الإصلاح لا يكون بالإفساد الدكتور علاء الدين زعتري
بسم الله الرحمن الرحيم
الإصلاح لا يكون بالإفساد
الحمد لله جامع القلوب وموحد الأفئدة، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي أصلح الله به الأمة، وجمع به الكلمة، ولمَّ به الشعث، ووحد كلمة الأمة بعد تفرقها، صلى الله تعالى عليه وعلى أصحابه، ومن سار على نهجه واتبع سنته إلى يوم الدين.
ثم أما بعد أيها المستمعون الكرام: سلام من الله عليكم ورحمة من لدنه وبركاته.
في صبيحة هذا اليوم الأغر المبارك يوم الجمعة، يسعدنا أن نتحدث عن موضوع هو فريضة شرعية، وضرورة حياتية، ألا وهو الإصلاح في كل زمان ومكان.
هذا الإصلاح الذي هو مطلب من مطالب الإنسان؛ لتحقيق كرامته في هذه الحياة.
أيها المستمعون الكرام:
من منَّا لا يرغب بالإصلاح؟ ومن منَّا يريد أن يعيش في الفساد والإفساد؟
قطعاً، الجواب: لا أحد، وعالمنا العربي ومنطقتنا وبلدنا ووطننا ليس بدعاً من تلك المطالب الإصلاحية التي كانت وستبقى وتدوم، وهي تطالب بعملية الإصلاح والتغيير والتحديث.
أيها المستمعون الكرام:
إن الإصلاح يحتاج إلى صلاح، ولا يكون إصلاح بفساد أو بإفساد.
تعالوا لنقرأ: هل كانت دعوات الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم غير إصلاحية، بل إن كل نبي ماجاء إلا ليقول: {إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ} [هود: 88]، ولقد كانت الثورات والحركات عبر التاريخ البشري ثورات وحركات إصلاحية، وفي وقتنا المعاصر وفي بلدنا الحبيب، نقرأ بوجود سيد الرئيس بشار الأسد رائد الإصلاح والتطوير والتنمية والتحديث، وهو يسعى دوماً وسيبقى في هذا الإطار، وفي ذاك المحور الذي هو الإصلاح بين الناس، الإصلاح لأبناء المجتمع في كل ما يسعدهم ويحقق أمانيهم وطموحاتهم.
لكن من منَّا يظن أن الإصلاح يكون بعشية أو ضحاها؟
من منَّا يعتقد أن الإصلاح يكون في ساعة واحدة؟
من منَّا يملك العصا السحرية؟ وتلك حالة لم تكن لا في زمان معين ولا في مكان ولا بلد، بل كل خطوات الإصلاح لدى الأنبياء ولدى المصلحين كانت تحتاج إلى وقت وصبر وجهاد ومجاهدة.
هذا نبي الله نوح عليه السلام دعا قومه إلى خير الدنيا والآخرة، {لَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً} [العنكبوت: 14]، ثم النتيجة كانت ما آمن معه إلا قليل.
فالمسألة ليس كما يعتقد البعض في تنفيذ رغباتهم الأنية وتطلعاتهم المستقبلية في أن تكون في لحظة، بأن يكون أمر الإصلاح مستعجلاً أو أن يكون أنياً أو فورياً.
لذلك نقول لكل أخوتنا في ربوع سورية الحبيبة، ولكل من يهتم بأمر بلده ووطنه، وحماية كرامة الإنسان أينما كان.
نقول: اقرؤوا كيف كانت ثورات الإصلاح لدى الأنبياء.
فنبي الله صالح سلام الله تعالى عليه دعا إلى الإصلاح إذ قال: {وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [الأعراف: 74].
نعم، لا يكون الإصلاح بالإفساد.
وهذا شعيب أرسله الله عز وجل إلى مدين فكان من المصلحين، قال الله تعالى: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [الأعراف: 85].
أيها المستمعون الكرام:
من الخطأ الكبير أن يكون مشروع الإصلاح يتبع إشاعات أو أجندات تبحث عن الإفساد، أو تطيعوا الذين كفروا، أو تستجيب إلى أولئك الذين يرسلون دعاياتهم وإشاعاتهم، يقول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ، بَلِ اللّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ} [آل عمران: 149-150].
ألم نقرأ في القرآن الكريم أن من صفات اليهود: {وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [المائدة: 64].
ألم نقرأ في القرآن الكريم صفات الفاسقين الذين وصفهم الله عز وجل بقوله: {الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [البقرة: 27].
فيا أيها المستمعون الكرام ويا أحباب هذا الوطن الغالي العزيز:
إن كل منَّا مسؤول، وكل منَّا يتحمل مسؤوليته في أن يكون جناح الصدق في بناء هذا الوطن.
نقول لأخواننا من الشباب الذين تستهويهم وسائل الاتصال الحديثة عبر ما يسمى بالفيسبوك والتواصل الاجتماعي والشبكات التي تبث نوعاً من الإشاعات، نقول: احذروا من أن تمشوا وراء الغوغاء، واحذروا أن تكونوا وقود الفتنة أو شرارة الفتنة.
بكلمة بسيطة: طفل يمكن أن يشعل غابة فتحترق، ولكن كم نحتاج إلى رجال لإطفاء هذه النار.
لذلك نقول: إن تدمير القوى البشرية والبنة التحتية بحجة الإصلاح، ما هو إلا خطة من العدو؛ لتدمير الداخل، ولإشغالنا عما يفعله العدو الخارجي من قتل وتدمير لأبناء شعبنا في فلسطين في غزة وفي كل مكان في العالم، أرادوا أن ننشغل بحياتنا الداخلية عن تلك الأمور التي تجري في الخارج.
والله عز وجل عندما ذكر لنا حياة الأنبياء؛ لتكون قدوة لنا في عملية الإصلاح، نقرأ عن نبي الله صالح مرة أخرى قول الله تعالى: {وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ، الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ} [الشعراء: 151-152].
أولئك الذين يحتاجون بأنهم يصلحون أقول لهم: تأنَّوا في قولكم وفي فعلكم، فإن الله عز وجل ذكر من صفات المنافقين: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} [البقرة: 11].
وأما أنتم يا أبناء الشعب الغالي:
وأما أنتم أيها الأمنون المطمئنون:
فإن هناك ابتلاءات تمر على الأمة بين الحين والآخر، فلنتذكر قول الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ، فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ} [الأنعام: 42-43]، فلنرفع أيدينا بالدعاء متضرعين إليه سبحانه وتعالى:
اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، أصلحنا وأصلح بنا يا رب العالمين، أصلح فساد قلوبنا بذكرك، وأتمم علينا نعمتك بفضلك، لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك، اجمع كلمتنا على الحق، ووحد صفوفنا يا رب العالمين في مواجهة فتنة تستهدف شعبنا وأرضنا وحياتنا، اللهم آمين.
اللهم إنا نسألك الأمن والإيمان والسلامة والإسلام، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
جميع الحقوق محفوظة © 2007 - 2011 موقع الدكتور علاء الدين زعتري
|