في أيام الغضب الشعبي
إن ما يجري هذه الأيام في الأراضي الفلسطينية المحتلة يدمع العين، يدمي القلب، ويحزن الفؤاد، ويبكي الصخر: أطفال في مقتبل أعمارهم، يستخدمون الحجارة للدفاع عن أهلهم وأرضهم ومقدساتهم، بدل الذهاب إلى المدارس لتلقي العلوم والمعارف التي هي من أهم الحقوق الواجبة لهم؛ دينياً واجتماعياً وعالمياً.
ولكن ماذا يفعلون، والمتكبر الظالم واقف بالمرصاد لكل تحرك منهم، أمام المدارس، وعلى نواصي الشوارع، وفي مداخل الحواري والأزقة، يقاتلهم خلف ترسانته الحديدية، ومن وراء جُدُر، ومن خلف المساتر، يكيل عليهم وابل من الرصاص الحي ويدعي أنه مطاطي ليغطي جرائمه، يقنص منهم العين الناظرة، واليد الفاعلة، والصدر المملوء بحب الاستشهاد، فلقد غيَّر العدو من خطته في المواجهة: من تكسير العظام إلى الإصابات المباشرة في المقتل.
أطفال ولكنهم أبطال، يعبرون عن إرادتهم ومشاعرهم، ويفعلون ما يميله عليهم إحساسهم المرهف، وشعورهم الدقيق؛ غضة أبدانهم، قوية قلوبهم، أسلحتهم ضعيفة، وإرادتهم قوية مدمرة، ترهب عدو الله وعدوهم.
وأمام عدسات الكاميرات العالمية تم إخراج فيلم وثائقي ضخم عنوانه (درة أمام رصاصة)، قصير في مدة عرضه، طويل في مضمونه، عميق الجذور في مدلوله، فيلم من إنتاج العدو الصهيوني الغاشم، وبرعاية أمريكية، ودعوات لإيقاف العنف الفلسطيني، وصمت عالمي (أوروبي)، وتبريرات غير منطقية ظهرت هنا وهناك، ومماطلة وتسويف من قادة العالمين العربي والإسلامي.
ولكن الموقف الشعبي العربي والإسلامي كان له شأن آخر، مسيرات غضب واحتجاج، وعبارات سخط، ولافتات تنديد، هذا ما استطاعه الرأي الشعبي، وهو لا يملك أكثر من ذلك، وانتظر المواقف الرسمية من حُكَّامه، في القمم الرسمية المتعاقبة؛ القمة العربية بمصر، ثم القمة الإسلامية بقطر، والموقف الواقعي في أرض فلسطين ما زال على حاله، بل ازداد خطورة وتدهوراً، فالصلف الإسرائيلي يزداد تعنتاً، والاستكبار العالمي يزداد تصلباً، والشعب الجريح بانتظارٍ وأملٍ في مخلص وملجأ.
وريثما يحين الوقت المناسب للتحرير الكامل، ويجيء الزمن الملائم للزحف الشامل، والتخلص من العدو الغاشم الغاصب، هناك بضع كلمات أحببت أن أذكرها؛ ليتذكر أولى الأولباب:
اثبتوا أيها الأبطال، جاهدوا في سبيل الله، قاوموا في سبيل الحق، دافعوا عن أهلكم، اصمدوا في وجه أعدائكم، والشعب العربي والإسلامي معكم، واعلموا أنه مهما تكن إرادة الحكام فلإن إرادة الشعوب تظل هي الأقوى، مهما طال الزمان واستطال الليل والظلام، فإن الفرج قريب وإن الصبح لآتٍ.
نهيب بأبنائنا، بشيوخنا، بشبابنا، بأطفالنا، برجالنا، بنسائنا، بكل فرد عربي حر أَبِيٍّ، وبكل مسلم غيور وَفِيٍّ، نهيب بالكل أن نعتصم بحبل الإيمان ولا نتفرق، أن نستمسك بحبل الدين ولا نتباغض، أن نتثبت بحبل الله المتين جميعاً، وأن نتعاون في الإطار الوطني والقومي ولا نتنافر؛ من أجل أن نكون يداً واحدة على العدو الآثم، ومن ورائه الاستكبار العالمي البغيض.
هذا، وإن لنا في تاريخنا العريق، وحضارتنا التليدة، ومن تعاوننا السابق عبر العصور، في خدمة الدين والعروبة، ما يحتم علينا الآن - أكثر من أي وقت مضى - أن نحافظ على عرى الود والأخوة والتعاون؛ لإنقاذ شعبنا، والحفاظ على أمتنا، والإبقاء على الكرامة الإنسانية مصونة الجانب،عزيزة الموقف، ضمن ما أراد الله I لحياة الإنسان في هذا الوجود.
تاريخنا المجيدحافل بالتعاون والتضامن، زاخر بالوفاء والتآخي، فالمسيحيون العرب هللوا للمسلمين العرب الفاتحين المخلِّصين لهم من الاستعمار الروماني، والتسلط الأجنبي الدخيل، استبشروا خيراً بوصول طلائع المسلمين إلى أرض الشام المباركة، وإلى مدينة القدس الشريفة، وقدَّموا مفاتيح المدينة ومفاتيح مقدساتها - المسيحية آنذاك - للخليفة المسلم العادل عمر بن الخطاب t عربون ولاء، وصلة تعاون، وضمان محبة.
وقد صان المسيحيون هذه العهود، وحافظوا على المواثيق، وأبدوا مشورتهم بشأن صلاح البلاد والعباد، واستكتبوا العهدة العمرية: بأن يبقى لهم دينهم، وتبقى لهم مقدساتهم، وبادلهم المسلمون الولاء بالولاء، والحب بالحب، والتعاون بالتعاون، والإخاء بالإخاء، ((لهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين)).
وصلى الخليفة عمر t خارج كنيسة القيامة؛ لئلا يطالب المسلمون من بعده بجعل المكان الذي صلى فيه عمر t مسجداً لهم، وإنما فعل أمير المؤمنين ذلك حفاظاً منه على مقدسات الديانات السماوية المعتمدة، ورعاية لحرمة الأخوة الدينية الشاملة.
ولو عدنا إلى التاريخ نستقصي الشواهد على مثل هذا التعاون لطال بنا المقام، وحسبنا أن نقول هو تعاون مسيحي إسلامي عربي، فما لنا - نحن إخوة العروبة - لا نجد اليوم مثل ذلك التعاون، ومثل هذه النُصْرة، والنجدة، والحمية، كان العربي يستصرخ أهله وعشيرته، ويستغيث بقبيلته، فيَهُبّ الجميع هبة رجل واحد، حاله في ألف رجل خير من ألف مقال واحتجاج وتنديد في رجل واحد!!!.
وما بناء الوحدة الوطنية كخيار استراتيجي متسق البنيان رسخ معالمه الرئيس الخالد حافظ الأسد، وتابع في المحافظة عليه الرئيس القائد بشار الأسد إلا دليل على عافية الوطن والأمة، فالكل مسؤول ومشارك في بناء التنمية الداخلية والخارجية.
إذا أردنا أن تظل القدس عربية، وفلسطين عربية، فلا بد من التعاون والتآزر بين العرب جميعاً؛ مسلميهم ومسيحييهم، وإلا فإن الرئيس الأمريكي الجديد سينفذ تعهده للصهاينة - الذي أوصله لسدة الحكم والرئاسة - بنقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس.
وبدون هذا التلاحم العربي (إسلاماً ومسيحيين) ومن ورائه الدعم الإسلامي ستتم لليهود مخططاتهم في هدم المسجد الأقصى، وسينفذ الصهاينة ما يحلمون به.
ولقد أدرك العدو الصهيوني هذه الحقيقة المدمرة له: التحام المسلمين والمسيحيين، فراح يقصف المدن والقرى المسيحية بفلسطين، وينشر في الصحف أن الفاعل هو المسلمون، ويفعل العكس، فيقصف المدن والقرى الإسلامية ويدعي أن المسيحيين هم الفاعلون.
فلنصحُ من غفلتنا، ولنفق من سباتنا، ولنتهيأ لليوم الموعود، يوم انطلاقة الشرارة الكبرى للتحرير الكامل والشامل، وما يجري اليوم في فلسطين إنما هو بداية الشرارة.
فلقد أشعل فتية الحجارة من جديد مصباح الأمل في نفوس العرب والمسلمين، وهم يذودون عن المسجد الأقصى، ويقفون في مواجهة آلة القمع الصهيونية المدججة بالسلاح الأمريكي.
وقفوا يدافعون وينافحون عن قدس الأقداس، مدينة السلام والمحبة، وسلاحهم الوحيد: الإيمان بالله I، وبأيديهم حجارة تفعل فعل حجارة سجيل، يتناولونها من أرض مباركة، ويقذفون بها أعداء الله والأوطان والإنسانية، فتجعلهم كعصف مأكول.
ولكن ماذا قدمنا - نحن معاشر العرب والمسلمين - لهم؟!!.
إن مسؤولية تحرير القدس لا تقع على عاتق الشعب الفلسطيني وحده، أو على الشعب العربي وحده، ولكنها مسؤولية المسلمين في كل مكان، وواجب الجميع أن يدافع عن المقدسات؛ كل بما يستطيع ويقدر، يقول الله I: } وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ{[الأنفال:60].
فلن تعيد المسجدَ الأقصى بياناتُ الاحتجاج.
ولن تحرر القدسَ قراراتُ الأمم المتحدة.
وبتأمل بخطابي الرئيس بشار الأسد في قمة القاهرة والدوحة، يدرك الناظر عمق الفكرة، وصدق الكلمة، ودقة التحليل، وبراعة الحكمة، في معالجة القضية موضع البحث.
فالقدس لن تعود إلا التلاحم والتعاون و الجهاد، بكل ما في هذا الكلمات من معنى.
يا قدس إنا قادمون، يا مسجدنا الأقصى المبارك إنا زاحفون.
نتوجه إلى الله U بألسنة صادقة، وقلوب خاشعة، وأعمال صالحة، أن يلهم حكام العرب والمسلمين التمسك بكتابه العزيز والعمل بسنة نبيه الكريم محمد r، ليكونوا قدوة لأبناء شعبهم، فينهضوا بأعباء الأمة وأثقالها، ويعيدوا الحقوق والكرامة للشعب المستضعف المظلوم، قال الله تعالى: } وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ{ [القصص:5].
بطاقة الباحث
الاسم: علاء الدين زعتري بن محمود
من مواليد: حلب 1385هـ/1965م.
المؤهلات العلمية:
- حصلت على الشهادة الثانوية في العلوم الشرعية من جمعية التعليم الشرعي بحلب بتقدير ممتاز، عام 1402هـ/1982م.
- حصلت على الإجازة في اللغة العربية والدراسات الإسلامية من كلية الدعوة الإسلامية بتقدير جيد جداً، عام 1406هـ/1986م.
- كما حصلت على الشهادة الثانوية التجارية من مديرية التربية بحلب عام 1407هـ/1987م.
- حصلت على دبلوم الدراسات العليا – شعبة القرآن الكريم وعلومه، من كلية الدعوة الإسلامية، بتقدير ممتاز، عام 1410هـ/1990م.
- حصلت على ماجستير الدراسات الإسلامية من كلية الدعوة الإسلامية، بتقدير ممتاز، وعنوان الرسالة العلمية: } النقود، وظائفها الأساسية وأحكامها الشرعية{، عام 1413هـ/1993م.
- حصلت على درجة الدكتوراه بتاريخ 6/أيار/2000م، وكان عنوان الأطروحة: } الخدمات المصرفية وموقف الشريعة الإسلامية منها{.
من الأعمال والوظائف التي يقوم بها الباحث:
- تدريس مادة الفقه الإسلامي بكلية الدعوة الإسلامية، فرع دمشق.
- تدريس مادة الاقتصاد الإسلامي والفقه الإسلامي بكلية الشريعة بمعهد طرابلس الجامعي للدراسات الإسلامية.
- تدريس مادة قواعد فقهية بكلية الشريعة والقانون بمجمع أبي النور الإسلامي بدمشق.
- خطيب ومدرس ديني بمساجد حلب منذ عام 1399هـ/1979م.
- مدير معهد لتحفيظ القرآن الكريم بحلب.
وللباحث أعمال مطبوعة، منها:
- إتمام فتح الخلاق بمكارم الأخلاق، دار العصماء، ودار إقبال، ودار العلوم الإنسانية. عدة طبعات منذ عام 1415هـ/1995م.
- تاريخ التشريع الإسلامي، دار إقبال، ودار العصماء، عدة طبعات منذ عام 1417هـ/1997م.
- معالم اقتصادية في حياة المسلم، معهد طرابلس الجامعي للدراسات الإسلامية، (1417هـ/1418هـ)، (1997م ـ 1998م).
- النقود، وظائفها الأساسية وأحكامها الشرعية، دار قتيبة، دمشق، 1416هـ/1996م.
عنوان المراس
إلى رئيس تحرير مجلة تشرين الأسبوعية الدكتور خلف محمد الجراد
مع جزيل الشكر وفائق الاحترام
سعادة الدكتور:
سبق أن أرسلت لكم موضوعاً (بحثاً انطباعياً) ليجد طريقه للنشر، ولكني أغفلت التعريف بنفسي، وعنواني، وها أنا ذا أكرر إرسال الموضوع مع نبذة عن سيرتي الذاتية؛ راجياً القبول.
O
في أيام الغضب الشعبي
الدكتور علاء الدين زعتري
إن ما يجري هذه الأيام في الأراضي الفلسطينية المحتلة يدمع العين، يدمي القلب، ويحزن الفؤاد، ويبكي الصخر: أطفال في مقتبل أعمارهم، يستخدمون الحجارة للدفاع عن أهلهم وأرضهم ومقدساتهم، بدل الذهاب إلى المدارس لتلقي العلوم والمعارف التي هي من أهم الحقوق الواجبة لهم؛ دينياً واجتماعياً وعالمياً.
ولكن ماذا يفعلون، والمتكبر الظالم واقف بالمرصاد لكل تحرك منهم، أمام المدارس، وعلى نواصي الشوارع، وفي مداخل الحواري والأزقة، يقاتلهم خلف ترسانته الحديدية، ومن وراء جُدُر، ومن خلف المساتر، يكيل عليهم وابل من الرصاص الحي ويدعي أنه مطاطي ليغطي جرائمه، يقنص منهم العين الناظرة، واليد الفاعلة، والصدر المملوء بحب الاستشهاد، فلقد غيَّر العدو من خطته في المواجهة: من تكسير العظام إلى الإصابات المباشرة في المقتل.
أطفال ولكنهم أبطال، يعبرون عن إرادتهم ومشاعرهم، ويفعلون ما يميله عليهم إحساسهم المرهف، وشعورهم الدقيق؛ غضة أبدانهم، قوية قلوبهم، أسلحتهم ضعيفة، وإرادتهم قوية مدمرة، ترهب عدو الله وعدوهم.
وأمام عدسات الكاميرات العالمية تم إخراج فيلم وثائقي ضخم عنوانه (درة أمام رصاصة)، قصير في مدة عرضه، طويل في مضمونه، عميق الجذور في مدلوله، فيلم من إنتاج العدو الصهيوني الغاشم، وبرعاية أمريكية، ودعوات لإيقاف العنف الفلسطيني، وصمت عالمي (أوروبي)، وتبريرات غير منطقية ظهرت هنا وهناك، ومماطلة وتسويف من قادة العالمين العربي والإسلامي.
ولكن الموقف الشعبي العربي والإسلامي كان له شأن آخر، مسيرات غضب واحتجاج، وعبارات سخط، ولافتات تنديد، هذا ما استطاعه الرأي الشعبي، وهو لا يملك أكثر من ذلك، وانتظر المواقف الرسمية من حُكَّامه، في القمم الرسمية المتعاقبة؛ القمة العربية بمصر، ثم القمة الإسلامية بقطر، والموقف الواقعي في أرض فلسطين ما زال على حاله، بل ازداد خطورة وتدهوراً، فالصلف الإسرائيلي يزداد تعنتاً، والاستكبار العالمي يزداد تصلباً، والشعب الجريح بانتظارٍ وأملٍ في مخلص وملجأ.
وريثما يحين الوقت المناسب للتحرير الكامل، ويجيء الزمن الملائم للزحف الشامل، والتخلص من العدو الغاشم الغاصب، هناك بضع كلمات أحببت أن أذكرها؛ ليتذكر أولى الأولباب:
اثبتوا أيها الأبطال، جاهدوا في سبيل الله، قاوموا في سبيل الحق، دافعوا عن أهلكم، اصمدوا في وجه أعدائكم، والشعب العربي والإسلامي معكم، واعلموا أنه مهما تكن إرادة الحكام فلإن إرادة الشعوب تظل هي الأقوى، مهما طال الزمان واستطال الليل والظلام، فإن الفرج قريب وإن الصبح لآتٍ.
نهيب بأبنائنا، بشيوخنا، بشبابنا، بأطفالنا، برجالنا، بنسائنا، بكل فرد عربي حر أَبِيٍّ، وبكل مسلم غيور وَفِيٍّ، نهيب بالكل أن نعتصم بحبل الإيمان ولا نتفرق، أن نستمسك بحبل الدين ولا نتباغض، أن نتثبت بحبل الله المتين جميعاً، وأن نتعاون في الإطار الوطني والقومي ولا نتنافر؛ من أجل أن نكون يداً واحدة على العدو الآثم، ومن ورائه الاستكبار العالمي البغيض.
هذا، وإن لنا في تاريخنا العريق، وحضارتنا التليدة، ومن تعاوننا السابق عبر العصور، في خدمة الدين والعروبة، ما يحتم علينا الآن - أكثر من أي وقت مضى - أن نحافظ على عرى الود والأخوة والتعاون؛ لإنقاذ شعبنا، والحفاظ على أمتنا، والإبقاء على الكرامة الإنسانية مصونة الجانب،عزيزة الموقف، ضمن ما أراد الله I لحياة الإنسان في هذا الوجود.
تاريخنا المجيدحافل بالتعاون والتضامن، زاخر بالوفاء والتآخي، فالمسيحيون العرب هللوا للمسلمين العرب الفاتحين المخلِّصين لهم من الاستعمار الروماني، والتسلط الأجنبي الدخيل، استبشروا خيراً بوصول طلائع المسلمين إلى أرض الشام المباركة، وإلى مدينة القدس الشريفة، وقدَّموا مفاتيح المدينة ومفاتيح مقدساتها - المسيحية آنذاك - للخليفة المسلم العادل عمر بن الخطاب t عربون ولاء، وصلة تعاون، وضمان محبة.
وقد صان المسيحيون هذه العهود، وحافظوا على المواثيق، وأبدوا مشورتهم بشأن صلاح البلاد والعباد، واستكتبوا العهدة العمرية: بأن يبقى لهم دينهم، وتبقى لهم مقدساتهم، وبادلهم المسلمون الولاء بالولاء، والحب بالحب، والتعاون بالتعاون، والإخاء بالإخاء، ((لهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين)).
وصلى الخليفة عمر t خارج كنيسة القيامة؛ لئلا يطالب المسلمون من بعده بجعل المكان الذي صلى فيه عمر t مسجداً لهم، وإنما فعل أمير المؤمنين ذلك حفاظاً منه على مقدسات الديانات السماوية المعتمدة، ورعاية لحرمة الأخوة الدينية الشاملة.
ولو عدنا إلى التاريخ نستقصي الشواهد على مثل هذا التعاون لطال بنا المقام، وحسبنا أن نقول هو تعاون مسيحي إسلامي عربي، فما لنا - نحن إخوة العروبة - لا نجد اليوم مثل ذلك التعاون، ومثل هذه النُصْرة، والنجدة، والحمية، كان العربي يستصرخ أهله وعشيرته، ويستغيث بقبيلته، فيَهُبّ الجميع هبة رجل واحد، حاله في ألف رجل خير من ألف مقال واحتجاج وتنديد في رجل واحد!!!.
وما بناء الوحدة الوطنية كخيار استراتيجي متسق البنيان رسخ معالمه الرئيس الخالد حافظ الأسد، وتابع في المحافظة عليه الرئيس القائد بشار الأسد إلا دليل على عافية الوطن والأمة، فالكل مسؤول ومشارك في بناء التنمية الداخلية والخارجية.
إذا أردنا أن تظل القدس عربية، وفلسطين عربية، فلا بد من التعاون والتآزر بين العرب جميعاً؛ مسلميهم ومسيحييهم، وإلا فإن الرئيس الأمريكي الجديد سينفذ تعهده للصهاينة - الذي أوصله لسدة الحكم والرئاسة - بنقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس.
وبدون هذا التلاحم العربي (إسلاماً ومسيحيين) ومن ورائه الدعم الإسلامي ستتم لليهود مخططاتهم في هدم المسجد الأقصى، وسينفذ الصهاينة ما يحلمون به.
ولقد أدرك العدو الصهيوني هذه الحقيقة المدمرة له: التحام المسلمين والمسيحيين، فراح يقصف المدن والقرى المسيحية بفلسطين، وينشر في الصحف أن الفاعل هو المسلمون، ويفعل العكس، فيقصف المدن والقرى الإسلامية ويدعي أن المسيحيين هم الفاعلون.
فلنصحُ من غفلتنا، ولنفق من سباتنا، ولنتهيأ لليوم الموعود، يوم انطلاقة الشرارة الكبرى للتحرير الكامل والشامل، وما يجري اليوم في فلسطين إنما هو بداية الشرارة.
فلقد أشعل فتية الحجارة من جديد مصباح الأمل في نفوس العرب والمسلمين، وهم يذودون عن المسجد الأقصى، ويقفون في مواجهة آلة القمع الصهيونية المدججة بالسلاح الأمريكي.
وقفوا يدافعون وينافحون عن قدس الأقداس، مدينة السلام والمحبة، وسلاحهم الوحيد: الإيمان بالله I، وبأيديهم حجارة تفعل فعل حجارة سجيل، يتناولونها من أرض مباركة، ويقذفون بها أعداء الله والأوطان والإنسانية، فتجعلهم كعصف مأكول.
ولكن ماذا قدمنا - نحن معاشر العرب والمسلمين - لهم؟!!.
إن مسؤولية تحرير القدس لا تقع على عاتق الشعب الفلسطيني وحده، أو على الشعب العربي وحده، ولكنها مسؤولية المسلمين في كل مكان، وواجب الجميع أن يدافع عن المقدسات؛ كل بما يستطيع ويقدر، يقول الله I: } وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ{[الأنفال:60].
فلن تعيد المسجدَ الأقصى بياناتُ الاحتجاج.
ولن تحرر القدسَ قراراتُ الأمم المتحدة.
وبتأمل بخطابي الرئيس بشار الأسد في قمة القاهرة والدوحة، يدرك الناظر عمق الفكرة، وصدق الكلمة، ودقة التحليل، وبراعة الحكمة، في معالجة القضية موضع البحث.
فالقدس لن تعود إلا التلاحم والتعاون و الجهاد، بكل ما في هذا الكلمات من معنى.
يا قدس إنا قادمون، يا مسجدنا الأقصى المبارك إنا زاحفون.
نتوجه إلى الله U بألسنة صادقة، وقلوب خاشعة، وأعمال صالحة، أن يلهم حكام العرب والمسلمين التمسك بكتابه العزيز والعمل بسنة نبيه الكريم محمد r، ليكونوا قدوة لأبناء شعبهم، فينهضوا بأعباء الأمة وأثقالها، ويعيدوا الحقوق والكرامة للشعب المستضعف المظلوم، قال الله تعالى: } وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ{ [القصص:5].
عدد القراء : 1143