التنجيم وادعاء علم الغيب
التنجيم وادعاء علم الغيب
إن من المسائل الكبرى التي بينها الله سبحانه وتعالى في كتابه أتم بيان وأوضحه أتم إيضاح، مسألة أن الله سبحانه وتعالى هو العالم بالغيب وحده، وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم معلماً لجميع الخلق أنه لا يعلم أحد من أهل السموات والأرض الغيب إلا الله وحده، فإنه هو المتفرد بذلك وحده لا شريك له قال تعالى: لاَّ يَعْلَمُ مَن فِى السَّمَاواتِ والأرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [النمل:65]، وقال تعالى: وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِى الْبَرّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِى ظُلُمَاتِ الأرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ [الأنعام:59]، وقال سبحانه: وَللَّهِ غَيْبُ السَّمَاواتِ وَالأرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [هود:123]، وقد أخبر سبحانه أن مفاتح الغيب عنده وبينها بقوله: إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِى الاْرْحَامِ وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ بِأَىّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلَيمٌ خَبِيرٌ [لقمان:34].
لقد نفي الله عز وجل عن كل أحد مهما علا قدره معرفته بالغيب إلا بما أطلعه الله عليه، فهؤلاء الملائكة الذين لا يعصون الله شيئاً، ويفعلون ما يؤمرون، الذين أخلصوا لعبادة الله، هؤلاء نفي الله عنهم علم الغيب، قال تعالى: وَعَلَّمَ ءادَمَ الاسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِى بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ [البقرة:31]، ولما كان الملائكة على جانب عظيم من العبادة، والمعرفة بحقوق الرب، وما يجب له، وما يجوز عليه، ومعرفتهم كذلك بأنفسهم ومقاديرهم قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ قَالَ يَاءادَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِم [البقرة:32، 33]، قال لهم بعد ذلك سبحانه وتعالى: أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ [البقرة:33].
وهؤلاء الجن، بين سبحانه وتعالى أنهم لا يعلمون الغيب فقال تعالى في قصة موت سليمان عليه الصلاة والسلام: فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُواْ فِى الْعَذَابِ الْمُهِينِ [سبأ:14]، كانت الجن تعمل بين يدي سليمان عليه الصلاة والسلام ويظنون أنه حي وهو ميت قد فارقت روحه جسده وهم ينظرون إليه ويبصرونه، ومع ذلك لا يشعرون بأنه قد مات منذ زمان بعيد، وهم يكدحون ويتعبون خائفين منه وكان وضعهم تحت يد سليمان يجعلهم يحاولون أن يجدوا المخرج والملجأ مما هم فيه من العذاب المهين، وهذا يدل على استنفار كل قواهم وأعوانهم حتى يظفروا بخبر مثل خبر وفاة سليمان عليه الصلاة والسلام، ومع هذا فهم لا يشعرون بأن هذا الذي ينتظرون وفاته قد مات وفات، فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُواْ فِى الْعَذَابِ الْمُهِينِ فحتى الجن لا يعلمون، وإذا كانت الملائكة وهم الصالحون المنزهون لا يعلمون الغيب، فكيف بالجن وفيهم المردة والشياطين والفساق والضلال فمن باب أولى أن يحجبوا عن معرفة علم الغيب.
أيها الإخوة، وإذا كان الملائكة والجن لا يعلمون الغيب، فما هو شأن الإنس وهل يعلمون الغيب؟ أم لا؟ هذا سؤال مهم؟
إذا نظرنا في القرآن نجده لا ينفي علم الغيب عن الإنس فحسب، بل ينفيه تعالى عن خير خلقه، وهم رسله صلوات الله وسلامه عليهم، حتى الرسل لا يعلمون الغيب قال تعالى: يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ [المائدة:109]، وقال أول الرسل نوح عليه الصلاة والسلام نافياً عن نفسه علم الغيب عندما ظن فيه قومه أنه قد يعلم الغيب قال: وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِندِى خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنّى مَلَكٌ [هود:31]، هذا أول الرسل ينفي عن نفسه علم الغيب، وهذا آخر الرسل صلى الله عليه وسلم محمد بن عبد الله يقول: وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِىَ السُّوء إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الأعراف:188]، وقال أيضاً: وَمَا أَدْرِى مَا يُفْعَلُ بِى وَلاَ بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَىَّ وَمَا أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ [الأحقاف:9]، فهذا حال الرسل أولهم وآخرهم ينفون عن أنفسهم معرفتهم بعلم الغيب ويقولون كلهم: لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ [المائدة:109]، وحتى أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نفي الله عنهم العلم بالغيب، ولم يطلعهم عليه، قال تعالى: مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِى مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاء [آل عمران:179].
فهؤلاء الملائكة والجن والرسل وأتباع الرسل ينفي الله عنهم علمهم بالغيب، وينفونه هم عن أنفسهم، فإن من علامات الإيمان بالله وكتبه ورسله أن ينفي المؤمن عن نفسه علم الغيب الملائكة يتبرؤون من علم الغيب ولا يدعونه.
فإذا كانت الجن والملائكة والإنس وعلى رأسهم الرسل لا يعلمون الغيب دل ذلك على تفرد الله سبحانه وتعالى بعلم الغيب، ولهذا تمدح سبحانه وتعالى نفسه بعلم الغيب واستئثاره به دون خلقه، واستثنى سبحانه وتعالى من ارتضاه من الرسل، فأطلعهم على ما شاء هو، لا ما شاءوا هم، فأطلعهم على بعض غيبه بطريق الوحي إليهم، قال تعالى: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً [الجن:26، 27].
فمن الذين يدعون علم الغيب الكهان، والعرافون، والمنجمون، والمشعوذون، وأصحاب الكشوفات بزعمهم، وينتشر كثير منهم في الأماكن العامة في بعض الدول، وقد يظهر ادعاء علم الغيب على صورة لعب، وهي لعب شيطانية، تخبر الإنسان بزعمهم عن اسمه وعن عدد أولاده، وماذا سيأتيه من أسئلة في الاختيار.
ومن الطرق التي تنتشر أحياناً لمعرفة الغيب والمستقبل قوم من المشعوذين يظهر عندهم الخط على الرمل، وآخرون يظهر عندهم قارئة الفنجان، وقارئة الكف.
الصحف والمجلات وغيرها من وسائل الاعلام وهذه من أوسع طرق نشر التنجيم، ويكون التنجيم عادة في هذه المجلات والصحف تحت عنوان "الأبراج" أو "أبراج الحظ" "الحظ والأبراج"، وهذا حرام لا يجوز لا يجوز كتابتها، نشرها، قراءتها، وأصبحت بعض الصحف والمجلات تنشر أرقاماً هاتفية للاتصال والسؤال عن الحظ وعن الأبراج بزعمهم، وهذا حرام لا يجوز.
والمنجم من جنس الكهان والعرافين وقد قال صلى الله عليه وسلم: “من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة”، هذا إذا أتى إلى المنجم أو الكاهن أو العراف الذين يدعون معرفة الغيب، أو أن بيدهم ضر أو نفع، إذا أتاهم فسألهم فقط “لم تقبل له صلاة أربعين ليلة” فإذا صدقهم فما حكمه؟ إذا صدق المنجمين وأبراج الحظ والنجوم، إذا صدق العرافين والكهان وكل من يدعى علم الغيب؟؟ هذا يكون كافراً بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم لقوله عليه الصلاة والسلام: “من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد” صلى الله عليه وسلم وإذا كان السائل بهذه الصورة فكيف بالمسؤول، لا شك في كفره وخروجه عن الملة بادعائه لعلم الغيب.
علينا أن نحذر هذه الأبواب الخطيرة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن أخوف ما أخاف على أمتي في آخر زمانها النجوم”
عدد القراء : 894