صلةَ الاقتصاد الإسلامي بالشريعة الإسلامية
جوانبُ اقتصادية من حياة خير البرية
الدكتور علاء الدين زعتري
إنَّ صلةَ الاقتصاد الإسلامي بالشريعة الإسلامية صلة مستمرة؛ فهي كل متناسق؛
فالجانب الروحي يشمل العلاقة بين الإنسان وخالقه،
والجانب الاجتماعي يقوم على المساواة بين الناس في الحقوق والمكانة الاجتماعية، على أساس المودة والرحمة وحسن الإدارة والنظام،
والجانب السياسي يقوم على أساس الالتزام بالأصول والمبادئ الإسلامية في إدارة الحكم، وتأمين مستلزمات الناس أمنياً واقتصادياً وخدمياً وثقافياً،
والجانب الخلقي يشمل الصفات الشخصية التي تتمثل في أرقى الأخلاق، وأكمل السمات؛ مثل الصدق، والأمانة، والوفاء، والعدالة، والتراحم، والسخاء، وسعة الأفق، والصبر، والحلم، والشجاعة، وغيرها مما اتّصف به نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم.
فصدقُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمانته حتى قبل البعثة والرسالة، وقبل الوحي؛ جعلت المشركين يقرون بها لمن آتاه الله الكمالات.
فقد كان يُعرف بالأمين، وهو لقب لا يتصف به إلا من بلغ الغاية في الصدق والأمانة.
أما الجانب الاقتصادي فقد وضع الإسلام فيه قواعد، وقرنها بضوابط وحدود.
فالشرع يقيّد نشاط الفرد بعدد من القواعد مراعاةً لمصلحة الجماعة، ثمّ يفتح له المجال واسعاً للعمل، واكتساب الثروة بالطرق المشروعة والنافعة له وللمجتمع، ويحفظ له ملكيته مع تحديد تصرفه فيها.
والإسلام يمنع تقييد الحريات في سبيل العمل واكتساب الثروة، ويُلزم المجتمع بعدم تعطيل الموارد ويوجب تنميتها لتحقيق العدالة.
وما بين منع التقييد المطلق، وما بين التقييد المنضبط المسؤول تقف على شرطين:
حيث إن الحرية في النشاط الاقتصادي التي منحها الإسلام للإنسان من العمل والكسب والتملك والتمتع برزق الله، لم يتركها مطلقة، بل قيدها بقيدين أساسيين:
أولهما: أن يكون هذا النشاط غير مضر بالمصلحة العامة.
ثانيهما: أن يكون مشروعاً من وجهة نظر الإسلام.
وكلا القيدين ضروري لا بد منه.
- أما القيد الأول، فلأن الإضرار بالآخرين محرم، بناء على القاعدة الإسلامية الكبرى، لا ضرر ولا ضرار، وذلك قائم على قول الله تعالى: ]ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين[ [البقرة: 190]، فإذا وقع التعدي والإضرار بالآخرين وَجَبَ على ولي الأمر أن يتدخل ليعيد الأمور إلى نصابها، ويُرْجِع الحق إلى صاحبه.
- أما القيد الثاني، فإن الأصل أن كل نشاط اقتصادي مشروع في ظل الإسلام، إلا ما ورد النص بتحريمه، وذلك تطبيقاً لقاعدة: - الأصل في المعاملات الإباحة - وبذلك يكون الإسلام قد فتح آفاقاً واسعة للنشاط الاقتصادي، ولكنها محدودة ومقيدة بالنصوص المحرمة لبعض النشاطات المضرة.
بل حث الإسلام على العمل والكسب الحلال، قال رسول الله e: "اليد العليا خير من اليد السفلى"([1]).
وبما أن الإنسان مأمور بالعمل فلا بد أن يكون كسبه حلالاً حتى يبارك الله له فيه، وإذا أراد الإنسان المسلم تنمية ماله، فلا بد أن يكون خالصاً من الشوائب المحرمة كالربا مثلاً، فإنّه ممحق البركة، يقول رسول الله e: "أيها الناس إن الله طيّب لا يقبل إلا طيباً"([2]).
والعمل مطلوب في كل وقت إلى يوم القيامة، ومما يؤكد ذلك قول رسول الله e: "إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة([3])، فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليفعل"([4]).
وقال رسول الله e: "ما من مسلم يغرس غرساً، أو يزرع زرعاً، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة"([5]).
ومما يجب التنبيه له أن الإسلام الذي يأمر بإحياء الأرض ينهى أيضاً عن الغلو في ذلك والإسراف فيه، فمن صرف همّه ووقته وجهده في البحث عن المال فحسب فهو غالٍ في عمله هذا، قال رسول الله e: "إذا تبايعتم بالعينة([6])، وأخذتم بأذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سَلَّط الله عليكم ذلاًّ لا ينـزع حتى ترجعوا إلى دينكم"([7]).
كما أمر اللهُ سبحانه وتعالى الإنسانَ بعمارة الأرض؛ وذلك باستخدام كل ما فيها من موارد؛ ظاهرة وباطنة، وذلك بالبحث والدراسة، وتطوير العالم بخبراته، والعلم بوسائله، وتوفير الحوافز اللازمة لذلك، وسخر الله للإنسان سبل العيش وكسب المال، ورَزَقَهُ من الطيبات، ومَكَّنَه من العمل، ووعده بحسن المثوبة لمن أطاع واتقى؛ فقال سبحانه: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ} [التوبة: 105] فالمطلوب: العمل وأداء الواجب بما يتحقق به نفع الناس والمجتمع.
فأصول الصناعات؛ كالفلاحة، والحياكة، والبناية، وصناعة الأغذية، والتجارة فرضٌ على الكفاية عند حاجة المجتمع.
والمطّلع على أقوال المصطفى صلى الله عليه وسلم وأوامره ونواهيه يجد جلياً الضوابطَ التي يجب الالتزام بها في جميع فنون الاقتصاد؛ وهدفها الواضح هو إتقان الإنتاج، وترشيد الاستهلاك وربطه بظروف المجتمع، وأمن التبادل، وتوفير مبدأ التوازن والدقة في عمارة الأرض، دون نسيان لإعادة التوزيع؛ تكافلاً وتعاضداً، ومواساة للمحتاجين.
([1]) البخاري، رقم (1427)، وأحمد (24/42) رقم (15326).
([2]) صحيح مسلم حديث رقم (1015).
([3]) الفسيلة: النخلة الصغيرة، القاموس المحيط للفيروزآبادي، مادة: فسل.
([4]) مسند أحمد (20/296) رقم الحديث (12981).
([5]) مسند أحمد (21/88) رقم (13389).
([6]) العِينَة: أن يبيع من رجل سلعة بثمن معلوم إلى أجل مسمى، ثم يشتريها منه بأقل من الثمن الذي باعها به. النهاية (3/333).
([7]) أخرجه أبو داود في السنن رقم (6462).
عدد القراء : 395