العالم قبل مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم
العالم قبل مولد النبي r
بعث الله رسوله محمد، في وقت كان العالم قد أصيب بزلزال شديد، هزه هزاً عنيفاً، فإذا كل شيء في غير محله… إذا نظرت فيه رأيت:
إنساناً هانت عليه إنسانيته: يسجد للحجر والشجر والنهر.
يفعل كل شيء من أجل الحصول على المال.
رأيت الذئب راعياً للغنم.
والخصم الجائر قاضياً.
أصبح المجرم فيه سعيداً، والصالح محروماً شقياً.
رأيت معاقرة الخمر إلى حد الإدمان.
والخلاعة والفجور إلى حد الاستهتار.
تعاطى الربا إلى درجة الاغتصاب واستلاب الأموال.
رأيت الطمع وشهوة المال إلى حد الجشع والنهامة.
رأيت القسوة والظلم إلى حد الوأد وقتل الأولاد، حرمانهم من الميراث.
حتى الأخلاق قد انعكست، فقد تجولت الشجاعة فتكاً وهجمية، لا يقاتل من أجل الدين.
الجود والكرم تبذيراً وإسرافاً.
والذكاء خديعة وخبثاً.
والعقل وسيلة لابتكار الجنايات والإبداع في إرضاء الشهوات.
انتشار الفساد والظلم قبل بعثة الرسول:
قبل بعثة الرسول r ظهر الفساد في جميع البلاد العربية والفارسية والهندية، فعميت القلوب وضلت النفوس، وانتشرت عبادة الأصنام حتى بين المسيحيين.
وكانت النواحي الخُلقية مهملة، وارتكبت المنكرات، وعم الضلال جميع البلاد، وهذا معنى قوله تعالى: ] ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [ [الروم: 30/41].
أقبل الناس على عبادة الشمس والقمر واتبعوا شهواتهم.
كانت كل قبيلة تقف لأختها بالمرصاد، وتنتهز كل وسيلة للغض من شأنها والاستيلاء على موارد رزقها، وقد بلغت العداوة درجة لا تطاق بين القبائل لشدة التنافس بينها، كما حدث بين عبس وذُبيان، وبين الأوس والخزرج.
وقد كان الشعراء يزيدون في إشعال هذه النيران، وكان هم الواحد منهم أن يرفع صوته بقصيدة يبين فيها مفاخر قبيلته، ومساوئ القبيلة الأخرى، ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [ [الحجرات:49/11]، فتزداد النار اشتعالاً، ولأقل نزاع بين اثنين من أفراد قبيلتين كانت الحرب تشتعل، فتجد الأطفال يتامى، والنساء أيامى، والرجال تاهون.
وقد جرب سنة الله أن يأتي النور بعد الظلام، ويبعث الله رسولاً متى وصل الفساد البشري إلى نهايته، رحمة بخلقه ورأفة بعباده.
بعثة النبي محمد r:
لهذا كله بعث الله محمداً r، وهو عالم بالبيئة التي ولد فيها ونشأ بها، عالم بما في العالم من شرور ومفاسد ومظالم.
عاش يتيماً فقيراً، يكسب معيشته من عرق جبينه، وقد ألم بالتجارة، وسافر مراراً للتجارة، واختلط بالشعب وعرف عاداته وأخلاقه الحسنة والسيئة، وأدرك أسباب ارماض المجتمع العربي.
أمر تبليغ الرسالة:
أذن الرسول في قومه، ولم يكن يملك من الأسلحة سوى الإخلاص في السر والعلانية والإيمان والثقة بالله.
والثبات في سبيل الدعوة إلى الحق والإسلام.
فبلغ رسالته وهو منشرح الصدر، واثق من النجاح ] أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ[ .
قال U: ] يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [ [المائدة:5/67].
فالرسول r قد أمر بتبليغ كل ما أنزل إليه من ربه، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة، ولم يكتم شيئاً مما أمره الله بتبليغه، وإن لم تبلغ جميع ما أنزل إليك فما بلغت رسالته، لأن كتمان بعضها مثل كتمان كلها.
وقد نزلت هذه الآية حين ضاق ذرعاً بقومه، وكذبه بعضهم، فبشر الله بأنه سيحفظه ويعصمه من الكفار الذين كانوا يتآمرون على قتله، إن الله لا يهدي القوم الكافرين.
وكان r يُحرس من أعداء الإسلام حتى نزلت هذه الآية: ] وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [ [المائدة:5/67]، فقال: " انصرفوا فقد عصمني الله ".
روى عن عائشة رضي الله عنها قالت: " من حدثك أن محمداً كتم شيئاً مما أنزل الله عليك فقد كذب ".
وقد وقف الرسول بجانب الفقراء والمضطهدين، ودافع عنهم بيده؛ أخذ حق الأعرابي من أبي جهل، ولسانه وقلبه؛ " صبراً آل ياسر ".
ولم يبال بما يناله من أذى الأغنياء، ولم يخش إلا الله/ ولم يخف في الحق لومة لائم.
عطف على الفقراء، وحث على الزكاة والتصدق على المحتاجين، فأخذ الناس يدخلون في دين الله أفواجاً.
وحمل على الربا والمرابين حملة شعواء، ] يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ [ [البقرة:2/276].
وأمر الدائن بالانتظار حتى يتيسر أحوال المدين، ] وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [ [البقرة:2/280].
نادى النبي r بإطاعة الله ورسوله، والتمسك بالكتاب والسنة وأنه لا طاعة لمخوق في معصية الله، وشجع على طلب العلم، ودراسة الكون وأسراه، والبحث عن الحقيقة أينما كانت.
وأرشد الناس إلى حسن المعاملة: " كنا إلى خير من ذلك يا عمر أن تأمره بحسن المطالبة، وتأمرني بحسن الأداء ".
وجههم إلى العمل المثمر، جاء رجل إلى يطلب الصدقة فأمر أن يحضر ما عنده.
ووضح له سبل الخير.
ونهاهم عن تطفيف الكيل والميزان، وشرب الخمر ولعب الميسر.
بالعبادة لله، وحسن المعاملة مع الناس، استطاع النبي r أن يصلح المجتمع، وأن يسوده العدل وقد هدأت النفوس، وطهرت القلوب، وتخلصت الإنسانية من الظلم والعبودية، وصار الناس أخوة متحابين.
عدد القراء : 476