{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة 238]. And stand before Allah، devoutly obedient.
{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة 238].
And stand before Allah، devoutly obedient.
- تفسير قانتين على وجهين: الوجه الأول: قانتون يعين مُقرّين لله بالعبودية، وذلك قوله: {كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ} في سورتي البقرة والروم، يعني: كُلٌّ له قائم بالشَّهادة أنَّه عبد لله. وهو تفسير الحسن. الوجه الثاني: قانتين يعني مطيعين، وهو تفسير ابن عبَّاس. وفي سورة الأَحزاب: {والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات} يعني المطيعين لله والمطيعات. ومثلها: {وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ للَّهِ} من يطع. وكذلك عامّة ما في القرآن.
- عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: فَمَنِ الْقُنُوتِ طُولُ الرُّكُوعِ، وَغَضُّ الْبَصَرِ، وَخَفْضُ الْجَنَاحِ، وَالْخُشُوعُ مِنْ رَهْبَةِ اللَّهِ، كَانَ الْعُلَمَاءُ إِذَا قَامَ أَحَدُهُمْ يُصَلِّي، يَهَابُ الرَّحْمَنَ أَنْ يَلْتَفِتَ، أَوْ أنْ يُقَلِّبَ الْحَصَى، أَوْ يَعْبَثَ بِشَيْءٍ، أَوْ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا إِلَّا نَاسِيًا.
- القنوت: لفظ مشترك بين الطاعة، والقيام، والخشوع، والسكوت. قال الله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا} [النحل: 120]. {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزمر: 9]. {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا} [الأحزاب: 31]. {يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران: 43].
- الْقُنُوتُ هُوَ الْخُشُوعَ وَالْإِقْبَالَ عَلَى مَا فِيهِ الْقَانِتُ، غَيْرَ مُتَشَاغِلٍ عَنْهُ بِغَيْرِهِ مِنْ فَعْلٍ وَمِنْ قَوْلٍ.
- فيه ستة تأويلات: أحدها: يعني طائعين، قاله ابن عباس، والضحاك، والشعبي، وسعيد بن جبير، والحسن، وعطاء. والثاني: ساكتين عما نهاكم الله أن تتكلموا به في صلاتكم، وهو قول ابن مسعود، وزيد بن أرقم، والسدي، وابن زيد. والثالث: خاشعين، نهيأ عن العبث والتفلت، وهو قول مجاهد، والربيع بن أنس. والرابع: داعين، وهو مروي عن ابن عباس. والخامس: طول القيام في الصلاة، وهو قول ابن عمر. والسادس: ... . وهو مروي عن ابن عمر أيضا. واختلف في أصل القنوت، على ثلاثة أوجه: أحدها: أن أصله الدوام على أمر واحد. والثاني: أصله الطاعة. والثالث: أصله الدعاء.
- عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] قَالَ: «مُطِيعِينَ».
- وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ- 238- فِي صلاتكم يعني مطيعين نظيرها وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ «1» يعني من المطيعين وكقوله- سُبْحَانَهُ-: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً «2» يعني مطيعا. وكقوله سُبْحَانَهُ قانِتاتٌ «3» يعني مطيعات.
- أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ.
- مِنَ الْقُنُوتِ: الرُّكُوعُ، وَالْخُشُوعُ، وَغَضُّ الْبَصَرِ، وَخَفْضُ الْجَنَاحِ [ص:382] مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
- قَالَ الْقُرَظِيُّ: كُلُّ شَيْءٍ ذُكِرَ مِنَ الْقُنُوتِ فِي الْقُرْآنِ فَهِيَ الطَّاعَةُ إِلا وَاحِدَةً وَهِيَ تَصِيرُ إِلَى الطَّاعَةِ.
- قَانِتِينَ مُطِيعِينَ وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّلَاةِ قَائِمًا وَإِذَا خُوطِبَ بِالْفَرَائِضِ مَنْ أَطَاقَهَا فَإِذَا كَانَ الْمَرْءُ مُطِيقًا لِلْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا هُوَ إلَّا عِنْدَمَا ذَكَرْت مِنْ الْخَوْفِ. وَإِذَا لَمْ يُطِقْ الْقِيَامَ صَلَّى قَاعِدًا وَرَكَعَ وَسَجَدَ إذَا أَطَاقَ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ.
- عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] قَالَ: «مُطِيعِينَ»
- عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ فِي الصَّلَاةِ، وَيُعْلِمُ الرَّجُلُ أَخَاهُ، حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] فَقَطَعُوا الْكَلَامَ قَالَ: " الْقُنُوتُ: هُوَ السُّكُوتُ، وَالْقُنُوتُ: الطَّاعَةُ "
- في الناسخ والمنسوخ للقاسم بن سلام - مخرجا (ص: 24) عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: كُنَّا نَتَكَلَّمُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ، يُكَلِّمُ الرَّجُلُ مِنَّا صَاحِبَهُ إِلَى جَنْبِهِ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] قَالَ: «فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنِ الْكَلَامِ».
- معنى"القنوت"، الطاعة. ومعنى ذلك: وقوموا لله في صلاتكم مطيعين له فيما أمركم به فيها ونهاكم عنه.
- عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ: " {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] قَالَ: قُومُوا لِلَّهِ مُطِيعِينَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَأَطِيعُوهُ فِي صَلَاتِكُمْ "
- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: " إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَوَّدَنِي أَنْ يَرُدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ فِي الصَّلَاةِ، فَأَتَيْتُهُ ذَاتَ يَوْمٍ فَسَلَّمْتُ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ وَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يُحَدِّثُ فِي أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ، وَإِنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ لَكُمْ فِي الصَّلَاةِ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ أَحَدٌ الَّا بِذِكْرِ اللَّهِ، وَمَا يَنْبَغِي مِنْ تَسْبِيحٍ وَتَمْجِيدٍ، وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ»
- نْ مُجَاهِدٍ: " {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] قَالَ: مِنَ الْقُنُوتِ الْخُشُوعُ، وَخَفْضُ الْجَنَاحِ مِنْ رَهْبَةِ اللَّهِ. وَكَانَ الْفُقَهَاءُ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ أَحَدُهُمْ إِلَى الصَّلَاةِ لَمْ يَلْتَفِتْ، وَلَمْ يُقَلِّبِ الْحَصَا، وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا إِلَّا نَاسِيًا حَتَّى يَنْصَرِفَ "
- {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا}
- {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ}.
- قَوْلُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ "
- أي خاشعين والقنوت الطاعه.
- قَالَ زيد بن أَرقم: كنَّا نتكلم فِي الصّلاة حتّى نزلت: {وَقُومُواْ لِلَّهِ قَانِتِينَ} فأُمِرنا بالسُّكوت ونُهينا عَن الْكَلَام. فالقُنوت هَا هُنَا: الْإِمْسَاك عَن الْكَلَام فِي الصَّلَاة.
- قَالَ نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: "الْقُنُوتُ طُولُ الْقِيَامِ" وَقَرَأَ {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ} [الزمر: 9] . وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ" يَعْنِي الْقِيَامَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: "الْقُنُوتُ السُّكُوتُ وَالْقُنُوتُ الطَّاعَةُ". وَلَمَّا كَانَ أَصْلُ الْقُنُوتِ الدَّوَامُ عَلَى الشَّيْءِ جَازَ أَنْ يُسَمَّى مُدِيمَ الطَّاعَةِ قَانِتًا، وَكَذَلِكَ مَنْ أَطَالَ الْقِيَامَ وَالْقِرَاءَةَ وَالدُّعَاءَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ أَطَالَ الْخُشُوعَ وَالسُّكُوتَ، كُلُّ هَؤُلَاءِ فَاعِلُو الْقُنُوتِ. وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "قَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو فِيهِ عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ" وَالْمُرَادُ بِهِ: أَطَالَ قِيَامَ الدُّعَاءِ.
- عند قوله تعالى {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238]. قال: أي مطيعين؛ قاله الشعبي ودليل هذا التأويل ما روى أبو سعيد الخدري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "كل قنوت في القرآن فهو الطاعة".
- (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) يعني صامتين خاشعين.
- الْقُنُوت: الْإِمْسَاك عَن الْكَلَام. وَقيل: الدُّعَاء فِي الصَّلَاة. والقنوت: الْخُشُوع وَالْإِقْرَار بالعبودية، وَالْقِيَام بِالطَّاعَةِ الَّتِي لَيْسَ مَعهَا مَعْصِيّة. وَقيل: الْقيام، وَزعم ثَعْلَب: أَنه الأَصْل. وَقيل: إطالة الْقيام، وَفِي التَّنْزِيل: (وقومُوا لله قَانِتِينَ) . والقنوت: الطَّاعَة. قنت الله يقنته، وَقَوله تَعَالَى: (كل لَهُ قانتون): أَي مطيعون. وَمعنى الطَّاعَة هَاهُنَا: أَن من فِي السَّمَوَات مخلوقون كإرادة الله، لَا يقدر أحد على تَغْيِير الْخلقَة، وَلَا ملك مقرب، فآثار الصَّنْعَة والخلقة تدل على الطَّاعَة، وَلَيْسَ يَعْنِي بهما طَاعَة الْعِبَادَة، لِأَن فيهمَا مُطيعًا وَغير مُطِيع، وَإِنَّمَا هِيَ طَاعَة الْإِرَادَة والمشيئة. وَالْقَانِت: الْقَائِم بِجَمِيعِ أَمر الله تَعَالَى. وَجمع القانت من ذَلِك كُله: قنت، قَالَ العجاج: رب الْبِلَاد والعباد القنت وقنت لَهُ: ذل. وقنتت الْمَرْأَة لبعلها: أقرَّت. والاقتنات: الانقياد.
- قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: " كَانَ الْعُلَمَاءُ إِذَا قَامَ أَحَدُهُمْ فِي الصَّلَاةِ يَهَابُ الرَّحْمَنَ أَنْ يُشَدَّ بَصَرُهُ أَوْ يَلْتَفِتُ أَوْ يَعْبَثُ بِشَيْءٍ أَوْ يُقَلِّبُ الْحَصَا أَوْ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ مِنْ شَأْنِ الدُّنْيَا إِلَّا نَسْيًا "
- قنت القُنُوتُ: لزوم الطّاعة مع الخضوع، وفسّر بكلّ واحد منهما في قوله تعالى: وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ [البقرة/ 238]، وقوله تعالى: كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ
- [الروم/ 26] قيل: خاضعون، وقيل: طائعون، وقيل: ساكتون ولم يعن به كلّ السّكوت، وإنما عني به ما قال عليه الصلاة والسلام: «إنّ هذه الصّلاة لا يصحّ فيها شيء من كلام الآدميّين، إنّما هي قرآن وتسبيح» «1»، وعلى هذا قيل: أيّ الصلاة أفضل؟ فقال: «طول القُنُوتِ» «2» أي: الاشتغال بالعبادة ورفض كلّ ما سواه. وقال تعالى: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً [النحل/ 120]، وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ [التحريم/ 12]، أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً [الزمر/ 9]، اقْنُتِي لِرَبِّكِ [آل عمران/ 43]، وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ [الأحزاب/ 31]، وقال: وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ [الأحزاب/ 35]، فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ [النساء/ 34] .
- اعْلَمُوا وَفَّقَكُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْقُنُوتَ يَرِدُ عَلَى مَعَانٍ، أُمَّهَاتُهَا أَرْبَعٌ: الْأَوَّلُ: الطَّاعَةُ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. الثَّانِي: الْقِيَامُ قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ، وَقَرَأَ: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا} [الزمر: 9] وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ». الثَّالِثُ: إنَّهُ السُّكُوتُ قَالَهُ مُجَاهِدٌ. وَفِي الصَّحِيحِ قَالَ زَيْدٌ: " كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى نَزَلَتْ: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ ". الرَّابِعُ: أَنَّ الْقُنُوتَ الْخُشُوعُ.
- قوله تعالى: وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ، المراد بالقيام هاهنا: القيام في الصلاة، فأما القنوت، فقد شرحناه فيما تقدم. وفي المراد به هاهنا ثلاثة أقوال: أحدها: أنه الطاعة، قاله ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وابن جبير، والشّعبيّ، وطاوس، والضحاك، وقتادة في آخرين. والثاني: أنه طول القيام في الصلاة، روي عن ابن عمر، والربيع بن أنس، وعن عطاء كالقولين. والثالث: أنه الإمساك عن الكلام في الصلاة. الْقُنُوت فِي الْقُرْآن على ثَلَاثَة أوجه: - أَحدهَا: الطَّاعَة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {وَقومُوا لله قَانِتِينَ} وَمثله: {والقانتين والقانتات} . وَالثَّانِي: الْعِبَادَة. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {كل لَهُ قانتون} . وَالثَّالِث: طول الْقيام. وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: [فِي آل عمرَان]: {يَا مَرْيَم اقنتي لِرَبِّك}، أَي: أطيلي الْقيام فِي صَلَاتك. وَقد رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَنه سُئِلَ أَي الصَّلَاة أفضل فَقَالَ: " أطولها قنوتا "، أَرَادَ بِهِ الْقيام. قَالَ ابْن قُتَيْبَة: وَلَا أرى أصل الْقُنُوت إِلَّا الطَّاعَة. لِأَن جَمِيع الْخلال: من الصَّلَاة، وَالْقِيَام فِيهَا، وَالدُّعَاء وَغَيره يكون عَن الطَّاعَة.
- أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ فَفِيهِ وُجُوهٌ أَحَدُهَا: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْقُنُوتَ هُوَ الدُّعَاءُ وَالذِّكْرُ، وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِوَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ: أَنَّ قَوْلَهُ: حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ أَمْرٌ بِمَا فِي الصَّلَاةِ مِنَ الْفِعْلِ، فَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ الْقُنُوتُ عَلَى كُلِّ مَا فِي الصَّلَاةِ مِنَ الذِّكْرِ، فَمَعْنَى الْآيَةِ: وَقُومُوا لِلَّهِ ذَاكِرِينَ دَاعِينَ مُنْقَطِعِينَ إِلَيْهِ وَالثَّانِي: أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنَ الْقُنُوتِ هُوَ الذِّكْرُ وَالدُّعَاءُ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً [الزُّمَرِ: 9] وَهُوَ الْمَعْنِيُّ بِالْقُنُوتِ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَالْوِتْرِ، وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِمْ: قَنَتَ عَلَيَّ فُلَانٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الدُّعَاءُ عَلَيْهِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: قانِتِينَ أَيْ مُطِيعِينَ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَالشَّعْبِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَطَاوُسٍ وَقَتَادَةَ وَالضَّحَّاكِ وَمُقَاتِلٍ، الدَّلِيلُ عَلَيْهِ وَجْهَانِ الْأَوَّلُ: مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «كُلُّ قُنُوتٍ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ الطَّاعَةُ» الثَّانِي: قَوْلُهُ تَعَالَى فِي أَزْوَاجِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ [النِّسَاءِ: 34] وَقَالَ فِي كُلِّ النِّسَاءِ: فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ [النِّسَاءِ: 34] / فَالْقُنُوتُ عِبَارَةٌ عَنْ إِكْمَالِ الطَّاعَةِ وَإِتْمَامِهَا، وَالِاحْتِرَازُ عَنْ إِيقَاعِ الْخَلَلِ فِي أَرْكَانِهَا وَسُنَنِهَا وَآدَابِهَا، وَهُوَ زَجْرٌ لِمَنْ لَمْ يُبَالِ كَيْفَ صَلَّى فَخَفَّفَ وَاقْتَصَرَ عَلَى مَا يُجْزِئُ وَذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِلَّهِ إِلَى صَلَاةِ الْعِبَادِ، وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ لَوَجَبَ أَنْ لَا يُصَلِّيَ رَأْسًا، لِأَنَّهُ يُقَالُ: كَمَا لَا يَحْتَاجُ إِلَى الْكَثِيرِ مِنْ عِبَادَتِنَا، فَكَذَلِكَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الْقَلِيلِ وَقَدْ صَلَّى الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالرُّسُلُ وَالسَّلَفُ الصَّالِحُ فَأَطَالُوا وَأَظْهَرُوا الْخُشُوعَ وَالِاسْتِكَانَةَ وَكَانُوا أَعْلَمَ بِاللَّهِ مِنْ هَؤُلَاءِ الْجُهَّالِ. الْقَوْلُ الثَّالِثُ: قانِتِينَ سَاكِتِينَ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ: كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ فَيُسَلِّمُ الرَّجُلُ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ، وَيَسْأَلُهُمْ: كَمْ صَلَّيْتُمْ؟ كَفِعْلِ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَنَزَّلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنِ الْكَلَامِ. الْقَوْلُ الرَّابِعُ: وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ: الْقُنُوتُ عِبَارَةٌ عَنِ الْخُشُوعِ، وَخَفْضِ الْجَنَاحِ وَسُكُونِ الْأَطْرَافِ وَتَرْكِ الِالْتِفَاتِ مِنْ هَيْبَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ يَهَابُ رَبَّهُ فَلَا يَلْتَفِتُ وَلَا يقلب الحصى، ولا يبعث بِشَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ، وَلَا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى يَنْصَرِفَ. الْقَوْلُ الْخَامِسُ: الْقُنُوتُ هُوَ الْقِيَامُ، وَاحْتَجُّوا عَلَيْهِ بِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ طُولُ الْقُنُوتِ» يُرِيدُ طُولَ الْقِيَامِ، وَهَذَا الْقَوْلُ عِنْدِي ضَعِيفٌ، وَإِلَّا صَارَ تَقْدِيرُ الْآيَةِ: وَقُومُوا لِلَّهِ قَائِمِينَ اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: وَقُومُوا لِلَّهِ مُدِيمِينَ لِذَلِكَ الْقِيَامِ فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ الْقُنُوتُ مُفَسَّرًا بِالْإِدَامَةِ لَا بِالْقِيَامِ. الْقَوْلُ السَّادِسُ: وَهُوَ اخْتِيَارُ عَلِيِّ بْنِ عِيسَى: أَنَّ الْقُنُوتَ عِبَارَةٌ عَنِ الدَّوَامِ عَلَى الشَّيْءِ وَالصَّبْرِ عَلَيْهِ وَالْمُلَازَمَةِ لَهُ وَهُوَ فِي الشَّرِيعَةِ صَارَ مُخْتَصًّا بِالْمُدَاوَمَةِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْمُوَاظَبَةِ عَلَى خِدْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ مَا قَالَهُ الْمُفَسِّرُونَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ: وَقُومُوا لِلَّهِ مُدِيمِينَ عَلَى ذَلِكَ الْقِيَامِ فِي أَوْقَاتِ وُجُوبِهِ وَاسْتِحْبَابِهِ والله تعالى أعلم.
- عِبَارَةٌ عَنِ الدَّوَامِ عَلَى الْعِبَادَةِ وَالْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهَا.
- وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ [الْبَقَرَةِ: 238] أَيْ لِعِبَادَتِهِ فَقَوْلُهُ: يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ أَيْ لِمَحْضِ أَمْرِهِ وَطَاعَتِهِ لَا لِشَيْءٍ آخَرَ، عَلَى مَا قَرَّرَهُ فِي قَوْلِهِ: وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ [الِانْفِطَارِ: 19] .
- أَمْرٌ بِالْقُنُوتِ فِي الْقِيَامِ لِلَّهِ وَالْقُنُوتُ: دَوَامُ الطَّاعَةِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ سَوَاءٌ كَانَ فِي حَالِ الِانْتِصَابِ أَوْ فِي حَالِ السُّجُودِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} وَقَالَ تَعَالَى {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} وَقَالَ {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} وَقَالَ: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ}
- وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ أَيْ: مُطِيعِينَ قَالَهُ الشَّعْبِيُّ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَعَطَاءٌ، وَابْنُ جُبَيْرٍ، وَالضَّحَّاكُ، وَالْحَسَنُ. أَوْ: خَاشِعِينَ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ، أَوْ: مُطِيلِينَ الْقِيَامَ، قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ، وَالرَّبِيعُ. أَوْ: دَاعِينَ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، أَوْ: سَاكِتِينَ، قَالَهُ السُّدِّيُّ، أَوْ: عَابِدِينَ، أَوْ: مُصَلِّينَ، أَوْ: قَارِئِينَ، رُوِيَ هَذَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَوْ: ذَاكِرِينَ اللَّهَ فِي الْقِيَامِ، قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ أَوْ: رَاكِدِينَ كَافِّي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَهُوَ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ قَبْلُ بِالْخُشُوعِ.
- أَيْ: خَاشِعِينَ ذَلِيلِينَ مُسْتَكِينِينَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَهَذَا الْأَمْرُ مُسْتَلْزِمٌ (3) تَرْكَ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ، لِمُنَافَاتِهِ إِيَّاهَا؛ وَلِهَذَا لَمَّا امْتَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الرَّدِّ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ حِينَ سَلَّمَ عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، اعْتَذَرَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ، وَقَالَ. "إِنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا"، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لِمُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ [السُّلَمِيِّ] (4) حِينَ تَكَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ: "إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ (5) فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إنما هي التسبيح والتكبير وذكر الله" (6) .
- فسره ابن عطية بالقيام الحسي حقيقة قال: ومعناه في صلاتهم فسره بعضهم بالقيام المعنوي وهو الجد في الطلب والطاعة فيتناول ركوع الصلوات وسجودها مثل: «قمت بالأمر» .
- فسر قَوْله: قَانِتِينَ، بقوله: مُطِيعِينَ، وَبِه فسر ابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَجَمَاعَة من التَّابِعين، ذكره ابْن أبي حَاتِم. وَعَن ابْن عَبَّاس: قَانِتِينَ، أَي: مُطِيعِينَ، وَقيل: عابدين، وَقيل: ذاكرين، وَقيل: داعين فِي حَال الْقيام، وَقيل: صامتين، وَقيل: مقرين بالعبودية، وَقيل: طائعين. وَعَن مُجَاهِد: من الْقُنُوت الرُّكُوع والخشوع وَطول الْقيام وغض الْبَصَر وخفض الْجنَاح والرهبة لله تَعَالَى.
- ولفظ القنوت أعدد معانيه تجد ... مزيدا على عشر معاني مرضية دعاء خشوع والعبادة طاعة ... إقامتها إقرارنا بالعبودية سكوت صلاة والقيام وطوله ... كذاك دوام الطاعة الرائح أهنيه.
- القنوت عبارة عن الدّوام على الشيء والصّبر عليه والملازمة له، وهو في الشريعة صار مختصّا بالمداومة على طاعة الله تعالى والمواظبة على خدمته، هذا قول علي رضي الله تعالى عنه. وقال مجاهد: القنوت عبارة عن الخشوع وخفض الجناح وسكون الأطراف وترك الالتفات من رهب الله تعالى.
- القنوت طول القيام.
- قال في شرح التقريب: والقنوت يطلق بإزاء معان: قيل الطاعة، وقيل الدعاء، وبمعنى طول القيام، وبمعنى السكوت في الصلاة. قال القاضي عياض: وأصله الدوام على الشيء. قال ابن دقيق العيد: وإذا كان هذا أصله فمديم الطاعة قانت، وكذلك الداعي، والقائم في الصلاة، والمخلص فيها، والساكت فيها، كلهم فاعلون للقنوت، انتهى ملخصا.
- أى مطيعين لا مكرهين ولا كسالى بل ممتثلين الأمر مجتنبين النهى لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كل قنوت في القرآن فهو طاعة.
- إِنَّ فِي الْقُنُوتِ مَعْنَى الْمُدَاوَمَةِ عَلَى الضَّرَاعَةِ وَالْخُشُوعِ; أَيْ: قُومُوا مُلْتَزِمِينَ لِخَشْيَةِ اللهِ تَعَالَى وَاسْتِشْعَارِ هَيْبَتِهِ وَعَظَمَتِهِ، وَلَا تَكْمُلُ الصَّلَاةُ وَتَكُونُ حَقِيقِيَّةً يَنْشَأُ عَنْهَا مَا ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى مِنْ فَائِدَتِهَا إِلَّا بِهَذَا، وَهُوَ يَتَوَقَّفُ عَلَى التَّفَرُّغِ مِنْ كُلِّ فِكْرٍ وَعَمَلٍ يَشْغَلُ عَنْ حُضُورِ الْقَلْبِ فِي الصَّلَاةِ وَخُشُوعِهِ، لِمَا فِيهَا مِنْ ذِكْرِ اللهِ بِقَدْرِ الطَّاقَةِ.
- فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنِ الْكَلَامِ)) وَذَلِكَ أَنَّ الْقُنُوتَ عِبَارَةٌ عَنِ الِانْصِرَافِ عَنْ شُئُونِ الدُّنْيَا إِلَى مُنَاجَاةِ اللهِ تَعَالَى وَالتَّوَجُّهِ إِلَيْهِ لِدُعَائِهِ وَذِكْرِهِ، وَحَدِيثُ النَّاسِ مُنَافٍ لَهُ، فَيَلْزَمُ مِنَ الْقُنُوتِ تَرْكُهُ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ قَالَ: ((كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَيَرُدُّ عَلَيْنَا، فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ سَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ، فَقُلْنَا - أَيْ بَعْدَ الصَّلَاةِ - يَا رَسُولَ اللهِ كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَيْكَ فِي الصَّلَاةِ فَتَرُدُّ عَلَيْنَا فَقَالَ: إِنَّ فِي الصَّلَاةِ شُغْلًا)) وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: الْمُرَادُ بِالْقُنُوتِ هُنَا الْقُنُوتُ الْمَعْرُوفُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ.
- أي قوموا خاشعين لله مستشعرين هيبته وعظمته، ولا تكون الصلاة كاملة تتحقق فائدتها التي ذكرت في الكتاب الكريم إلا بالتفرغ من كل فكر وعمل يشغل عن حضور القلب وخشوعه.
- أي: ذليلين خاشعين، ففيه الأمر بالقيام والقنوت والنهي عن الكلام، والأمر بالخشوع، هذا مع الأمن والطمأنينة.
- أي: مخلصين خاشعين لله، فإن القنوت هو دوام الطاعة مع الخشوع؛ ومن تمام ذلك سكون الأعضاء عن كل كلام لا تعلق له بالصلاة. وفيها أن القيام في صلاة الفريضة ركن إن كان المراد بالقيام هنا الوقوف، فإن أريد به القيام بأفعال الصلاة عموما دل على الأمر بإقامتها كلها، وأن تكون قائمة تامة غير ناقصة.
- أي استحضروا وجودكم كله عند الصلاة، وأدوها قياما فى خشوع، وخضوع، وسكون!
- القنوت في معناه المداومة على الفعل، وقد خصه القرآن الكريم بمعنى الدوام على الطاعة والملازمة لها وأدائها على وجهها؛ ومن ذلك قوله تعالى في وصف نبيه إبراهيم عليه السلام: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا. . .)، وقال سبحانه مخاطبًا نساء النبي - صلى الله عليه وسلم -: (وَمَن يَقْنُتْ منَكُن لِلَّهِ وَرسُولِهِ. . .)، وقال في وصف المؤمنين والمؤمنات: (والْقَانِتِينَ والْقَانِتَاتِ. . .). فالقنوت على هذا المعنى الإسلامي الرائع: ملازمة الطاعة والقيام بالعبادة في خشوع ضارع، وانصراف كامل، وشعور بالعبودية الحقة لله رب العالمين؛ فمعنى قوله تعالى: (وَقُومًوا لِلَّهِ قَانتين): قوموا بعبادتكم على وجهها الكامل ملازمين للخضوع والخشوع، غير مفرطين، ولا منصرفين عن رب العالمين، مستشعرين عظمته، قد ملأت قلوبكم هيبته.
- أي خاشعين منصرفين بكل مشاعركم.
- أمر موجه إلى المسلمين بالمحافظة على الصلوات وبخاصة الصلاة الوسطى وأدائها في أوقاتها. وقيامهم فيها خاشعين خاضعين لله وحده وتنبيه على أنه لا ينبغي أن يمنعهم من ذلك مانع حتى في حالة الخوف والخطر. فعليهم في هذه الحالة أن يؤدوا الصلاة أثناء ركوبهم إذا كانوا راكبين أو مشيهم إذا كانوا مترجلين. فواجب ذكر الله وأداء حقه في العبادة مترتب عليهم يجب أن يؤدوه في حالتي الأمن والخوف فهو الذي علمهم ما لم يكونوا يعلمونه وعليهم شكره وذكره.
- أي: قوموا في صلاتكم لله خاشعين ذاكرين.
- قوله تعالى: كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ قيل خاضعون وقيل طائعون وقيل ساكتون.
- وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ أي فى صلاتكم. وقانتين، أي طائعين.
- أصل القنوات في اللغة هو المداومة على الشيء، وقد حضر وحث القرآن الكريم على ديمومة طاعة الله ولزوم الخشوع والخضوع، ونرى ذلك في قول الحق الكريم: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَآءَ اليل سَاجِداً وَقَآئِماً يَحْذَرُ الآخرة وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الذين يَعْلَمُونَ والذين لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الألباب} [الزمر: 9].
- {قَانِتُونَ} وسأل نافع عو قوله تعالى: {كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} فقال: مُقِرُّون. واستشهد بقول عَدىَّ بن زيد: فقال: مُقِرُّون. واستشهد بقول عَدىَّ بن زيد: قَانتاً للهِ يرجو عَفْوَهُ. . . يومَ لاَ يُكفَرُ عَبْدٌ مَا ادَّخرْ (تق، ك، ط) = الكلمة من آيتى: البقرة 116: {سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} والروم 26: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} ومعهما اسم الفاعل، مفرداً، وجمعاً في آيات: الزمر 9: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} النحل 120: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} ومعها آيتا: الأحزاب 35، والتحريم 5 في نساء النبي عليه الصلاة والسلام، وآية التحريم 12 في مريم عليها السلام. وجاء الفعل مرة واحدة في آية الأحزاب 31، خطاباً لنساء النبي: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ}. وجوهر الفرق أن القنوت من أفعال القلوب كالخشوع والتقوى.
- قول "الراغب": القنوت لزوم الطاعة مع الخضوع، وفُسرَّ بكلَّ زاحد منهما في قوله: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} {كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} قيل: خاضعين، وقيل طائعين، وقيل ساكتين، لم يعن به: عن الكلام، وإنما عنى به ما قال عليه السلام: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميين، إنما هي قرآن وتسبيح".
- القنوت القنوت لغة: مصدر قنت يقنت قنوتا، وهو مأخوذ من مادّة (ق ن ت) الّتي تدلّ على طاعة وخير في دين، والأصل فيه الطّاعة، ثمّ سمّي كلّ طاعة في طريق الدّين قنوتا، وسمّي السّكوت في الصّلاة والإقبال عليها قنوتا، قال الله تعالى: وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ (البقرة/ 238) «1» . وقال ابن منظور: القنوت دوام الطّاعة، وقيل: الدّعاء في الصّلاة، والقنوت: الخشوع والإقرار بالعبوديّة، وقيل: القيام، وزعم ثعلب أنّه الأصل، وقيل: إطالة القيام. ويقال للمصلّي: قانت. وفي الحديث: «مثل المجاهد في سبيل الله، كمثل القانت الصّائم» أي المصلّي، ويرد القنوت بمعان متعدّدة، كالطّاعة، وقد تقدّم بعضها. فيصرف في كلّ واحد من هذه المعاني إلى ما يحتمله لفظ الحديث الوارد فيه. وقال ابن الأنباريّ: القنوت على أربعة أقسام: الصّلاة، وطول القيام، وإقامة الطّاعة، والسّكوت. قال ابن سيده: القنوت الطّاعة، هذا هو الأصل، ومنه قوله تعالى: وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ (الأحزاب/ 35)، ثمّ سمّي القيام في الصّلاة قنوتا، ومنه قنوت الوتر. والقانت: الذّاكر لله تعالى. كما قال- عزّ وجلّ-: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً (الزمر/ 9) . وقيل: القانت: العابد. والقانت: القائم بجميع أمر الله تعالى، وجمع القانت من ذلك كلّه:
قنّت، وقنت له: ذلّ، وقنتت المرأة لبعلها: أقرّت «2» .
ونقل الفيروزاباديّ عن ابن الأعرابيّ قوله:
أقنت: دعا على عدوّه، وأقنت: إذا أطال القيام في الصّلاة. وأقنت: إذا أدام الحجّ، وأقنت: إذا أطال الغزو، وأقنت إذا تواضع لله تعالى «3» .
القنوت اصطلاحا:
قال الرّاغب: القنوت لزوم الطّاعة مع الخضوع، قال عزّ وجلّ: {كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ} [البقرة: 116] .
وقال المناويّ: القنوت: ثبات القائم بالأمر على قيامه تحقّقا بتمكّنه فيه.. ودعاء القنوت: هو دعاء الانتصاب في الصّلاة «4» .
__________
(1) مقاييس اللغة لابن فارس (5/ 31) .
(2) انظر الصحاح للجوهري (1/ 261)، ولسان العرب، لابن منظور (2/ 73، 74) ومقاييس اللغة لابن فارس (5/ 31) .
(3) بصائر ذوي التمييز (4/ 298) .
(4) مفردات الراغب (ص 413)، والتوقيف على مهمات التعاريف للمناوي (ص 275) .
نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (8/ 3177)
أنواع القنوت:
قال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: القنوت الّذي يعمّ المخلوقات أنواع:
أحدها: طاعة كلّ شيء لمشيئته وقدرته وخلقه، فإنّه لا يخرج شيء عن مشيئته وقدرته وملكه، بل هو مدبّر معبود.
وعلى هذا الوجه، فالقانت قد لا يشعر بقنوته، فإنّ المراد بقنوته كونه مدبّرا مصرّفا تحت مشيئة الرّبّ من غير امتناع منه بوجه من الوجوه، وهذا شامل للجمادات والحيوانات وكلّ شيء. قال تعالى: ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها (هود/ 56)، وقال تعالى:
فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (يس/ 83) .
النّوع الثّاني من القنوت: هو ما يشعر به القانت، وهو اعترافهم كلّهم بأنّهم مخلوقون مربوبون وأنّه ربّهم، كما تقدّم.
الثّالث: أنّهم يضطرّون إليه وقت حوائجهم فيسألونه ويخضعون له، وإن كانوا إذا أجابهم أعرضوا عنه. قال الله تعالى: وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ (يونس/ 12)، وقال تعالى:
وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً (الإسراء/ 67) . وهو أخبر أنّهم له قانتون، فإذا قنتوا له فدعوه، وتضرّعوا إليه عند حاجتهم كانوا قانتين له، وإن كان إذا كشف الضّرّ عنهم نسوا ما كانوا يدعون إليه وجعلوا له أندادا.
الرّابع: أنّهم كلّهم لا بدّ لهم من القنوت والطّاعة في كثير من أوامره وإن عصوه في البعض، وإن كانوا لا يقصدون بذلك طاعته، بل يسلّمون له ويسجدون طوعا وكرها. وذلك أنّه أرسل الرّسل وأنزل الكتب بالعدل، فلا صلاح لأهل الأرض في شيء من أمورهم إلّا به، ولا يستطيع أحد أن يعيش في العالم مع خروجه عن جميع أنواعه، بل لا بدّ من دخوله في شيء من أنواع العدل.
الخامس: خضوعهم لجزائه لهم في الدّنيا والآخرة، كما ذكر من ذكر أنّهم قانتون يوم القيامة، وهو سبحانه قد يجزي النّاس في الدّنيا فيهلكهم وينتقم منهم، كما أهلك قوم نوح وعاد وثمود وفرعون، فكانوا خاضعين منقادين لجزائه وعقابه قانتين له كرها. والجزاء يكون في الدّنيا، وفي البرزخ وفي الآخرة، وهو سبحانه قائم على كلّ نفس بما كسبت، وهو قائم بالقسط، والجميع مستسلمون لحكمه، قانتون له في جزائهم على أعمالهم، والمصائب الّتي تصيبهم في الدّنيا جزاء لهم. قال تعالى: وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ (الشورى/ 30)، وقال تعالى: ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ (النساء/ 79) .
فهذه خمسة أنواع: قنوتهم لخلقه وحكمه وأمره قدرا، واعترافهم بربوبيّته، واضطرارهم إلى مسألته والرّغبة إليه، ودخولهم فيما يأمر به وإن كانوا كارهين،
نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (8/ 3178)
وجزاؤهم على أعمالهم «1» .
وقال الفيروز اباديّ: القنوت ينقسم إلى أربعة أقسام: الصّلاة، وطول القيام، وإقامة الطّاعة، والسّكوت. روي عن زيد بن أرقم- رضي الله عنه- كنّا نتكلّم في الصّلاة، يكلّم أحدنا صاحبه في حاجته، حتّى نزلت: وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ (البقرة/ 238)، فأمرنا بالسّكوت، وسئل ابن عمر- رضي الله عنهما- عن القنوت، فقال: ما أعرف القنوت إلّا طول القيام، ثمّ قرأ: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً ...
(الزمر/ 9)، وقال الزّجّاج: المشهور في اللّغة أنّ القنوت الدّعاء، وأنّ القانت: الدّاعي «2» .
[للاستزادة: الخشوع- الرغبة- الصلاة- الضراعة- الطاعة- الإنابة- الرجاء- التوسل- الدعاء- الاستغاثة- الاستغفار- الإخبات- تذكر الموت- الخوف- العبادة
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإعراض- العصيان- اتباع الهوى- الإصرار على الذنب- التفريط والإفراط- الغفلة- طول الأمل- القنوط] .
__________
(1) مجموعة الرسائل لابن تيمية (2/ 25- 27) .
(2) بصائر ذوي التمييز (4/ 298) .
نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (8/ 3179)
الآيات الواردة في «القنوت»
القنوت بمعنى طاعة المخلوقات وخضوعها:
1- وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ (115)
وَقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (116)
بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117) «1»
2- وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (25)
وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (26) «2»
القنوت بمعنى السكوت:
3- حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ (238)
فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (239) «3»
القنوت بمعنى طول القيام:
4- {وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ * أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ} [الزمر: 8- 9].
الأمر بالقنوت:
5- {وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ * يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران: 238 – 239].
القنوت من صفات أنبياء الله وأوليائه والمؤمنين (ومعناه إقامة الطاعة):
6- {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ
__________
(1) البقرة: 115- 117 مدنية
(2) الروم: 25- 26 مكية
(3) البقرة: 238- 239 مدنية
نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (8/ 3180)
الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ * قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ * الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ * الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ * شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 14- 18].
7- {الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً} [النساء: 34].
8- إ{ِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} [النحل: 120- 122].
{يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً * يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً * وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً * يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً * وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً * إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} [الأحزاب: 28- 35].
{وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ * إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ * عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً} [التحريم: 3- 5].
{وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ} [التحريم: 12].
الأحاديث الواردة في (القنوت)
1-* (عن عمرو بن عبسة- رضي الله عنه- قال: أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: يا رسول الله! من تبعك على هذا الأمر قال: «حرّ وعبد» . قلت: ما الإسلام؟ قال: «طيب الكلام، وإطعام الطّعام» قلت: ما الإيمان؟ قال: «الصّبر والسّماحة» قال:
قلت: أيّ الإسلام أفضل؟ قال: «من سلم المسلمون من لسانه ويده» قال: قلت: أيّ الإيمان أفضل؟
قال: «خلق حسن» قال: قلت: أيّ الصّلاة أفضل؟
قال: «طول القنوت» . قال: قلت: أيّ الهجرة أفضل؟
قال: «أن تهجر ما هجر ربّك عزّ وجلّ ...
الحديث» ) * «1» .
2-* (عن جابر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أفضل الصّلاة طول القنوت «2» » ) * «3» .
3-* (عن البراء بن عازب- رضي الله عنهما- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقنت في الصّبح والمغرب» ) * «4» .
4-* (عن عاصم، قال: سألت أنس بن مالك- رضي الله عنه- عن القنوت فقال: قد كان القنوت. قلت: قبل الرّكوع أو بعده؟ قال: قبله. قال:
فإنّ فلانا أخبرني عنك أنّك قلت: بعد الرّكوع. فقال:
كذب، إنّما قنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد الرّكوع شهرا، أراه كان بعث قوما، يقال لهم القرّاء زهاء سبعين رجلا، إلى قوم من المشركين دون أولئك، وكان بينهم وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عهد «5»، فقنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شهرا يدعو عليهم) * «6» .
5-* (عن الحسن بن عليّ- رضي الله عنهما- قال: علّمني جدّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كلمات أقولهنّ في قنوت الوتر: «اللهمّ عافني فيمن عافيت، وتولّني فيمن تولّيت، واهدني فيمن هديت، وقني شرّ ما قضيت، وبارك لي فيما أعطيت، إنّك تقضي ولا يقضى عليك، إنّه لا يذلّ من واليت، سبحانك ربّنا تباركت وتعاليت» ) * «7» .
6-* (عن أنس- رضي الله عنه- قال: قنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شهرا يدعو على رعل وذكوان) * «8» .
7-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قيل للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ما يعدل الجهاد في سبيل الله- عزّ
__________
(1) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (11/ 33) . وهو في الصحيحة للألباني (551) . والحديث أصله عند مسلم (832) .
(2) القنوت: المراد به هنا القيام.
(3) مسلم (756) .
(4) مسلم (678) .
(5) وكان المشركون قد قتلوا هؤلاء القراء فيما يعرف ب «حادثة بئر معونة) .
(6) البخاري- الفتح 2 (1002) . واللفظ له، ومسلم (677)
(7) أبو داود (1425) . وابن ماجة (1178) واللفظ له وصححه الألباني، صحيح ابن ماجة (967) .
(8) البخاري- الفتح 2 (1003) واللفظ له. ومسلم (677) . ورعل وذكوان: قبيلتان من قبائل العرب.
نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (8/ 3183)
وجلّ؟ قال: «لا تستطيعوه» «1» قال: فأعادوا عليه مرّتين أو ثلاثا. كلّ ذلك يقول: «لا تستطيعونه» . وقال في الثّالثة: «مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصّائم القائم القانت «2» بآيات الله. لا يفتر من صيام ولا صلاة. حتّى يرجع المجاهد في سبيل الله تعالى» ) * «3» .
8-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يدعو في القنوت: «اللهمّ أنج سلمة بن هشام، اللهمّ أنج الوليد بن الوليد، اللهمّ أنج عيّاش ابن أبي ربيعة، اللهمّ أنج المستضعفين من المؤمنين، اللهمّ اشدد وطأتك على مضر، اللهمّ سنين كسني يوسف «4» » ) * «5» .
الأحاديث الواردة في (القنوت) معنى
9-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أفضل الصّيام بعد رمضان شهر الله المحرّم، وأفضل الصّلاة بعد الفريضة صلاة اللّيل» ) * «6» .
10-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنّه كان يرمي الجمرة الدّنيا بسبع حصيات يكبّر على إثر كلّ حصاة، ثمّ يتقدّم حتّى يسهل «7» فيقوم مستقبل القبلة، فيقوم طويلا ويدعو ويرفع يديه، ثمّ يرمي الوسطى ثمّ يأخذ ذات الشّمال «8» فيستهلّ ويقوم مستقبل القبلة، فيقوم طويلا ويدعو، ويرفع يديه ويقوم طويلا، ثمّ يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي، ولا يقف عندها، ثمّ ينصرف فيقول: هكذا رأيت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يفعله) * «9» .
11-* (عن عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ المسلم المسدّد ليدرك درجة الصّوّام القّوّام بآيات الله- عزّ وجلّ- لكرم ضريبته وحسن خلقه» ) * «10» .
12-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه-
__________
(1) لا تستطيعوه: كذا في معظم النسخ، وفي بعضها لا تستطيعونه بالنون وهذا جار على اللغة المشهورة، والأول صحيح أيضا وهي لغة فصيحة حذف النون من الأفعال الخمسة من غير ناصب ولا جازم.
(2) القانت: معنى القانت هنا: المطيع.
(3) مسلم (1878) .
(4) كسني يوسف: أى اجعلها سنين شدادا ذوات قحط وغلاء، والسنة- كما ذكره أهل اللغة- الجدب.
(5) البخاري- الفتح 6 (2932) . واللفظ له ومسلم (675) .
(6) مسلم (1163) .
(7) يسهل: أي يقصد السهل من الأرض أراد أنه صار إلى بطن الوادي.
(8) يأخذ ذات الشمال: أي يقف داعيا في مكان لا يصيبه الرمي إلى جهة شماله.
(9) البخاري- الفتح 3 (1751) .
(10) أحمد في المسند (2/ 220) واللفظ له. والمنذري في الترغيب والترهيب (3/ 257) . والهيثمي في المجمع (8/ 22)، وصححه الألباني، الصحيحة (522) .
نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (8/ 3184)
قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «السّاعي «1» على الأرملة «2»، والمسكين كالمجاهد في سبيل الله- وأحسبه قال- (يشكّ القّعنبيّ) كالقائم لا يفتر وكالصّائم لا يفطر» ) * «3» .
13-* (عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «مثل المجاهد في سبيل الله- والله أعلم بمن يجاهد في سبيله- كمثل الصّائم القائم الخاشع الرّاكع السّاجد» ) * «4» .
المثل التطبيقي من حياة النبي صلّى الله عليه وسلّم في (القنوت)
14-* (عن حذيفة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم صلّى فكان إذا مرّ بآية رحمة سأل، وإذا مرّ بآية عذاب استجار، وإذا مرّ بآية فيها تنزيه لله سبّح» ) * «5» .
15-* (سئل ابن عبّاس- رضي الله عنهما- عن استسقاء «6» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خرج متبذّلا «7» متواضعا متضرّعا حتّى أتى المصلّى فلم يخطب خطبتكم هذه، ولكن لم يزل في الدّعاء والتّضرّع والتّكبير، وصلّى ركعتين كما كان يصلّي في العيد» ) * «8» .
16-* (عن المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه- قال: إن كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليقوم أو ليصلّي حتّى ترم قدماه- أو ساقاه-. فيقال له، فيقول: «أفلا أكون عبدا شكورا؟»
وفي رواية عن عائشة- رضي الله عنها- أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقوم من اللّيل حتّى تتفطّر قدماه. فقالت عائشة: لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟ قال: «أفلا أحبّ أن أكون عبدا شكورا؟» ) * «9» .
17-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: خسفت «10» الشّمس في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلّي فأطال القيام جدّا. ثمّ ركع فأطال الرّكوع جدّا. ثمّ رفع رأسه فأطال القيام جدّا. وهو دون القيام الأوّل ثمّ ركع فأطال الرّكوع
__________
(1) الساعي: الكاسب لهما، العامل لمؤنتهما.
(2) الأرملة: من لا زوج لها، وسميت أرملة لما يحصل لها من الإرمال وهو الفقر وذهاب الزاد لفقد الزوج.
(3) البخاري- الفتح 10 (6007) واللفظ له. ومسلم (2982) .
(4) النسائي (6/ 18)، وهو في صحيح سنن النسائي (2930) .
(5) البخاري- الفتح 9 (5353) . ومسلم (2982) .
(6) استسقاء رسول الله: أي صلاته لطلب السقيا ونزول المطر.
(7) التبذل: ترك التزين والتهيؤ بالهيئة الحسنة الجميلة، على جهة التواضع.
(8) الترمذي (558) واللفظ له وقال: هذا حديث حسن صحيح. وابن ماجة (1266) وحسنه الألباني.
(9) البخاري- الفتح 3 (1130)، 8 (4837) واللفظ له. ومسلم (2120) .
(10) خسفت الشمس: يقال كسفت الشمس والقمر، وخسفا. وذهب جمهور أهل اللغة على أن الكسوف والخسوف يكون لذهاب ضوئهما كله ويكون لذهاب بعضه.
نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (8/ 3185)
جدّا. وهو دون الرّكوع الأوّل. ثمّ سجد، ثمّ قام فأطال القيام. وهو دون القيام الأوّل. ثمّ ركع فأطال الرّكوع، وهو دون الرّكوع الأوّل. ثمّ رفع رأسه فقام. فأطال القيام. وهو دون القيام الأوّل. ثمّ ركع فأطال الرّكوع.
وهو دون الرّكوع الأوّل. ثمّ سجد ثمّ انصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد تجلّت الشّمس. فخطب النّاس فحمد الله وأثنى عليه. ثمّ قال «إنّ الشّمس والقمر من آيات الله، وإنّهما لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته. فإذا رأيتموهما فكبّروا، وادعوا الله وصلّوا وتصدّقوا. يا أمّة محمّد! إن من أحد أغير من الله «1» أن يزني عبده أو تزني أمته. يا أمّة محمّد! والله لو تعلمون ما أعلم «2» لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا. ألا هل بلّغت؟» ) * «3» .
18-* (عن عبد الله بن الشّخّير- رضي الله عنه- قال: رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وفي صدره أزيز كأزيز الرّحى من البكاء صلّى الله عليه وسلّم) * «4» .
19-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يقول في دعائه: «ربّ أعنّي ولا تعن عليّ، وانصرني ولا تنصر عليّ، وامكر لي ولا تمكر عليّ، واهدني ويسّر الهدى لي، وانصرني على من بغى عليّ.
ربّ اجعلني لك شكّارا، لك ذكّارا، لك رهّابا، لك مطيعا، إليك مخبتا «5»، إليك أوّاها «6» منيبا. ربّ تقبّل توبتي واغسل حوبتي «7» وأجب دعوتي، واهد قلبي، وسدّد لساني، وثبّت حجّتى، واسلل «8» سخيمة «9» قلبي» ) * «10» .
20-* (عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- قال: صلّيت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليلة فلم يزل قائما حتّى هممت بأمر سوء، قيل له: وما هممت؟ قال:
هممت أن أقعد وأذر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم» ) * «11» .
21-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا دخل العشر شدّ مئزره «12» وأحيا ليله «13» وأيقظ أهله) * «14» .
22-* (عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما- قال: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا قام من اللّيل يتهجّد قال: «اللهمّ لك الحمد، أنت قيّم السّماوات والأرض
__________
(1) إن من أحد أغير من الله: إن نافية بمعنى ما. والمعنى أنه ليس أحد أمنع من المعاصي من الله تعالى. ولا أشد كراهية لها منه سبحانه.
(2) لو تعلمون ما أعلم: أي لو تعلمون من شدة عقاب الله تعالى وانتقامه من أهل الجرائم، وأهوال القيامة وما بعدها، كما علمت لبكيتم كثيرا ولقل ضحككم لفكركم وخوفكم مما عملتموه.
(3) البخاري- الفتح 2 (1044) . ومسلم (901) واللفظ له
(4) أبو داود 1 (904) واللفظ له. والنسائي (3/ 13) . وقال محقق جامع الأصول (5/ 435): حديث صحيح.
(5) مخبتا: أي خاشعا متواضعا.
(6) أواها: أي متضرعا وقيل بكّاء.
(7) الحوبة: المأثم.
(8) اسلل: أي انزع.
(9) سخيمة قلبي: السخيمة الحقد.
(10) والترمذي (3551) . وقال: حديث حسن صحيح. وأبو داود (157) . وابن ماجة (3830) واللفظ له.
(11) البخاري- الفتح 3 (1135) واللفظ له. ومسلم (773) .
(12) شد مئزره: أي استعد للعبادة وشمر لها، والعبارة في الأصل كناية عن اعتزال النساء
(13) أحيا ليله: أي استغرقه بالسهر في الصلاة والذكر.
(14) البخاري- الفتح 4 (2024) واللفظ له. ومسلم (1174) .
نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (8/ 3186)
ومن فيهنّ، ولك الحمد لك ملك السّموات والأرض ومن فيهنّ، ولك الحمد أنت نور السّماوات والأرض، ولك الحمد أنت ملك السّماوات والأرض، ولك الحمد أنت الحقّ ووعدك الحقّ، ولقاؤك حقّ، وقولك حقّ، والجنة حقّ، والنّار حقّ، والنّبيّون حقّ، ومحمّد صلّى الله عليه وسلّم حقّ، اللهمّ لك أسلمت وبك آمنت، وعليك توكّلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت،
وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدّمت وما أخّرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدّم وأنت المؤخّر، لا إله إلّا أنت، أو لا إله غيرك» ) * «1» .
23-* (عن عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه كان إذا قام إلى الصّلاة قال «وجّهت وجهي للّذي فطر السّماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين. إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين. اللهمّ أنت الملك لا إله إلّا أنت. أنت ربّي وأنا عبدك. ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا. إنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت. واهدني لأحسن الأخلاق. لا يهدي لأحسنها إلّا أنت.
واصرف عنّي سيّئها. لا يصرف عنّي سيّئها إلّا أنت.
لبّيك وسعديك والخير كلّه في يديك. والشّر ليس إليك. أنا بك وإليك. تباركت وتعاليت. أستغفرك وأتوب إليك» . وإذا ركع قال: «اللهمّ لك ركعت. وبك آمنت. ولك أسلمت. خشع لك سمعي وبصري.
ومخّي وعظمي وعصبي. وإذا رفع قال: «اللهمّ ربّنا لك الحمد ملء السّماوات وملء الأرض، وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد» . وإذا سجد قال «اللهمّ لك سجدت وبك آمنت. ولك أسلمت.
سجد وجهي للّذي خلقه وصوّره، وشقّ سمعه وبصره. تبارك الله أحسن الخالقين» ثمّ يكون من آخر ما يقول بين التّشهّد والتّسليم: «اللهمّ اغفر لي ما قدّمت وما أخّرت، وما أسررت وما أعلنت. وما أسرفت. وما أنت أعلم به منّي. أنت المقدّم وأنت المؤخّر لا إله إلّا أنت» «2» .
من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في (القنوت)
1-* (قال عبد الله بن مسعود- رضي الله تعالى عنه-: «إنّ معاذ بن جبل- رضي الله تعالى عنه- كان أمّة قانتا لله حنيفا. فقيل: إنّ إبراهيم كان أمّة قانتا لله حنيفا. فقال: ما نسيت، هل تدري ما الأمّة وما القانت؟ فقلت: الله أعلم. فقال: الأمّة الّذي يعلّم الخير، والقانت المطيع لله وللرّسول، وكان معاذ يعلّم النّاس الخير ومطيعا لله ولرسوله» ) * «3» .
2-* (قال لبيد بن ربيعة- رضي الله عنه-:
__________
(1) البخاري- الفتح 3 (1120) واللفظ له. ومسلم (769) .
(2) مسلم (771) .
(3) حلية الأولياء لأبي نعيم (1/ 230) .
نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (8/ 3187)
الحمد لله الّذي استقلّت ... بأمره السّماء واطمأنّت
وشدّها بالرّاسيات الثّبّت ... ربّ البلاد والعباد القنّت
) * «1» .
3-* (قال مجاهد- رحمه الله- في قوله تعالى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ: قال: من القنوت: الرّكوع، والخشوع، وغضّ البصر، وخفض الجناح من رهبة الله» ) * «2» .
4-* (روي عن زيد بن أرقم- رضي الله عنه-: «كنّا نتكلّم في الصّلاة يكلّم أحدنا صاحبه في حاجته، حتّى نزلت: وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ فأمرنا بالسّكوت» ) * «3» .
5-* (وسئل ابن عمر- رضي الله عنهما- عن القنوت فقال: «ما أعرف القنوت إلّا طول القيام، ثمّ قرأ: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً» ) * «4» .
6-* (وقوله تعالى: كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ* قيل:
خاضعون، وقيل: طائعون، وقيل: ساكتون يعني عن كلام الآدميّين، وكلّ ما ليس من الصّلاة في شيء) * «5» .
من فوائد (القنوت)
(1) دليل على كمال الإيمان وسلامته من الغوائل.
(2) طريق موصّل إلى الجنّة.
(3) يورث الخشية من الله- عزّ وجلّ-.
(4) يثمر محبّة الله وطاعته.
(5) دليل صلاح العبد واستقامته.
(6) باب من أبواب اللّجوء إلى الله.
(7) اتّباع لطرق النّبيّين والصالحين.
__________
(1) انظر الأدب العربي للزيات (20) .
(2) شرح السنة للبغوي (3/ 362) .
(3) بصائر ذوي التمييز (4/ 298) .
(4) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
(5) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.
عدد القراء : 773