shikh-img
رسالة الموقع
أول أيام شهر رمضان للعام 1442 هجري، هو يوم الثلاثاء الواقع فث 13/ 4/ 2021 ميلادي. تقبل الله منا و

موقف الإسلام من العزل [وسائل موانع الحمل]

أولاً: النصوص الشرعية:

وردت أحاديث وأخبار صريحة بأن العزل كان موجوداً على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأنه جائز، منها ما يلي:

1- في الحديث المتفق عليه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والقرآن ينزل، أي : ولو كان هذا حراماً لنزلت في القرآن آية تحرمه، فلما لم يحدث دل على جوازه.

2- وجاء في سنن أبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: " لا يُعزل عن الحرة إلا بإذنها "، وهذا معناه أن العزل عن الزوجة الحرة جائز إذا وافقت عليه.

3- روي عن رفاعة بن رافع رضي الله عنه أنه جلس إلى عمر رضي الله عنه جماعة من الصحابة، فيهم علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وتذاكروا موضوع العزل، فقال عنه الإمام علي كرم الله وجهه: " لا بأس به "، فقال له رجل: إنهم يزعمون أنها المؤودة الصغرى؟، فَرَدَّ عليه الإمام علي قائلاً: لا تكون موؤدة حتى تمر على التارات السبع: تكون سلالة من طين، ثم تكون نطفة، ثم تكون علقة، ثم تكون مضغة، ثم تكون عظاماً، ثم تكون لحماً، ثم تكون خلقاً آخر، وسمع عمر رضي الله عنه ذلك فقال للإمام: " صدقت، أطال الله بقاءك ".

4- وفي الحديث الذي أخرجه مسلم أن جابر بن عبد الله روي أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسأله عن عزله عن جارية لا يريد لها أن تحمل، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " اعزل عنها إن شئت؛ فإنه سيأتيها ما قُدِّر لها ".

5- ويروي مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: " كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم ينهنا، ولو كان شيئاً يُنهى عنه لنهانا عنه القرآن ".

ثانياً: الأقوال المأثورة:

روى الحاكم في تاريخه، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "جهد البلاء: كثرة العيال مع قلة الشيء".

أي: إن الابتلاء يشتد ويصعب حين تكثر الذرية والأولاد لدى إنسان، ولا يتيسر له ما تحتاج إليه حياتهم وكثرة مطالبهم وتعدد حاجياتهم.

وورد عن الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه قال: "[قلة العيال أحد اليسارين].

ويفسرها ابن أبي الحديد في شرح كتاب نهج البلاغة: إن قلة العيال مع الفقر كاليسار الحقيقي مع كثرتهم.

وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: إن كثرة العيال أحد الفقرين، وقلة العيال أحد اليسارين.

والفقران هنا: قلة المال وكثرة العيال، واليساران هما : كثرة المال وقلة عدد الأولاد.

وقال عمرو بن العاص رضي الله عنه فاتح مصر لأهلها: يا معشر الناس؛ إياكم وخلالاً أربعاً فإنها تدعو إلى النَّصَب بعد الراحة، وإلى الضيق بعد السعة، والى المذلة بعد العزة؛ إياكم وكثرة العيال، وإخفاض الحال، وتضييع المال، والقيل بعد القال من غير إدراك ولا نوال.

وقال الإمام أبو حنيفة في مقطع من وصيته لتلميذه القاضي أبي يوسف: ولا تتزوج إلا بعد أن تَعْلَم أنك تقدر على القيام بجميع حوائج المرأة، ... واشتغل بالعلم في عنفوان شبابك ووقت فراغك وفراغ قلبك وخاطرك، ثم اشتغل بالمال ليجتمع عندك؛ فإن كثرة الولد والعيال تشوش البال، فإن جمعت المال فاشتغل بالتزوج.

ويفسر الإمام الشافعي قوله تعالى: {فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى أن لا تعولوا}[النساء: 3]، فيقول: ذلك أقرب ألا تكثر عيالكم، مما يدل على أن قلة العيال أولى.

ويؤيد ابن جرير الطبري هذا التفسير، حيث يقول: إن الزوجة الواحدة ستكون أهون على الرجال في العيال؛ لأن نسله سيكون من زوجة واحدة، بخلاف ما لو تزوج بأكثر، وكل زوجة جاءت بذرية؛ لأن الذرية ستكثر حينئذ بتعدد مواطن الإنجاب.

ثالثاً: النصوص الفقهية:

قال الشافعي رحمه الله :[ ونحن نروي عن عدد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنهم رخصوا في ذلك ولم يروا به بأساً].

وقد تكلم الإمام الغزالي عن طريقة منع الحمل المعروفة في وقتهم وهي العزل، والعزل هو: [منع التقاء المادة التناسلية من الزوج، بالمادة التناسلية من زوجته، بأن يقذفها خارج الرحم].

وأورد الإمام ابن القيم في كتابه زاد المعاد الأحاديث التي جاء فيها جواز العزل، ثم قال: [فهذه الأحاديث صريحة في جواز العزل].

ثم ذكر أن القول بجوازه وإباحته منسوب إلى عشرة من الصحابة هم: علي، وسعد، وأبو أيوب، وزيد بن ثابت، وجابر، وابن عباس، والحسن بن علي، وخباب، وأبو سعيد الخدري، وابن مسعود عليهم رضوان الله جميعاً.  

وذكر ابن عابدين عن [الخانيّة] والكمال بن الهمام: أنه يجوز للمرأة سد فم رحمها كما تفعله النساء؛ مخالفاً لما بحثه في [البحر] من أنه ينبغي أن يكون حراماً إن كان بغير إذن الزوج، قياساً على عزله بغير إذنها.

ويقول البجيرمي من فقهاء الشافعية: [وأما ما يبطئ الحبل مدة، ولا يقطعه من أصله فلا يحرم، كما هو ظاهر، بل إن كان لعذر كتربية ولد لم يكره أيضاً]. 

وجاء في مطالب أولي النهى: [ويجوز شرب دواء مباح لقطع حيض مع أمن الضرر، نصاً كالعزل ولو بلا إذن الزوج، على الصحيح من المذهب]. 

وذكر الإمام الشوكاني في كتابه نيل الأوطار: [أنه لا خلاف بين العلماء في جواز العزل؛ بشرط أن توافق الزوجة ... على ذلك؛ لأنها شريكةٌ في المعاشرة الزوجية].

ولقد عرف الناس مع تطور الأيام طرقاً أخرى غير العزل لمنع التقاء المادتين التناسليتين، وما دام الهدف من وراء هذه الطرق واحداً؛ فلا مانع إطلاقاً من قياس هذه الطرق على طريقة العزل التي كانت معروفة عند القدماء.

فإذا وجد الضرر حرم المنع لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا ضرر ولا ضرار".

وإذا لم يوجد الضرر فيكون الجواب على النحو التالي:

جواز منع الحمل بهذين الشرطين معاً:

ا) موافقة الزوجين لأن الولد حق لهما.

2) عند وجود ضرر لهما [الضرر المادى والخلقي].

فالمقصود الأساسي من هذا العزل هو البعد عن التلقيح، وقد قرر الفقهاء بأن إفساد المادة التناسلية قبل التلقيح لا يكون اعتداء على جنين بحال من الأحوال.

ومن الوسائل المشروعة لتنظيم النسل وسيلة غير مباشرة:

وذلك ما ورد في الحديث الشريف الذي ينهى فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن المعاشرة بين الزوجين فيما إذا كان لهما وليد يرضع، فقد روى أبو داود عن أسماء بنت يزيد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: " لا تقتلوا أولادكم سراً؛ فإن الغيل يدرك الفارس فيدعثره ".

والغيل [بفتح وسكون]: أن يعاشر الرجل زوجته إبان الرضاع معاشرة تفضي إلى حمل.

وإذا كانت مدة الرضاع الكامل سنتين بدليل قوله تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة} [البقرة 233]، ثم تأتي مدة الحمل تسعة أشهر فمعنى هذا أنه سيكون بين الولد السابق والولد التالي ثلاثة أعوام تقريباً، وهي مدة تستريح فيها الأم، وتعاون على تنظيم الأسرة بطريق غير مباشر.

عدد القراء : 2988