الاستفادة من الموارد الاقتصادية 1- الزراعة |
الاستفادة من الموارد الاقتصادية 1- الزراعة من أسس ومبادئ الشريعة الإسلامية: أنه لا يجوز بحال من الأحوال هدر الموارد الاقتصادية، وتعطيل الأراضي الزراعية، فأحكام الإسلام قد أمرت بحسن استثمار الموارد الاقتصادية عموماً، والأراضي الزراعية بوجه خاص، كما رفضت تعطيل الموارد أو تبديدها، فالتوازن هو الأصل، والاستخدام الأمثل واجب العمل به والسعي إليه؛ بعيداً عن الإفراط والتفريط. هذا، وتُعَدُّ الأراضي الزراعية من أهم موارد الثروة الاقتصادية، وذلك عبر العصور، وهي من هبات الله عزَّ وجلَّ إلى البشر، ومن واجب الإنسان أن يحرص على هذه الثروة الزراعية؛ فيستفيد من منافعها وخيراتها؛ لنفسه ولغيره من بني الإنسان، بل ولسائر المخلوقات، فقد جاء في الحديث عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e :"مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ"([1]). ومن أجل تحقيق الاستخدام الأمثل للموارد الاقتصادية: أباح الإسلام ملكية عين الأرض، فالمالك هو صاحب الحق أولاً في استثمار الأرض والاستفادة من ريعها؛ محقِّقاً دخلاً لنفسه، ورافعاً من القيمة المضافة في مجمل الاقتصاد القومي والتي تحقِّق مزيداً من فرص العمل والإنتاج في المجتمع، كما تحقِّق تنمية اقتصادية شاملة. وفي البلاد العربية والإسلامية ما تزال هناك مساحات شاسعة من الأراضي البكر؛ غير المزروعة، أو غير المستَغَلَّة، ويرجع ذلك إلى سوء نظام ملكية الأراضي وحيازتها. وتتحقَّق ملكية الأرض بعدة أسباب:
وكذا أقطع الخلفاء الراشدون: فهذا أبو بكر الصديق t الزبيرَ ما بين الجرف إلى قناة([11]). وقد أقطع عمر بن الخطاب t العقيق أجمع بعد أن استعاده من بلال بن الحارث المزني([12])، وورد أن عليَّ بن أبي طالب t قد سأل عمر بن الخطاب t فأقطعه ينبع([13]). كما ورد أن عثمان بن عفان t أقطع خمسة من أصحاب رسول الله e: الزبير وسعد بن مالك وابن مسعود وخباباً وأسامة بن زيد([14]). وهذه الأرض المقتطعة يسري عليها شرط الإعمار والاستثمار، ويُستفاد ذلك من فعل الخلفاء الراشدين. فعن محمد بن عبد الله الثقفي قال: كان بالبصرة رجل يقال له نافع أبو عبد الله، فأتى عمرَ بن الخطاب t، فقال: إنَّ بالبصرة أرضاً ليست من أرض الخراج، ولا تضر بأحد من المسلمين، وكتب إليه أبو موسى ـ الأشعري t ـ يُعلِمه بذلك، فكتب عمر إلى أبي موسى رضي الله عنهما: إن كان ليست تضر بأحد من المسلمين وليست من أرض الخراج فأقطعها إياه([15]). وكتب أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز إلى عامله زريق أن أجز لهم ما أحييوا ببنيان أو حرث([16]). ومن أحكام إعمار الأرض واستثمارها أن المستفيد من الأرض إذا قصَّر في استثمار الأرض أو أهمل في العمل فيها كما ينبغي وجب على ولي الأمر استرداد الأرض وإعطائها لمستفيد آخر، كما فعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب t في استرداد أرض بلال بن الحارث المزني. ومما لا شك فيه أنه إذا ما طبِّقت تلك المبادئ الاقتصادية التنموية السامية فإنَّ النتيجة تكون زيادة في الإنتاج بل وفي الإنتاجية؛ تبعاً لاتساع الرقعة الزراعية، ومع التخطيط المنظَّم، والتنظيم المحْكَم تُحَلُّ مشكلة الأمن الغذائي ـ على أقل تقدير ـ التي تقف عقبة في وجه البلاد العربية والإسلامية. وتشجيعاً على الاستخدام الأمثل والاستفادة القصوى من الثروة الزراعية، أوضح الإسلام صور استغلال الأرض الزراعية وأساليب استثمارها، وجَعَل ذلك ضمن صورتين: الاستفادة المباشرة، والاستفادة بالشراكة.
إذ يمكن أن تكون البذور والسماد من صاحب الأرض وأن يكون العمل من غيره، كما يمكن أن يتم الاتفاق على أن يقدِّم صاحب الأرض الآلة الزراعية والمبيدات الحشرية اللازم؛ أي كل مستلزمات الإنتاج، أو يكتفي صاحب الأرض بالمساهمة بجزء من كل ذلك؛ من أدوات الإنتاج. ويمكن إدراج عقود المشاركة في الإنتاج الزراعي ضمن تسميات خاصة في الفقه الإسلامي، وهي: المزارعة، وهي: اتفاق بموجبه يدفع المالكُ أرضَه الصالحة للزراعة إلى شخص يقوم بالعمل فيها، على أن يقتسما الناتج بينهما حسب الاتفاق، أو هي المعاملة على الزرع بجزء معلوم من الثمرة للأجير. المساقاة، وهي: اتفاق بموجبه يدفع المالكُ أرضَه المشجَّرة أو الصالحة للتشجير إلى شخص يقوم بالعمل فيها والاعتناء بها، على أن يقتسما الناتج بينهما حسب الاتفاق، أو هي المعاملة على الزرع بجزء معلوم من الثمرة للأجير. ويستخدم الفقهاء مصطلحات أخرى للتعبير عن عقد المشاركة هذا، مثل مصطلح: المغارسة، أو المخابرة، أو المحاقلة. ولتقريب الأمر إلى الأذهان، يمكن القول: بأن المزارعة والمغارسة هي اسم لعقد على أرض صالحة للزرع أو الغرس للنبات الذي لا ساق له، بخلاف المساقاة التي اصطلح على استخدامها للعقد الواقع على الأرض الصالحة لزرع الأشجار. وتسمى هذه العقود المخابرة؛ لأن الزارع والساقي خبير بشؤون الزراعة، والكلمة مشتقة من الخبرة، كما يسمى الزارع فلاحاً؛ لأنه يفلح الأرض بمعنى يصلحها. والمحاقلة؛ مشتقة من الحقل: وهي الأرض التي لا شجر فيها. وقد أجاز جمهور الفقهاء المزارعة والمساقاة على النصف، أو على الربع، أو على الثمن، أو على أي جزء معلوم؛ مستدلين بما ثبت عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ e عَامَلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ"([18]). وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ: قَالَتْ الْأَنْصَارُ لِلنَّبِيِّ e: اقْسِمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا النَّخِيلَ، قَالَ:" لَا "، فَقَالُوا: تَكْفُونَا الْمَئُونَةَ وَنَشْرَكْكُمْ فِي الثَّمَرَةِ، قَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا([19]). وهكذا، فاستخدام الموارد الزراعية أمر ضروري وحيوي في عملية التنمية الاقتصادية الشاملة، ويتم ذلك بالملكية الخاصة بأشكالها المتعددة، والعمل المباشر أو العمل بالاستعانة بالمزارعين بأجور نقدية، أو بالاشتراك مع الآخرين؛ مزارعة أو مساقاة.
([1]) رواه البخاري ومسلم والترمذي والإمام أحمد. ([2]) السباع والطيور التي تقع على الجِيَف. ([3]) رواه البخاري وأبو داود والإمام أحمد والإمام مالك والدارمي. ([6]) رواه أبو داود والإمام أحمد. ([8]) رواه البخاري وأبو داود والطبراني في الكبير. ([9]) رواه الطبراني في الكبير والبيهقي في السنن الكبرى. ([11])سنن البيهقي الكبرى أيضاً. ([14]) سنن البيهقي الكبرى أيضاً. ([15]) سنن البيهقي الكبرى أيضاً. ([16]) سنن البيهقي الكبرى أيضاً. ([18]) رواه البخاري والترمذي والنسائي وأبو داود وابن ماجه والإمام أحمد والإمام مالك. |
Powered by SyrianMonster Web Service Provider - all rights reserved 2024© |