الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر |
الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكرالحمد لله الذي فرض على عباده الصلاة، وجعلها لهم من أحلى الطاعات، وشرع لهم منها من النوافل والقربات. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه سادة السادات. إن أول ثمرات الصلاة ظهورًا أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، لأنها نور الله الذي أودعه في قلب المؤمن. فلا تترك ما تستطيع للعجز عمّا لا تستطيع، فالميسور لا يسقط بالمعسور، ولقد صدق القائل حين قال: اصنع الخير ما استطعت وإن…كنت لا تحيط بكلّه فمتى تصنع الكثير إذا…كنت تاركًا لأقلِّه فما الأسباب التي تجعل الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر؟ أولها: الصلاة في الوقت. السبب الثاني الذي تحسن به صلاتك "حب الصلاة". أحبّ هذه العبادة العظيمة حبًا يملأ عليك حياتك وقلبك وجوارحك كلها، حتىّ تشعر أن الحياة بلا صلاة كجسد بلا روح، وأنّ الدنيا لولا الصّلاة لا تساوي جناح بعوضة، حتى تشعر بضرورة الصلاة كضرورة الماء للنبّات، كيف لا؟! والصلاة هي الصلة بينك وبين الله، هي المناجاة لرب العالمين، هي الحديث مع خالق الناس أجمعين. أقول ذلك لأن الذي يصلي وهو لا يستشعر حلاوة هذه العبادة فستثقل عليه حتمًا، ويكون شبيهًا بالمكره الذي يفعل الشيء وهو لا يريده، ومن المعلوم لدى الخاص والعام أنّ يمين وعقد المكره لا ينعقد ولا يصحّ. انظر إلى أولئك السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله تجد منهم رجلاً تعلق قلبه بالمساجد، تعلق أي: صار ذا عُلقةٍ بالمسجد، فلا يرتاح إلا فيه، لا ينتهي من صلاة حتى يشتاق ويحنّ إلى الصلاة الأخرى، لا يرضى بفراق الله طرفة عين، فلا يلبث حتى يقوم ويتطوع بركعات لله، فالصلاة خير موضوع كما قال: "الصلاة خير موضوع، فمن أراد أن يستكثر فليستكثر". وإذا حلّت الهداية في البدن…نشطت في العبادة الأعضاء ها هو محمد رسول الله يقول: "جعلت قرّة عيني في الصلاة"، أي: لا أشعر بأي فرح وجذل وسرور مثل ما أشعر به في الصلاة، فكان يقول لبلال: "أقم الصلاة أرِحنا بها"، فيقيم بلالٌ الصلاة، ويكبر النبي وأصحابه تكبيرة الإحرام، فلا يرجى لهم خروج منها، يطيلون القيام والركوع والسجود، ولولا خشية المشقة على الناس لما رضوا بالانصراف منها، لماذا؟ إنه الله، إنه الله رب الأرض والسماء. ووالله لو طهرت قلوبنا ما شبعت من الصلاة والأنس بذكر الله، وهل يشبع الحبيب من مجالسة الحبيب؟! ولكن عندما أحببنا غيره تعالى، عندما أحببنا الأموال والأولاد واللهو والعبث هانت الصلاة علينا وثقلت على ظهورنا، فصرنا نؤديها أداء مجرّدًا عن كل حبّ وتعظيم، وكأننا نقول: أرحنا منها يا بلال. فما هي النتيجة؟ النتيجة هي: "كم من مصلٍّ لا يصلي"، فكيف يرجو الشفاء من صلاة لا يحبها. ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها…إن السفينة لا تجري على اليبس فيجب علينا ـ عباد الله ـ أن نستيقظ من هذه الغفلة، وأن ندرك حلاوة هذه العبادة كما أدركها خير القرون، فقد سئل أحدهم عن قيام الليل فقال: (إقبال الليل عند المحبين كقميص يوسف في أجفان يعقوب). وسئل الحسن عن التعب الذي يجده في كثرة صلاته فقال له أحدهم: إلام تتعبُ نفسك؟ قال: (راحتها أريد). هذا سبب عظيم إذا حققته ـ أيها الأخ الكريم ـ فزت بثمرات الصلاة. والسبب الثالث الذي تحسن به صلاتك هو موافقتها لصلاة رسول الله، وذلك بمراجعة باب الصلاة في كتب الأحاديث والفقه، فإنه بذلك يشعر بحلاوة الاتباع، ويذوق طعم هدي رسول الله القائل: "صلوا كما رأيتموني أصلي". فيلتزم ما التزمه النبي، ويترك ما يتركه النبي، فهو يتبع خطوات رسول الله في صلاته، فخير الهدي هدي محمد، وقد روى النسائي عن أبي أيوب مرفوعًا: "من توضأ كما أُمِر وصلّى كما أُمِر غفر له ما تقدم من ذنبه". وأعظم ركن أذكركم به ـ إخوتي الكرام ـ هو الطُّمأنينة في جميع أركان الصلاة، فإياك أن تنتقل من الركوع إلى غيره قبل أن يستقرّ كلّ عظم في موضعه، فلو رفعت رأسك من الركوع قبل أن تمكن نفسك من الركوع جيدًا فالصلاة غير صحيحة، وكذلك لو رفعت رأسك من السجود قبل أن تمكن جبهتك من الأرض وبقيت ساجدًا بمقدار ما يعود كل عظم إلى موضعه فالصلاة لم تصح لقوله وقد رأى رجلاً لا يتم الركوع ولا السجود ولا القيام، قال له: "ارجع فصلّ فإنك لم تصل". وأذكركم بتلكم الفأرة التي رأت جملاً فأعجبها فأمسكته من عِقاله وقال لها: (إما أن تتخذي صديقًا يليق بدارك، أو تتخذي دارًا تليق بصديقك)، فكذلكم العبد إمّا أن يتخذ صلاة تليق بربه، أو يتخذ ربًّا يليق بصلاته. |
Powered by SyrianMonster Web Service Provider - all rights reserved 2024© |