تنظيم النسل
فتاوى معاصرة في جواز تنظيم النسل:
1- في سنة /1953/ أصدرت لجنة الفتوى بالأزهر الشريف فتوى جاء فيها: [استعمال دواء لمنع الحمل مؤقتاً لا يحرم على رأي الشافعية، وبه تفتي اللجنة، ولا سيما إذا خيف من كثرة الحمل، أو ضعف المرأة من الحمل المتتابع بدون أن يكون بين الحمل والحمل فترة تستريح فيها المرأة وتسترد صحتها، والله تعالى يقول: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} [البقرة 185]، وقال: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} [الحج 78]،وأما استعمال الدواء لمنع الحمل أبداً فهو محرم].
2- في سنة /1959/ كتب العلامة محمود شلتوت يقول: [أما تحديد النسل بمعنى تنظيمه بالنسبة للسيدات اللواتي يسرع إليهن الحمل، وبالنسبة لذوي الأمراض المتنقلة، وبالنسبة للأفراد القلائل الذين تضعف أعصابهم عن مواجهة المسؤوليات الكثيرة ولا يجدون من حكوماتهم أو من الموسرين من أمتهم ما يقويهم على احتمال هذه المسؤوليات، إن تنظيم النسل بشئ من هذا - وهو تنظيم فردي لا يتعدى مجاله - شأن علاجي تدفع به أضرار محققة، ويكون به النسل القوي الصالح، والتنظيم بهذا المعنى لا يجافي الطبيعة ولا يأباه الوعي القومي، ولا تمنعه الشريعة، إن لم تكن تطلبه وتحث عليه].
إذاً: فتنظيم الأسرة في الشريعة الإسلامية مرتبط بالحاجة إليه عند الضرورة، على أن يتم ذلك بشكل اختياري وبقناعة ودون إجبار أو قهر، وأن يكون مرتبطاً بظروف وأوضاع الزوجين الصحية والاجتماعية والاقتصادية، ومن الضروري جداً أن يتحاور الزوجين في هذا الخصوص، ويتناقشا حتى يصلان إلى القرار المناسب.
ويجب أن لا نخلط بين تنظيم الأسرة المباح، ومفهوم تحديد النسل المحرم الذي يكون على مستوى الأمة ككل.
والشرط الشرعي لتنظيم الأسرة أن تكون الوسيلة المؤدية إلى ذلك مشروعة بحيث لا تستخدم وسائل محرمة.
أهمية التواصل بين الزوجين في اتخاذ القرار بخصوص البدء والاستمرارية باستخدام وسائل تنظيم الأسرة:
هذا، وإن من أهم العناصر التي يبنى عليها الزواج الناجح التفاهم والانسجام بين الزوجين في الآراء والمواقف، وهذا لن يأتي إلا عن طريق التواصل المستمر والفعّال بين الزوجين.
على أن يكون هذا التواصل مبنياً على احترام وتقدير كل طرف للآخر بحيث يؤدي في النهاية إلى اتخاذ قرارات مشتركة تخص مستقبل الزوجين والأسرة حسب ما يتفقان عليه.
ويجب أن لا تفترض الزوجة مسبقا عدم موافقة الزوج على أي فكرة دون أن تتحاور معه بشأنها، والعكس صحيح.
كما أن على الزوج أن يطلع على معلومات صحية ليتفهم خصوصية الاحتياجات النسائية، ليتمكن الرجل من الاشتراك مع زوجته في اختيار الوسيلة المناسبة والمساعدة في الاستخدام الصحيح لها، ودعم الزوجة في ذلك مما يمّكن المرأة من اتخاذ قرارها بخصوص استخدام وسيلة معينة من وسائل تنظيم الأسرة والاستمرار عليها.
أسباب ممارسة تنظيم النسل:
1- وجود مرض من الأمراض المعدية، عند الزوجين أو أحدهما.
2- الخوف على صحة الزوجة وسلامتها بسبب الحمل المتتابع.
3- الضعف الاقتصادي عند الزوج.
والإمام الغزالي يعبر عن هذا السبب في الإحياء بقوله: [الخوف من كثرة الحرج بسبب كثرة الأولاد، والاحتراز من الحاجة إلى التعب في الكسب، ودخول مداخل السوء، وهذا أيضاً غير منهي عنه، فإن قلة الحرج معينة على الدين].
توجيهات مهمة:
أولاً ـ الاتفاق على أن الدعوة إلى تنظيم الأسرة لا يجوز أن تكون دعوة إلى محاربة الزواج، أو محاربة النسل [الذرية] بحد ذاتها.
ثانياً ـ التسليم بأن حب الذرية أمر فطري، لا تقهره عقبات مصطنعة موضوعة في طريقه، فوجود الذرية بين البشر أمر لا بد منه، إلا أن القرآن الكريم يوجهنا إلى أن الذرية ينبغي لها أن تكون طيبة صالحة نافعة منتفعة.
فهذا زكريا عليه السلام تتقدم به السن، وامرأته عاقر، فيدعو الله أن يمن عليه بذرية صالحة طيبة: {هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء} [آل عمران 38].
وعباد الرحمن يدعون ربهم: {ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً} [الفرقان 74]، وقرة الأعين معناها: هدوؤها واطمئنانها، وهو كناية عن سرورها وسعادتها، وإنما تكون الذرية سبباً للسعادة والمسرة إذا كانت سليمة قوية سعيدة نافعة.
ثالثاً ـ هناك مفهوم خاطئ في أذهان كثيرين، وهو ظنهم أن كثرة الذرية [النسل] وحدها علامة على الرضى الإلهي والخير والبركة.
وليس على ذلك دليل عقلي أو نقلي؛ لأن الكثرة العددية تقع للصالحين والطالحين، وللمؤمنين والكافرين، بل إن المؤمنين قلة بالنسبة إلى الكافرين.
ولو تتبعنا مادة " الكثرة " ومادة " القِلة " في القرآن الكريم لوجدناه لا يمدح الكثرة لمجرد أنها كثرة، ولا يذم القلة لمجرد أنها قلة، بل على العكس يندد بالكثرة الطالحة وينوّه بالقلة الصالحة، فيقول تعالى: {كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله} [البقرة 279]، ويقول عزَّ وجلَّ: {قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث} [المائدة 100].
وهذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يندد بالكثرة الضعيفة: " يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها "، قالوا: أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: " بل أنتم حينئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور أعدائكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن "، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: " حب الدنيا وكراهية الموت ". أخرجه أبو داود.
رابعاً ـ ينبغي أن ينهض تنظيم الأسرة على أساس أنه عمل وقائي يسبق الحمل، ولا يقضي على الحمل بعد وجوده، وخاصة بعد نفخ الروح فيه.
خامساً ـ تجنب موضوع الإجهاض والإسقاط ما أمكن.
سادساً ـ تقليل عدد الذرية ليس الطريقة الوحيدة لمعالجة التضخم السكاني، فهناك طرق ووسائل أخرى كـ: مضاعفة الإنتاج، وتطوير الزراعة والصناعة، واستغلال كل ما يمكن استغلاله لإسعاد بني الإنسان.
سابعاً ـ يجب السعي لمعالجة المصابين والمصابات بالعقم، لكي يشعر الناس بالسعادة، وبصدق توجه دعوة تنظيم النسل؛ فليست الدعوة إلى تقليل، وإنما التنظيم هو المبتغى.
عدد القراء : 1075