الحملة الأهلية لاحتفالية القدس
كلمة بالنيابة عن سماحة الشيخ الدكتور أحمد بدر الدين حسون المفتي العام للجمهورية رئيس مجلس الإفتاء الأعلى.
ألقاها الدكتور الشيخ علاء الدين زعتري، أمين الفتوى
{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}، والصلاةُ والسلامُ على الرسولِ المصطفى والنبِيِّ المُرتَضَى والإمام المُجتبَى، وعلى آلِه الفُضلاء وصَحبِه النبلاء. وبعد،
"قصةُ القُدسِ التي تُروَى حزينَهْ!
قصةُ القدسِ دماءٌ وجراحٌ
وكراماتٌ طعينهْ!
لعل القدس هي المدينة الوحيدة في الدنيا التي وردت في لغات أهل الأرض، وفي كل الكتب السماوية، والمدينة التي تغنَّى بها مَن زارها وبهره سحرها وجمالها.
القدس أرض مباركة باركها الله وبارك من حولها، فقد أسري إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرج منها إلى السماء، كما تسلم مفاتيحها سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وضحى أهل المنطقة (مسلمون ومسيحيون) بدمائهم من أجلها وحرروها من غزو الفرنجة على يد صلاح الدين الأيوبي.
عبر التاريخ: من بلاد الشام انطلقت أفواج فتح فلسطين.
كانت يوماً تحت يد الرومان فتحررت وعادت إلى أبناءها.
ويوم غزاها الفرنجة وبقيت تحت أيديهم /98/ سنة أيضاً كانت عصائب بلاد الشام، مع أرض الكنانة هم الذين تحركوا لتحرير الأقصى، وكان تحريرها في ليلة الإسراء والمعراج, على يد صلاح الدين.
فلسطين تمثل لقاء الحضارات الإيمانية وليس الإسلامية فقط، فالشرائع السماوية ليست مجموعة من التعاليم الدينية المحضة، بل تتجسد في بيئات اجتماعية وإنسانية وجغرافية وثقافية متعددة.
فهناك اجتمع الأنبياء سيدنا إبراهيم وسيدنا موسى وسيدنا عيسى ومحمد عليهم صلوات الله أجمعين فشكلوا أول لقاء روحي عالمي.
وفلسطين جُبلت بدماء الصحابة والمسلمين والعرب والفلسطينيين لمئات السنين، فلا تكاد تمرّ على مدينة إلا وتحدثك عن تاريخها وسيرة الأنبياء فيها، ونحن أولى بهم، لأننا نؤمن بنبوة جميع المرسلين من رب العالمين.
فالقدس جزء من عقيدتنا، والحفاظ عليها واجبٌ ديني، وواجب وطني، وواجب قومي، وهي درة مدن فلسطين وعاصمتها.
إن بلداً بهذه المواصفات لا يمكن وصفها إلا أنها تعيش في سويداء قلوب المؤمنين على الكرة الأرضية، وهذا اللقاء الروحي العالمي يراد اليوم تمزيقه وتدميره.
القدس رمز لعزة الأمة أو هوانها، فإذا كانت تحت سيادة الأمة .. فالأمة في حال عزة، وإذا خرجت من سيادتها فالأمة في ذلة وهوان.
إن الأمة من حيث الظاهر في حالة ضعف، في ظل اختلال موازين القوى، ولكن لا يعني ذلك التسليم بسياسة الأمر الواقع؛ فالقوي لا يبقى قوياً، والضعيف لا يبقى ضعيفاً.
وقد عاشت فلسطين والقدس خاصة والأمة كافة ظروفاً أقسى وأضعف ولكنها لم تستسلم للباطل، فالشعوب في داخلها مارد قوي ينتظر ساعة الحسم.
لقد قسم الصهاينة العالم العربي والإسلامي إلى قسمين:
قسم استسلم.
وقسم لا زال يقول أريد السلام ولكن مع الحقوق.
وليعلم العالم أجمعه أننا لسنا دعاة حرب، ولسنا دعاة قتل، ولسنا دعاة تدمير، وهذا ما يعرضه السيد الرئيس بشار الأسد، نحن دعاة سلام مع حقوقنا الكاملة، لا نتنازل عن حقوقنا "الجولان والقدس وفلسطين، وكل شبر من أرض الوطن".
إن الإسلام والمسيحية شرائع للصلة بالله، وحسن العيش من المجتمع، وليستا دولة تُبعِد المخالف، وإن صارت كثير من الدول ذات غالبية مسلمة أو مسيحية، وأثرت في الحضارة والتشريع.
نحن أمة ما منعنا أحداً أن يدخل فلسطين مقدِّساً أو حاجاً خلال 1400 سنة، واليوم هم بنوا أول دولة دينية في العالم، على أساس عرقي، وعنصري، لينتجوا في المنطقة دولاً دينية ودولاً طائفية وعنصرية تتصارع إلى مئات السنين القادمة.
المسألة سياسية تلبس أو يُلبسها أصحابها ثوباً دينياً، وإذا كان المحافظون الجدد ينتظرون الهيكل ليعود المسيح.
فنسألهم ـ دينياً ـ أي مسيح هذا الذي سيأتي والدماء إلى الركب؟!!!.
وأي مسيح هذا الذي يرضى أن تكون معركة في أرض يقتل فيها أهلها وتذبح الشعوب ليبنى الهيكل.
ألا فلنهدم الهيكل إن كان موجوداً، ولنهدم الأقصى إذا كان الأقصى سيقتل أمة، ولنهدم جدار المبكى (حائط البراق)، ولا نقتل طفلاً.
نحن أمة نقول في كل يوم ما يزيد عن عشرين مرة: {الحمد لله رب العالمين} فلا نقبل أن يُذبح إنسان من أجل مسجد أو من أجل كنيس أو هيكل.
نحن في سوريا في حالة متقدمة، في تربيتنا لأجيالنا، نحن أمة مؤمنة؛ آمنا برسالات السماء، وآمنا بكل الأنبياء، نحن أصحاب دينٍ واحد وشرائع متعددة، كلها تدل على الله تعالى، فالإسلام والمسيحية والموسوية نشأت في أرضنا فأرسلناها إلى العالم نوراً، فلا نسمح لأحد أن يحولها إلى مذابح.
فرسالات السماء جاءت لإنقاذ الإنسان وليس لقتله.
والجدار العازل عزلوا به أنفسهم، ليفنوا، كدودة القز تموت بصنعها، قال تعالى يشير إلى هذا الجدار: {لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إلا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ} [الحشر: 14].
ولكن متى يكون بأسنا أقوى من بأسهم، يوم تلتقي الجماهير مع قياداتها في الهدف الأسمى، والمقصد الأعلى.
عدد القراء : 1595