shikh-img
رسالة الموقع
أول أيام شهر رمضان للعام 1442 هجري، هو يوم الثلاثاء الواقع فث 13/ 4/ 2021 ميلادي. تقبل الله منا و

تعليم الأجيال العلم النافع

الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان.

وعن زيد بن أرقم t أن رسول الله  rكان يقول: "اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها"([1]).

]اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد، واتقوا الله إن خبير بما تعملون[.

واعلموا أن الله يسر أسباب العلم لعباده ليتعرفوا عليه ويهتدوا إليه.

فجعل لهم وسائل للتعلم، وأبواباً للتفقه، ووعاءً للتأمل، قال تعالى: ]ولا تقف ما ليس لك به علم؛ إن السمع والبصر والفؤاد؛ كل أولئك كان عنه مسؤولاً[.

وقد عَلِمْنا أن رسول الله r أوجب على كل مكلف أن يطلب العلم، وجعل ذلك فريضة، فماذا نتعلم، ولماذا نتعلم؟.

تعالوا نجيب على الأسئلة الآتية:

أيود أحدكم أن تكون له أرض بورٌ لا نفع منها ولا شجر فيها، قاحلة لا ماء فيها ولا نبع؟، طبعاً: لا.

أيود أحدكم أن يكون له هيكل سيارة وشكلها الخارجي الذي لا يستفاد منه ولا حركة فيه؟، طبعاً: لا.

أيود أحدكم أن يمتلك صندوقاً كبيراً فيه من النقود وأنواع من العملات الأجنبية والمحلية ولكنها مزورة؟، طبعاً: لا.

أيود أحدكم أن تكون عنده مجموعة كبيرة من الشيكات السياحية المزركشة، وبطاقات الائتمان الملونة ، ولكن لا رصيد لها؟، طبعاً: لا.

أيود أحدكم أن يكون له مجرد مخطط بيت لا وجود له في أرض الواقع، وهو يدعي أنه يسكنه؟، طبعاً، لا.

كذلك هو شأن مَن يرضي من حياته أن يأكل ويشرب وينام، ويلهو ويلعب، دون أن يكون له هدف يسعى إليه، أو مقصد يرومه.

لم يخلقنا الله عبثاً، ولم يتركنا هملاً، خلقنا لنتعرف عليه، وأنزل إلينا كتبه وأرسل إلينا رسله ليرشدونا الطريق.

حتى أولئك الذين سلكوا دروب التعلم، وأخذوا بأسباب الحصول على العلم، إذا لم يكن لهم هدف أو غاية من تعلمهم فلا قيمة لسعيهم.

يقول تعالى: ]والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى وما خلق الذكر والأنثى؛ إن سعيكم لشتى[.

فاجعل لنفسك مقصداً، فقد خلقك الله لتتعرف عليه، قال تعالى: ]وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون[.

ولا تكن كمن يرضي من العلوم صورها، ومن المعارف أشكالها، ومن التربية ظاهرها.

هذا معه شهادة، وهذا تعلم الأتكيت.

ولعل هذا هو الغالب في مَن يشغل نفسه بحشو ذاكرته بالمعلومات النظرية، وقل ما يكون هناك مجال للتطبيق العملي.

ومن المؤسف أن يكون تقييم الإنسان واختباره بقدر ما يحمل عقله من معلومات مفيدة وغير مفيدة، معلومات قريبة وأخرى بعيدة.

مع أن المدنية المعاصرة قد طالعتنا بوسائل أكثر قدرة على حفظ المعلومات، وتخزين الملفات، وسرعة الوصول إلى المراد، فهل يقال عن تلكم الوسائل: إنها عالمة؟!!، قطعاً، لا.

القرآن الكريم جزء مما تحمله في جيبك عبر (الموبايل) الهاتف المحمول، فهل يقال: إن الجهاز حافظ للقرآن، لا يقول بهذا عاقل، ولا ذو لب سليم.

لأن الحافظ للقرآن: العامل به المطبق لأحكامه المتبع أوامره، المجتنب نواهيه، الذي يحمل العلم النافع.

فدققوا في الأهداف والمقاصد، والمآلات والنتائج:

إذ الهدف من تنشئة الأبناء: تربية إيمانية وعبادية ونفسية شاملة.

والهدف من التعليم: إعداده ليكون إنساناً صالحاً يقوم بحق الله، وحق نفسه، وحقوق أسرته، وحقوق المجتمع كله.

تعده ليأمنه الناس على أنفسهم ودمائهم وأموالهم وأعراضهم.

فالعلم في الإسلام هو العلم النافع الذي يخدم الإنسان في دنياه وآخرته، ويحقق الخير والصلاح لأبناء مجتمعه.

والعلم والتعلم إنما هو طريقة تفكير، وحسن أداء، وليس حفظ معلومات فحسب.

ولقد رغب الشارع الحكيم بالعلم النافع، واعتبر ما عداه زيادة لا قيمة لها، ومضيعة وقت لا فائدة منه، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، أن رسول الله r قال: "العلم ثلاثة، وما سوى ذلك فهو فضل: آية محكمة، أو سنة قائمة، أو فريضة عادلة"([2]).

الإحكام والإتقان، والعمل الواقعي، للوصول إلى العدل، ومن هنا كان العلم النافع يشمل كل علم يكون للأمة فيه خير وصلاح في معاشها، ومعادها، وليس العلم الشرعي فحسب.

ومن حرم العلم النافع فقد حُرِم خيراً كثيراً، ومن رزق العلم النافع فقد رزق أسباب السعادة.

به يعرف الهدى من الضلال، والحق من الباطل، والحلال من الحرام، والعلم النافع يدعو إلى العمل والتكاتف والتناصح والتعاون على الخير.

إنه يحقق سعادة دنيوية، ويورث في صاحبه خشية الله، قال تعالى: ]إنما يخشى الله من عباده العلماء[.

كلنا يحفظ قول الله تعالى: ] إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ[، وأغلبنا ينصرف نظره إلى أن المقصود منها هو علماء الشريعة أو الفقهاء أو المشايخ (المطاوعة)، مع أن سياق الآية يشير إلى غير ذلك تماماً.

تعالوا نتأمل الآيات الكريمة، يقول تعالى: ]أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنْ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنْ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ[

لذا فإن من الحكمة: الحرصُ على طلب العلم، واغتنامُ الوقت، والاستفادةُ من كل لحظة من لحظات الحياة في تحصيل ما ينفع.

وأجملْ بها من كلمةٍ قالها أمير المؤمنين‌ علي t: العِلْمُ كَثِيرٌ فَخُذُوا مِنْ كُلِّ شَي‌ءٍ أَحْسَنَهُ، ويقول‌ كذلك‌: العِلْمُ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْوَي‌، فَخُذُوا مِنْ كُلِّ شَي‌ءٍ أَحْسَنَهُ.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَهُ عَنْهُمَا: العِلْمُ كَثِيرٌ فَارْعَوْا أَحْسَنَهُ؛ أَمَا سَمِعْتُمْ قَوْلَ اللَهِ تَعَالَى‌: ]فَبَشّـِرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ[؟.

ومن‌ العجب‌ أنّ هذا المطلب‌ نفسَه قد نُقِْل‌ عن‌ (أينشتَين‌)، وما أدري أكان‌ ذلك‌ مجرّد تواردِ خواطر، أم‌ أنّ (أينشتَين‌) قد نقل‌ الفكرة عن‌ المسلمين؟.

يقول‌ أينشتَين‌: إنّ الإفراط‌ في‌ القراءة‌ (كثرة المعلومات وحفظ الكلمات) يسلب‌ قوّة‌ الابتكار من‌ العقل‌ بعد بلوغ‌ سنّ معيّنة‌؛ فمن‌ أفرط‌ في‌ القراءة‌ وأقلّ من‌ اعتماده‌ على‌ فكره (تأمله)‌، فإنّ فكره‌ سيصاب‌ بالخمول‌ والعجز.

العُمْرُ أَقْصَرُ مِنْ أَنْ تَعَلَّمَ كُلَّ مَا يَحْسُنُ بِكَ عِلْمُهُ: فَتَعَلَّمِ الأَهَمَّ فَالأَهَمَّ.

إنه قول العباقرة عبر التاريخ والجهابذة عبر السنين، وهذا شأن العلماء الأفذاذ والصحابة والتابعين رضي الله عنهم وأرضاهم.

جاء عن عمر بن الخطاب t أنَّه قال إنَّه كان له جار من الأنصار هو عقبة بن عامر الجهني t وكان هو وإيَّاه يتناوبان النـزول إلى رسول الله r، هذا يحضر يوماً، وهذا يحضر يوماً، فإذا حضر صاحب النوبة سمع من رسول الله r ما سمع في ذلك اليوم، فإذا رجع إلى بيته التقى بجاره الأنصاري فأبلغه ما كان سمعه من رسول الله r وهكذا الأنصاري إذا نزل في نوبته وسمع من رسول الله r ما سمع من الحق والهدى ثمَّ رجع إلى منـزله أخبر جاره عمر بن الخطاب t بما حصَّله وبما سمعه من رسول الله r من العلم في هذا اليوم.

لم يشغلهم التفرغ للعلم عن ممارسة العمل، ولم تشغلهم أعمالهم الدنيوية عن طلب العلم النافع، بل كانوا يقرنون العلم مع العمل، يقول عبد الله ابن مسعود t: كنَّا إذا تعلمنا عشر آيات من القرآن لم نتجاوزهنَّ حتى نتعلَّم معانيهنَّ والعمل بهنَّ فتعلَّمنا العلم والعمل جميعاً.

طرق الاستفادة من العلم:

بالحرص على اقتناء الكتب النافعة التي تحتوي العلم الذي نحتاجه.

ثم تخصيص أوقات، لمطالعة الكتب النافعة.

يقول بعض العلماء يوصي ابنه في المحافظة على العلم وفي تحصيله:

وكنـز لا تخشى عليه لصاً             خفيف الحمل يوجد حيث كنت

فالجاه قد يأتي ويزول، والمال قد يضيع أو يُسرق ويذهب، ولكن العلم الذي يحفظه الإنسان لا يُخشى عليه ولا يذهب إلا بذهاب الإنسان، كما جاء عن النبي r: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه، ولكن يقبض العلم بموت العلماء".

يقول الشاعر:

يزيد بكثرة الإنفاق منه                 وينقص إذا عليه شددنا

فأكسبوا أبنائكم فضيلة المطالعة النافعة والرغبة في الازدياد من العلم النافع والعمل الصالح، واستغلال أوقات الفراغ على وجه مفيد تزدهر به شخصية الفرد وأحوال المجتمع.

وتجنبوا العلوم التي انقضى زمانها، أو التي لا طائل منها، أو التي تضر المسلم في دينه، أو توقعه في الشك والإلحاد، قال تعالى: ] وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ[[ الشورى: 14].

 

([1]) رواه مسلم.

([2]) روى أبو داود وابن ماجه.

عدد القراء : 1037