shikh-img
رسالة الموقع
أول أيام شهر رمضان للعام 1442 هجري، هو يوم الثلاثاء الواقع فث 13/ 4/ 2021 ميلادي. تقبل الله منا و

أهمية الوحدة بين المسلمين

 

أختار اليوم الحديث عن رسول الله r الموحد للأمة والجامع لكلمتها، فما أشبه اليوم بالأمس: كان العرب يقتتلون فيما بينهم؛ بلدان متفرقة، وقبائل متنازعة؛ الأوس والخزرج، غطفان وهوازن، وغيرهم.

وكان بعض العرب في الجاهلية  ـ كما اليوم  ـ يستعينون بالدول العظمى في زمانهم؛ الروم والفرس للتفوق على أبناء جلدتهم، وبني عمومتهم؛ حتى جاء رسول الله r الذي وحد الأمة بهد تمزق، وألف بين قلوب أبناءها بعد تنافر وتباعد، وجمع شتاتها بعد تفرق وتشرد.

جاء رسول الإسلام ليجعل الله فيه الخير كله، والعطاء بأكمله، والدين بأتمه، فلا يتبغي أن ينظر إلى مولد رسول الله r مجرد نظرة ولادة الجسد البشري؛ بل ولادة العقل الحكيم، والوعي الفهيم، والوحي القويم، والصراط المستقيم، والنور المبين، والكتاب المتين.

إن من ينظر إلى أمة العرب قبل الإسلام يرى تخلفاً، ويبصر تمزقاً، قبائلَ شتى، وخياماً مبعثرات، ونزاعات قاتلات، يتنازع ديارهم استخراب فارسي أو رومي أو حبشي.

إن من ينظر إلى أمة العرب قبل الإسلام يرى فقراً مدقعاً، وجهلاً مترعاً، ورباً متفشياً، والمرأة سلعة من السلع، وإذا قارن مع اليوم يرى الحال ذاته، والمرأة تباع مع السلع.

وما أصدق قول سيدنا عمر يوم جاء منتصراً فاتحاً ليستلم مفاتيح بيت المقدس؛ لم تأخذه نشوة النصر، وعزة التفوق: [لقد كنتم أذل الناس، وأحقر الناس، وأقل الناس؛ فأعزكم الله بالإسلام، ومهما تطلبوا العزة بغيره يذلكم الله].

فيا أيها المسلمون استفيدوا من حكم عظماء العرب والإسلام، وصادق دراساتهم، وصحيح تجاربهم، واجعلوها نبراساً لطريق الحياة، تهدي السبيل وتنير الطريق.

مقرين بمَن غيَّر حال العرب، وبدَّل شأنهم، ورفع قدرهم، وأعز قومهم؟، ورفع معهم الأمم والشعوب الأخرى، إنه الإسلام بتعاليمه، والرسول محمد r بمنهجه، والذي يحتفل المسلمون بيوم مولده.

إن مبادئ الإسلام وأحكام تشريعه هي التي أنعشت العروبة، وبعثت آمالها، وأكسبتها القوة، وضمت إليها أمم الأرض متعاونة متحابة.

لقد مرت على الأمة عقود من الزمان، ونحن نجرب النظم، ونتبنى الأفكار، من شرق أو غرب، فهلا جربنا الدين، وعملنا بالقرآن، واتبعنا سنة رسول الله r؛ ليتبدل حالنا، ويصلح شأننا، وتقوى شوكتنا، وما ذلك عن الواقع ببعيد؟!!

ألم تكن بلادنا مركز الإشعاع الحضاري إلى الشرق والغرب؟!!!.

فلم لا نعيد لها سيرتها الأولى؟!!!.

فيا أبناء الصديق، وأحفاد الفاروق، يا أبناء عمرَ بنِ عبد العزيز، وأحفاد صلاح الدين؛ اعلموا أنكم مسؤولون أمام الله عن وحدة كلمتكم، وعن متانة صفكم.

يا أبناء الوليد، وأحفاد الرشيد، يا مَن ترددونها أنشودة حولوها حقيقة؛ بالتمسك بالمبادئ الأصيلة، والقيم النبيلة، والأخلاق الفاضلة، والعمل الشريف، والدين الحنيف.

الله أكبر والعزة للإسلام، الله أكبر والنصر للإيمان، الله أكبر لن نسمح لعدو يمزق وحدتنا، الله أكبر لن نرضي لغريب يفرق كلمتنا، الله أكبر لن نقبل لدخيل يشق صفنا.

إن من أكبر المصائب التي ابتليت بها هذه الأمة وفتكت في سواعد قواها، وأطاحت برايات مجدها: الاختلاف والتفرق، وصدق الله عز وجل إذ يقول: ]يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَٱثْبُتُواْ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَـٰزَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَٱصْبِرُواْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ[ [الأنفال:45، 46].

لا يختلف اثنان، ولا يتناطح عنـزان في أن من أهم عوامل قوة أمة من الأمم: التوحد والكلمة الجامعة، فبالتوحد تنال الأمم مجدها، وتصل إلى مبتغاها، وتعيش حياة آمنة مطمئنة، بالكلمة الواحدة: تكون الأمة مرهوبة الجانب، مهيبة الحمى، عزيزة السلطان.

وفي سبيل التغلب على الواقع المؤلم الذي أوجده هذا التفرق وأفرزته هذه الإقليمية المقيتة لا بد من تنمية الوعي بأهمية الوحدة للمسلمين.

الإقليمية نقلت المسلمين من القوة إلى الضعف، ومن الغنى إلى الفقر، ومن الأخوة إلى العداوة، وولدت بينهم بؤراً بركانية قابلة للانفجار في أي لحظة.

إن ما ظفر به أعداء الأمة من سطو واستيلاء لا يرجع إلى خصائص القوة في أنفسهم بقدر ما يعود إلى آثار الوهن في صفوف أصحاب الحق، فالفرقة تجعل هلاك الأمة بيد أبنائها في سلاسل من الحروب في غير معركة، وانتصارات بغير عدو.

ألم تر أن جمع القوم يخشى                 وأن حريم واحدهم مبـاح

وصدق الله عز وجل إذ يقول: ]إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا[ [آل عمران:120].

قال قتادة: الحسنة هي الألفة والجماعة، والسيئة: الفرقة والاختلاف.

إننا بحاجة ماسة إلى بيان حكم الوحدة بين المسلمين، فواقع المسلمين اليوم، يشهد أنهم في غفلة تامة عن حكمها، فضلاً عن عجزهم عن تطبيقها، أو السعي إليها، والقليل منهم الذي وفقه الله لإدراك أهميتها، فعمل من أجلها وجاهد في سبيل تحقيقها.

حرموا هداية دينهم وعقولهم               هذا وربك غاية الخســران

تركوا هداية ربهم، فإذا بهم                 غرقى من الآراء في طوفان

ولا ننسى إن أهم خصائص هذه الأمة أنها أمة واحدة، قال الله عز وجل: ]وَإِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وٰحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱتَّقُونِ[ [المؤمنون:51]ن فالتوحد فرض شرعي، والتآخي واجب عملي.

ولقد تنوعت أساليب القرآن والسنة في الدلالة على وجوب الوحدة، فتارة تأمر بالوحدة أمراًِ صريحاً كما في قول الله عز وجل: ]وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُم أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مّنْهَا كَذٰلِكَ يُبَيّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ ءايَـٰتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ[ [آل عمران:103].

وختاماً: أرجوكم أن تعلموا أبناءكم فريضة التوحد مع المسلمين، وواجب التآخي فيما بين المؤمنين.

إن الجماعة حبـل الله فاعتصموا                    منه بعروته الوثقى لمن دانا

قال الشاعر:

وفي كثرة الأيدي عن الظلم زاجر           إذا حضرت أيدي الرجال بمشهد

فالوحدة سبيل العزة والنصرة، فهذا معن بن زائدة الذي وصفه الذهبي بقوله: أمير العرب وأحد أبطال الإسلام وعين الأجواد يوصي أبناءه عند وفاته بقوله:

كونوا جميعا يا بني إذا اعترى              خطب ولا تتفرقوا آحادا

تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا            وإذا افترقن تكسرت آحادا

فحركوا مشاعر المحبة بينكم، وأظهروا صور التآلف في حياتكم، لكون التوحد قريب المنال، والبدء من أسرتك، ومن المسجد، ومن الحي.

فالوحدة الفولاذية: قرآنية المنشأ، نبوية الأسلوب، سرت في الضمائر والقلوب ، حتى امتدت ليس من الخليج إلى المحيط، بل من المحيط إلى المحيط.

والقانون واحد لم يتغير ولن يتغير، سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً، ولن تجد لسنة الله تحويلاً

كلما قربنا من دين الله كانت العزة ووجد النصر، وكلما ابتعدنا عن دين الله كانت الهزيمة والخذلان

عدد القراء : 1013