الإشارات الاقتصادية في الآيات القرآنية (2)
خلق لنا أرضاً، تنبت لنا الزرع والزيتون والنخيل والأغناب ومن كل الثمرات، وتنبع فيها الآبار، وتجري الأنهار بالماء الفرات.
خلق لنا سماء تظلنا فيها الشمس الساطعة والقمر الزاهر، والنجوم اللامعة تمدنا بالنور والحرارة والضياء وتهدينا سواء السبيل في الليلة الظلماء.
قال تعالى: {وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ(17) وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ(18)} [النحل: 16-18].
الله أوجدنا وأنشأنا وأطعمنا وسقانا ورزقنا، وأخضع لنا أغلب الكائنات وسخر لنا الحيوان وفضلنا على سائر الموجودات {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29].
{وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ} [النحل: 53].
هذه أصناف من نعم الله على عباده، وتلك أنواع من آلائه على خلقه.
وكان علينا شكره تعالى على ما أنعم، والثناء عليه بما تفضل، قال تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِي} [البقرة: 152].
أنعم الله علينا بالمال ليكون عوناً كريماً، ويساعد به فقيراً محروماً، فلا ينبغي أن نمسكه عن المشاريع النافعة أو نرسله في اللذات الفانية فيكون المآل أن يضيع المال وأن يحيط الفقر بالمسرفين.
{وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود: 17].
أنعم الله بالصحة والقوة لنسعى على أرزاقنا وأقواتنا، ونخدم بلادنا وأوطاننا، ونؤدي واجبات ديننا وشريعتنا فلا نتطاول بها على الضعفاء، ولا نؤذي البسطاء، ولا نضيعها في السهر واللهو والخلاعة والفجور، والمنكرات والشهوات، {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} [إبراهيم: 42].
القلب نعمة، به الفهم والمعرفة، والعلم والإدراك، فلا ينبغي أن تشوبه بالغل والحسد والحقد والضغينة والكراهية والبغضاء.
العين نعمة ترينا الموجودات، فلا ينبغي أن ننظر بها إلى المحرمات، أو نتلصص بها على العائلات أو نتبع بها الغاديات والرائحات {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور: 30].
السمع نعمة، توصل لنا الأخبار، فلا ينبغي أن نصغي به للغيبة والنميمة، والطعن في الأطهار، فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "المغتاب والمستمع شريكان في الإثم".
اللسان نعمة نتوصل به إلى التفاهم ونترجم به عما في الضمير، ونذكر به رب العالمين، ونأمر بالمعروف أو ننهى عن المنكر، فلا ينبغي أن نستعمله في السب والشتم والكذب والغيبة وترويج الباطل ونصرة الظالم.
الشكر صرف النعمة فيما خلقت له، واستعمالها فيما وجدت لأجله لتظهر فائدتها وتتحقق حكمتها، ويجني العباد ثمرتها.
قال الله تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7].
أمر الله عباده بشكره، ليؤمنوا بأن كل خير هو موليه، وكل فضل هو معطيه، وليوقنوا بأن الله هو الرزاق، ذو القوة المتين يعطي الخير لمن يشاء، ويمنح الفضل لمن أراد.
كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [فاطر: 3]، وكما قال تعالى: {قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [آل عمران: 73].
يقول الله تعالى: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا} [النساء: 147].
إن حديث (الثلاثة: أبرص وأقرع وأعمى) نموذج رائع للشاكر والكافر، وحال الناس أمام نعم الله سبحانه، فالشاكر قد استبقى نعمة الله عليه، والكافر قد استعجل الزوال.
عدد القراء : 1133