أسباب فشل الزواج |
الحمد لله، أحمده - سبحانه - وأشكره وأذكره. وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه وأزواجه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين. نتحدث اليوم عن الأسباب والمعوقات التي وقفت عند كثير من الناس في هذا الزمان عائقاً دون الزواج، أو أدت إلى تأخيره، وما يترتب على ذلك من المفاسد العظيمة. أيها الأخوة: إنّ من المعوقات التي أدّت إلي إحجام كثيرٍ من الشباب والشابات عن الزواج أو تأخيره، ما يسمى بإتمام الدراسة!. وهذه المقولة التي تفشت وانتشرت، وتردّدت على ألسن كثيرٍ من الشباب والشابات، فترى أحدهم يطعن في السن ولم يتزوج، وإذا ذُكَّر وخوِّف بالله من تأخيره، قال: "أريد أن أكمل الدراسة، وأريد أن أكوّن نفسي، وأريد أن أُؤمّن مستقبلي ومعيشتي"...وهكذا!!. وهذا أمرٌ لا شك أن الدافع من ورائه قلة التوكل على الله سبحانه وتعالى، فالمعيشة والرزق والعيش والحياة بيد الله سبحانه وتعالى. وقد وعد الله سبحانه وتعالى من أراد الزواج بالغنى، فالزواج يأتي بالغني، ولا يأتي بالفقر، كما قال سبحانه وتعالى: {وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}. [النور، الآية: 32]. إنّ كثيراً من الشباب يؤخّر الزواج عن السن المبكر لأنه يريد أن يكمل الدراسة الجامعية، ثم يريد أن يحصل على الشهادة العالية، ثم بعد ذلك الشهادة العليا!. وهكذا يشتعل رأسه شيباً قبل أن يتزوّج. ولهؤلاء نقول: اعلموا أن الزواج ليس عائقاً عن الدراسة كما تظنون، بل أن الزواج - ويعرف هذا من جربه - خير معين للمرء على تحصيل العلم، وعلى الدراسة، لأن الزواج يحصل به هدوء البال، وراحة الأعصاب، واستقرار النفس، الذي يعين على الدراسة، وتحصيل المراتب. أما الشاب الأعزب فإنّه كثيراً ما يشرد ذهنه عن الدراسة؛ لأنه يفكّر بفتاة أحلامه، وبزوجة المستقبل، ويكون لهذا أثاره السلبية عليه. وإذا كانت هذه مشكله في حق الرجال فإنها في حق النساء والفتيات أكبر وأخطر. إذاً فالزواج: رحابةٌ، وانطلاق، وهدوء بال، وراحة قلب. وللأسف الشديد رأينا وسمعنا أن عدد هؤلاء الشابات اللاتي يتحجّجن بهذه الحجة آخذٌ في الازدياد يوماً بعد يوم. فالفتاة التي تدرس لا تريد الزواج! بل تريد أن تكمل دراستها الصفية، ثم الجامعية، ثم تريد أن تتخصّص في الدراسات العليا... وهكذا!. وكم من فتاةٍ تردّد عليها الخُطَّاب، وقرعوا بابها، وألحّوا عليها فردّتهم، لأنها تريد أن تكمل الدراسة كما تزعم!، ثم أكملت الدراسة كما أرادت، ولكن بعد أن صارت تمشط شعرها شيباً، وبعد أن طعنت في السن، فتولّى عنها الخُطَّابُ، وأَعرضَ عنها الرجال، وبقيت حبيسة في بيت والدها أو أخيها، بعد ما نالت شهاداتٍ علّقتها، وجلست تنظر إليها بعين ملؤها الحسرة والأسى، ولسان حالها يقول: "لا كانت الدراسة ولا كانت الشهادة"!. وكم سمعنا عن كثير من الطبيبات اللاتي أفنين زهرة العمر، وباكورة الحياة، أفنينها في الدراسة، ورغبنَ عن الأزواج، وتخصصن كما أردن، وفتحن العيادات، ولكن: كلما دخلت عليهن امرأة تحتضن طفلها، وكلما شاهدن امرأة مع زوجها وفي بيتها، بكين، وتألمن. فإحداهن تقول بلسان الحال والمقال: "خذوا شهاداتي ودراساتي وعياداتي، وأعطوني طفلاً اسمع صرخته، وأشعر بحنان الأمومة، خذوا شهاداتي ودراساتي، وامنحوني ولو ربع زوج أشعر إني تحت قوامته، واعطوني بيتاً أشعر أني آمنة مطمئنه فيه". وللأسف فإنّ كثيراً من الآباء والأولياء يطاوعون البنات، ويطاوعون الطالبات، وإذا جاء الكفء وكان من رأيها أن تردّه لأجل إتمام الدراسة، طاوعها والدها ووالدتها!. أحبُّ أن أذكر أمراً مهماً، وهو أن أتحدث عن بعض الأمور التي أدت إلى فشل كثير من قضايا الزواج، لأننا رأيناها بدأت تكثر وتنتشر!. فكم من شاب أتى يتألم ويبكي ويقول من حين أن دخلت على زوجتي أنكرت نفسي؟!. وكم من شابةٍ حصل لها المصير نفسه؟!. وهذا يدعونا للبحث عن الأسباب التي تودي إلى فشل الزواج. أسباب فشل الزواج: السبب الأول: تعمّد مخالفة الهدي النبوي، وأتباع غير سبيل المؤمنين: والفشل في الحياة الزوجية نتيجة طبيعية، ومحصلة أساسية لمخالفة أمر الله عز وجل، يقول الله سبحانه وتعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً). [سورة النساء، الآية: 66]. إنّ من الأمور التي أدت إلى فشل الزواج في هذه هي الأيام: تعمّد مخالفة هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في اختيار الزوجة. لقد وضع رسول الله، صلوات الله وسلامه عليه، وضع المقياس الذي ينبغي أن يعتمده الرجل إذا ما أراد إن يختار شريكة الحياة وزوجة المستقبل، ألا وهو مقياس الدين والخلق. وليس معنى ذلك أن الإسلام يجحد فطرة الإنسان الميّالة والتواقّة إلى الجمال، والى حسن المظهر، ولكن أن يجعل الإنسان ذلك أكبر همّه، ومبلغ علمه، وأن يحصر الإنسان فيه همّه، ويقدمه على الدين، فإن ذلك أمرٌ لا ينبغي، ولا يجوز أبداً. كثيرٌ من الخُطّاب يضع مقياسه الأول - إذا أراد إن يخطب المرأة - جمال المرأة، أو جاهها، أو تعليمها وشهادتها، أو غنى والدها وثرائه، وما أشبه ذلك من الأمور، ولا يسأل عن الدين إلا آخر شيء، هذا إن سأل. وهذا لا شك أنّ له أثارَه السلبية ونتائجَه المرة على الحياة الزوجية، فإنّ الجمال إذا عَرِي عن الدين والخلق يؤدي في الغالب إلى تمرد المرأة وغرورها على زوجها، الأمر الذي تنشأ عنه المشكلات الزوجية، وتتحول الحياة الزوجية إلى جحيم لا يطاق، ثم ينتهي الأمر في الغالب إلى الفصام أو الطلاق. وكذالك الحال بالنسبة إلى الجاه العريق والمال الوفير، الذي حرص عليه كثير من الشباب، ووضعوه أول ما يسألون عنه، فوجدوا زوجات مترفات مرفهات خاملات، ليس لديهن استعداد للعمل، فهي تريد مربية، وتريد خادمة، وتريد سائقاً، لأنها هكذا تعودت في بيت والدها!. وهكذا كل من تعمد مخالفة هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل من جعل الدنيا أكبر همّه ومبلغ علمه، فالجمال يصير إلى قبح، والمال إلى قلة، والجاه إلى ضعةٍ، ويبقى الدين والخلق الذي يحمل المرآة على أن تتقي الله عز وجل في زوجها، وان تحفظ نفسه وولده وفراشه، وأن لا تلتفت إلى غيره، وأن تحفظ أمانته، والذي يبعث فيها أن ترى أن معصيته وإغضابه - إن تعمدته مخالفه تستحق عليها اللعنة والعذاب من الله سبحانه وتعالى. وكذلك بالنسبة للرجال: فكثيرٌ من الأولياء إذا تقدم له الخاطب لا يسأل عنه، وقد يكون فاسقاً مجرماً، وقد يكون خريج سجون، قد يكون مدمن مخدرات، قد يكون محترف أجرام، فإذا أراد أن يتزوج ترك لحيته تظاهراً أمام والدها أنه يصلي يوماً أو يومين، ثم يتقدّم للخطبة!. وربما جاء معه من أقربائه من يشهد له أنه رجل ذو دين وصلاح، ويكتفي الأب بهذا، ثم يفاجأ بابنته تأتي إليه في اليوم الثاني حسيرةً كسيرة، تبكي دمعاً ودماً، لأنها وجدت زوجاً فاجراً فاسقاً!. إذاً فعلى الأب أن يتقي الله، ويعلم أن ابنته أمانة، فعليه أن يسأل ويلحّ في السؤال عن الرجل: وعليه أيضاً أن يسأل عنه زملاءه في العمل، ويتحقق من ذلك قبل أن يندم، ولات ساعة مندم. السبب الثاني: خطأ كثير من الأولياء في أجبار بناتهم: فإنّ كثيراً من الآباء يجبر ابنته، ويرغمها على قبول الزوج. ولا شك أن الإسلام احترم المرأة، وأعطاها حريتها في اختيار الرجل، وكما أن الرجل لا يريد ولا يسعده أن يرغم على امرأة لا تريده، فكذلك المرأة، فــ: "إن النساء شقائق الرجال". فليتقِ اللهَ أولياء الأمور، ولا يرغموا بناتهم على ما لا يردنه. وليس معنى هذا أن يترك للمرأة الحرية بلا حدود، لأن الناس في هذا طرفان ووسط. الطرف الأول: فطرفٌ يجعل للفتاة حريتها المطلقة، وربما شاءت المرأة أن تغتر بالظاهر وتنخدع بالمظاهر، وربما تردّ الرجل لدينه، وربما تختار الفاسق ويتركها والدها على رأيها. الطرف الثاني: يُرْغِم المرأة ويسحق رأيها وكيانها، وهذا منتشر، فإن عند عادة ذميمة، قبيحة، أليمة، ما أنزل الله بها من سلطان، وهي التحجير على المرأة، فيقولون: "هذه لابن عمها؛ لا تتقدمه ولا تتأخره" سواء رضيت، أو لم ترضَ!. فليتقِ الله هؤلاء، وليعلموا أنهم موقوفون بين يدي الله ومسئولون. الطرف الثالث: يجعل للمرأة حريتها، ولكن في نطاق محدود بوليها وحسن نظره، حتى إذا رأى أنّ من ترضاه أهلٌ فلا عليه أن يوافق. أما إذا كانت لا تريد ألا الفاسق، فلا يجوز أن يطاوعها على هذا. فليتقِ الله الأولياء قبل أن يفشل الزواج، فإنّ الذين يجبرون بناتهم على قبول زوج معين إنما يخربون بيوتهن، فإنّ الزوج في غالب هذه الحالات لا يلبث إلا أياماً قليلة، ثم بعد ذلك ينتهي الأمر إلى الفصام المؤكد. وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
|
Powered by SyrianMonster Web Service Provider - all rights reserved 2024© |