الرزق مصدره أسباب حصوله وزيادته حلاله وحرامه شروطه علاء
نعم الله عظيمة وجسيمة وكبيرة، لا يستطيع أن يعدها عاد، ولا أن يحصيها محص، ولذلك يقول الكريم: سورة إبراهيم الآية 34 وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا. خيره نازل، وفضله فائض، ونعمه تترى، يداه سحتان بالليل والنهار، يعطي المؤمن كما يعطي الكافر، ويعطي المتقي كما يعطي الفاسق، أعطى الأولين والآخرين، ولا يزال يعطي، واقتضت حكمته أن يعطي إلى ما لا نهاية، فله الحمد وله الشكر، وله الثناء الحسن، حتى يرضى وبعد الرضى، أهل المجد والثناء.
واقتضت حكمته سبحانه أن الغنى ليس عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس"([1]).
ومن الحكم العظيمة أن ابن آدم يشيب وتشب معه خصلتان: حب المال، وطول الأمل؛ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يهرم ابن آدم، وتشب منه اثنتان: الحرص على المال، والحرص على العمر"([2]).
ومن جهة أخرى فإن المال الحقيقي هو ما يقدمه الإنسان لنفسه؛ ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يقول ابن آدم: مالي، مالي، وهل لك من مالك إلا ما تصدقت فأمضيت أو أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت([3])،
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث طويل: "إن المكثرين هم المقلون يوم القيامة، إلا من أعطاه الله خيرا، فنفح فيه يمينه وشماله، وبين يديه، ووراءه، وعمل فيه خيراً"([4]).
إن للغنى فتنة وللفقر فتنة؛ ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "اللهم إني أعوذ بك من فتنة النار، وعذاب النار، وعذاب القبر، وفتنة القبر، ومن شر فتنة الغنى، ومن شر فتنة الفقر"([5]).
الرزق دلالة ومفهوما:
الرزق هو الاسم، ويجوز أن يوضع موضع المصدر.
ورزقه الله يرزقه رزقا حسنا: نعشه.
وجمعه: أرزاق؛
قال تعالى: {وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا} [آل عمران: 37]. قيل: هو عنب في غير حينه.
وقال تعالى: {وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا}، [الأحزاب: 31]، وقال تعالى: {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقًا لِلْعِبَادِ} [ق: 10 ـ 11]. وارتزقه، واسترزقه: طلب منه الرزق، والرزق ما ينتفع به.
والرزق: العطاء، وقد يسمى المطر رزقا؛ لقوله تعالى: {وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [الجاثية: 5]، ولقوله: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [الذاريات: 22]. قال مجاهد: هو المطر.
والأرزاق نوعان:
ظاهرة للأبدان، كالأقوات.
وباطنة للقلوب والنفوس، كالمعارف والعلوم؛
قال تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6].
وأرزاق بني آدم مكتوبة مقدرة لهم، وهي واصلة إليهم؛ قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: 58].
والرازق والرزاق: هو الله، وهي صفة لله؛ لأنه يرزق الخلق أجمعين، وهو الذي خلق الأرزاق وأعطى الخلائق أرزاقها، وأوصلها إليهم. وفعال: من أبنية المبالغة.
وقد يكون وصول الرزق بسبب وبغير سبب، وبطلب وبغير طلب، وقد يرث الإنسان مالاً فيدخل في ملكه من غير قصد إلى تملكه، وهو من جملة الأرزاق،
وكل ما وصل منه إليه من مباح فهو رزق الله، على معنى أنه قد جعله له قوتا ومعاشا... إلا أن الشيء إذا كان مأذونا له في تناوله فهو حلال حكماً، وما كان منه غير مأذون له فيه فهو حرام حكماً.
قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ، وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم الآية 32 ـ 34].
وهذا من رحمة الله ولطفه بعباده أن نوع أرزاقه وفضله ونعمه وعددها؛ فجعل منها ما هو ظاهر، وما هو باطن، ومنها ما هو أول، ومنها ما هو آخر، ومنها ما هو مادي، ومنها ما هو معنوي؛ ومنها ما عجله لعباده في الحياة الدنيا، ومنها ما أخره.
والآية فيها إشارة إلى ذلك حيث خلق لنا كل شيء، وسخر لنا كل شيء، وأعطانا من كل شيء سألناه، ومن كثرة نعمه لا يمكن أن يحصيها أحد، ولا يمكن أن يعدها عاد، فلله الحمد، وله الشكر، وله الثناء الحسن.
وللرزق مفهومان: مفهوم عام، ومفهوم خاص:
فالعام: هو كل ما تفضل به الله على عباده وأنعم، سواء في الدنيا أو في الآخرة، وسواء كان هذا الرزق ماديا أو معنويا.
أما الخاص: فهو المادي في الدنيا، ومن كسب الإنسان.
وسأورد باختصار أمثلة على الرزق بمفهومه العام فيما يلي:
1 - تفضل سبحانه بخلق المخلوقات علويها وسفليها لصالح الإنسان؛
قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 29]،
وقال سبحانه: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ، وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ} [النحل الآية 80 ـ 81]،
وقال سبحانه: {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [غافر: 64].
2 - تفضله سبحانه وتعالى على من يشاء بالملك والعز والخير؛
قال تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران 26 ـ 27].
3 - وتفضل عز وجل فأنعم على عباده بإنزال المطر وبإنشاء الجنات وبالأنعام؛
قال سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ، وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [الأنعام 141 ـ 142]،
وقال: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ، فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ، وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ، وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ، وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} [المؤمنون 18 ـ 22].
4 - ما أنعم الله على عباده من الذرية والأزواج والرزق من الطيبات؛
قال تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} [النحل 72].
5 - ما وعد به الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين من النعيم في الجنة؛
قال تعالى: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا، جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا، لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا، تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا} [مريم 60 ـ 63]،
وقال عز وجل: {هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ سورة ص الآية 50 جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ سورة ص الآية 51 مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ سورة ص الآية 52 وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ سورة ص الآية 53 هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ سورة ص الآية 54 إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ} [ص 49 ـ 54]،
وقال الكبير المتعال: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة 72]،
وقال تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة 25 ]،
وقال المعطي سبحانه: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود 108].
6 - ومما تفضل به سبحانه تكريمه للإنسان؛
قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء 70].
7 - ومما تفضل الله به سبحانه وتعالى على عباده أن أحل لهم الطيبات؛
قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ سورة المائدة الآية 5 الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [المائدة 4]،
وقال تعالى: {وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ} [المائدة 88].
8 - ومن فضل الله ونعمته ما من به على الشهيد؛ قال تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ، يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ، الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ، الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران 169 ـ 173].
وأخرج الإمام أحمد في المسند من حديث ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الشهداء على بارق- نهر بباب الجنة في قبة خضراء- يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشيا.
9 - ومن فضل الله ونعمته الحب بين المؤمنين؛
قال تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر 9].
10 - ومن فضل الله على عباده الليل والنهار؛
قال تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا} [الإسراء 12].
11 - ومن فضل الله على عباده الطهر والعفة؛
قال تعالى: {وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [النور 26].
12 - ومن فضل الله ونعمه اصطفاؤه لبعض عباده وتفضيل بعضهم على بعض؛
قال تعالى: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ سورة الزخرف الآية 58 وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ سورة الزخرف الآية 59 إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} [الزخرف 57 ـ 59].
وقال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ سورة النمل الآية 16 وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ} [النمل 15 ـ 16].
وقال الرزاق العليم؛ {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [النحل 71].
13 - ومن فضله سبحانه أن ذلل الأرض للإنسان؛
قال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك 15].
14 - ومن فضل الله البحر وما فيه من أرزاق وخيرات؛
قال عز وجل: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [فاطر 12].
وأخرج البخاري في صحيحه من حديث جابر، قال: غزونا جيش الحبط وأمر أبو عبيدة فجعنا جوعا شديدا، فألقى البحر حوتا ميتا لم نر مثله يقال له العنبر، فأكلنا منه نصف شهر، فأخذ أبو عبيدة عظما من عظامه فمر الراكب تحته، فأخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرا يقول: قال أبو عبيدة: كلوا، فلما قدمنا المدينة ذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: "كلوا رزقا أخرجه الله، وأطعمونا إن كان معكم"، فأتاه بعضهم بعضو فأكله([6]).
15 - ومن فضل الله الحكمة؛
قال تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [البقرة 269].
16 - ومن فضل الله ورزقه ونعمته الحرم الآمن، وجبي ثمرات كل شيء إليه؛
قال تعالى: {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ [القصص 57].
17 - ومن فضل الله المال والعلم؛ أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا حسد إلا في اثنتين؛ رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق، وآخر آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها"([7]).
18 - ومن فضل الله ورزقه الأمن، والعافية، وقوت اليوم؛ أخرج الترمذي في جامعه من حديث عبيد الله بن محصن الخطمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في جسده، عنده قوت يومه؛ فكأنما حيزت له الدنيا"([8]). قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب.
19 - ومن فضل الله ورزقه القناعة؛ أخرج مسلم في صحيحه، والترمذي في جامعه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: {ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس".
20 - ومن فضل الله ورزقه الواسع الصبر؛ أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري: أن ناسا من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، حتى إذا نفد ما عنده قال: "ما يكن عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يصبر يصبره الله، وما أعطي أحد من عطاء خير وأوسع من الصبر"([9]).
21 - ومن فضل الله ورزقه اليقين والمعافاة؛ أخرج الإمام أحمد من حديث أبي بكر الصديق قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يا أيها الناس، إن الناس لم يعطوا في الدنيا خيرا من اليقين والمعافاة، فسلوهما الله عز وجل"([10]).
22 - ومن أرزاق الله وفضله الجليس الصالح؛ أخرج البخاري في صحيحه من حديث إبراهيم النخعي قال: ذهب علقمة إلى الشام، فأتى المسجد فصلى ركعتين فقال: اللهم ارزقني جليسا. فقعد إلى أبي الدرداء([11]).
23 - حب الحبيب من فضل الله ورزقه؛ أخرج مسلم في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إني قد رزقت حبها" يعني خديجة"([12]).
24 - ومن أعظم فضل الله ورزقه وعطائه النظر إلى وجهه الكريم يوم القيامة؛ أخرج مسلم في صحيحه من حديث صهيب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة، قال: يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟، قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل.
25 - ومن فضل الله الرفق؛ أخرج مسلم في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على سواه"([13]).
والأمثلة كثيرة بأدلتها من الكتاب والسنة، لكن ما أوردناه كاف في الدلالة على أن للرزق مفهوما عاما يدخل تحته كل نعم الله، وعطائه، وفضله؛ ما ظهر وما بطن، وما تقدم وما تأخر، وما كان في الدنيا أو في الآخرة.
قال تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا}.
علاقة الرزق بالقضاء والقدر:
إن ما قضاه الله سبحانه وتعالى وقدره كائن ولا بد، وإن مما قضاه وقدره أربعة أمور: العمل، والرزق، والسعادة أو الشقاء.
أخرج البخاري من حديث عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكا يؤمر بأربع كلمات ويقال له: اكتب عمله، ورزقه، وشقي أو سعيد..."([14]).
ولو تأملنا أرزاق الناس لوجدناها متفقة مع قضاء الله وقدره، فكم من مجتهد في طلب الرزق وقد قدر عليه، وكم من كسول قد بسط له في رزقه؛ لأن قضاء الله وقدره متفق وحكمته سبحانه، فهو يعطي ويبسط في الرزق لمن يشاء لحكمة عظيمة؛ ويمنع ويقدر أيضا لحكمة عظيمة؛ لذلك فالرزاق والرازق هو الله لا غيره، وقد تسمى بأسماء عظيمة؛ من هذه الأسماء ما له علاقة بالرزق، منها:
الواسع، المغني، الكريم، المقتدر، الوهاب، الوكيل، الرزاق.
هذه الأسماء ودلالتها في باب الرزق واضحة وجلية كما سيأتي:
ا- الواسع:
هو الغني الذي وسع غناه مفاقر عباده، ووسع رزقه جميع خلقه. والسعة في كلام العرب: الغنى، ويقال: الله يعطي عن سعة؛ أي: عن غنى.
قال الله تعالى: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا} [النساء 130].
وقال عز وجل: {وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة 247].
إن من يعطي الليل والنهار، ويرزق الخلق أجمعين؛ لا بد وأن يكون واسعا، وأن يكون غنيا، وتكون لديه خزائن لا تنفد، وهذا كله لا يكون إلا لله، فهو إنما يقول للشيء: كن، فيكون.
ومن سعته وكثرة نعمه أعطى الأولين والآخرين، ولا يزال يعطي، وسيعطي؛ لأنه لا يعجزه شيء، ولذلك تسمى بالواسع.
والعبد الفقير إذا علم ذلك، فإنه يلجأ إليه، ويسأله من واسع فضله، ويسأله الرزق، ويسأله الصحة والعافية، ويسأله الزوجات والأولاد، ويسأله الأموال، ويسأله كل شيء؛ لأنه الواسع العليم الحكيم سبحانه وتعالى.
2 - المغني
هو الذي جبر مفاقر الخلق، وساق إليهم أرزاقهم، وأغناهم عمن سواه؛ قال تعالى: {وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى} [النجم 48].
ويكون المغني بمعنى: الكافي، من الغَنَاء وهو الكفاية.
قال تعالى: {وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ} [التوبة 74 ]،
وقال عز وجل: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [التوبة 28].
وقال سبحانه: {وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ} [الأنعام 133]،
وقال جل شأنه: {وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ} [محمد 38].
إذن هو غني غنى لا حدود له، وإلا لما كان مغنيا، فهو سبحانه وتعالى يفيض على خلقه: الإنس والجن، الحيوانات والحشرات والطير.
يفيض عليهم من فضله، بل ويغنيهم عمن سواه، ويكفيهم فلا يحتاجون غيره، ولذلك تسمى بالمغني.
3 - المقتدر:
هو التام القدرة، لا يمتنع عليه شيء، ولا يحتجز عنه بمنعة وقوة؛
قال تعالى: {عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر 55]،
وقال عز وجل: {كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر 42]،
وقال سبحانه: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا} [الكهف 45]، أي: قادر على ما يشاء، فهو قد رزق جميع المخلوقات بأنواع الأرزاق المختلفة، بالكيفيات المتنوعة، السهل منها والصعب؛ كل بما يناسبه، وبالهيئة التي اقتضت حكمة الحكيم أن يكون عليها، بواسطة وبغير واسطة، فهو على كل شيء قدير؛ ولذلك تسمى سبحانه وتعالى بالمقتدر.
4 - الوهاب:
هو الذي يجود بالعطاء عن ظهر يد من غير استثابة، ولا يستحق أن يسمى وهابا إلا من تصرفت مواهبه في أنواع العطايا، فكثرت نوافله ودامت. والمخلوقون إنما يملكون أن يهبوا مالا، أو نوالا في حال دون حال، ولا يملكون أن يهبوا شفاء لسقيم، ولا ولدا لعقيم، ولا هدى لضال، ولا عافية لذي بلاء. والله الوهاب سبحانه يملك جميع ذلك، وسع الخلق جوده ورحمته، فدامت مواهبه، واتصلت مننه وعوائده.
قال تعالى: {يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} [الشورى 49]،
وقال الوهاب: {وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا} [ص 43].
قال سبحانه: {وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا} [مريم 50].
والوهاب: من أبنية المبالغة، لكثرة هباته وعطاياه الخالية عن الأعواض والأغراض سبحانه.
وهو بمعنى: المنعم على العباد، ولا يطلق الوهاب إلا على الله؛ لأنه دائم العطاء والإنعام.
ولذلك سمى نفسه بالوهاب.
5 - الكريم:
وهو كثير الخير، يقال للناقة الكثيرة الحليب: كريمة، ويقال للنخلة: كريمة، وللعنب: كرمة؛ أي كريمة. وقد يسمى الشيء الذي له قدر وخطر: كريما.
ومن كرم الله سبحانه أن يبدأ بالنعمة قبل استحقاق، ومن كرمه أن العبد إذا تاب عن السيئة محاها عنه وكتب له مكانها حسنة.
قال تعالى: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون 116]،
وقال سبحانه: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [النمل 40]،
وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الانفطار 6].
إن أكرم الأكرمين هو الله، تكرم فخلق الخلق، وأوجدهم من العدم، ورباهم بالنعم، وتفضل بأنواع النعم التي لا تعد ولا تحصى، على الأولين والآخرين.
من كرمه سبحانه أنه يعطي من دون مسألة، وإذا سئل، وبعد السؤال، وكلما ألح العبد بالسؤال زاده من فضله، بل ويغضب إذا لم يسأل.
ومن كريم كرمه وعظيمه أنه يعطي من يحب ومن لا يحب، ويعطي ويتكرم على البر والفاجر، وعلى المؤمن والكافر، وعلى كل مخلوق حي، خيره على الدوام نازل، والشر ليس إليه، يتحبب إلى أوليائه بنعمه وفضله، ويأمرهم بشكره والثناء عليه حتى يزيدهم من فضله؛ لأنه كريم، ولذلك تسمى بالكريم.
6 - الوكيل:
هو الكافي، ومعناه: الكفيل بأرزاق العباد، والقائم عليهم بمصالحهم.
وحقيقته أنه الذي يستقل بالأمر الموكول إليه.
ومن هذا قول المسلمين: {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران 173]، أي نعم الكفيل بأمورنا والقائم بها.
قال تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الأنعام 102].
وقال سبحانه: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} [النساء 132]،
وقال جل وعلا: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا} [المزمل 9]،
وقال عز من قائل: {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} [الأحزاب 3].
ودلالة الآيات واضحة في أنه سبحانه وتعالى قد تكفل وقام بكل شيء تحتاجه مخلوقاته؛ لأنه على كل شيء قدير، لا يعجزه شيء، ولأنه حكيم وخبير يضع كل شيء في مكانه، ولأنه رحيم لطيف؛ ولذلك تسمى بهذا الاسم الحسن (الوكيل).
7 - الرزاق:
هو المتكفل بالرزق، والقائم على كل نفس بما يقيمها من قوتها، وسع الخلق كلهم رزقه ورحمته، فلم يختص بذلك مؤمنا دون كافر، ولا وليا دون عدو، يسوقه إلى الضعيف الذي لا حيل له ولا مكتسب فيه، كما يسوقه إلى الجلد القوي ذي المرة السوي، يوصل الرزق إلى محتاجه بسبب وبغير سبب، وبطلب وبغير طلب.
قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات 58].
وقال سبحانه: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ} [سبأ 24].
وقال عز من قائل: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ [الأنعام 151]،
وقال عز وجل: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود 6]،
وقال تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [العنكبوت 60].
وأخرج البخاري في صحيحه بسنده من حديث أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما أحد أصبر على أذى سمعه من الله، يدعون له الولد ثم يعافيهم ويرزقهم"([15]).
ما سبق من النصوص وغيرها كثير، له دلالة واضحة في أن الله هو الرزاق، ولا رازق غيره في شتى أنواع الرزق، سواء الرزق الظاهر أو الباطن أو ما كان ماديا أو معنويا، وسواء للعقلاء أو لغيرهم.
والأرزاق التي تأتي عن طريق المخلوقين، إنما هم في ذلك أسباب اقتضت حكمة الله أن تكون عن طريقهم، وهي سنة من سنن الله. ومثال ذلك: حصول الولد لا يكون إلا بعد الزواج، وحصول المحصول لا يكون إلا بعد حرث الأرض وتعهدها، وحصول الوظيفة لا يكون إلا بعد التقدم إلى من تكون عنده... الخ.
لكن ذلك كله وغيره بتقدير الله وتدبيره وبرحمته ولطفه، فإذا لم يرد الله أو يقدر ترتيب النتائج على الأسباب، فإنه لا يحصل المراد؛ فكم من باذل للأسباب لم يحصل له مقصوده؛ لأن الله لم يرده لحكمة يعلمها هو، والرزاق دائم العطاء؛ عطاؤه لحكمة، ومنعه لحكمة.
ومعرفة أسماء الله وصفاته، وتأمل معانيها ودلالاتها، تجعل العبد يؤمن بقضاء الله وقدره، وأن الرزق من الله للعباد وفق سنن وأسباب قدرها الله لحكم عظيمة؛ لأنه أعلم بما يصلح الخلق، ولعلمه المحيط والسابق.
الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر:
بعلم الله وحكمته، يعطي ويمنع، ويبسط ويقدر؛ يعطي لحكمة، ويمنع لحكمة. عطاؤه في كل الأحوال ليس دليلا على الرضا، ومنعه في كل الأحوال ليس دليلا على المقت، وفي كل الأحوال عطاؤه ومنعه وبسطه وقدره فتنة واختبار وامتحان؛
ولذلك يقول سبحانه وتعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء 35]،
وقال تعالى: {وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ [الأنعام 165]،
وقال عز وجل: {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ، وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ، كَلَّا} [الفجر 15 ـ 17].
وعلى هذا فالله يعطي بسبب وبدون سبب، ويبسط الرزق ويقدر، وكل ذلك بقضائه وقدره، وفق حكمته وعلمه ورحمته ولطفه؛
قال تعالى: {لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الشورى 12]. قال ابن كثير: " أي: يوسع على من يشاء، ويضيق على من يشاء، وله الحكمة والعدل التام.
وقال عز وجل: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ، وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ، وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ، قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ 36]،
وقال سبحانه: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ، أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الروم 36]،
وقال تعالى: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ} [الرعد 26]،
وقال عز وجل: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ، وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} [الشورى 27 ـ 28]،
وقال جل وعلا: {أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الزمر 52]،
وقال تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا، إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا، وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا، وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء 29 ـ 32]،
وقال سبحانه: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ، اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [العنكبوت 60 ـ 63]،
وقال عز وجل: {وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [القصص 82].
وعن عبد الله بن مسعود قال: "إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم، وإن الله يؤتي المال من يحب ومن لا يحب، ولا يؤتي الإيمان إلا من أحب، فإذا أحب الله عبدا أعطاه الإيمان. فمن ضن بالمال أن ينفعه، وهاب العدو أن يجاهده، والليل أن يكابده، فليكثر من قول: لا إله إلا الله، والله أكبر، والحمد لله، وسبحان الله"([16]).
وقال تعالى: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران 37]،
وقال عز من قائل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة 28]،
وقال تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [النحل 75].
ويتضح من النصوص السابقة أن الرزق وسعته وضيقه من الله، فهو سبحانه وتعالى يبسط الرزق ويوسعه لمن يشاء وفق قضائه وقدره المبني على علمه وحكمته على الأوجه التالية:
1 - إما فضلا منه ورحمة ابتداء.
2 - أو امتحانا، واختبارا.
3 - أو استدراجا وإمهالا وعذابا.
ويضيق الله الرزق على من يشاء وفق قضائه وقدره المبني على علمه وحكمته على الأوجه التالية:
1 - إما حماية لعبده منة ورحمة به.
2 - أو امتحانا له واختبارا.
3 - أو حرمانا وعذابا.
وهو سبحانه يبسط الرزق لبعض عباده؛ لأنه يعلم أنه لا يصلحه إلا بسط الرزق، ويضيق الرزق على بعض عباده؛ لأنه يعلم أن التضييق عليه في الرزق أصلح له، ولله في قضائه وقدره حكم عظيمة، وكل ما يقدره ويقضيه لعباده فيه الخير والصلاح.
مصدر الرزق:
الله سبحانه وتعالى في علاه، مستو على عرشه، فوق خلقه؛ خيره نازل، والشر ليس إليه؛ القلوب والعقول والأكف تتجه بالعبادة والدعاء إليه في السماء.
فكيف لا يكون أساس ومصدر الرزق من السماء؛ لكن حكمة الله سبحانه وتعالى اقتضت أن تكون الأرض أيضا من مصادر الرزق؛
قال جل جلاله: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [الذاريات 22].
قال ابن كثير: وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ أي المطر، وَمَا تُوعَدُونَ أي الجنة.
وقال جل وعلا: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ} [غافر 13]،
وقال سبحانه وتعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ} [سبأ 24]،
وقال تعالى: {وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الجاثية 5]،
وقال جل جلاله: {وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ} [البقرة 22]. ووردت آيات كثيرة تدل على هذا المعنى.
والرازق هو الله، لكن السماء والأرض سببان قدرهما الله لتيسير وصول رزقه إلى عباده. فمصدر الرزق السماء، ومصدر إخراجه إلى العباد الأرض. ونستخلص من الآيات السابقة وغيرها ما يلي:
1 - أن الماء أساس الرزق؛ لقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [الأنبياء 30]. والمصدر الأساسي للماء هو السحاب الذي في السماء.
2 - أن الله سبحانه وتعالى جعل السماء بناء، والأرض فراشا، لتحقيق الحكمة التي من أجلها خلق الخلق، ولاستمرار الحياة البشرية على وجه الأرض للغاية نفسها.
3 - إنزال المطر، وإخراج الثمرات، فيه آيات عظيمة لمن ينيب لتوحيد الله وعبادته.
4 - الماء الذي ينزله الله من السماء؛ منه شراب، ومنه ثمرات أساسية، وكمالية، ولتجري الفلك عليه.
5 - يسكن الله هذا الماء في باطن الأرض لاستخراجه عند الحاجة إليه.
6 - إرسال الرياح سبب لإنزال المطر بإذن الله.
7 - أن الماء وإنزاله من أعظم رحمات الله لعباده، إذ يحيي به الله الأرض بعد موتها.
8 - أن الأنعام والتي هي من أسباب حصول الأرزاق؛ مقومات وجودها ما تخرجه الأرض.
شروط الرزق الحلال:
الله طيب لا يقبل إلا طيبا، ولم يحل إلا الطيبات، واختار لمجاورته في الجنة الطيبين والطيبات، وحرم ونهى عن كل ما يضاد الطيب. ولذلك للرزق الحلال شروط ومواصفات، منها:
1 - أن الحلال هو ما أحله الله في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أو بقي على أصله في الحل؛
قال تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [الأعراف 32].
2 - أن الطيب باق، ومبارك، وواضح؛ لقوله تعالى: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [الأنفال 37]،
ولقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الحلال بين، وإن الحرام بين... الحديث([17]).
3 - أن الحلال يبقى طيبا، وإن كان قليلا، ولا يستوي والخبيث، وإن كثر الخبيث؛
لقوله تعالى: {قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة 100].
4 - المؤمن الطيب متميز عن غيره؛
قال تعالى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [آل عمران 179].
5 - المؤمن الطيب كالأرض الطيبة التي تخرج نباتها بإذن ربها؛
لقوله تعالى: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ} [الأعراف 58].
6 - الله طيب لا يقبل إلا طيبا؛
لقوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة 267].
7 - المال الحلال هو المبارك الخالص من جميع الشوائب؛
قال تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة 276].
8 - الطيبون للطيبات، والطيبات للطيبين؛
قال تعالى {وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [النور 26].
9 - الكلمة الطيبة أصيلة وثابتة وتؤتي أكلها كل حين؛
قال عز وجل: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ سورة إبراهيم الآية 25 تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [إبراهيم 24ـ 25].
10 - التيسير من الله لليسرى، بعد العطاء من العبد لأخيه، دليل على أن ماله طيب وحلال؛
قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل 5 ـ 7].
11 - المال الحلال لا يلهي عن ذكر الله؛
قال عز وجل: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ}.
وهناك نصوص كثيرة من الكتاب والسنة قد يستنبط منها شروط ومواصفات للرزق الحلال، لكن ما ذكر يكفي في الدلالة على أن للرزق الحلال شروطا ومواصفات لا بد من تحققها.
أسباب حصول الرزق وزيادته:
إن لله سننا في خلقه، اقتضت حكمته سبحانه أن يسير خلقه ومخلوقاته على مقتضى هذه السنن، وإذا أراد أمرا يخالف هذه السنن- لحكمة معينة- فإنه لا معقب لحكمه يفعل ما يشاء، إذا شاء، كيف شاء. ومن هذه السنن الكثيرة
أسباب حصول الرزق وزيادته: إن لله سننا في خلقه، اقتضت حكمته سبحانه أن يسير خلقه ومخلوقاته على مقتضى هذه السنن، وإذا أراد أمرا يخالف هذه السنن - لحكمة معينة - فإنه لا معقب لحكمه يفعل ما يشاء، إذا شاء، كيف شاء.
ومن هذه السنن الكثيرة أسباب حصول الرزق وزيادته، وهي ك
عدد القراء : 1387