مفطور على العدل
022 مفطور على العدل
في الروض الأنف الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام، المؤلف: أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد السهيلي (المتوفى: 581 هـ)، المحقق: عمر عبد السلام السلامي، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة: الطبعة الأولى، 1421هـ/ 2000م (2/ 104)
وَذَكَرَ غَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ أَنّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يُقْبِلُ إلّا عَلَى ثَدْيِهَا الْوَاحِدِ وَكَانَتْ تَعْرِضُ عَلَيْهِ الثّدْيَ الْآخَرَ فَيَأْبَاهُ كَأَنّهُ قَدْ أُشْعِرَ - عَلَيْهِ السّلَامُ - أَنّ مَعَهُ شَرِيكًا فِي لِبَانِهَا، وَكَانَ مَفْطُورًا عَلَى الْعَدْلِ مَجْبُولًا عَلَى الْمُشَارَكَةِ وَالْفَضْلِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
العدل جوهر الاقتصاد الإسلامي
يتميز الاقتصاد الإسلامي عن غيره بأنه اقتصاد رباني، واضعه الإله الحكم العدل، الأمر الذي جعل ارتباطه بالعدل ارتباطاً نابعاً من عقيدة المسلم بدينه.
وتحقيق العدل بالنسبة للمسلم، إنما، هو فرع من فروع العبودية لله تعالى، لأن الاقتصاد الإسلامي هو فرع من فروع التشريع الإسلامي، لذلك كان تحقيق العدل الاقتصادي مقصود الشريعة في أركان النظرية الاقتصادية كلها (الإنتاج، التبادل، التوزيع، الاستهلاك).
ويصح القول إن تخلف المسلم عن العدل في بعض تصرفاته فهو تخلف عن جوهر التشريع الإسلامي، لا يمكنه بعده أن يدعي الخضوع المطلق لواضع هذا التشريع، لأنه الغاية التي من أجلها أرسل الله الرسل، وأنزل الكتب.
ومفهوم العدل في الإسلام مفهوم شامل لا يتجزأ، لأنه نابع من الرحمة الإلهية الشاملة لكل الناس، فلا يمكن للمرء أن يطلب العدل لنفسه، ويمنعه عن غيره. وليس للظالم أن يدعي محبة الله لأن شرط هذه المحبة الاتصاف بالعدل.
خُلُق العدل في المعاملات المالية، له دوره في النشاط الاقتصادي الإسلامي، بالمقارنة مع النظم الاقتصادية الوضعية من حيث دور العدل فيها.
نعم، لقد تميّز النظام الاقتصادي الإسلامي بكون أسسه مبنية على العدل، وهذا ما يجعله مختلفاً عن سائر النظم الوضعية، وكذلك دور هذا الخلق الفطري في سائر المعلومات المالية المندرجة في النشاطات الاقتصادية الإسلامية، وأثر ذلك في المجتمع.
يتجلى مفهوم العدل، عند الإنتاج، وعند الاستهلاك، وعند التبادل، وعند إعادة التوزيع، مبدأ العدالة الاجتماعية.
فإذا ما تساءلنا عن دوافع ارتباط النظام الاقتصادي بالأخلاق وبالعدل وآثاره؟
يأتي الجواب من خلال إطارين رئيسين اثنين:
الإطار الأول: هو إطار الفقه الإسلامي، حيث تجد آراء الفقهاء في المسائل المندرجة في الموضوع، مع تأصيلها من الأدلة الشرعية، وبيان مفهومها وأحكامها جملة وتفصيلاً.
والإطار الثاني: هو الإطار الفكري الاقتصادي، من خلال مقارنة الأفكار الاقتصادية الإسلامية بوجهات النظر الوضعية المادية.
فللعدل دور بوصفه سلوكاً خلقياً في أهم المعاملات المتعلقة بأركان النظرية الاقتصادية بالإنتاج والاستهلاك والتداول والتوزيع على المستوى العام والخاص،
دور العدل في النشاط الاقتصادي
سواء كان ذلك على مستوى الفرد أم على مستوى الدولة، باعتبار أصوله وفروعه ربانية، ولا تميل مع الأهواء البشرية،
دور العدل في الإنتاج الاقتصادي وعناصره، من خلال الفرق الشاسع بين تحقق العدل في الأنظمة الوضعية والنظام الاقتصادي الإسلامي فيما يتعلق بالإنتاج وتميّزه – أي النظام الاقتصادي- يرجع إلى كونه، وبكل أركانه فرع من فروع الشريعة الإسلامية.
دور العدل في التبادل الاقتصادي
دور العدل في التبادل الاقتصادي في سائر النظم الاقتصادية مبيّنة مفهوم حرية المنافسة، وشروط تحقق مزاياها العادلة، وأنه لا يمكن أن تكون المنافسة عادلة في هذه الأسواق إذا قيدت حرية المتعاملين فيها لغير ضرورة، ولغير هدف إنساني.
ولاختفاء شروط المنافسة العادلة اختفت مزاياها في السوق الرأسمالي الذي حولته الحرية إلى سوق احتكاري يقوم على ظلم المتعاملين في الأسواق. ولأن المنافسة العادلة مطلوبة في الأسواق التجارية، فإن الإسلام ضمن تحققها من خلال ارتباط التبادل بالعقيدة والدين، وانضباط أحكام التبادل بضوابط ربانية، بحيث لم تترك الحرية على إطلاقها، ولم تعدمها، وإنما قيدتها بحيث تحقق مقاصد الشريعة الإسلامية. كما أن الإسلام لم يكتف بوضع الأحكام والضوابط المنظمة للسوق بل أوجد نظاماً دقيقاً من رقابة شاملة لها قسمان: ذاتي وخارجي، تضمن تطبيق أحكام التشريع الإسلامي المتعلقة بالتبادل، وأيضاً، تحقيق مقاصد التشريع الإسلامي من التكليف بأحكامه مما يؤدي إلى العدالة بين المتعاملين.
أما دور العدل في التوزيع الاقتصادي في سائر النظم الرأسمالية والاشتراكية، فيلاحظ وجود أثر التشاؤمية في النظم الوضعية حيث تنتفي العدالة في التوزيع على المستويين المحلي والعالمي، لأنها تقوم على تسلط القوي سواء كان صاحب المال، أم كان صاحب السلطة. في حين ترتبط سياسة التوزيع في النظام الاقتصادي الإسلامي بالقيم الإيمانية والأخلاقية إلى أبعد حدود، الأمر الذي يجعلها في نهاية المطاف تؤدي إلى العدالة والتوازن في التوزيع، لأنها تجعل تملك المال والغنى تكليفاً يقوم به الغني تجاه مجتمعه.
دور العدل في الاستهلاك الاقتصادي
باعتباره جوهر الأهداف التي يتوجه إليها النشاط الاستهلاكي الإسلامي، وهو على عكس الاستهلاك الوضعي الذي يقوم على مبادئ تطلق نوازع الأفراد وشهواتهم من خلال ما تقدمه للمستهلكين من حرية مطلقة من كل قيد. وهذا الفكر أضرَّ بالاقتصاد الوضعي، وأوقعه بأزمات متتالية، كما جعل المؤسسات الاقتصادية تبالغ في إنتاج السلع، وتجديدها وتطويرها، مما ولَّد عند المستهلكين الإدمان على الاستهلاك المفرط.
نؤكد على ضرورة الالتزام بضوابط الشريعة الإسلامية، وضوابط الاستهلاك الإسلامي،
نوصي الحكومات الإسلامية بالالتزام بسياسة توزيع الثروات والدخول في التشريع الإسلامي،
ونوصي العلماء والمفكرين بضرورة الاهتمام بالتراث الاقتصادي الإسلامي وجمعه ونشره، والعمل على تدريسه في المعاهد والجامعات.
عدد القراء : 415