{وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ} [البقرة: 270].
{وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ} [البقرة: 270].
And whatever you spend of expenditures or make of vows - indeed, Allah knows of it.
- يقول الله تعالى: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} [البقرة: 197]، ويقول تعالى: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [البقرة: 215]، ويقول تعالى: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا} [النساء: 127].
- أي: ما تصدقتم به من فرض؛ لأنه في ذكر صدقة الزكاة وهي الفرض والنذر: التطوع، وكل ما نوى الإنسانُ أن يتطوع به فهو نذر. {فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ}: أي: لا يخفى عليه، فهو يجازي عليه، كما قال جلَّ ثَنَاؤه: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7].
- عن مجاهد في قول الله عز وجل: {وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه}، ويحصيه.
- النفقة: هي العطاء العاجل في باب من أبواب الخير. أما النذر: فهو التزام قربة من القربات، أو صدقة من الصدقات؛ بأن يقول: لله عليَّ نذر أن أفعل كذا من أنواع البر، أو إن شفى الله مريضي فسأفعل كذا. والمعنى: وما أنفقتم من نفقة عاجلة قليلة أو كثيرة، أو التزمتم بنفقة مستقبلة وعاهدتم الله تعالى على القيام بها؛ فإنه سبحانه يعلم كل شيء، ويعلم ما صَاحَبَ نياتكم؛ من إخلاص أو رياء، ويعلم ما أنفقتموه أهو من جيد أموالكم أم من رديئها، وسيجازى المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته. وقوله: {فإن الله يعلمه} أفادت الوعد العظيم للمطيعين، والوعيد الشديد للمتمردين؛ لأن الإنسان إذا أيقن أن الله تعالى لا تخفى عليه خافية من شؤون خلقه، فإن هذا اليقين سيحمله على الطاعة والإخلاص، وسيحضه على المسارعة في الخيرات.
- أَرْشَدَنَا عَزَّ وَجَلَّ إِلَى أَنَّهُ يُجَازِي عَلَى كُلِّ صَدَقَةٍ وَكُلِّ الْتِزَامٍ لِصَدَقَةٍ وَبِرٍّ؛
- لِأَنَّ عِلْمَهُ مُحِيطٌ بِكُلِّ عَمَلٍ وَكُلِّ قَصْدٍ، لِنَتَذَكَّرَ ذَلِكَ فَتَخْتَارَ لِأَنْفُسِنَا أَفْضَلَ مَا نُحِبُّ أَنْ يَعْلَمَهُ عَنَّا فَقَوْلُهُ: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ} يَشْتَمِلُ قَلِيلَهَا وَكَثِيرَهَا، سِرَّهَا وَعَلَانِيَتَهَا، مَا كَانَ مِنْهَا فِي حَقٍّ، وَمَا كَانَ مِنْهَا فِي شَرٍّ، وَمَا كَانَ عَنْ إِخْلَاصٍ وَمَا كَانَ رِئَاءَ النَّاسِ، مَا أُتْبِعَ مِنْهَا بِالْمَنِّ وَالْأَذَى وَمَا لَمْ يُتْبَعْ بِشَيْءٍ مِنْهُمَا. وَقَوْلُهُ: {أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ} يَأْتِي فِيهِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَيَشْمَلُ مَا كَانَ نَذْرَ قُرْبَةٍ وَتَبَرُّرٍ، وَنَذْرَ لَجَاجٍ وَغَضَبٍ، فَالْأَوَّلُ: مَا قُصِدَ بِهِ الْتِزَامُ الطَّاعَةِ؛ قُرْبَةً لِلَّهِ تَعَالَى بِلَا شَرْطٍ وَلَا قَيْدٍ لِئَلَّا يَتَهَاوَنَ فِيهَا؛ كَأَنْ يَنْذُرَ نَفَقَةً مُعَيَّنَةً، أَوْ صَلَاةَ نَافِلَةٍ، أَوْ بِشَرْطِ حُصُولِ نِعْمَةٍ أَوْ رَفْعٍ نِقْمَةٍ؛ كَقَوْلِهِ: إِنْ شَفَى اللهُ فُلَانًا فَعَلَيَّ، أَوْ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِكَذَا، وَالثَّانِي: مَا يُقْصَدُ بِهِ حَثُّ النَّفْسِ عَلَى شَيْءٍ أَوْ مَنْعُهَا عَنْهُ؛ كَقَوْلِهِ: إِنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا فَعَلَيَّ كَذَا. وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِالنَّذْرِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي طَاعَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَقَرَّبُ إِلَيْهِ تَعَالَى إِلَّا بِالطَّاعَةِ، فَإِنْ نَذَرَ فِعْلَ مَعْصِيَةٍ: حَرُمَ عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَهَا، وَإِنْ نَذَرَ مُبَاحًا: فَعَلَهُ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ} جَوَابُ الشَّرْطِ؛ أَيْ: فَإِنَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ مَا ذُكِرَ مِنَ النَّفَقَةِ أَوِ النَّذْرِ، وَيُجَازِي عَلَيْهِ إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ، فَالْجُمْلَةُ وَعْدٌ وَوَعِيدٌ وَتَرْغِيبٌ وَتَرْهِيبٌ.
- {وَمَا أَنفَقْتُم مّن نَّفَقَةٍ} في سبيل الله، أو في سبيل الشيطان، {أَوْ نَذَرْتُم مّن نَّذْرٍ} في طاعة الله، أو في معصيته، {فَإِنَّ الله يَعْلَمُهُ} لا يخفى عليه، وهو مجازيكم عليه. وهو عام مطرد؛ ظَاهِرُهُ الْعُمُومُ فِي كُلِّ صَدَقَةٍ، وَكَذَلِكَ النَّذْرُ عَامٌّ فِي طَاعَةِ اللَّهِ أَوْ مَعْصِيَتِهِ، وَقِيلَ: تَخْتَصُّ النَّفَقَةُ بِالزَّكَاةِ لِعَطْفِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ وَهُوَ النَّذْرُ، وَالنَّذْرُ عَلَى قِسْمَيْنِ: مُحَرَّمٍ وَهُوَ كُلُّ نَذْرٍ فِي غَيْرِ طَاعَةِ اللَّهِ، وَمُبَاحٍ مَشْرُوطٍ وَغَيْرِ مَشْرُوطٍ. قَالَ مُجَاهِدٌ مَعْنَى يَعْلَمُهُ: يُحْصِيهِ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: يُجَازِي عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يَحْفَظُهُ. وَتَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَعْدًا وَوَعِيدًا؛ بِتَرْتِيبِ عِلْمِ اللَّهِ عَلَى مَا أنفقوا أو نذروا.
- وَأَيّ نَفَقَة أَنْفَقْتُم، يَعْنِي أَيّ صَدَقَة تَصَدَّقْتُمْ، أَوْ أَيّ نَذْر نَذَرْتُمْ؛ يَعْنِي بِالنَّذْرِ: مَا أَوْجَبَهُ الْمَرْء عَلَى نَفْسِهِ تَبَرُّرًا فِي طَاعَة اللَّه، وَتَقَرُّبًا بِهِ إِلَيْه، مِنْ صَدَقَة أَوْ عَمَل خَيْر، {فَإِن اللَّهَ يَعْلَمُه} أَيْ أَنَّ جَمِيع ذَلِكَ بِعِلْمِ اللَّهِ، لَا يَعْزُب عَنْهُ مِنْهُ شَيْء، وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ قَلِيل وَلَا كَثِير، وَلَكِنَّه يُحْصِيهِ أَيُّهَا النَّاس عَلَيْكُمْ حَتَّى يُجَازِيَكُمْ جَمِيعَكُمْ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ، فَمَنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ مِنْكُمْ وَصَدَقَتُهُ وَنَذْرُهُ ابْتِغَاء مَرْضَاة اللَّه وَتَثْبِيتًا مِنْ نَفْسِه، جَازَاه بِالَّذِي وَعَدَهُ مِنْ التَّضْعِيف؛ وَمَنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ وَصَدَقَتُهُ رِيَاء النَّاس وَنَذْروُهُ لِلشَّيْطَان جَازَاه بِالَّذِي أَوْعَدَه مِنْ الْعِقَاب وَأَلِيم الْعَذَاب.
- ظاهره العموم في كل صدقة في سبيل الله، أو سبيل الشيطان، وكذلك النذر عام في طاعة الله أو معصيته، وقيل: تختص النفقة بالزكاة لعطف الواجب عليه وهو النذر، والنذر على قسمين: محرم وهو كل نذر في غير طاعة الله، ومباح مشروط وغير مشروط. قال مجاهد معنى: يعلمه، يحصيه، وقال الزجاج: يجازي عليه، وقيل: يحفظه. وتضمنت هذه الآية وعداً ووعيداً بترتيب علم الله على ما أنفقوا أو نذروا، حكي عن النحاس أنه قال: التقدير: وما أنفقتم من نفقة فان الله يعلمها، أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه.
- يعني أي صدقة تصدقتم أو أي نذر نذرتم= يعني"بالنذر"، ما أوجبه المرء على نفسه تبررا في طاعة الله، وتقربا به إليه: من صدقة أو عمل خير {فإن الله يعلمه}، أي أن جميع ذلك بعلم الله، لا يعزب عنه منه شيء، ولا يخفى عليه منه قليل ولا كثير، ولكنه يحصيه أيها الناس عليكم حتى يجازيكم جميعكم على جميع ذلك. فمن كانت نفقته منكم وصدقته ونذره ابتغاء مرضاة الله وتثبيتا من نفسه، جازاه بالذي وعده من التضعيف، ومن كانت نفقته وصدقته رئاء الناس ونذوره للشيطان، جازاه بالذي أوعده، من العقاب وأليم العذاب، كالذي: - 6193 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل: "وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه"، ويحصيه. 6194 - حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
- وَأَيُّ نَفَقَةٍ أَنْفَقْتُمْ، يَعْنِي أَيَّ صَدَقَةٍ تَصَدَّقْتُمْ، أَوْ أَيَّ نَذْرٍ نَذَرْتُمْ؛ يَعْنِي بِالنَّذْرِ: مَا أَوْجَبُهُ الْمَرْءُ عَلَى نَفْسِهِ تَبَرُّرًا فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَتَقَرُّبًا بِهِ إِلَيْهِ، مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ عَمَلِ خَيْرٍ، {فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ} [البقرة: 270] أَيْ أَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ بِعِلْمِ اللَّهِ، لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ، وَلَكِنَّهُ يُحْصِيهُ أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ حَتَّى يُجَازِيَكُمْ جَمِيعَكُمْ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ، فَمَنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ مِنْكُمْ وَصَدَقَتُهُ وَنَذْرُهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ نَفْسِهِ، جَازَاهُ بِالَّذِي وَعْدَهُ مِنَ التَّضْعِيفِ؛ وَمَنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ وَصَدَقَتُهُ رِيَاءَ النَّاسِ وَنَذْرُهُ لِلشَّيْطَانِ جَازَاهُ بِالَّذِي أَوْعَدَهُ مِنَ الْعِقَابِ وَأَلِيمِ الْعَذَابِ، كَالَّذِي: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ} [البقرة: 270] «وَيُحْصِيهِ»
- وهذا فيه المجازاة على النفقات، واجبها ومستحبها، قليلها وكثيرها، التي أمر الله بها، والنذور التي ألزمها المكلف نفسه، وإن الله تعالى يعلمها فلا يخفى عليه منها شيء، ويعلم ما صدرت عنه، هل هو الإخلاص أو غيره، فإن صدرت عن إخلاص وطلب لمرضاة الله جازى عليها بالفضل العظيم والثواب الجسيم، وإن لم ينفق العبد ما وجب عليه من النفقات ولم يوف ما أوجبه على نفسه من المنذورات، أو قصد بذلك رضى المخلوقات، فإنه ظالم قد وضع الشيء في غير موضعه، واستحق [ص:116] العقوبة البليغة، ولم ينفعه أحد من الخلق ولم ينصره، فلهذا قال: {وما للظالمين من أنصار}.
- النَّذْرُ مَا يَلْتَزِمُهُ الْإِنْسَانُ بِإِيجَابِهِ عَلَى نَفْسِهِ يُقَالُ: نَذَرَ يَنْذُرُ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْخَوْفِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إِنَّمَا يَعْقِدُ عَلَى نَفْسِهِ خَوْفَ التَّقْصِيرِ فِي الْأَمْرِ الْمُهِمِّ عِنْدَهُ، وَأَنْذَرْتُ الْقَوْمَ إِنْذَارًا بِالتَّخْوِيفِ، وَفِي الشَّرِيعَةِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: مُفَسَّرٍ وَغَيْرِ مُفَسَّرٍ، فَالْمُفَسَّرُ أَنْ يَقُولَ: لِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ، وَلِلَّهِ عَلَيَّ حَجٌّ، فَهَهُنَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَلَا يَجْزِيهِ غَيْرُهُ وَغَيْرُ الْمُفَسَّرِ أَنْ يَقُولَ: نَذَرْتُ لِلَّهِ أَنْ لَا أَفْعَلَ كَذَا ثُمَّ يَفْعَلُهُ، أَوْ يَقُولَ: لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةٍ فَيَلْزَمُ فِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ نَذَرَ نَذْرًا وَسَمَّى فَعَلَيْهِ مَا سَمَّى، وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا وَلَمْ يُسَمِّ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ».
- فِي قَوْلِهِ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ عَلَى اخْتِصَارِهِ، يُفِيدُ الْوَعْدَ الْعَظِيمَ لِلْمُطِيعِينَ، وَالْوَعِيدَ الشَّدِيدَ لِلْمُتَمَرِّدِينَ، وَبَيَانُهُ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا: أَنَّهُ تَعَالَى عَالِمٌ بِمَا فِي قَلْبِ الْمُتَصَدِّقِ مِنْ نِيَّةِ الْإِخْلَاصِ وَالْعُبُودِيَّةِ أَوْ مِنْ نِيَّةِ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَثَانِيهَا: أَنَّ عِلْمَهُ بِكَيْفِيَّةِ نِيَّةِ الْمُتَصَدِّقِ يُوجِبُ قَبُولَ تِلْكَ الطَّاعَاتِ، كَمَا قَالَ: إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [الْمَائِدَةِ: 27] وَقَوْلُهُ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزَّلْزَلَةِ: 7، 8] وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ الْقَدْرَ الْمُسْتَحَقَّ مِنَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ عَلَى تِلْكَ الدَّوَاعِي وَالنِّيَّاتِ فَلَا يُهْمِلُ شَيْئًا مِنْهَا، وَلَا يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهَا.
- شَرْطٌ وَجَوَابُهُ، وَكَانَتِ النُّذُورُ مِنْ سِيرَةِ الْعَرَبِ تُكْثِرُ مِنْهَا، فَذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى النَّوْعَيْنِ، مَا يَفْعَلُهُ الْمَرْءُ مُتَبَرِّعًا، وَمَا يَفْعَلُهُ بَعْدَ إِلْزَامِهِ لِنَفْسِهِ. وَفِي الْآيَةِ مَعْنَى الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، أَيْ مَنْ كَانَ خَالِصَ النِّيَّةِ فَهُوَ مُثَابٌ، وَمَنْ أَنْفَقَ رِيَاءً أَوْ لِمَعْنًى آخَرَ مِمَّا يُكْسِبُهُ الْمَنَّ وَالْأَذَى وَنَحْوَ ذَلِكَ فَهُوَ ظَالِمٌ، يَذْهَبُ فِعْلُهُ بَاطِلًا وَلَا يَجِدُ لَهُ نَاصِرًا فِيهِ. وَمَعْنَى" يَعْلَمُهُ" يُحْصِيهِ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ. وَوَحَّدَ الضَّمِيرَ وَقَدْ ذَكَرَ شَيْئَيْنِ، فَقَالَ النَّحَّاسُ: التَّقْدِيرُ (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ) فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهَا، (أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ) ثُمَّ حَذَفَ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: وَمَا أَنْفَقْتُمْ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ.
- شعور المؤمن بأن عين الله سبحانه على نيته وضميره، وعلى حركته وعمله.. يثير في حسه مشاعر حية متنوعة شعور التقوى والتحرج أن يهجس في خاطره هاجس رياء أو تظاهر، وهاجس شح أو بخل، وهاجس خوف من الفقر أو الغبن. وشعور الاطمئنان على الجزاء والثقة بالوفاء. وشعور الرضى والراحة بما وفى لله وقام بشكر نعمته عليه بهذا الإنفاق مما أعطاه.. فأما الذي لا يقوم بحق النعمة والذي لا يؤدي الحق لله ولعباده والذي يمنع الخير بعد ما أعطاه الله إياه.. فهو ظالم. ظالم للعهد، وظالم للناس، وظالم لنفسه: «وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ».
- إِنَّمَا قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَلَمْ يَقُلْ: يَعْلَمُهَا، لِوَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ: أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ إِلَى الْأَخِيرِ، كَقَوْلِهِ وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً وَهَذَا قَوْلُ الْأَخْفَشِ، وَالثَّانِي: أَنَّ الْكِتَابَةَ عَادَتْ إِلَى مَا فِي قَوْلِهِ وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ لِأَنَّهَا اسْمٌ كَقَوْلِهِ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ [الْبَقَرَةِ: 231].
- قوم توعّدهم بعقوبته، وآخرون توعدهم بمثوبته.. وآخرون توعدهم بعلمه فهؤلاء العوام وهؤلاء الخواص. قال تعالى: «وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا» فلا شيء يوجب سقوط العبد من عين الله كمخالفته لعهوده معه بقلبه، فليحذر المريد من إذلال نفسه في ذلك غاية الحذر.
- الهاء في {يَعْلَمُهُ} تعود على الإنفاق أو على النذر. أي ما تصدقتم من صدقة لم تعقدوها على أنفسكم أو نذرتم من نذر، فعقدتموه على أنفسكم، فإن الله يعلم ذلك، أي يعلم من تصدق ونذر لوجه الله، ومن فعل ذلك للرياء. و(ما) لمن ظلم نفسه فتصدق لغير الله، ونذر لغير الله.
- فما كان مبتغى به وجه الله ومن جيد المال فسوف يكفر به السيئات ويرفع به الدرجات، وما كان رديئاً ونذراً لغير الله تعالى فإن أهله ظالمون وسيغرمون أجر نفقاتهم ونذرهم لغير الله ولا يجدون من يثيبهم على شيء منها لأنهم ظالمون فيها حيث وضعوها في غير موضعها.
- فالوفاء عدل وقسط. والمنع ظلم وجور. والناس في هذا الباب صنفان: مقسط قائم بعهد الله معه إن أعطاه النعمة وفى وشكر. وظالم ناكث لعهد الله، لم يعط الحق ولم يشكر.. «وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ».
- وما أعطيتم من مال أو غيره كثير أو قليل تتصدقون به ابتغاء مرضات الله أو أوجبتم على أنفسكم شيئًا من مال أو غيره، فإن الله يعلمه، وهو المُطَّلِع على نياتكم، وسوف يثيبكم على ذلك.
- أي: يعلمه فيجازيكم عليه على إحسانكم بالإحسان، يقول ابن كثير: يخبر تعالى أنه عالم بجميع ما يعمله العاملون من الخيرات ومن النفقات والمنذورات ويتضمن ذلك المجازاة على ذلك.
- تعليق الشيء بعلم الله دليل على أنه محل جزاء، إذ لا نعلم فائدة لهذا الإخبار بالعلم إلا لترتب الجزاء عليه، وترتب الجزاء عليه يدل على أنه من العبادة التي يجازى الإنسان عليها.
- وأي نفقة أنفقتم يعني أي صدقة تصدقتم أو أي نذر نذرتم يعني بالنذر: ما أوجبه المرء على نفسه تبررا في طاعة الله، وتقربا به إليه: من صدقة أو عمل خير؛ فإن الله يعلمه.
- يُخْبِرُ تَعَالَى بِأَنَّهُ عَالِمٌ بِجَمِيعِ مَا يَفْعَلُهُ الْعَامِلُونَ مِنَ الْخَيْرَاتِ مِنَ النَّفَقَاتِ وَالْمَنْذُورَاتِ وتَضَمن ذَلِكَ مُجَازَاتُهُ عَلَى ذَلِكَ أَوْفَرَ الْجَزَاءِ لِلْعَامِلِينَ لِذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِهِ وَرَجَاءَ مَوْعُودِهِ.
- وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ، النذر: ما أوجبه الإنسان على نفسه، وقد يكون مطلقاً، ويكون معلقاً بشرط. فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ، قال مجاهد: يُحصيه، وقال الزجاج: يجازى عليه.
- {وما أنفقتم من نفقة} في سبيل الله أو في سبيل الشيطان {أو نذرتم من نذر} في طاعة الله أو معصيته {فإن الله يعلمه} لا يخفى عليه وهو مجازيكم عليه.
- يخبر تعالى أنه عالم بجميع ما يعمله العاملون من الخيرات، من النفقات والمنذورات، وتضمن ذلك مجازاته على ذلك أوفر الجزاء للعاملين ابتغاء وجهه.
- يعني: وسيجازيكم عليه، فدل على أنه عبادة، فصرفه لغير الله شرك أكبر، وفي الحديث: " من نذر أن يطيع الله فليطعه".
- {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ} شامل لنذر الطاعة والقربة ونذر المعصية المغفورة والمحبطة.
- أن الله تعالى أخبر بأن ما أنفقناه من نفقة أو نذرناه من نذر متقربين بذلك إليه أنه يعلمه ويجازينا عليه.
- ومعنى قوله: {فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ} في ضمنه الجزاء أي: أنه في علم الله مدخر لكم، وسوف يجازيكم عليه.
- أي ما بذلتم أيها المؤمنون من مال أو نذرتم من شيء في سبيل الله فإِن الله يعلمه ويجازيكم عليه.
- أي: يبينه ويجازيكم على قدره.
- أي: يجاز عليه.
عدد القراء : 626