shikh-img
رسالة الموقع
أول أيام شهر رمضان للعام 1442 هجري، هو يوم الثلاثاء الواقع فث 13/ 4/ 2021 ميلادي. تقبل الله منا و

الفروق المؤثرة بين التأمين التعاوني والتأمين التجاري

 

 

مقدمة:

يعد قطاع التأمين مكوناً أساسياً في القطاع المالي لكل اقتصاد، وقد ازدادت أهميته مع التوسع في أعمال التأمين والتعامل مع شركاته، كما أصبح التأمين جزءاً مكملاً للنظام المصرفي.

بل ولا يقل أهمية من حيث الأصول المتداولة لديه، ومن حيث الموارد المالية، بخاصة السيولة التي استطاعت شركات التأمين الوصول إليها وجمعها.

كما تطورت الأساليب والأعمال الفنية التي تقوم بها شركات التأمين، حيث ظهرت أعمال إعادة التأمين والشركات التي تقدم الخدمات المتصلة بها.

ولما كان التأمين من أنواع الأنشطة الاقتصادية (الخدمية) الحديثة؛ فإن القول المتفق عليه قبل الدخول في التفاصيل الفقهية أن عقد التأمين هو أحد العقود المستحدثة التي لم تكن معروفة لدى الفقهاء من قبل.

وتأسيساً على البيان الختامي وتوصيات الملتقى الأول للتأمين التعاوني، والذي ذكر:

  • أهمية صناعة التأمين التعاوني:

أصبح التأمين التعاوني في الوقت الحاضر حاجة عامة، فهو يسهم في تقدم التجارة والصناعة، وسد كثير من الاحتياجات، ويخفف ما يقع من جوائح ومصائب.

وقد خطا التأمين التعاوني خطوات جيدة، حيث بدأ بشركة واحدة قبل ثلاثين سنة وأصبح له اليوم أكثر من مئتي شركة، لكن لا تزال الحاجة قائمة إلى تقويم مسيرته، وإلى إنشاء شركات إعادة التأمين التعاوني والتي لا يزال عددها قليلاً، مع أهميتها في تطوير هذه الصناعة.

  • حقيقة التأمين التعاوني:

أ/ تعريف التأمين التعاوني:

توجه الملتقى نحو التعريف الآتي: (تعاون مجموعة من الأشخاص على تحمل الأضرار المحتملة بإنشاء صندوق غير هادف للربح، له ذمة مالية مستقلة، وتصرف منه الاستحقاقات من تعويضات ونحوها، كما تصب فيه إيرادات، وفقاً لنظام الصندوق، ويمكن أن تُوَكَّل إدارته واستثماراته لشركة متخصصة وفق أحكام الشريعة الإسلامية).

وقد لاحظت ضرورة إضافة كلمات للتعريف استكمالاً  للمعنى، وضعت تحتها خطاً.

ويسمى هذا التأمين بعدة أسماء منها: التأمين التعاوني أو التكافلي أو الإسلامي.

ب/ مبادئ التأمين التعاوني:

مهما كان تعريف التأمين التعاوني فلا بد أن يكون متضمناً للمبادئ الآتية:

  1. قيامه على التعاون والتبرع بين مجموع المشتركين، بحيث لا يستهدف المشتركون الربح في المعاوضة على التأمين.
  2. إنشاء حسابين منفصلين؛ أحدهما خاص بالشركة المديرة نفسها؛ من حيث الحقوق والالتزامات، والآخر خاص بصندوق حملة الوثائق؛ من حيث حقوقهم والتزاماتهم.
  3. الفائض التأميني ملك لصندوق التأمين، وليس للشركة المديرة أن تأخذ منه شيئاً إلا بوجه مشروع (كأجر على الإدارة). ويمكن أن يبقى الفائض كله احتياطاً تراكمياً لتقوية صندوق التأمين، أو لتخفيض أقساط التأمين، ونحو ذلك مما يعود لمصلحة المشاركين في الصندوق، وفي حال تصفية الصندوق فإن موجودات الصندوق تصرف في أقرب مصرف مشابه.
  4. التزام مبدأ العدالة وحماية أموال الصندوق عند تقدير العوض الذي تستحقه الشركة المديرة سواء أكان ذلك العوض نظير استثمار أموال الصندوق أو إدارة عملياته، ووضع المعايير، والآلية التنفيذية اللازمة لتحقيق ذلك المبدأ.
  5. التزام الشركة المديرة بأحكام الشريعة الإسلامية في كل أنشطتها وأعمالها واستثماراتها.

ج/ التوصيف الفقهي للتأمين التعاوني:

تداولت البحوث وأوراق العمل في الملتقى توصيفات فقهية متنوعة للتأمين التعاوني منها:

  1. شركة المناهدة.
  2. الالتزام بالتبرع.
  3. هبة بالثواب.

علماً بأن التأمين التعاوني يحتمل تكييفات وتوصيفات فقهية أخرى.

وتتلخص العلاقات التعاقدية في التأمين التعاوني على النحو الآتي:

  • العلاقة بين المشتركين فيما بينهم وبين الصندوق: تقوم على أساس التعاون والتبرع، وعلاقة المستأمنين فيما بينهم لا تعد معاوضة، وإن وجد فيها عنصر التبادل؛ لأنها من باب المشاركات لا من باب المعاوضات وتحتمل العلاقات الآتية:
  1. علاقة المشاركة.
  2. علاقة التبرع.
  • العلاقة بين الصندوق وشركة الإدارة: لها جانبان:

أولهما: إدارة عمليات التأمين حيث تكون الشركة المديرة وكيلة عنه بأجر ـ غالباً ـ أو بدونه.

ثانيهما: استثمار أموال الصندوق عن طريق المضاربة أو الوكالة بأجر أو غيرهما من الصيغ الشرعية.

د/ صيغ التأمين التعاوني وصوره:

يمكن إقامة التأمين التعاوني على أي صيغة مشروعة ما دامت منضبطة وفق حقيقة التأمين التعاوني ومبادئه وضوابطه الشرعية.

  • الضوابط والمعايير الشرعية للتأمين التعاوني:

رأى المجتمعون أن القرارات الصادرة عن هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية عام 1397هـ، وقرار المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي عام 1398هـ، وقرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي عام 1406هـ، ومعيار التأمين الإسلامي الصادر من هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية عام 1427هـ، تعد أساساً لمعرفة الضوابط والمعايير والأحكام الشرعية للتأمين التعاوني.

 

إذاً، تأسيساً على ما سبق فإني أتابع في بيان الفروق المؤثرة بين التأمين التعاوني والتأمين التجاري، مع التركيز على هيئة المشتركين، وتوزيع الفائض.

ضمن المباحث الآتية:

المبحث الأول: مبدأ التعاون في التأمين، مع وصف عام للتأمين التعاوني.

المبحث الثاني: الآثار الاقتصادية للتأمين على الأفراد والمجتمع.

المبحث الثالث: خصائص التأمين التعاوني.

المبحث الرابع: الفروق المؤثرة بين التأمين التعاوني والتأمين التجاري.

المبحث الخامس: هيئة المشتركين؛ أهميتها وآلية عملها.

المبحث السادس: توزيع الفائض التأميني.

المبحث السابع: إشكالات ترد على التأمين التعاوني في صورته الحالية.

 

المبحث الأول: مبدأ التعاون في التأمين:

يقوم التأمين في أصله على التعاون والتكافل والتضامن، وبذلك يحقق مقاصد الشريعة الإسلامية في غاياتها وأهدافها.

كما أن التأمين بنظامه تعاون منظم تنظيماً دقيقاً بين عدد كبير من الناس معرضين جميعاً لاحتمال خطر متشابه، حتى إذا تحقق الخطر في حق بعضهم تعاون الجميع على مواجهته بتضحية قليلة سابقة يبذلها كل منهم، وبالتالي يتلافون أضراراً جسيمة تحيق بمن نزل الخطر به لولا هذا التعاون.

فالعمل هو تفتيت أجزاء المخاطر والمصائب، وتوزيعها على مجموع المستأمنين عن طريق إعادة الأمر إلى ما كان عليه ـ قدر الإمكان ـ قبل الحادث، أو التعويض النقدي الذي يدفع للمصاب من المال المجموع من حصيلة اشتراكاتهم.

بينما شركات التأمين التجاري تعمل لحساب نفسها، ومصالحُها تتعارض مع مصالح المستأمن (المشترك)، فهي تسعى للحصول على أكبر ربح، وتحدد قدر الأقساط على النحو الذي يمكنها من ذلك، وتحاول التخلص من تعهداتها بأسباب وعلل تغص بها قاعات المحاكم.

وفي المقابل فإن الصيغة العملية التي شرعها الإسلام للتعاون وبذل التضحيات في باب فقه المعاملات هي عقود التبرعات.

حيث لا يقصد المتعاون ربحاً من تعاونه، ولا يتطلع إلى عوض مالي مقابلاً لما بذل.

ومن ثم جاءت الإجازة الشرعية لهذه العقود من التأمين رغم وجود الجهالة والغرر، ولم يدخلها القمار والمراهنة والربا.

والدليل الشرعي على صحة التأمين التعاوني أن النبي r قال: "إِنَّ الأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ: جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ؛ فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ"([1]).

وفي القرآن نقرأ قول الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ} [المائدة: 2].

وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"([2]).

وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه"([3]).

وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً"([4]).

وفي قصة أبي عبيدة من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة عامر بن الجراح في سرية قِبَل الساحل مع ثلاثمئة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه سلم، ثم قل الزاد ونفد، فأمر أبو عبيدة كل واحداً منهم أن يحضر ما لديهم من زاد، حتى جمعوا مزود تمر، وأخذ أبو عبيدة يقسمه ويقيتهم من هذا الطعام حتى قال جابر فكان نصيب الواحد منا تمرة تمرة حتى فني هذا الشيء.

ومما يؤخذ من حديث الأشعريين:

  1. أهمية التكافل عند الحاجة، حضراً أو سفراً.
  2. تفاوت المدفوعات بين المتكافلين.
  3. ضرورة خلط المال المجموع خلطاً يزيل التمييز.
  4. كل يأخذ ما يكفيه.
  5. الفائض يوزع بالتساوي دون تفضيل.

إذاً؛ تقوم فكرة مشروع التعاون على الأسس الآتية:

  1. في العملية التأمينية: التعاون والتضامن في تحمل المسؤولية عند نزول الكوارث والمصائب، وذلك بنية التبرع وروح الأخوة وخدمة المشتركين، وخلوه من الضرر والجهالة والمقامرة والمراهنة وأكل أموال الناس بالباطل.
  2. في العملية الاستثمارية: خلوه من الربا بأنواعه وأشكاله.
  3. في التوزيع: تكون عوائد الاستثمار مشتركة بالمضاربة بين المشتركين والمساهمين.
  4. المشاركة في إدارة العملية التأمينية والاستثمارية.
  5. ضرورة وجود الرقابة الشرعية؛ للتحقق من أن سائر العمليات تتم وفقاً لمبادئ وقواعد الشريعة الإسلامية.


 

وصف عام للتأمين التعاوني:

في التأمين التعاوني يندفع المشتركون (حملة الوثائق) للاشتراك في حساب مالي لدى شركة التأمين (حساب المشتركين) الذي تكون ذمته المالية مستقلة عن حسابات الشركة ذاتها.

والأموال الواردة إلى (حساب المشتركين) تُستثمر في إطار ما أباحته الشريعة الإسلامية بعيداً عن كل حرام أو شبهة، وعائد الاستثمار مشترك بين الشركة المستثمرة وصندوق حساب المشتركين.

وخلال السنة المالية يتم تعويض الأضرار الواقعة على بعض المشتركين من حسابهم المشتَرك، بإعادة الأمر إلى ما كان عليه قبل الحادث، أو تعويضات نقدية في بعض الحالات.

وفي نهاية السنة المالية يتم احتساب أرباح الاستثمار لصالح المشتركين، وإعادة الفائض لهم، أو تدوير الأرباح والفائض إلى العام التالي عبر حسمه من قيمة الاشتراك الجديد، أو توزيعه على المشتركين.

ويكون لشركة التأمين تعويض (أجر) إدارة حساب المشتركين، كما تستحق نصيباً من أرباح أموال المشتركين، بصفتها شريكاً في الاستثمار.

 


 

المبحث الثاني: الآثار الاقتصادية للتأمين:

في عالم الاقتصاد اليوم باتت الشراكات والاندماجات، والتوافقات هي الأصل، ولم يعد الاقتصاد يقوم على جهود الأفراد فحسب.

سواء كانت هذه الشراكات معلنة بالمعنى القانوني، أو خفية ومستترة، فنجاح الأعمال أصبح منوطاً بالشركاء الاستراتيجيين، لضمان استمرار العمل في السوق.

ولا شك أن قراءة متأنية للتأمين التكافلي، تجعل منه أحد أهم الشركاء الاستراتيجيين لضمان البقاء في السوق، والاستمرار في الأنشطة الاقتصادية.

والواقع أن الفكرة الكامنة في التأمين ليست إلا التكافل والتعاون بين أفراد المجتمع، يجري تقنينه وترتيبه بطريقة منظمة، وبتصميم نظام له ينسجم مع التطورات المالية والاقتصادية.

وتثبت الأيام أن تطوير برامج التأمين المختلفة وانتشار العمل بها له آثار إيجابية في تقدم المجتمعات المعاصرة، واستقرار المعاملات فيها، وتحسين التوزيع للثروات والدخول في المجتمع.

وقد تزايدت أهمية التأمين بقدر ما تطورت الحياة وتحسنت سبل المعاش وزادت رفاهية الإنسان إذ يترتب على ذلك زيادة في المخاطر التي يتعرض لها الإنسان.

ويمكن تلخيص الآثار الاقتصادية لانتشار التأمين في المجتمع فيما يأتي:

أ- زيادة إقدام أصحاب رؤوس الأموال على الاستثمار، بسبب وجود برامج فعالة للتأمين على الأصول والممتلكات، حيث تعمل على تقليل المخاطر التي يواجهها أصحاب رؤوس الأموال، فيصير بإمكانهم حصر ما يواجهونه من مخاطر بتلك المتعلقة بالعمل التجاري فحسب، فيزداد مستوى تخصصهم وخبرتهم.

ب- تحسن مستوى السلامة؛ ذلك لأن لشركات التأمين مصلحةً دائمةً في تقليل الحوادث، وسد الذرائع إلى وقوع المكروه وتفادي أسباب حدوث الخسائر، ويقتضي هذا تمويل الأبحاث وتطوير البرامج والإجراءات التي تولد الحوافز لدى المشتركين بالاهتمام بالسلامة، واشتراط إجراءات يلتزم بها المستأمنون.

ج- الاستقرار الاجتماعي وذلك بتعويض العمال في التأمينات الاجتماعية عن أضرار الحوادث وتوفير برامج التقاعد والضمان الاجتماعي والتأمين الصحي والتأمين ضد البطالة.

دـ- الاستقرار التجاري عن طريق التعويض عن المسؤولية تجاه الآخرين.

هـ- تعبئة المدخرات التي تتكون عن أداء المشتركين أقساطَ التأمين بأنواعه المختلفة، وثم توجيهها عن طريق تلك المؤسسات نحو المشاريع الاستثمارية وبخاصة طويلة الآجل.

أهمية التأمين على الاقتصاد الفردي:

إن تفادي المخاطر والحرص على السلامة طبع للإنسان وهو جزء من فطرته التي يشترك فيها مع كل كائن حي.

ولذلك فالتأمين يشبع له هذه الغريزة، ويعد العمل التأميني من سعي الإنسان بطرق متعددة للحرص على السلامة.

ومن الطرق التي عرفها الإنسان وتبناها واعتمد عليها لمواجهة المخاطر التي تحدق به في حياته:

أ- الحذر والحيطة، بالابتعاد عن الأماكن والأحوال التي تزيد من احتمال وقوع المكروه، مثل السرعة في قيادة السيارة أمر يجعل احتمال التعرض للحوادث أكبر من التأني في ذلك، والمحافظة على صيانة الأجهزة يطيل عمرها ويقلل خطرها وهكذا.

ب- الترتيبات التي يتبناها الفرد لنقل المخاطر إلى جهة أخرى، فالشروط في العقود التي تحمي بعض أطرافها، وكذلك الشروط الجزائية.

ج-  السعي نحو تقليل الخطر بالتنويع فلا يضع الإنسان "البيض كله في سلة واحدة" كما يقولون، من ذلك مثلاً توسيع العمليات التي تقوم بها الشركة على رقعة جغرافية أكبر، فالخطر الذي تتعرض له الشركة التي يكون لها 50 مستودعاً أقل، من تلك التي يكون لها مستودع واحد كبير.

إذاً؛ إن التأمين بمعناه الحديث صيغة من صيغ "إدارة" المخاطر.

وقد عرفت كل المجتمعات الإنسانية أنماطاً عن التكافل والتعاون، وما زال الناس يهرعون إلى نجدة الملهوف ومساعدة المصاب ومد يد العون إلى المحتاج.

ومجتمعات الإسلام هي غرة جبين الزمان في حرصها على التكافل وعنايتها بالتعاون والحث على مثل ذلك في الأخلاق وفي القوانين الفقهية التي تنظم المعاش وتحكم العلاقات بين الأفراد.

والتأمين قائم على التزام كل قادر بمساعدة إخوانه ممن يقع عليه المكروه دون الحاجة إلى وجود جهة مركزية تنظم هذا بينهم بعقود واتفاقيات.

إلا أن هذا الأمر قد اعتراه التبدل الذي وقع في حياة المجتمعات في العصور الحديثة الأمر الذي احتاجت معه صيغ التكافل والتعاون إلى مؤسسات متخصصة يقتصر عملها على تنظيم وظيفة التكافل والنهوض بحاجة الناس إلى مساعدة بعضهم بعضاً عند وقوع المكروه.

فظهرت مؤسسات التأمين كما نعرفها اليوم.

أهمية التأمين التكافلي على الاقتصاد الكلي:

تقول الدراسات المعاصرة: إن مما تقاس به درجة التقدم الاقتصادي لأي دولة يعتمد في المقام الأول على درجة تقدم صناعتي المصارف والتأمين وتطورهما، فثمّت ارتباط وثيق وعلاقة قوية بين الصناعتين، وازدهارهما ينعكس على توازن ميزان المدفوعات الخاص بكل دولة، باعتبارهما من الخدمات غير المنظورة التي لها أثر إيجابي ملموس على اقتصاد الدولة ومركزها المالي.

ولقد أصبحت خدمات التأمين في الوقت الحاضر تشغل حيزاً كبيراً من اهتمام رجال الأعمال في الأنشطة التجارية والصناعية والخدمية وغيرها، نظراً لاعتمادهم الكبير عليها في تهيئة حالة الطمأنينة والأمان لمشروعاتهم بمختلف أنواعها، وللعاملين لديهم ولأسرهم، ولأنفسهم من المخاطر التي يتعرضون لها.

ومن ذلك يتبين أن التأمين هو أحد الوسائل الحديثة الكبرى المهمة الداخلة في منظومة التنظيم الاقتصادي والمالي، فله دوره المتعاظم في التطور الصناعي، والزراعي، والتجاري، وسائر الأنشطة الاقتصادية، بل لقد أصبحت صناعة التأمين تضاهي ـ إن لم تفق ـ العمل المصرفي.


 

المبحث الثالث: خصائص التأمين التعاوني وتميزه

التأمين التعاوني اتفاق بين المشتركين فيه على جبر المصائب، وما زاد عن ذلك يرجع إليهم، وما ظهر من عجز تعيّن عليهم سداده من أموالهم كل بقدر نسبة اشتراكه.

ويتميز التأمين التعاوني بما يأتي:

  1. جمع العضو بين صفتي المؤمِّن والمؤمَّن له، ويقوم أعضاء هذا الصندوق بدفع اشتراكات أو دفعات مقدماً، وتكون قابلة للتغيير بحسب الخسائر المتحققة.
  2. انخفاض تكلفة الأقساط للأعضاء مقارنة باشتراكات وأقساط التأمين غير التبادلي، الذي يحوي على مصروفات الإدارة والتي غالباً ما تكون مرتفعة.
  3. قابلية الاشتراك ـ الذي يدفعه كل عضو ـ للتغيير، فإذا زادت التعويضات المطلوبة عن الاشتراك المجتمعة أمكن مطالبة الأعضاء بدفعات تكميلية لتغطية التعويضات.

وإذا نقصت التعويضات المستحقة بنسبة الناقص من الاشتراكات، عندها تقوم مسؤولية تضامنية بين المشتركين بحيث يتحمل الموسر منهم نصيب المعسر.

ونظراً لخطورة هذه الخاصية التي قد تدفع الأفراد إلى عدم الإقبال على هذا النوع من التأمين؛ فإن هيئات المشتركين لجأت إلى تحديد حد أقصى لا يتجاوز مسؤولية العضو.

  1. المشاركة في الخسارة؛ ذلك لأن مبنى التأمين التعاوني قائم على التكافل، فهو تضامن في السراء والضراء، فإذا كان رأس المال، والاحتياطيات، وجملة الأقساط لا تكفي للوفاء بحجم الخسارة؛ فإنه يوزع القدر الزائد من الخسارة على المشتركين كل على حسب نسبة ما دفع.

ولكن بالممارسة العملية لشركات التأمين الإسلامية العاملة يكاد يكون هذا الكلام نظرياً؛ إذ أن فكرة (إعادة التكافل) هي التي تقوم بتحمل الخسارة في التأمين التعاوني في حال وجودها.

  1. مساهمة المشتركين في مجلس إدارة الشركة، ليشعروا بالتعاون المتبادل، ويمكنهم من رعاية مصالحهم في الشركة.
  2. وجود هيئة رقابية شرعية تشترك مع الفنيين في الشركة في عملية وضع نماذج وثائق التأمين، وتراجع عمليات الشركة التأمينية والاستثمارية للتأكد من مطابقتها لأحكام الشريعة الإسلامية.

ويشترط أن تكون قرارات هذه الهيئة ملزمة لمجلس الإدارة، بحيث تخضع جميع معاملات الشركة في مجال التأمين والاستثمارية لمبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية.

وينبغي أن يشترط عند منح الترخيص بمزاولة أعمال التأمين أن يقدم طلب الترخيص مصحوباً بالمستندات الآتية المتعلقة بهيئة الرقابة:

  • تقديم ما يثبت بأن الشركة لديها هيئة رقابة شرعية تتم الموافقة عليها بواسطة المجلس الأعلى للإفتاء.
  • نسخة من عقد تأسيس الشركة ونظامها الأساسي على أن يكون فيه ما يشير إلى أن الشركة تعمل وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية.

وعلى كل شركة أن تقدم لهيئة الإشراف على التأمين حسابات مراجعة عن كل سنة مالية مدعمة بشهادة من مراجع قانوني، وهيئة الرقابة الشرعية.

  1. وجوب فصل أموال حملة الأسهم عن أموال المشتركين؛ حملة العقود (الوثائق):

حيث تلتزم شركة التأمين الإسلامي بهذا الفصل، وتقوم باستثمار الكتلتين الماليتن، وتضيف لكل وعاء عائد استثماراته، مع مراعاة تحمل حملة الوثائق ما يناسبها (النسبة والتناسب) من مصروفات الاستثمار.

 


 

المبحث الرابع: الفروق المؤثرة بين التأمين التعاوني والتأمين التجاري:

لقد ذكر الفقهاء المعاصرون عدة فروق، وتكمن أبرزها فيما يلي:

الفرق الأول:

أن التأمين التعاوني من عقود التبرع التي يقصد بها ـ أصالة ـ التعاون على تفتيت الأخطار، فالأقساط المقدَّمة من حملة الوثائق في التأمين التعاوني تأخذ صفة الهبة (التبرع) ([5]).

بخلاف التأمين التجاري فهو من عقود المعاوضات المالية الاحتمالية.

الفرق الثاني:

أن التعويض في التأمين التعاوني يصرف من مجموع الأقساط المتاحة، فإذا لم تكن الأقساط كافية في الوفاء بالتعويضات، طُلِب من الأعضاء زيادة اشتراكاتهم لتعويض الفرق، وإذا لم يمكن زيادة الاشتراكات للوفاء بالتعويض لم يقع التعويض؛ إذ ليس هناك التزام تعاقدي بالتعويض.

أما التأمين التجاري فهناك التزام بالتعويض مقابل أقساط التأمين، ويترتب على هذا الالتزام تحمل الشركة لمخاطرة الأصل المؤمَّن عليه دون سائر المستأمنين. ولذا كان الهدف من العقد هو المعاوضة، ولكن هذه المعاوضة لا تسمح بربح الطرفين، بل إن ربحت الشركة خسر المستأمن وإن ربح المستأمن خسرت الشركة، فهي معاوضة تتضمن ربح أحد الطرفين مقابل خسارة الآخر ولا بد، وهذا أكل المال بالباطل([6]).

الفرق الثالث:

في التأمين التجاري لا تستطيع الشركة أن تعوض المستأمنين إذا تجاوزت نسبة المصابين النسبة التي قدرتها الشركة لنفسها.

أما في التأمين التعاوني، فإن مجموع المستأمنين متعاونون في الوفاء بالتعويضات التي تصرف للمصابين منهم، ويتم التعويض بحسب المتاح من اشتراكات الأعضاء.

فالمستأمن في التأمين التعاوني لا ينتظر مقداراً محدداً سلفاً إذا وقع الخطر، وإنما ينتظر تضافر قرنائه بتعويضه بحسب ملاءة صندوق التأمين وقدرة الأعضاء على تعويضه.

فالطمأنينة التي يشعر بها المستأمن تعاونياً نابعة من شعوره بوقوف الآخرين معه، وليس من عوض محدد بمقتضى التزام تعاقدي غير صادق في حقيقته، كما هو الحال في التأمين التجاري([7]).

الفرق الرابع:

أن التأمين التعاوني لا يقصد منه الاسترباح من الفرق بين أقساط التأمين التي يدفعها المستأمنون وتعويضات الأضرار التي تقدمها الجهة المؤمِّن لديها، بل إذا حصلت زيادة في الأقساط المجبية عن التعويضات المدفوعة لترميم الأضرار ترد الزيادة إلى المستأمنين([8]).

بينما الفائض التأميني في التأمين التجاري يكون من نصيب الشركة.

الفرق الخامس:

المؤمِّنون هم المستأمنون في التأمين التعاوني، ولا تستغل أقساطهم المدفوعة لشركة التأمين التعاوني إلا بما يعود عليهم بالخير جميعاً.

أما في شركة التأمين التجاري فالمؤمِّن هو عنصر خارجي بالنسبة للشركة، كما أن شركة التأمين التجاري تقوم باستغلال أموال المستأمنين فيما يعود عليها بالنفع وحدها([9]).

الفرق السادس:

هدف شركة التأمين التعاوني تحقيق التعاون بين أعضائها المستأمنين، وذلك بتوزيع الأخطار فيما بينهم، أي بمعنى ما يشتكي منه أحدهم يشتكون منه جميعاً. وبمعنى آخر أنها لا ترجو ربحاً وإنما الذي ترجوه تغطية التعويضات والمصاريف الإدارية.

وعلى العكس من ذلك فإن شركة التأمين التجاري هدفها الأوحد هو التجارة بالتأمين والحصول على الأرباح الطائلة على حساب المستأمنين([10]).

الفرق السابع:

في شركة التأمين التعاوني تكون العلاقة بين حملة الوثائق وشركة التأمين على الأسس التالية:

  1. يقوم المساهمون في الشركة بإدارة عمليات التأمين، من إعداد الوثائق وجمع الأقساط، ودفع التعويضات وغيرها من الأعمال الفنية، في مقابل أجرة معلومة وذلك بصفتهم القائمين بإدارة التأمين، وينص على هذه الأجرة بحيث يعتبر المشترك قابلاً لها .
  2. يقوم المساهمون باستثمار( رأس المال) المقدَّم منهم للحصول على الترخيص بإنشاء الشركة، وكذلك لها أن تستثمر أموال التأمين المقدمة من حملة الوثائق، على أن تستحق الشركة حصة من عائد استثمار أموال التأمين بصفتهم المضارب.
  3. تمسك الشركة حسابين منفصلين، أحدهما لاستثمار رأس المال، والآخر لحسابات أموال التأمين ويكون الفائض التأميني حقاً خالصاً للمشتركين ( حملة الوثائق).
  4. يتحمل المساهمون ما يتحمله المضارب من المصروفات المتعلقة باستثمار الأموال نظير حصته من ربح المضاربة، كما يتحملون جميع مصاريف إدارة التأمين نظير عمولة الإدارة المستحقة لهم.
  5. يقتطع الاحتياطي القانوني من عوائد استثمار أموال المساهمين ويكون من حقوقهم وكذلك كل ما يتوجب اقتطاعه مما يتعلق برأس المال([11]).

بينما العلاقة بين حملة الوثائق وشركة التأمين، في التامين التجاري، أن ما يدفعه حملة الوثائق من أموال تكون ملكاً للشركة ويخلط مع رأس مالها مقابل التأمين، فليس هناك حسابان منفصلان كما في التأمين التعاوني.

الفرق الثامن:

المستأمنون في شركات التأمين التعاوني، يعدون شركاء مما يعطيهم الحق في الحصول على الأرباح الناتجة من عمليات استثمار أموالهم.

أما شركات التأمين التجاري فالمستأمنين ليسوا بالشركاء، فلا يحق لهم أي ربح من استثمار أموالهم، بل تنفرد الشركة بالحصول على كل الأرباح([12]).

الفرق التاسع:

شركات التأمين التعاوني لا تستثمر أموالها في النواحي التي يحرمها الشرع.

وعلى النقيض من ذلك فشركة التأمين التجاري لا تأبه بالحلال والحرام([13]).

الفرق العاشر:

في التأمين التعاوني لا بد أن ينص في العقد على أن ما يدفعه المستأمن ما هو إلا تبرع، وأنه يدفع القسط للشركة لإعانة من يحتاج إليه من المشتركين([14]).

أما في التأمين التجاري لا ترد نية التبرع أصلاً، وبالتالي لا يذكر في العقد.

 

الفروق

شركات التأمين التقليدية الحالية

شركات التأمين التعاوني الإسلامي

 الفكرة

تجارية

التعاون على البر وبنية التبرع

الهدف

 تمارس التأمين بهدف تحقيق الربح.

تمارس التأمين بهدف تحقيق التعاون بين المشتركين ويعاد توزيع الفائض عليهم.

الممارسة

 تمارس كافة أنواع التأمين

تمارس أنواع التأمين المشروعة وتقع في مجال الحلال الطيب.

الضوابط

 لا تعبأ بالحلال والحرام

 تنضبط بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية.

الرقابة

 لا تخضع للرقابة الشرعية

 تخضع للرقابة الشرعية.

 الصفة

هناك فصل بين المؤمن صاحب الشركة وبين المستأمن الذي يشتري بوليصة التأمين

 يعتبر المشترك مؤمنًا ومؤمنًا له.

 

 


 

المبحث الخامس: هيئة المشتركين؛ أهميتها وآلية عملها:

من مزايا التأمين التعاوني: أن يكون للمشتركين نصيب في إدارة الشركة، ليشعرهم بالتعاون المتبادل، ويمكنهم من رعاية مصالحهم في الشركة، عبر تكوين "هيئة المشتركين" وعلى تمثيل المشتركين في مجلس الإدارة، باعتبارات متعددة، منها:

وتتكون الهيئة من الذين لا تقل أقساط التأمين التي دفعها كل منهم خلال السنة عن مبلغ معين يتم الاتفاق عليه حسب الشركة في كل بلد، ودرجة نمو الاقتصاد فيه.

ومن أهم مهامها: أن تعرض عليهم الحسابات الختامية للشركة، والتقرير السنوي لمجلس الإدارة قبل مدة لا تقل عن شهر من اجتماع الجمعية العمومية.

وهذا النظام لا وجود له في شركات التأمين التجارية، وهو الذي يجعل التعاون حقيقة ملموسة، ويشعر المشتركين بأنهم هم أصحاب الشركة الحقيقيون.

وهي تمثل المشتركين في مجلس إدارة الشركة، وهي هيئة اعتبارية يدفع أعضاؤها الأموال للشركة التي تدير عمليات التأمين وتستثمر أموالهم نيابة عنهم.

ووجود هذه الهيئة ربما ما زال حكمياً، حيث لم تُنَظِّم الصيغُ القانونية بعد مثل هذه الهيئات.

وبالشكل النظري فإنه يجب أن يكون في شركات التأمين التعاوني هيئتان:

هيئة المشتركين، أي حملة وثائق التأمين باعتبارهم متبرعين.

وهيئة المديرين وهو مساهمو شركة التأمين التي تدير عملية التأمين وتستثمر أمواله نيابة عن هيئة المشتركين في مقابل أجرة الوكالة أو حصة المضاربة، أو هما معاً بأن تأخذ أجراً على إدارة عمليات التأمين باعتبارها وكيلاً، وحصة من عوائد استثمار أموال التأمين باعتبارها شريكاً مضارباً.

المبحث السادس: توزيع الفائض التأميني على المشتركين:

تختلف مزايا التأمين التعاوني عن التأمين التجاري في أن الفائض من التزامات صندوق التأمين التكافلي يعود إلى المشتركين فيه كل بحسب نسبة اشتراكه، وهذا أثر من آثار وصف هذا النوع من التأمين بالتعاوني.

ويتمثل في المبلغ المتبقي بعد دفع التعويضات والالتزامات مضافاً إليه عوائد الاستثمار الشرعي، حيث يوزع على المشتركين بنسب اشتراك كل منهم.

والفائض يوزع على جميع المشتركين بنسبة أقساطهم من غير تفرقة بين مشترك نزلت به مصيبة فأخذ تعويضاً من الشركة، وآخر لم يأخذ تعويضاً.

وهذا المسلك أولى من مسلك حسم التعويض من اشتراك العضو الذي أخذ تعويضاً، ومحاسبته على الباقي إن وجد، وحرمانه من الفائض إذا زاد التعويض عما دفعه من أقساط أو ساواه.

وذلك تحقيقاً لمبدأ التعاون؛ لأن الفائض حق المشتركين جميعاً، فكل مشترك متبرع للآخرين بما يحتاجون إليه، دفعاً للتعويضات، والتعويض حق من تحققت فيه شروط استحقاقه، فلا وجه لتأثير حق التعويض على حق توزيع الفائض.

وأما التأمين التجاري فليس فيه هذا التوجه حيث يعتبر الفائض في صندوقه ربحاً لشركة التأمين التجارية، وفي حال وجود عجزٍ في هذا الصندوق فيعتبر خسارةً، ويكون على شركة التأمين التجارية الالتزامُ بتغطية هذا العجز من رأسمال الشركة أو من احتياطياتها حيث تعتبر هذه الخسارة دَيْناً على الشركة.

فالفائض التأميني جزء من موجودات حساب التأمين، ويتم التصرف فيه، بما فيه المصلحة حسب اللوائح المعتمدة من الشركة مثل:

تكوين الاحتياطيات، أو تخفيض الاشتراكات، أو التبرع به لجهات خيرية، أو توزيعه أو جزء منه على المشتركين على أن لا تستحق الشركة المديرة شيئاً من ذلك الفائض.

في حال توزيع الفائض أو جزء منه على حملة الوثائق يتم بإحدى الطرق الآتية، على أن ينص ـ ابتدءاً ـ على الطريقة المختارة منها في اللوائح، وهي:

  1. التوزيع على حملة الوثائق بنسبة اشتراكهم دون تفرقة بين من حصل على تعويضات خلال الفترة المالية، ومن لم يحصل على تعويضات خلال الفترة ذاتها.
  2. التوزيع على حملة الوثائق الذين لم يحصلوا على تعويضات أصلاً خلال الفترة المالية، دون من حصلوا على تعويضات.
  3. التوزيع على حملة الوثائق بعد حسم التعويضات المدفوعة لهم خلال الفترة المالية.
  4. التوزيع بأي طريقة أخرى تقرها هيئة الرقابة الشرعية للشركة.

ويتم توزيع الفائض التأميني على حملة الوثائق بنسبة إجمالي الأقساط التي شارك بها كل مشترك  بغض النظر عن دوائر التأمين التي اشترك فيها بعد خصم مخصص الأخطار السارية حسب النسب المقررة نظاماً،  وذلك وفق المعادلة التالية:

الفائض المخصص للتوزيع × أقساط التأمين لكل مشترك / إجمالي أقساط التأمين = نصيب المشترك من الفائض.

 

 

المبحث السابع: إشكالات ترد على التأمين التعاوني في صورته الحالية:

الإشكال الأول:

من المعلوم أن المساهم في التأمين التعاوني متبرع، فكيف يعود عليه ما تبرع به إذا وقع الخطر؟.

والجواب: أن المتبرع إذا تبرع لجماعة وصفت بصفة معينة فإنه يدخل في الاستحقاق مع هذه الجماعة إذا توافرت فيه هذه الصفة، كمن تبرع لطلاب العلم؛ فإنه يستحق نصيباً في هذا التبرع إذا طَلَب العلم بنفسه، ومَن تَصَدَّق أو وقف على فقراء مكة دخل فيهم واستحق معهم إذا صار فقيراً، وعلى ذلك فتبادل القسط أو الاشتراك في هذه الجمعيات لا يعارض مبدأ التبرع.

الإشكال الثاني:

يوجد غرر في التأمين التعاوني حيث إن المساهمين لا يعلمون مقدار ما قد يعود عليهم من النفع عند وقوع الخطر؟.

والجواب: لا يضر جهل المساهمين في التأمين التعاوني بمقدار ما يعود عليهم من النفع؛ لأنهم متبرعون، فلا مخاطرة ولا غرر ولا مقامرة؛ لأن المتبرع أصلاً لا ينتظر عوضاً على تبرعه فتزول هذه الإشكالية.

وإذا وُجِد الغرر، فالغرر في عقود التبرعات مغتَفر؛ إذ مبناها على المسامحة؛ بخلاف الغرر في عقود المعاوضات، فإن الغرر فيها لا يُغتَر؛ إذ مبناها على المشاححة.

الإشكال الثالث:

كيف نقول إن المساهم في التأمين التعاوني متبرع مع:

أ) عدم تمكنه من العدول بما تبرع به.

ب) إلزامه بسداد ما عجز الصندوق عن الوفاء به.

والجواب: أنه لا إشكال فيهما؛ لأن المتبرع التزم ابتداء بالتبرع، وسداد العجز الذي قد يحصل، فيلزمه الوفاء بذلك، وهذا أصل معمول به شرعاً؛ وأصله في أبواب النذر والوفاء بالوعد في التبرعات، ومن أصول الشريعة: إن من مكارم الأخلاق ما هو لازم([15]).

كما أن نظير هذا التزام الإنسان بجبر الضرر الذي يقع على غيره من باب المواساة، فإن لحقه ضرر بعدم معرفة القدر الذي قد يلزمه فإن ما يلحقه من الضرر يلحق الجميع، والضرر في هذه الحالة متوقع أو قليل يحتمل في دفع الضرر عن الغير, وهذا ليس فيه محذور شرعي من أجل المصلحة العامة([16]).

كما إنه يمكن الخروج من الالتزام بسداد العجز بما يلي:

أ) أن يعطى المتضرر المال الموجود في الصندوق، وفي حالة عجز الصندوق عن الوفاء لا يلتزم المشتركون بتكميل هذا العجز وإنما يتحمله المتضرر.

ب) في حالة الالتزام بسداد العجز تجعل الشركة سقفاً محدداً لجبر العجز الذي قد يلحق بالصندوق مقابل ضرر ما، حتى لا يكون الضرر كبيراً على المشتركين، فيكون المشتركون قد دخلوا ابتداء على علم بالقدر الذي قد يلزمهم حال عجز الصندوق عن تعويض الضرر، فكان القدر المحدَّد لسداد العجز معلوماً، وكأنه جزء من الاشتراك ابتداء.

كما إن على الشركة تقدير هذه الأمور حسب ما عندها من الأموال وما تتوقعه من الأضرار التي قد تلحق بالمشتركين بحيث لا تحتاج إلى استدعاء أموال زائدة على الاشتراكات.

 

([1]) رواه البخاري، 2354، 2/880، ومسلم، 2500، 4/1944.

([2]) رواه مسلم.

([3]) رواه مسلم.

([4]) رواه مسلم.

([5]) قرار مجلس هيئة كبار العلماء، رقم (51)وتاريخ 4/4/1397هـ.

([6]) وقفات في قضية التأمين، ص 20، للدكتور سامي السويلم.

([7]) وقفات في قضية التأمين، ص 21، للدكتور سامي السويلم.

([8]) الهيئة الشرعية لشركة الراجحي المصرفية، رقم الفتوى 42.

([9]) فتوى الهيئة الشرعية لبنك فيصل الإسلامي، نقلاً من فتاوي التأمين ص 99.

([10]) المرجع السابق.

([11]) ندوة البركة الثانية عشرة للاقتصاد الإسلامي، قرارات وتوصيات ندوات البركة للاقتصاد الإسلامي ص212.

([12]) فتاوى الهيئة الشرعية لبنك فيصل الإسلامي، نقلاً من فتاوى التأمين ص 105.

([13]) فتاوى الهيئة الشرعية لبنك فيصل الإسلامي، نقلاً عن فتاوى التأمين ص 105.

([14]) فتاوى الهيئة الشرعية لبنك فيصل الإسلامي، نقلاً عن فتاوى التأمين ص91.

([15]) يًنْظَر: الموافقات5/246.

([16]) يًنْظَر: الموافقات 3/64-65.

عدد القراء : 1900