المجاملة والنفاق
في الحقيقة هناك فرق شاسع بين المجاملة والنفاق.
فالمجاملة اصطلاح جميل جداً ومعبر، ومقتبس من لفظة ( الجمال ) و"الله جميل يحب الجمال"([1])، فمن يستعمل المجاملة إنما هو رجل يحترم الآخرين ولبق وعنده كياسة، ويحسن الرد، وعنده ضوابط بحيث لا ينفعل ولا يغضب.
المجاملة بجميع أنواعها هل هي إيجابية؟، أم سلبية؟، هل تكون جائزة ببعض المواقف؟، هل تكون مفيدة لبعض المصالح سواء الحميدة أو السيئة؟، هل هي نفاق اجتماعي؟، هل هي ضرورة شكلية؟.
المجاملة ليست عيباً، بل هي حسنة تُضاف للمجامِل؛ لأنه شخص يُقَدِّر ويحترم الآخرين، ولكن لها حدود، ومن هذه الحدود: الصدق، والمهم أن لا تصف شخصاً بما ليس فيه بقصد المجاملة، حيث عندها تتحول المجاملة إلى كذب ونفاق وتلفيق وتزوير للحقائق، ورشوة معنوية؛ لأن أصل المجاملة أن تقرب القلوب لبعضها، وتحبب الناس ببعضهم، وهي جواز سفر لقلوب الآخرين، ولكن لا يكون من ورائها مصلحة شخصية، أو منفعة خاصة، وتنتهي بعدها العلاقة بينكما.
والمجاملة بمعنى التحبب والتودد إلى الناس هي من حسن خُلُق المسلم، فالكلمة الطيبة صدقة([2])، كما قال e.
كما يشترط في المجاملة أن لا يكون فاعلها إنما يأتي بها على حساب نفسه، وإيذاء شخصه، والمحيطين به.
فاجعل المجاملة أخي اعترافاً بما يعجبك بالشخص المقابل لك، بكلمات رقيقه لا تعدو أن تكون تلطيفاً للجو بينك وبين الآخرين.
المجاملة أسلوب ووسيلة، فهل هذه الوسيلة تنتهي بالوصول إلى غاية محددة؟ أم هي مجرد وسيلة تعبير بريئة؟.
فاعلها هو المحدد لها، كنوع من أنواع التقارب بين البشر، وعطر نعطر به الكلمات، وباب للدخول والولوج إلى القلوب، وبالتالي لا بد أن لا تتعدى حداً معيناً، وذلك لتصبح مقبولة نوعاً ما، ولا تتحول إلى نفاق و رياء، وكلمات لا معنى لها.
فالمجاملة سلاح ذو حدين قد تكون من باب الاحترام والتقدير وقد توصل صاحبها إلى التملق والنفاق.
والحقيقة أن كثيراً من الناس في هذا الزمن أفرط في المجاملة حتى أصبح يعرف بالمنفاق أو {المتملق}.
وهي نوع من العلاقات العامة، ومن الواجب احترام الكبير وتوقيره، وتقدير المسؤول واحترامه، وإكرام الضيف والإحسان إليه، ونحو ذلك من فن المعاملة.
والقرآن الكريم والسيرة النبوية على صاحبه أفضل الصلاة والسلام فيها مواقف كثيرة تحث على ما يسمى اليوم بـ(العلاقات العامة) في مختلف مجالات الحياة، وقصة موسى عليه السلام مع الطاغية فرعون دليل على ذلك، عندما أمر الله عزَّ وجلَّ موسى وهارون بأن يقولا لفرعون قولاً ليناً.
أثر أسلوب المجاملة في تمتين العلاقة بين الأزواج
يعتبر أسلوب المجاملة واحداً من الأساليب الاجتماعية المحببة التي امتدحها الإسلام وحض عليها وعلى كل أشكالها وخصوصاً بين الأزواج حفاظاً على ديمومة العلاقات الزوجية واستمرارها ونموها، وإذا كنا لا ننكر بأن هناك أساليب ووسائل كثيرة تسهم في الحفاظ على الألفة والإدام بين الزوجين، فإنه يمكن القول:
إن أسلوب المجاملة يهدف بالأساس إلى تواد وتحبب كل طرف إلى الآخر والتقرب إليه، وذلك عن طريق إفشاء عبارات الاستحسان والإطراء والتعبير بالكلام الطيب والجميل.
ويبدو أن الإنسان إذا كان يضطر في حياته اليومية والعملية إلى مجاملة رئيسه في العمل وزميله في الشغل وجاره في الشارع، فإنه من باب أولى أن يجامل رفيق عمره في بعض المواطن التي يجمل أن يكون فيها ذلك، وخصوصاً في المناسبات الكثيرة التي تظهر فيها الحاجة إلى المجاملة والمداراة وتوظيف أساليب المعاملة بالتي هي أحسن.
إن سلوك أسلوب المجاملة وتقديم الكلمات الطيبة والمواقف الإنسانية الجميلة كل ذلك يولد لدى الزوج أو الزوجة شعوراً بالتواد ورفع المعنويات وتحبيب الخاطر.
بل إنه في كثير من الأحيان يكون نهج أسلوب المجاملة عاملاً من عوامل حسم الخلافات والنزاعات الزوجية، إذ كم من معارك زوجية أنذرت بالانفصال أو القطيعة فتدخل أحد الطرفين بأسلوب المجاملة واللباقة لإيقافها وتلطيف الأجواء.
إن أحد الزوجين يجامل الآخر في أمور كثيرة ومسائل اجتماعية متعددة قد يراها بعضهما عادية أو تافهة لكنها في واقع الأمر ذات أثر بالغ في تحسين العلاقة الزوجية وتمتينها وتقويتها، فالزوج قد يهنئ زوجته على الفستان الجديد ويبدي محاسنه ومميزاته ويشكرها على طبخها الجيد وأنه ألذ أنواع الطبخ التي تشتهيها نفسه.
والزوجة من جهتها تسعى إلى تغيير ترتيب أثاث البيت من حين لآخر وتفاجئ زوجها أحياناً بطبق من الطعام الشهي الذي يحبه ويتوق إليه.
إن مثل هذه المجاملات الفعلية والعملية إذا صاحبتها مجاملات قولية عن طريق الكلمة الطيبة والمعاملة الحسنة وإفشاء عبارات الإطراء والمديح والاستحسان كل ذلك يسهم بقوة في نمو العلاقة الزوجية وحمايتها من عوامل الضعف والشقاق والخلاف.
قد يقول قائل، إن المبالغة في المجاملة قد تؤدي إلى نوع من النفاق الاجتماعي والاصطناع الذي لا يعبر عن حقيقة المشاعر وطبيعتها.
فيجاب عن ذلك إن هناك شعرة تفصل بين المجاملة والنفاق، وهذه الشعرة هي النية التي تدفع للإطراء أو المديح، وفضلاً عن ذلك، فإن النفاق خصلة ذميمة لا مكان لها في العلاقات الزوجية لأنه لا توجد بين الأزواج مصالح كما هي بين الناس.
فلا مجال إذاً للحديث عن النفاق بين الأزواج، ورسول الله e، هو القدوة لنا في ذلك، حيث روت كتب السنَّة والسيرة كثيراً مما كان يعبر عنه e لأزواجه من حسن المعاملة: "خيرُكم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي"([3]).
وتقديم عبارات الإطراء والاستحسان والمزاح الحق وغير ذلك من أساليب إدخال السرور والحبور على نفوس أزواجه.
إن أسلوب المجاملة بين الأزواج يسمح بالقضاء على الخلافات وتبديد حالات الشقاق وفض النزاعات، وهو كفيل بأن يحقق فرص التسامح المتبادل وتجاوز خلافات الماضي والقضاء على سلبيات وانعكاسات الرتابة الزوجية التي كثيراً ما أدت في وقتنا الحاضر إلى تفكك الأسر وانفصامها، هذا فضلاً عن تقوية روابط وأواصر العلاقة الزوجية بما يحقق نوعاً من الاستقرار والاستمرار والتعايش الاجتماعي.
عدد القراء : 1417