shikh-img
رسالة الموقع
أول أيام شهر رمضان للعام 1442 هجري، هو يوم الثلاثاء الواقع فث 13/ 4/ 2021 ميلادي. تقبل الله منا و

أثر الإيمان في تحصين الأمة الإسلامية ضد الأفكار الهدامة

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70، 71].

هي دعوة للاعتصام بحبل الله المتين، والتمسك بهدي النبي الأمين، ومحبة العترة الطاهرة.

هي باعث أمل بالله إلى أصحاب القلوب اليائسة.

فالإيمان سبب قوى مؤثر في تخليص النفوس، وتحصين القلوب، وحفظ المجتمعات من جاهلية الأفكار الهدامة.

فالمؤمن إذا عرف هدفه، ورسم طريق توجهه، ونقطة انطلاقه؛ زاح عن كاهله هم كبير، وخرج من دوامة الحيرة، وانبعث في حياته طريق النجاة.

وليس المقصود الاقتصار على تعلم العقائد وأداء الشعائر، وترك الأسباب المشروعة للنهوض بالأمة، وإنما المقصود أن يتحول المعتقد إلى سلوك، والشعائر العبادية إلى عمل تطبيقي، وأثر اجتماعي، في التعاضد والوئام، والتراحم والانسجام.

وإذا مر على المسلمين حين من الدهر كانوا وما زالوا يعانون فيه من الغزو الفكري الخارجي، أقصد من غير الساحة الإسلامية، فإنهم اليوم يعانون أشد المعاناة من فكر يلبس لبوس الإسلام، وينطلق من الساحة القريبة، فاتكاً بما حوله، مشوهاً لأصالة الدين، ورحمته بالعالمين، فضلاً عن حبه للمؤمنين.

هل تستطيع جامعات عالمنا الإسلامي من وضع تصور (رؤية استراتيجية) لكيفية ترسيخ وجود الأمة بالمعنى الرسالي، وتحصين الأجيال من الأفكار المنحرفة، وتعديل السلوك إلى محبة خلق الله، والحرص على هدايتهم، بدل تكفيرهم.

إن المسلمين قد أخذوا مذاهب شتى في تصوراتهم لما ينبغي فعله في مقابلة هذا الواقع الأليم.

فمنهم من رأى أن مقارعة الأعداء لا تكون إلا بسلاحهم، فركّز على النواحي المادية والوسائل العصرية، والسيطرة على السلطة وامتلاك مراكز القوى والنفوذ والإعلام.. ونحوها.

ومنهم من ظن أن الحياة الدنيا لا نصيب للمؤمن فيها من العزة والتمكين، وامتلاك مصادر القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية، فانصرفوا إلى الانطواء والعمل الخاص، وأبعدوا من برامجهم النظر في السياسة والحياة.

ومن المسلمين من رعاه هول قوة ما يراه عند الآخرين من القوة المادية وأسباب التأثير والمكر ووسائل الإغواء، في مقابل ما يراه من حال المسلمين وما آل إليه من الضعف والانحراف واستحكام الجهل، مما أدى به إلى اليأس والقنوط.

بقراءة لتاريخ الأمة الإسلامية يُلاحظ أنها لا تقوم على أصل وحدة اللغة، أو وحدة العرق والعنصر البشري، أو الموقع الجغرافي، وإنما تقوم على أصل وحدة العقيدة وصفاء الإيمان.

وحدة العقيدة الشاملة الجامعة لما يحقق كرامة الإنسان وسعادته في الدنيا وفلاحه في الآخرة.

وصفاء الإيمان الذي يقرب بين البعيد والبعيد حتى لكأنهما أخوان، لأن وحدة الوسائل والغايات، ووحدة المطامح والآمال، ووحدة السلوك هي التي آخت بين القلب والقلب، وواشجت بين الروح والروح. 

ولم تكن أمة بلاءً، ولا سوط عذاب تهلك الحرث والنسل، لم تكن تعتمد شريعة الغاب في الهدم والتخريب.

وإنّما هي أمة أخرجت رحمة للعالمين، وبشير خلاص للناس أجمعين، وعامل ازدهار للبشرية جمعاء.

إن مصدر عظمة الأمة حين تضطلع بمهمتها الكبرى فتعمل – وفق أحكام الله – لأداء هذه الرسالة.

وإن مصدر شقائها حين تنحرف وتزيغ، وتمزقها الأهواء فتقعد عن القيام بدورها وبذلك تفقد مبرر وجودها الوحيد.

والمسلمون اليوم مدعوون لأن يقوم برسالة الإسلام العظمى، فالإسلام وحده هو الكفيل بإخراج الإنسان المعاصر من أزمته التي تؤدي به إلى الدمار، وهو الكفيل بصياغته من جديد، وإحلال التوازن في كيانه.

وما لم يتحول الإسلام في نفوس المسلمين من شعور فردي مقطوع الصلة بالحياة، لا يبنيها، ولا يقوّم ما اعوج منها، إلى شعور بالحس الإسلامي والإنساني فسيبقى حالهم أنهم غير جديرين بحمل الإسلام رسالة إنسانية.

ولكي يكون المسلمون خير أمة أخرجت للناس حقاً، عليهم أن يحققوا هذه الرسالة في خاصة أنفسهم، في واقع حياتهم وسلوكهم، وحينئذ يقوون على حمل الرسالة للعالمين وأدائها للبشرية أجمعين، وحينئذ يكونون شهداء على الناس كما وعدهم الله. 

صراع اليوم بين مشروعين: مشروع توحيدي إيماني، ومشروع تفكيكي تكفيري.

التفرق والخلاف هو الذي أذهب ريح هذه الأمة، فالأمة تواجه التفتت والتمزق الطائفي والمذهبي والفكري.

ومهمتنا عرض الصورة الصحيحة للإسلام والرد علي الافتراءات الكاذبة، والعمل على وضع قاعدة مشتركة للحوار بين أبناء الأمة بعيداً عن التشنجات الطائفية والمذهبية.

والأصل في المذاهب أنها في خدمة الدين، وليس العكس،

والإيمان الصحيح الراسخ المؤثر على صاحبه تطهيراً وتزكية وتحصيناً، هو الذي يقوم على العلم المستقى مما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الوحي.

فالعلم أساس هام في الإيمان بالله، وركن بارز في دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:108].

وشروط تحقيق نهضة الأمة وتحصينها ثلاثة:

الشرط الأول: الثقة بالله التي لا حدود لها، والاعتداد بالنفس الذي لا يهتز ولا يضعف، والعزيمة الماضية للتقدم والتنور، وإيمان بأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

والشرط الثاني: اكتساب العلم العملي النافع الذي تسارعت خطاه وتعاقبت ثوراته‏.‏

والشرط الثالث: العمل‏,‏ فالتغيير في أوضاع المجتمعات لا يتحقق إلا من خلال العمل الذي يحول كل السواعد والعقول إلى قوة محركة‏.

الصراع بين الحق والباطل من سنن الله الجارية إلى يوم القيامة.

وقد بين الله ذلك من حالهم بقوله: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة: 4].

وقال: {وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً} [البقرة: 213].

وقال: {وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُم} [آل عمران: 19].

وسبب اختلاف الناس بعد أن يأتيهم العلم والبينة، هو البغي كما بيّن الله ذلك بقوله: {بَغْياً بَيْنَهُمْ} [البقرة: 213].

والبغي هو: (طلب تجاوز الاقتصاد فيما يتحرى، فتارة يعتبر في القدر الذي هو الكمية، وتارة يعتبر في الوصف الذي هو الكيفية)([1]).

(والبغي المذموم هو تجاوز الحق إلى الباطل أو تجاوزه إلى الشبه)([2]).

فالاختلاف على هذا يكون سببه الظلم، والاعتداء، والطغيان في طلب العلم، حيث يؤدي إلى تجاوز العلم الذي أنزله الله، وتطلب الحق في غيره مما يقود إلى الاختلاف المذموم.

ومن الدوافع التي تدفع بعض طلاب العلم إلى هذا التجاوز هو تنافسهم في الدنيا وحب الرئاسة وحسد بعضهم لبعض، حيث عمد بعضهم إلى تلك العلوم الغريبة عن الوحي الإلهي ليتفوقوا بها على أقرانهم، ويأتوا بجديد يتميزون به.

وقد بين الله أنه يهدي المؤمنين إلى الحق الذي اختلف الناس في تعيينه بقوله: {فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ} [البقرة: 213].

وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه إذا قام من الليل قال: "اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختُلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم"([3]).

وقد بين الله تعالى أن الاختلاف هو الدافع للصراع بقوله: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [البقرة: 253].

وقد دل الدليل الشرعي، والدليل الواقعي على أنه كلما ازداد البيان والإيضاح ازداد الخلاف والتفرق والصراع، فهذه الرسالة الخاتمة جاءت ببيان واضح مفصّل تفصيلاً دقيقاً شاملاً لجميع نواحي الحياة.

قال الله تعالى: {وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً} [الإسراء:12].

وظل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة وعشرين عاماً يبين للناس الدين عقائده وشرائعه، على تؤدة وروية يبين لهم ما نزل إليهم من ربهم: {وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً} [الإسراء: 106].

حتى بلغ البلاغ المبين، وترك الناس على المحجة البيضاء ليلها كنهارها. وشربت نفوس الصحابة رضوان الله عليهم ذلك العلم، فعملوا به وعلّموه لمن بعدهم.

وظل هذا العلم والنور الإلهي ينقله من كل عصر عدوله، وبقي ظاهراً جلياً سليماً في جماعة من الناس محفوظاً بحفظ الله إلى أن يأتي أمر الله.

ورغم هذا البيان الواضح والحفظ للرسالة، سرت في الأمة الإسلامية سنة الله الجارية، وقضاؤه النافذ بوقوع الاختلاف بعد العلم والبينة، بسبب بغي الناس وتعديهم، وبفعل الطبائع الشريرة الحاقدة المعادية للخير.

فكان الخلاف في هذه الأمة أوسع منه فيمن قبلها، كما كان البيان فيها أوضح.

وقد حذر الله من التشبه بالأقدمين في الاختلاف والتفرق بقوله: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 105].

 

([1] )  المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني ص55.

([2] )  المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني ص55.

([3] ) رواه مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، ح (200) 1/534.

عدد القراء : 1335