تعدد الزوجات في الإسلام علاء
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وبعد:
فالإسلام لم ينشئ نظام تعدد الزوجات ولم يوجبه على المسلمين خاصة، فلقد سبقته إلى إباحته الأديان السماوية التي أرسل بها أنبياء الله قبل محمد r اليهودية والنصرانية، والنظم الدينية الأخرى كالوثنية والمجوسية.
جاء الإسلام فأبقى على التعدد مباحاً ووضع له أسساً تنظمه وتحد من مساوئه وأضراره التي كانت موجودة في المجتمعات البشرية التي انتشر فيها التعدد.
كما أن الشريعة الإسلامية لم تجعل نظام تعدد الزوجات فرضاً لازماً على الرجل المسلم، ولا أوجبت الشريعة الإسلامية على المرأة وأهلها أن يقبلوا الزواج برجل له زوجة أو أكثر.
بل أعطت الشريعة المرأة وأهلها الحق في القبول إذا وجدوا أن هذا الزواج منفعة ومصلحة لابنتهم أو الرفض إذا كان الأمر على العكس من ذلك.
1- مشروعية تعدد الزوجات في الإسلام:
ورد تشريع تعدد الزوجات في القرآن الكريم، وبالتحديد في آيتين فقط من سورة النساء وهما:
1- {فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ}. [النساء: 3]
2- {وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا}. [النساء: 129]
وتفيد هاتان الآيتان كما فهمهما الرسول r وصحابته والتابعون وجمهور المسلمين الأحكام التالية:
1- إباحة تعدد الزوجات حتى أربع كحد أعلى.
2- أن التعدد مشروط بالعدل بين الزوجات، ومن لم يكن متأكداً من قدرته على تحقيق العدل بين زوجاته؛ فإنه لا يجوز له أن يتزوج بأكثر من واحدة. ولو تزوج الرجل بأكثر من واحدة وهو واثق من عدم قدرته على العدل بينهن فإن الزواج صحيح وهو آثم.
3- العدل المشروط في الآية الأولى هو العدل المادي في المسكن والمأكل والمشرب والملبس والمبيت والمعاملة.
4- تضمنت الآية الأولى شرطاً ثالثاً هو القدرة على الإنفاق على الزوجة الثانية وأولادها، كما يظهر في تفسير قوله تعالى: {ألا تعولوا} أي لا تكثر عيالكم فتصبحوا غير قادرين على تأمين النفقة لهم. والأرجح أن العول الجور.
5- تفيد الآية الثانية أن العدل في الحب والميل القلبي بين النساء غير مستطاع، وأنه يجب على الزوج ألا ينصرف كلية عن زوجته فيذرها كالمعلقة، فلا هي ذات زوج ولا هي مطلقة، بل عليه أن يعاملها بالحسنى حتى يكسب مودتها، وأن الله لا يؤاخذه على بعض الميل إلا إذا أفرط في الجفاء، ومال كل الميل عن الزوجة الأولى([1]).
وكان رسول الله r يعدل كل العدل في الأمور المادية بين زوجاته ولكنه r كان يميل عاطفياً إلى زوجته السيدة عائشة رضي الله عنها أكثر من بقية زوجاته، وكان r يبرر ميله القلبي هذا بقوله: "اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك"([2]).
التعدد مع العدل بين النساء حسنة من حسنات الرجال إلى النساء بصفة خاصة وإلى المجتمع بصفة عامة([3]).
ويرى بعض الفقهاء أن للمرأة الحق في أن تشترط وقت زواجها أن لا يتزوج عليها، فإذا تم الزواج، ولم يلتزم الزوج فيما بعد بهذا الشرط كان للمرأة الحق في طلب الطلاق.
كما يظهر في النص الفقهي: (وإن تزوجها وشرط لها أن لا يتزوج عليها، فلها فراقه إذا تزوج عليها)([4]).
وإذا فات الزوجة أن تشترط هذا الشرط في عقد الزواج فإن لها الحق في طلب الطلاق إذا قصر زوجها في حق من حقوقها أو ألحق بها أذى.
ولا نختلف هنا على أن اشتراك امرأة مع امرأة أخرى أو أكثر في زوج واحد لا يريحها ولا يمنحها السعادة التي تنشدها في حياتها ولكن الضرر الذي يلحق بالمرأة عند اشتراكها مع غيرها في زوج واحد أقل كثيراً من الضرر الذي يلحق بها إذا بقيت بدون زواج.
ونرى هنا أن الغيرة عند بعض النساء تكون قوية جداً لدرجة أنها تسيطر على كل تصرفاتها، وتكون أشد ما تكون عند اقتران زوجها بامرأة أخرى، والغيرة أمر عاطفي بحت.
يظهر منها ثلاثة مشاعر مختلفة هي حب المرأة لزوجها، وأنانيتها المفرطة في الاستئثار به دون غيرها من النساء، ثم خوف المرأة على مستقبلها.
2- شروط تعدد الزوجات في الإسلام:
شرع الله I تعدد الزوجات وأباحه لعباده، وحددت الشريعة الإسلامية له شروطاً لا يجوز الأخذ به دونها وهي:
(أ) العدد.
(ب) النفقة.
(ج) العدل بين الزوجات.
(أ) العدد:
كان نظام تعدد الزوجات معروفاً ومباحاً قبل ظهور الإسلام وكانت الديانة اليهودية والديانات الوضعية مثل الوثنية والمجوسية والبوذية تبيح التعدد بغير تحديد للعدد.
ولم يرد في الديانة المسيحية نص صريح يمنع إتباع هذه الديانة من التزوج بامرأتين أو أكثر([5]).
وكان نظام تعدد الزوجات معروفاً لدى القبائل العربية في الجاهلية ولم تكن له آنذاك ضوابط معينة ولا حدود معروفة.
وقد تضمن الحديث النبوي الشريف عدة شواهد على وجود التعدد لدى العرب قبل الإسلام على هذا النحو غير المحدد، ومنها:
1- روي عن قيس بن ثابت([6]) أنه قال: أسلمت وعندي ثمان نسوة، فذكرت ذلك للنبي r، فقال: "اختر منهن أربعاً"([7]).
2- وروي أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وتحته عشر نسوة، فقال له النبي r: "اختر منهن أربعاً وفارق سائرهن"([8]).
3- وروي عن نوفل بن معاوية أنه قال: أسلمت وتحتي خمس نسوة فسألت النبي r فقال: "فارق واحدة وأمسك أربعاً"([9]).
ولما ظهر الإسلام هذب التعدد، ووضع له الأسس والشروط المناسبة وقيده بالعدد، وجعله قاصراً على أربع زوجات فقط، وشدد فيه على العدل بين الزوجات في الأمور المادية التي يستطيع الإنسان القيام بها.
واشترط فيه قدرة الرجل على الإنفاق على زوجاته وأولاده.
ظهر هذا بوضوح في الآية الكريمة: {فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ}. [النساء: 3]
(ب) النفقة:
وتشمل النفقة الطعام والشراب والكسوة والمسكن والأثاث اللازم له ويجب أن تكون لدى الرجل الذي يقدم على الزواج بادئ ذي بدء القدرة المالية على الإنفاق على المرأة التي سيتزوج بها.
وإذا لم يكن لديه من أسباب الرزق ما يمكنه من الإنفاق عليها، فلا يجوز له شرعاً الإقدام على الزواج.
ويظهر هذا واضحاً جلياً في الحديث النبوي الشريف التالي: قال r: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة([10]) فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء"([11]).
وهكذا الأمر بالنسبة للرجل الذي لا يستطيع أن ينفق على أكثر من زوجة واحدة، فإنه لا يحل له شرعاً أن يتزوج بأخرى، فالنفقة على الزوجة أو الزوجات واجبة بالإجماع([12]).
كما يتبين وجوب النفقة على الزوجة في الحديث النبوي الشريف: "ألا وحقهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف"([13]).
ولا خلاف بين الفقهاء في أنه يجب على الرجل القيام بكل ما يلزم زوجته أو زوجاته من طعام مناسب ولبس ومسكن مناسب وما يتبع ذلك من احتياجات.
3- العدل بين الزوجات:
قال تعالى: {فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}. [النساء: 3]
والمراد بالعدل في هذه الآية الكريمة هو العدل الذي يستطيعه الإنسان ويقدر على تحقيقه، وهو التسوية بين الزوجات في المأكل والمشرب والملبس والمسكن والمبيت والمعاملة بما يليق بكل واحدة منهن أما العدل في الأمور التي لا يستطيعها الإنسان، ولا يقدر عليها مثل المحبة والميل القلبي، فالزوج ليس مطالباً به لأن هذا الأمر لا يندرج تحت الاختيار، وهو خارج عن إرادة الإنسان، والإنسان – بلا شك – لا يكلف إلا بما يقدر عليه كما يظهر في قوله تعالى: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} [البقرة: 286] والعدل والمحبة والميل القلبي هو الذي قال عنه الله سبحانه وتعالى: {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم}. [النساء: 129]
وإذا أقدم المسلم على التعدد وهو على يقين بعدم قدرته على العدل بين زوجاته في الأشياء المادية، وهي المعاملة والمأكل والمشرب والملبس والمسكن والمبيت، فهو آثم عند الله I، وكان من الواجب عليه ألا يتزوج بأكثر من واحدة.
وقد أكد رسول الله r وشدد على موضوع العدل بين الزوجات ووضح r عقاب الزوج الذي يقصر في حق من حقوق زوجاته فقال: "إذا كان عند الرجل امرأتان فلم يعدل بينهما، جاء يوم القيامة وشقه ساقط"([14]).
وإذا ثبت تقصير الزوج في حق زوجة من زوجاته، فإن لها الحق شرعاً في الشكوى إلى الحاكم، وهناك يطلب الحاكم من الزوج إمساك زوجته بالمعروف أو تسريحها بإحسان كما قال تعالى: {فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} [البقرة: 229].
وفي آية ثانية: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [البقرة: 231]
أما المبيت([15]) فهو أن يخصص الزوج لكل زوجة من زوجاته ليلة أو أكثر يبيت فيها معها في بيتها إذا كان لها بيت مستقل، أو في الحجرة الخاصة بها، ويتساوى في ذلك الصحيحة والمريضة والحائض والنفساء.
لأن القصد من المبيت هو الأنس الذي يحصل للزوجة، لأن الرجل يستمتع بزوجته دون حدوث الوطء فيستمتع كل منهما بالآخر بالنظر والملامسة والتقبيل وما إلى ذلك([16]).
ولا يلزم الزوج أن يجامع زوجته في ليلتها، ولا يجب عليه أن يساوي بين الزوجات في الجماع، وله أن يجامع بعضهن دون البعض الآخر، ولكن يستحب له أن يسوي بينهن في ذلك([17]).
والسنة في المبيت أن يكون لكل زوجة ليلة واحدة مع يومها([18]).
ويجوز أن يجعل القسم ليلتين ليلتين، أو ثلاثاً ثلاثاً، ولا يجوز الزيادة على ثلاث ليالٍ إلا برضى زوجاته([19]).
وإذا سافر الزوج سفراً يحتاج معه إلى مرافقة إحدى زوجاته فإن له الحق في اختيار من يريد أن ترافقه منهن وإذا رفضت زوجاته الأخريات ذلك، وتنازعن فيمن تسافر معه، فعند ذلك لابد للزوج أن يلجأ إلى الاقتراع، ومن وقعت عليها القرعة خرجت معه.
وكان رسول الله r يختار رفيقته في السفر من زوجاته بالقرعة كما جاء في حيث أم عائشة رضي الله عنها، وهو: أن النبي r كان إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه، وأيتهن خرج سهمها خرج بها معه([20]).
وإذا تزوج الزوج بامرأة أخرى، فإن كانت ثيباً أقام معها ثلاثة أيام وإن كانت بكراً أقام معها سبعة أيام، ولا يحق للزوجات الأخريات المطالبة بقضاء مثل هذه المدة عندهن([21]).
وأخيراً نقول: إن العدل بين الزوجات لا يعني مطلق التسوية بين الزوجتين أو الزوجات، بل العدل هنا هو إعطاء كل زوجة ما هي في حاجة إليه فعلاً إلى درجة الكفاية اللائقة بمثلها في الطعام والشراب والمسكن والملبس والمسكن.
(ج) مبررات تعدد الزوجات في الإسلام:
الإسلام نظام يتوافق مع فطرة الإنسان وتكوينه، وينسجم مع ضرورات حياته، ويعني الدين الإسلامي برعاية خلق الإنسان، ويحرص على نظافة المجتمع، ولا يسمح بقيام واقع مادي يؤدي إلى فساد الأخلاق وانحلال المجتمع([22]).
وقد أراد الله I أن يجعل الأسرة عماد الحياة وقاعدة العمران، وأساس نشأة المجتمعات، وقيام الحضارات، ولذلك أحاط الله I بنيان الأسرة بمجموعة من القواعد الثابتة والركائز الصلبة لحماية هذا البنيان مما قد يعتريه من وهن أو ضعف. ومن هذه القواعد تشريع نظام تعدد الزوجات.
والدين الإسلامي، وهو يبيح للمسلم أن يتزوج بأربع زوجات كحد أعلى لم يكن هدفه إشباع الرغبة الجنسية لدى الرجل.
4- موقف أعداء الإسلام من تعدد الزوجات:
إن نظام تعدد الزوجات نظام إلهي محكم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه لأن كل ما يأتينا من الله I عن طريق القرآن الكريم أو السنة النبوية المشرفة فهو حق لا باطل فيه. وإذا كان لتعدد الزوجات مساوئ كما يذكر بعض من كتب عن هذا النظام من أعداء الأمة الإسلامية فإن تلك المساوئ ناتجة عن قصورنا وسوء تطبيقنا للنظام، وإن ما يحدث في بعض حالات تعدد الزوجات من خلافات وظلم سببها هو تهاون الزوج وعدم عدالته وسوء معاملته لبعض زوجاته. هذا بالإضافة إلى ضعف الوازع الديني لدى بعض الزوجات الأمر الذي يدفعها إلى إثارة المشاكل مع زوجها وزوجاته الأخريات.
وفيما يلي بعض الشبه التي يثيرها أعداء الإسلام نحو نظام تعدد الزوجات وسنذكرها ونقوم بالرد عليها إن شاء الله رداً مقنعاً، وهي ولله الحمد شبه وليس حقائق كما سنرى. وهذه هي الشبه:
1- إباحة الدين الإسلامي للرجل أن يعدد زوجاته وتحريم ذلك على المرأة.
2- يكون الزواج بأكثر من امرأة سبباً في إثارة الخصام والنزاع بين أفراد الأسرة الواحدة الأمر الذي يؤدي إلى تفكك الأسرة، وتشرد الأطفال. وبمعنى آخر يكون التعدد سبباً للعداوة بين زوجات الرجل الواحد وتنتقل العداوة بالتالي إلى أولادهن.
3- إن في تعدد الزوجات ظلماً للمرأة وهضماً لحقوقها وإهداراً لكرامتها ووسيلة لتسلط الرجل عليها من أجل إشباع شهواته.
4- يؤدي تعدد الزوجات إلى إهمال تربية النشء وتشردهم.
5- يكون تعدد الزوجات سبباً رئيساً في كثرة النسل، وكثرة النسل يؤدي إلى انتشار الفقر والبطالة في البلاد.
6- الظروف الاقتصادية في العصر الحديث لا تسمح للرجل بأن يعدد زوجاته لأنه هذا التعدد يفرض عليه أعباء مالية فهو سيطالب بالإنفاق على عدد من الزوجات والأولاد في الوقت الذي ازدادت فيه مطالب كل فرد وقلت الموارد المالية.
ونقول لأعداء الإسلام الذي يحاربون نظام تعدد الزوجات: إن الله I شرع التعدد، وأباحه لعباده، وأن التعدد سنة أنبياء الله عليهم أفضل الصلاة والسلام، فقد تزوجوا النساء، وجمعوا بينهن في حدود شريعة الله، وأنتم أيها المتحاملون على التعدد أعداء لله ورسوله وأعداء للمرأة نفسها، فالتعدد يكون في معظم الأحيان سياجاً يحمي الأسرة من التصدع، ويصون المرأة من الضياع والحرمان.
أما فيما يتعلق بالشبهة الأولى وهي أن الإسلام أباح للرجل أن يعدد زوجاته وحرم ذلك على المرأة فنقول: إن المساواة بين الرجل والمرأة في نظام الزواج لا ينبغي أن تكون مساواة مطلقة لاختلاف طبيعة كل من الرجل والمرأة، والمساواة بين مختلفين تعني ظلم أحدهما، فالمرأة خلق الله تعالى لها رحماً واحدة، وهي تحمل في وقت واحد ومرة واحدة في السنة ويكون لها تبعاً لذلك مولود واحد من رجل واحد. أما الرجل فغير ذلك من الممكن أن يكون له عدة أولاد من عدة زوجات، ينتسبون إليه ويتحمل مسئولية تربيتهم والإنفاق عليهم، وتعليمهم وعلاجهم وكل ما يتعلق بهم وبأمهاتهم من أمور.
أما المرأة فعندما تتزوج بثلاثة أو أربعة رجال، فمن من هؤلاء الرجال يتحمل مسئولية الحياة الزوجية؟ أيتحملها الزوج الأول؟ أو الزوج الثاني؟ أم يتحملها الأزواج الثلاثة أو الأربعة؟ ثم لمن ينتسب أولاد هذه المرأة متعددة الأزواج؟ أينتسبون لواحد من الأزواج؟ أم ينتسبون لهم جميعاً؟ أم تختار الزوجة أحد أزواجها فتلحق أولادها به؟[23].
وفي الحقيقة إن سنة الله I في خلقه جعلت نظام الزوج الواحد والزوجة الواحدة يصلح لكل من الرجل والمرأة.
وجعلت نظام تعدد الأزواج لا يصلح للمرأة، بينما جعلت نظام تعدد الزوجات مناسباً جداً للرجل؛ فالمرأة – كما هو معروف- لها رحم واحد، فلو تزوجت بأكثر من رجل لأتى الجنين من دماء متفرقة، فيتعذر عند ذلك تحديد الشخص المسئول عنه اجتماعاً واقتصادياً وقانونياً. بينما صلحت طبيعة الرجل لأن يكون له عدة زوجات، فيأتي الجنين من نطفة واحدة، وبالتالي يكون والد هذا الجنين معروفاً ومسئولاً عنه مسئولية كاملة في جميع الأحوال.
وتقوم المسئولية الاجتماعية في نظام تعدد الزوجات على أساس رابطة الدم وهي رابطة طبيعية متينة، بينما يفتقر نظام تعدد الأزواج إلى أساس طبيعي تبني عليه الروابط الاجتماعية، لأن الإنسان بغير اقتصار المرأة على زوج واحد لا يستطيع أن يعرف الأصل الطبيعي له ولأولاده([24]).
كما أن تعدد الأزواج يمنع المرأة من أداء واجبات الزوجة بصورة متساوية وعادلة بين أزواجها سواء أكان ذلك في الواجبات المنزلية أو في العلاقات الجنسية وبخاصة وأنها تحيض لمدة خمسة أو سبعة أيام في كل شهر، وإذا حملت تمكث تسعة أشهر في معاناة جسدية تحول دون القيام بواجباتها نحو الرجال الذين تزوجوها.
وعند ذلك سيلجأ الأزواج إلى الخليلات من بنات الهوى أو يطلقونها فتعيش حياة قلقة غير مستقرة([25]).
وختاماً فإن المجتمع لا يستفيد شيئاً من نظام تعدد الأزواج للمرأة بعكس نظام تعدد الزوجات للرجل الذي يتيح فرص الزواج أمام كثيرات من العانسات والمطلقات والأرامل.
هذا إلى جانب أنه لو أبيح للمرأة أن تتزوج ثلاثة أو أربعة رجال لزاد عدد العانسات زيادة كبيرة وأصبح النساء في وضع اجتماعي لا يحسدن عليه([26]).
وهكذا فإنه ليس من العدالة في شيء أن يباح للمرأة أن تعدد أزواجها بحجة مساواتها بالرجل.
وليس عدلاً كذلك أن يحرم الرجل من صلاحيته في أن يعدد زوجاته بدعوى مساواته بالمرأة في حق الزواج، وسنرى في الصفحات القليلة لهذا البحث أن الله I قد أعطى الرجل صلاحية تعدد الزوجات لخير المرأة ومن أجل إسعادها، وزيادة فرص الزواج أمامها.
ونأتي بعد ذلك إلى الشبهة الثانية القائلة بأن تعدد الزوجات يؤدي إلى قيام النزاع بين أفراد الأسرة الواحدة نتيجة للعداوة بين زوجات الرجل الواحد وبين أولادهن فنقول:
إن هذا النزاع يرجع إلى الغيرة الطبيعية التي لا يمكن أن تتخلص منها النفوس البشرية، فالغيرة موجودة في كل مكان تتساوى فيه الفرص للأفراد، وهكذا تظهر الغيرة بين النساء في ظل نظام تعدد الزوجات والغيرة والحزن اللذين تحس بهما المرأة حين يتزوج زوجها بأخرى شيء عاطفي، والعاطفة لا يصح أن تقدم في أي أمر من الأمور على الشرع([27]).
والضرر الذي يلحق بالمرأة نتيجة للتعدد أخف بكثير من الأضرار التي تلحق بها في حالة بقائها بدون زوج.
ويلاحظ أن الغيرة بين الزوجات لم تمنع الرسول r ولم تمنع أصحابه من الأخذ بنظام تعدد الزوجات. وتحث العداوة كثيراً بين الزوجة الواحدة وبين أصحابه من الأخذ بنظام تعدد الزوجات.
وتحدث العداوة كثيراً بين الزوجة الواحدة وبين أقرباء زوجها، وقد ما يرجع ما يحدث من خلافات ومنازعات في بعض حالات تعدد الزوجات إلى تهاون الزوج وضعفه وعدم عدله وإنصافه في معاملة أهل بيته، هذا بالإضافة إلى ضعف الوازع الديني في نفوس بعض الزوجات بحيث لا يستطعن كبح جماح الغيرة، ومن ثم يعمدن إلى العمل على إلحاق الضرر بضرائرهن، وتعكير صفو الأسرة([28]).
كما يلاحظ أن النزاع بين الزوجات وبين الزوج إنما يحدث في الغالب من أجل الحصول على مطلب من مطالب الحياة الأسرية من مأكل وملبس ومسكن وما شابه ذلك. وقد يكون النزاع حول مكانة كل زوجة من زوجها، ومكانة ولد لدى والده.
ولهذه المنازعات شبيه في حالة وحدة الزوجة ففيه نجد الزوجة تتنازع مع زوجها في بعض الأحيان من أجل مكانتها عنده بالنسبة لأمه أو أخته.
وقد تختلف معه خلافاً حاداً يؤدي إلى الطلاق لأنه لم يوفر لها بعض ما تحتاج إليه من ملابس أو أثاث أو حلي.
ونرى أن علاج هذه المشكلات الأسرية يعتمد في الدرجة الأولى على شخصية الرجل وعلى قدرته على إدارة شؤون منزله، فإذا كان الرجل عادلاً حازماً فإن النزاع لا يجد طريقاً إلى منزله.
أما إذا كان ضعيف الشخصية فإن النزاع سيدب – بلا شك – بين أفراد أسرته، وسواءً أكان لديه زوجة واحدة أم عدة زوجات.
وقد تتألف الأسرة من زوج واحد وزوجة واحدة فقط وأولاد ولكن أمور هذه الأسرة ليست على ما يرام وذلك لوجود تنافر بين الزوجين أو لأن العلاقة الزوجية بينهما لم تقم على أساس سليم. أو يكون النزاع لسوء خلقهما معاً أو سوء خلق واحد منهما.
وتقول الشبهة الثالثة: إن في نظام تعدد الزوجات هضماً لحقوق المرأة، وإهداراً لكرامتها، وهذا كلام غير صحيح ألبتة، فتعدد الزوجات رحمة للنساء، وذلك لأن عدد الرجال الصالحين للزواج أقل بكثير من عدد النساء الصالحات للزواج كما مر بنا في ثنايا هذا البحث، ووجود المرأة كزوجة ثانية أو ثالثة أو حتى رابعة في أسرة خير لها من أن تكون بدون زواج.
ويقول أحد المفكرين الغربيين عن هذا الموضوع: (إن نظام الزواج بامرأة واحدة فقط وتطبيقه تطبيقاً صارماً قائم على أساس افتراض أن عدد أعضاء الجنسين متساوياً، وما دامت الحالة ليست كذلك، فإن في بقائه قسوة بالغة لأولئك اللاتي تضطرهن الظروف إلى البقاء عانسات)([29]).
كذلك نرى أن في التعدد صيانة للمرأة بجعلها زوجة فاضلة بدلاً من أن تكون خالية أو عشيقة. ويجب أن يعلم النساء أن اكتفاء الرجل بزوجة واحدة لا يحقق آمال الكثيرات من النساء اللواتي لهن الحق في أن يكن زوجات وأمهات وربات بيوت. وعدم أخذ الرجال بنظام التعدد يؤدي إلى بقاء الكثيرات من النساء بلا زواج ولا أولاد ولا أسر، وهذا يمثل خطراً كبيراً على المرأة نفسها وعلى المجتمع الذي تعيش فيه([30]).
وليس في إباحة الإسلام لتعدد الزوجات ظلماً للمرأة ولا هضماً لحقوقها فقد أعطاها الإسلام الحق في أن تشترط في عقد الزواج أن لا يتزوج زوجها عليها، ويكون لها حسب هذا الشرط الخيار في أن تطالب بفسخ عقد الزواج إذا تزوج زوجها عليها لأن الزوج قد أخل بشرط من شروطه. أو ترضى بالأمر الواقع وتقبل بمشاركة غيرها لها في بيت الزوجية.
ولو فات الزوجة أن تشترط هذا الشرط في عقد الزواج فإن الشريعة الإسلامية تعطيها الحق في طلب الطلاق إذا قصر زوجها في حق من حقوقها([31]).
وإذا كان التعدد يلحق بعض الضرر بالمرأة التي يتزوج عليها زوجها، فإن منفعته مؤكدة للزوجة الجديدة، لأنها لم تقبل بالزواج من رجل متزوج في الأصل إلا لأنها لم تقبل بالزواج من رجل متزوج في الأصل إلا لأنها ترى في قبولها فائدة لها، وأن الضرر الذي ينالها كزوجة ثانية أقل بكثير من الأضرار التي ستتعرض لها إذا بقيت بدون زواج، والضرر الكثير يدفع – كما هو معروف شرعاً – بالضرر القليل.
ونأتي الآن إلى الشبهة الرابعة التي تقول أن التعدد يكون سبباً رئيسياً من إهمال تربية النشء، ونقول: إن الإهمال لا ينجم عن التعدد وحده بل إن له أسباباً كثيرة منها عدم مبالاة الأب بتربية أولاده أو انحرافه عن جادة الصواب بشرب الخمر أو تعاطي المخدرات أو لعب القمار أو مصاحبة رفقاء السوء وغير ذلك. وقد يكون الإهمال نتيجة لاختلاف وقع بين الزوجين حول أمر من الأمور المتعلقة بشئون الأسرة.
كما أن فقد الأطفال لمن يعولهم ويتعهدهم بالرعاية والتوجيه يعد سبباً من الأسباب التي تحول دون تربيتهم تربية سليمة.
وتقرر الشبهة الخامسة أن تعدد الزوجات يؤدي إلى كثرة النسل وكثرة النسل تؤدي إلى البطالة والفقر، وهذا بطبيعة الحال منطق غير سليم ومرفوض فكثرة النسل مع حسن التربية من أعظم عوامل قوة الأمة وازدهار حياتها وأوضح الأمثلة على ذلك اليابان والصين. والبطالة والفقر موجودان – كما نعلم – في بعض البلاد العربية والأفريقية واستراليا مع أن أرضها واسعة، ومواردها كثيرة، ولو أحسن أهلها استغلالها لزال الفقر واختفت البطالة، واستوعبت تلك البلاد أضعاف من يعيشون فيها.
أما الشبهة الأخيرة، وهي أن الظروف الاقتصادية في العصر الحديث لا تسمح للرجل بأن يعدد زوجاته لأن هذا التعدد يفرض عليه أعباءً مالية، فهو سيكون مطالباً بالإنفاق على عدد الزوجات والأولاد، في الوقت الذي ازدادت فيه مطالب كل فرد، وقلّت في الوقت نفسه الموارد المالية.
وأقول هنا: إن قضية تعدد الزوجات قضية اجتماعية ودينية وليست قضية اقتصادية، وأن المشكلات الاقتصادية التي تتعرض لها الأسرة عند تعدد الزوجات أهون بكثير من المشكلات الاجتماعية التي تتعرض لها الأسرة عندما يكون بها عانس أو مطلقة أو أرملة، والأرزاق بيد الله I، والإنسان لا يضمن رزقه في ظل نظام الزوجة الواحدة، حتى يشكو منه في ظل تعدد الزوجات.
وقد يكون للرجل الواحد زوجة واحدة ولكنها مسرفة مبذرة، وأكثر خطورة اقتصادية من أربع زوجات صالحات مدبرات لدى رجل آخر.
([1]) مصطفى السباعي " المرأة بين الفقه والقانون " بيروت 1982 ص97-98.
([2]) سنن الترمذي بيروت 1394 هـ، جـ3 ص304، وسنن أبي داود جـ1 ص333.
([3]) محمود شلتوت: الإسلام عقيدة وشريعة، القاهرة 1395هـ ص183.
([4]) ابن قدامة: المغني جـ6 ص548.
([5]) مصطفى السباعي: المرأة بين الفقه والقانون ص74، أحمد على طه: تعدد الزوجات القاهرة 1394 هـ ص8.
([6]) من سبل السلام، للصناعي جـ3 ص224: "قيس بن الحارث".
([8]) سنن الترمذي، جـ 3 ص435، سنن ابن ماجة جـ1 ص638.
([9]) الصنعاني: سبل السلام جـ3 ص224، ابن قدامة: المغني، جـ6 ص540.
([10]) الباءة: القدرة على تكاليف الزواج.
([11]) صحيح مسلم جـ9 ص172، وابن حجر: فتح الباري جـ9 ص112.
([12]) ابن قدامة: المغني جـ7 ص564.
([13]) ابن قدامة: المقنع جـ3 ص307.
([14]) سنن الترمذي جـ2 ص304، وسنن أب داود جـ1 ص333. وتعني عبارة "وشقه ساقط" أي أن نصفه مائل.
([15]) يلاحظ أن المبيت لدى الزوجة لا يعني بالضرورة حصول الجماع فيه بين الزوجين، لأن هذا الأمر خارج عن إرادة الإنسان، وعائد إلى القلب وعليه فإن الجماع ليس شرطاً من شروط العدل بين الزوجات. ابن حجر: فتح الباري جـ10 ص46.
([18]) ابن الأثير: جامع الأصول، بيروت 1392 هـ جـ11 ص515.
([19]) صحيح مسلم، جـ10 ص46-47.
([20]) سنن أبي داود جـ1 ص334، ابن الأثير: جامع الأصول جـ11 ص515.
([21]) صحيح مسلم، جـ10 ص44-45 والكلام للإمام النووي.
([22]) سيد قطب. في ظلال القرآن جـ1 ص579.
([23]) سعيد جندول: الجنس الناعم في ظل الإسلام، بيروت 1399 هـ ص73-74.
([24]) عبد الناصر العطار: تعدد الزوجات ص13-16.
([25]) محمد عبده: المسلمون والإسلام، القاهرة 1964م ص94.
([26]) العطار: تعدد الزوجات ص13-16.
([27]) زكي شعبان: الزواج والطلاق في الإسلام ص43.
([28]) محمد عبد الله عرفة: حقوق المرأة في الإسلام ص96.
([29]) محمد فتحي عثمان: الفكر الإسلامي والتطور ص232.
([30]) محمد عبد الله عرفة: حقوق المرأة في الإسلام ص87 وما بعدها.
([31]) أبو زهرة: تنظيم الإسلام للمجتمع ص76.
عدد القراء : 1156