطمأنينة في النفس، وفي التخلص من القلق والاضطراب النفسي. وأعرض فيما يلي بعض أقوال حول العلاج الديني للقلق: في كتابه (دع القلق واستمتع بالحياة) لدائيل كارنجي، نقل عن وليم جيمس William James أنه قال: (إن أعظم علاج للقلق هو الإيمان)، وقال: (الإيمان من القوى التي لا بد من توفرها لمعاونة المرء على العيش، وفقده نذير بالعجز عن معاناة الحياة)، وقال: (إن بيننا وبين الله رابطة لا تنفصل). وقال كارل يونجC. Jung : (استشارني خلال الأعوام الثلاثين الماضية أشخاص من مختلف شعوب العالم المتحضر، وعالجت مئات كثيرة من المرضى .. وأستطيع القول إن كل منهم قد وقع فريسة المرض لأنه فقد ذلك الشيء الذي تمنحه الأديان القائمة في كل عصر لأتباعها، وأنه لم يتم شفاء أحد منهم حقيقة إلاّ بعد أن استعاد نظرته الدينية في الحياة). ويقول برين A.A.Brin المحلل النفسي: (إن المرء المتدين حقاً لا يعاني قط مرضاً نفسياً ). وذكر هنري لنيك Hnery Link العالم النفسي الأمريكي في كتابه (العودة إلى الإيمان): (أنه وجد نتيجة خبرته الطويلة في تطبيق الاختبارات النفسية على العمال في عمليتي الاختبار المهني والتوجيه المهني أن الأشخاص المتدينين والذي يترددون على دور العبادة يتمتعون بشخصية أقوى وأفضل ممن لا دين لهم أو لا يقومون بأية عبادة). كما أشار المؤرخ أرنولد توينبي A. Twinby إلى أن الأزمة التي يعاني منها الأوروبيون في العصر الحديث إنما ترجع في أساسها إلى الفقر الروحي، وأن العلاج الوحيد لهذا التمزق الذي يعانون منه هو الارتباط بالدين. إذن: لا بد من ربط الصحة النفسية بالمنبع الأصيل، والمنهج الذي أنزله الله ديناً للبشر، قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97]. مرتكزات الحياة الطيبة: العلم والإرادة: ففي القلب قوتان: قوة العلم والتمييز، وقوة الإرادة والحب.
وقد عرفت هيئة الصحة العالمية الصحة النفسية بأنها: تكيف الأفراد مع أنفسهم ومع العالم عموماً، مع حد أقصى من النجاح والرضا والانشراح والسلوك الاجتماعي السليم والقدرة على مواجهة حقائق الحياة وقبولها. يحتاج الإنسان لتتم سعادته وفلاحه: أن يعرف تفاصيل أسباب الشر والخير ويكون له بصيرة في ذلك بما شهده في العالم وما جربه في نفسه وغيره وما سمعه من أخبار الأمم قديماً وحديثاً. أنواع السعادة القلبية ثلاثة: سعادة خارجية عن ذات الإنسان، مستعارة من غيره تزول باسترداد العارية، وهي سعادة المال والحياة. وسعادة في جسمه وبدنه كصحته، واعتدال مزاجه، وتناسب أعضائه، وحسن تركيبه، وصفاء لونه، وقوة أعضائه. والسعادة الحقيقية وهي سعادة نفسانية روحية قلبية، وهي سعادة العلمُ النافع، فإنها الباقية رغم تغير الأحوال، والمصاحبة في جميع الأسفار. مؤشرات الصحة النفسية: من هذه المؤشرات ما وضعه ماسلو Maslow: ارتباط الفرد بمجموعة من القيم منها: صدق الفرد مع نفسه ومع الآخرين. وأن تكون لديه الشجاعة في التعبير عما يراه صواباً. أن يتفانى في أداء العمل الذي يجب أن يؤديه. أن يكشف من هو، وما الذي يريده، وما الذي يحبه. وأن يعرف ما هو الخير له، وأن يتقبل ذلك دون اللجوء إلى حيل دفاعية يقصد بها تشويه الحقيقة. وبربط ما سبق بقيم الدين، يُلاحظ أن تلك المؤشرات تأخذ الأبعاد الآتية: البعد الروحي: من خلال الإيمان بالله، وما يستتبعه من القبول بقضاء الله وقدره. البعد النفسي: من خلال الصدق مع النفس، وسلامة الصدر من الحقد والحسد والكره، وقبول الذات، والابتعاد عما يؤذي النفس من الكبرياء، الغرور، والكسل، والتشاؤم، مع السيطرة وضبط النفس. البعد الاجتماعي: من خلال حب الوالدين، وحب شريكة الحياة، حب الأولاد، ومساعدة الآخرين، والأمانة، والابتعاد عما يؤذي الناس، من الكذب، والغش، والسرقة، والقتل، والخيانة، والظلم، مع التحلي الصدق مع الآخرين، وحب العمل، وتحمل المسؤولية الاجتماعية. من التوجيهات الدينية: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه ألا يخشوا إلا الله تعالى وحده، وألا يسألوا إلا الله وحده: "احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ وَإِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ" [رواه الترمذي]. فالإيمان بالله يملأ النفس بالانشراح والرضا والسعادة، ويجعل الإنسان يعيش في حالة غامرة من الطمأنينة والأمن النفسي، قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28]. ومن العوامل الرئيسة لتحقيق السعادة والصحة النفسية: التقوى؛ فهي طاقة موجهة للإنسان نحو السلوك الأفضل والأحسن، ونحو نمو الذات ورقيها، وتجنب السلوك السيئ والمنحرف والشاذ. ألست الغاية من الطب النفسي: العودة بالمريض النفسي إلى مجتمعه من جديد ليتفاعل معه وبالصورة العادية التي لا يشوبها أي خلل أو اضطراب بعد أن أعيد له توازنه النفسي والاجتماعي؟. من أهم طرق العلاج المشتركة بين العلم والدين: الحديث عن المشكلة، (الاعتراف) بين الإنسان وذاته (الاستغفار)، أو أمام صاحب الاختصاص. ومن أنجح الأطباء النفسانيين: من يتمتع بإصغاء جيد لمرضاه.
أساليب السيطرة على الجانب النفسي في الإنسان: 1 ـ السيطرة على الدوافع: والتحكم فيها، دون كبت الدوافع الفطرية، وإنما هو تنظيم إشباعها، وتوجيهها بما يراعى فيه مصلحة الفرد والجماعة. 2 ـ السيطرة على الانفعالات: والتحكم فيها، وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى التغلب على انفعال الغضب ونحوه من الانفعالات الأخرى.
أساليب نشر الوعي بالصحة النفسية: يعنى الدين ببناء الإنسان وتربيته وإعداده لتحمل مسؤولياته. فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم الاستقامة في السلوك والأخلاق الحميدة والعادات الحسنة في الحياة اليومية، وفي التعامل مع الآخرين. وكان يبث في النفوس حب الناس، والتعاون، ومد يد العون والمساعدة للغير، والثقة بالنفس والاعتماد عليها، والقناعة والرضا بما قدر الله. وكان يغرس في النفوس الأمن والطمأنينة والتحرر من الخوف والقلق. ويحث على العمل والإنتاج والإتقان، وتحصيل العلم وتلقي المعرفة والتحرر من الجهل والأوهام والخرافات. ومن أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أصْبَحَ مِنْكُمْ آمِناً في سربِهِ، مُعَافَىً في جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا" [رواه البخاري في الأدب المفرد]. وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يكُنْ أحَدُكُمْ إِمّعَة، يقول: أنا مع الناس، إِن أحْسَنَ الناسُ أحسنتُ. وإن أساءوا أسأتُ، ولكن وَطِّنُوا أنفسكم إن أحسن الناسُ أن تُحْسِنُوا، وإن أساءوا أن لا تظلِمُوا" [الترمذي]. وقال صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ وَلكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ" [متفق عليه]. والمؤمن لا يصل به الحزن إلى اليأس من روح الله لأنه لا يأس من روح الله إلا مع الكفر. إنجازات العرب في الطب النفسي: لعل أقدم كتاب في تاريخ العرب والمسلمين يتحدث عن الطب النفسي، هو كتاب: (جمل مصالح الأنفس والأبدان)، لأبي زيد: أحمد بن سهل البلخي، المتوفى: سنة 340، أربعين وثلاثمائة، وقد حققه أستاذنا الدكتور عبد الستار أبو غدة، بعنوان (مصالح الأنفس). ومن إنجازات العرب في الطب النفسي:
كيفية التعاطي مع المشكلة والحل: أولاً: لا ننكر أنه زالت بعض الطرق التقليدية لعلاج الأمراض النفسية سائدة في المجتمع، ونقصد اتجاه الناس إلى السحرة والمشعوذين والدجَّالين، الذين يستعملون أساليب خرافية لعلاج الأمراض النفسية. ونقول عندما يرتقي الإنسان بالعلم إلى العقيدة الصحيحة يعلم أن الله تعالى خلق الإنسان جسداً وعقلاً ونفساً؛ فكما أن الجسم يصاب بالمرض، ويذهب المريض إلى صاحب الاختصاص، فمن سنة الله أن النفس والعقل قد يصابان بأمراض، وهنا يجب على الإنسان أن يبحث عن الأسباب المؤدية لهذه الأمراض لأخذ العلاج المناسب، قال الله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43، والأنبياء: 7]، أي: اسألوا أهل الاختصاص، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تَدَاوَوْا عِبَادَ اللهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ: الْهَرَمُ" [صحيح ابن حبان]. ثانياً: لا بدَّ من توضيح الفرقِ بين العلاج بالقرآنِ الكريم على أساسٍ فكريٍّ معرفيٍّ واضح ومن قِبَلِ من يعرف ما هو المرضُ وما أشكاله وأسبابه، وبين من ينسب المرضَ النفسي إلى فعل الجنِّ ويتعامل مع آيات القرآنِ وكأنها تعاويذُ يؤثِّرُ بها في الجن ويفعل أشياءً ما أنزل الله بها من سلطان. ثالثاً: لا أعتقد أن ثمة (معركة) بين الأطباء النفسيين (جملةً) وعلماء الشريعة (جملةً). إنما هنالك معركة يفتعلها في كثير من الأحيان بعض (محترفي) الرقية ضد الطب النفسي والأطباء النفسيين. والسبب واضح: صرف أكبر عدد من المرضى النفسيين من المستشفيات لمراكزهم والانتفاع بالأموال التي يأخذونها من المرضى. وهؤلاء لا يمثلون علماء الشريعة ولا تتوافر لدى أغلبهم المعرفة بأساسيات العلم الشرعي. وهذا صراع على المكاسب المادية، والذي لا ينبغي أن يلبس مسوح الدين!
لى فعل الجنِّ ويتعامل مع آيات القرآنِ وكأنها تعاويذُ يؤثِّرُ بها في الجن ويفعل أشياءً ما أنزل الله بها من سلطان. ثالثاً: لا أعتقد أن ثمة (معركة) بين الأطباء النفسيين (جملةً) وعلماء الشريعة (جملةً). إنما هنالك معركة يفتعلها في كثير من الأحيان بعض (محترفي) الرقية ضد الطب النفسي والأطباء النفسيين. والسبب واضح: صرف أكبر عدد من المرضى النفسيين من المستشفيات لمراكزهم والانتفاع بالأموال التي يأخذونها من المرضى. وهؤلاء لا يمثلون علماء الشريعة ولا تتوافر لدى أغلبهم المعرفة بأساسيات العلم الشرعي. وهذا صراع على المكاسب المادية، والذي لا ينبغي أن يلبس مسوح الدين!
|
Powered by SyrianMonster Web Service Provider - all rights reserved 2024© |