shikh-img
رسالة الموقع
أول أيام شهر رمضان للعام 1442 هجري، هو يوم الثلاثاء الواقع فث 13/ 4/ 2021 ميلادي. تقبل الله منا و

جهاد المرأة

 

 

في مثل الظروف التي تمر بها الأمة العربية والإسلامية من ضيق نفسي، وقلق فكري، وتخلف اقتصادي، وتشتت سياسي، وتجبر من العدو، واستكبار عالمي، دون مراعاة ذمة المسلمين والقيم التي يحملونها، أقول في مثل هذه الظروف يجدر بين الحين والحين التذكير بقضايا كبرى في عالم التشريع الإسلامي، ليبقى المسلمون على ثقة مما بين أيديهم من قيم الحق والعدل والحرية، ويزداد المؤمنون إيماناً.

ومن هذه القضايا الشائكة بسبب حساسييتها وإمكانية تطبيقها بل في شكل ترجمتها إلى أرض الواقع: جهاد المرأة.

وبما أن هناك حالة خاصة في أرض من أراضي الإسلام (فلسطين)، حالة من النفير العام، رغبت بالحديث عن هذا الموضوع، عرضاً تحليلياً عسى أن يكون نافعاً، فأستعين بالله وأقول:

 قال الله تعالى:}وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ{[الحج:78].

لا خلاف في أن كل ما جاء في القرآن الكريم من خطابٍ موجهٍ إلى المؤمنين والمسلمين - في صدد شؤونهم المتنوعة – بصيغة الجمع المذكر يُعَدُّ شاملاً للمرأة ما لم تكن فيه قرينة تخصيصية.

ولقد كرمت الشريعة الإسلامية المرأةَ تكريماً لم تظفر به في شريعة من الشرائع ولا قانون من القوانين، حيث أعلن القرآن الكريم المساواة التامة بين المرأة والرجل في القيمة الإنسانية، حيث يقول الله I: }يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا{[النساء:1].

كما ساوى الإسلام بين المرأة والرجل في واجب الإيمان والعمل الصالح، قال الله تعالى: }مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{ [النحل:97].

وفي شؤون المسؤولية والجزاء، وفي التكاليف الشرعية والحقوق المدنية بمختلف أنواعها، قال U: }الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ{[النور:2]، وقال I:}لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا{[النساء:7].

وفي وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ذكرها القرآن صراحة ليشير إلى مسؤوليتها الكاملة، حيث جعل لها شخصية مستقلة عن شخصية الرجل، قال الله I: }وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ{[التوبة:71].

وهناك آيات كثيرة اقتضاها سياق الكلام أو الوقائع والنوازل، تقرِّر اندراج المرأة في خطاب المسلمين والمؤمنين، ومشاركتها للرجل فيبناء الحياة سواء بسواء، عدا بعض استثناءات قليلة متصلة بخصوصيتها الأنثوية، (التكوين الجسدي الفيزيولوجي).

ولا ندري لماذا يُخرج الجاهلون المرأةَ من الأمر القرآني للمسلمين بالجهاد!!!؟

أو ليس الجهاد فريضة من الفرائض الشرعية؛ كالصلاة والصيام والزكاة والحج!!؟، بلى، بل إن الجهاد في سبيل الله هو ذروة سنام الأمر كله، فعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ t أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ:"الْجِهَادُ عَمُودُ الْإِسْلَامِ وَذُرْوَةُ سَنَامِهِ"([1]) وعن أبي هُرَيْرَةَ t قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ r فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يَعْدِلُ الْجِهَادَ، قَالَ:"لَا أَجِدُهُ"([2]).

وأوامر القرآن الكريم بقتال المشركين والكافرين جاءت – كسائر الأوامر القرآنية – بصيغة الجمع المذكر؛ لأنها موجهة إلى عامة المسلمين – ذكوراً وإناثاً – ولم يستثنِ القرآن أحداً من هذه الأوامر، إلا الضعيف والمريض وذا العاهة التي تحول بينه وبين المشاركة الفاعلة في الجهاد، قال تعالى: }كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ{[البقرة:216].

والخطاب موجهٌ إلى القادرين والقادرات على الجهاد؛ من المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، وإنما خوطب به الذكور من باب التغليب، نظير قوله تعالى:} يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى{[البقرة:178]، وقوله U:}كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ{[البقرة:180]، وقوله I: }يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ {[البقرة:183].

فلو أخرجنا المرأة من آية القتال لوجب أن نخرجها – قياساً – من آية القصاص، وآية الوصية، وآية الصيام، وهذا الإخراج والقياس يتنافى ويتناقض مع مبادئ الشرع ومقرارته.

وبتتبع السيرة النبوية نلاحظ أنه ومنذ البدايات الأولى للدعوة الإسلامية تألقت شخصية المرأة العربية المسلمة، في الإيمان بالله، والإيمان بضرورة العمل بالدعوة وتحمل صنوف التضحيات في سبيلها.

فهذه السيدة خديجة بنت خويلد زوج رسول الله r كانت أول المؤمنين على الإطلاق، وكانت الصحابية (سمية) أم (عمار بن ياسر) أول الشهداء، وعلى درب التضحية سارت (حمامة) أم (بلال الحبشي)، وامرأة مستضعفة يقال لها (زنيرة) عُذِّبت في الله حتى عميت، ولم يخالجها ريب فيما آمنت به –رضي الله عنهم-.

ورأينا المرأة تعتنق الدعوة وتدعو إليها، فكانت (فاطمة بنت الخطاب) سبباً في إسلام أخيها (عمر بن الخطاب) الذي أعز الله به الإسلام –رضي الله عنهم-.

وفي لوحة التاريخ: رأينا المرأة العربية تهاجر إلى الحبشة فراراً بعقيدتها، ثم تهاجر إلى المدينة المنورة، انتصاراً لدينها.

ومَن ذا الذي لا ينحني إعجاباً بالطفلة الناشئة (أسماء بنت أبي بكر الصديق)، وهي تقدم الزاد لرسول الله r وصاحبه وهما في الغار، حيث كانت تخوض – في وحشة الليل – بحراً من رمال الصحراء، ترفعها رافعة، وتخفضها خافضة، حتى ترتقى الجبل وتصل إلى الغار!!!؟.

وعندما شرع النبي r في قتال المشركين كانت المرأة في الميدان؛ تقوم بجميع الأعمال التكميلية وراء الجبهة، من سقي المحاربين، وعلاج الجرحى، وتمريض المرضى، وحفر القبور للشهداء، والإجهاز على الأعداء، والتحريض على القتال.

ومما يروى عن (أم أيمن) – رضي الله عنها – أنها كانت تصيح بالمنهزمين يوم أحد: هاتوا سيوفكم، وخذوا المغازل.

كما أجادت المرأة القتال، وسبقت فيه الشجعان، فقد قاتلت (أم سليم) ) – رضي الله عنها – يوم أحد، حين انهزم الرجال، وثبتت مع رسول الله r يوم حنين إذ تزلزلت الأقدام.

عَنْ أَنَسٍ t أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ ) – رضي الله عنها – اتَّخَذَتْ يَوْمَ حُنَيْنٍ خِنْجَرًا فَكَانَ مَعَهَا، فَرَآهَا أَبُو طَلْحَةَ t فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذِهِ أُمُّ سُلَيْمٍ مَعَهَا خِنْجَرٌ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ r:"مَا هَذَا الْخِنْجَرُ‍‍‍‍‍‍‍‍؟"، قَالَتْ: اتَّخَذْتُهُ؛ إِنْ دَنَا مِنِّي أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ بَقَرْتُ بِهِ بَطْنَهُ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ r يَضْحَكُ"([3]).

وتألقت (أم عمارة؛ نسيبة بنت كعب المازنية) في وقعة أحد، فانحازت إلى النبي r، وقاتلت دونه حتى جرحت، ويكفيها وسام شرف قول رسول الله r فيها: "ما التفت يميناً ولا شمالاً إلا وجدتها تقاتل دوني"([4])، وكانت ممَن شاركوا في قتل مسليمة الكذاب، في معركة شابت لهولها الوِلدان.

وفي معارك (اليرموك) و(إجنادين) و(القادسية) وغيرها من المعارك الفاصلة كان للمرأة النصيبالأوفى من الجهاد والقتال؛ من حيث القيام بالأعمال التكميلية وراء الجبهة ومباشرة القتال.

وفي الختام يجب أن نشير إلى أن الدفاع عن النفس فضلاً عن أنه حق وفريضة مقدسة، فهو غريزة جُبلت عليها الأحياء كلها من إنسان وحيوان.

والذين يمنعون المرأة من الدفاع عن نفسها ودينها ووطنها إنما يمنعونها من ممارسة حقها في الحياة، ويقدمونها غنيمة باردة جاهزة للمعتدين.

كيف ننكر على المرأة المسلمة أن تشارك شقيقها الرجل المسلم في صد العدوان ودحره!!!؟.

 

([1]) مسند الإمام أحمد، حديث  رقم (21036).

([2]) رواه البخاري، حديث  رقم (2577).

([3]) رواه الإمام مسلم، حديث  رقم (3374).

([4]) صفة الصفوة، الجوزي، 2/63، والطبقات الكبرى، ابن سعد، 8/415.

عدد القراء : 902