لمحة عن الحياة الاقتصادية في زمن السيرة النبوية
004 لمحة عن الحياة الاقتصادية في زمن السيرة النبوية
العالم في القرن السادس الميلادي، وما أشبه اليوم بالأمس، والعالم في القرن الحادي والعشرين الميلادي:
فساد وانحطاط، وظلم واستعباد، قلق واضطراب، كفر وإلحاد، ضلال في العقيدة، وفساد في المعاملة.
جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقدم نموذجاً للإنسانية في تربية النفوس، وتأليف القلوب، وتراحم الأفراد، في المعيشة اليومية لدرجة إيثار العطاء للغير وتقديم ذلك في الأولوية على النفس رغم الحاجة.
والجبايات المالية (زكاة، صدقات، كفارات، نذور) لم تكن تذهب لجيوب فارضيها، بل تعود للمجتمع تكافلاً، وتقليص للفروق الطبقية من الناحية الاقتصادية، بخلاف المكوس والضرائب والأتاوات التي كانت تفرضها الإمبراطوريات السائدة، حيث تزداد تلك الأتاوات، وتتضاعف تلك الضرائب، وتتنوع تلك المكوس، لصالح الحكام السياسيين، والقواد العسكريين، حتى وصل أهل البلاد يتذمرون من الحومات، ويمقتونها مقتاً شديداً، وربما يفضلون عليها كل حكومة أجنبية.
ورغم شدة الحاجة إلى الاقتصاد في العيش، والترشيد في الاستهلاك كان هناك نفر من المسرفين، وصلوا في التبذل إلى أحط الدركات، وأصبح الهم الوحيد هو جمع المال من أي وجه؛ دون ضوابط ولا قيود.
لقد ذابت أسس الفضيلة، وانهارت دعائم الأخلاق، وكان العدل يباع ويساوم عليه مثل أي سلعة، والرشوة طريق للوصول إلى السلطة، والانحطاط في التجارة، وإهمال الزراعة، وكان الحكام يتخذون الشعوب شاة حلوباً؛ يجيدون حلبها، ويسيئون علفها.
وتجاهل الحكام أن دورهم الرئيس هو إدارة شؤون البلاد، وإصلاح حال العباد، بتوفير الرفاهية للرعية، وترقية حال الناس، وإصلاح أمور أرزاقهم، وتوفير فرص العمل الشريف، والكسب الطيب لهم، وليس استعبادهم واستغلال قدراتهم واستهلاك طاقاتهم لصالح قوة سلطة، التي لا همَّ لها إلا لبس التاج، وجباية الخراج.
فكانت الشعوب تعاني البؤس والشقاء، والتعب والعناء، والتذمر والبكاء، وكان الواحد منهم يترك العمل المنتج ويلجأ إلى عمل الخدمة لصاحب السلطة مقابل لقمة العيش، مما جعل كثيرين منهم وقود حروب طاحنة مدمرة، لتعيش الشعوب بلا رصيد ولا ماض مجيد، بل هي حياة اللامبالاة والبطالة، والسعي في النميمة ونقل الأخبار، والخبث والإيقاع بالآخرين، والركوب على أكتافهم، مع مزيد من الافتراء والبهتان، متخذين ذلك وسيلة لكسب القوت.
والنتيجة ثورات الفلاحين وثورات الفقراء، وثورات الجياع، ينهبون ثروات الأغنياء، ويستولون على الأملاك، لتصبح الأراضي مقفرة خربة.
وللحصول على الثروات عمد المتعاملون إلى وسائل في العقود لصالح الأقوى على حساب المحتاجين والضعفاء؛ فجعلوا الربا أحد أهم العقود المالية في تعاملاتهم، فقد كان (الربا) فاشياً؛ بسبب فقر معظم الناس، واضطرارهم إلى الاستدانة من ذوي المال، وكانوا يُجحفون فيه، ويبلغون إلى حد الغلو والقسوة، والأضعاف المضاعفة.
عدد القراء : 412