إتقان العمل من الإيمان
الإحسان يشمل الحياة، والحضارات لا تبنى ولا تتقدم إلا بالإحسان:
- إحسان التخطيط.
- وإحسان التنفيذ.
- وإحسان التقدير.
فلسفة (دام)، الحروف الأولى من ثلاث كلمات.
والتي تعني: الدقة، والاهتمام، والمتابعة.
الحمدُ لله القائلِ: ]وأَحسنوا إنّ الله يُحب المحسنينْ[، والصلاة والسلام على رسول الحق الذي َيدعونا إلى إتقان العمل إذ قال r: "إن اللهَ يُحبُ إذا عَمِلَ أحُدكم عَملاً أن يُتَقُنه".
إن المجتمع والبيئة من حولنا يتغيران باستمرار.
والمنافسة تزداد، ونحن أمام تحديات وتطورات جغرافية ومعلوماتية وثقافية وتجارية واقتصادية وعسكرية لا حدود لها.
وهناك تيارات جارفة تتجه نحو ارتفاع شدة المنافسة بين مختلف المؤسسات والشركات والكيانات المختلفة؛ مما يستوجب التطور للتأقلم مع هذه التغيرات والتطورات السريعة والمتتالية والتعاملَ والتفاعلَ مع متغيرات العصر وهندسة استراتيجيات العمل مع الحفاظ على الثقافة والهوية اللتين نشأنا عليهما.
صفة الإتقان وصف الله بها نفسه لتنقل إلى عباده، قال تعالى: ]صنع الله الذي أتقن كل شئ[[النمل 88].
فقد خلق الله تعالى ]الإنسان في أحسن تقويم[ [التين: 4]، وهو ]الذي أحسنَ كل شيء خَلَقَهُ[[السجدة: 7]، وكذلك يريد لعباده إتقان الأعمال.
العمل شرف الحياة، وصيانة لكرامة الإنسان، وقيمة كل فرد تأتي من خلال ما يقدمه من عمل.
وأشد ما نحتاج إليه الآن هو ثقافة الإتقان.
والمسلم يفترض فيه أن تكون شخصيته إيجابية، مقبلة على الحياة، متفاعلة معها، وهو مطالب باستيفاء شروط الخلافة في الأرض، يقول تعالى: ]وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ[[الأنبياء: 105]، الصالحون لعمارتها وبنائها، قال تعالى: ]هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا[[هود: 61].
والمسلم مطالب في السعي في مناكبها إعماراً واستفادة مما فيها من ثروات وخيرات، ولا يتم الوصول إلى ذلك إلا بالعمل والعمل الجاد.
والإحسان إيجابية، والإتقان في المفهوم الإسلامي ليس هدفاً سلوكياً فحسب، بل هو ظاهرة حضارية تؤدي إلى رقي الجنس البشري، وعليه تقوم الحضارات، ويعمر الكون، وتثرى الحياة وتنعش.
وانتشار الصفات المناقضة للإتقان كالفوضى والتسيب وفقدان النظام وعدم المبالاة بقيمة الوقت والإهمال والغش والخديعة، وهذا منعكس في فقدان المسلمين للثقة في كل شئ ينتج في بلادهم مع ثقتهم في ما ينتج في غير بلاد المسلمين.
والمسلم مطالب بان يكون الإحسان هدفه، يقول تعالى: ]وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن[[الإسراء 53]، ويقول تعالى: ]ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون[[التوبة 121].
والمشكلة أننا نقر هذه المبادئ نظرياً ونحدث عنها كثيراً، ولكننا لا نترجمها في واقع مجتمعنا الذي يتميز بضعف الإنتاج، والتهرب من العمل، وعدم الإتقان بل يحمل قيماً فكرية نحو العمل مخالفة لمفهوم الإسلام.
قوانين الله في الكون، ويحسن التعامل معها والاستفادة منها.
تعود ظاهرة ضعف الإنتاجية إلى أسباب كثيرة؛ من أبرزها:
- العامل التربوي الذي ينشأ من التقصير في زرع حب العمل وبث قيمه في نفوس النشء منذ المرحلة التعليمية الأولى.
- المناخ الاجتماعي العام الذي تسود فيه روح الكسل والتواكل والعزوف عن بذل الجهد وإفراغ الوسع، والهروب من النهوض بمتطلبات الحياة من سعي من أجل الرزق، وكدح في سبيله، ومغالبة للصعاب ومجاهدة للنفس من أجل تطويعها لتحمل الأعباء ولأداء أمانة إعمار الأرض.
البعد عن الهدي الإسلامي في تنظيم شؤون الحياة.
مجتمعنا يحتاج إلى تغيير جذري في مفاهيم العمل وأهمية الإنتاج.
فمجتمع الحضارة والرفاهية والنظام والتخطيط والإنتاج والازدهار، وهو المجتمع المعصوم من الفوضى والتسيب، والمبرأ من الأمية والجهل والخرافة، وكل مظاهر التخلف الحضاري والعلمي.
- هو المجتمع الذي يربط الأسباب بالمسببات، والنتائج بالمقدمات، ويكتشف
الحل:
- اتباع المنهج التربوي الإسلامي القويم.
- إشاعة روح العمل والتشجيع عليه.
- تحبيب كل إنسان قادر على العمل فيه.
- إذكاء الحماسة في نفوس العاملين في مختلف ميادين العمل للابتكار وللمزيد من التفوق في الأداء، والإنجاز.
إتقان العمل روح الحضارة وعصب التقدم.
بل إن العلم هو نتاج الإتقان.
ولا يتربى الإنسان على الإحسان إلاّ إذا قصد مراعاة حق الإنسان وحق الأخوة في إحسان التعامل على قاعدة من الأمانة والصدق والإخلاص والتقوى والمسؤولية الاجتماعية المتجذرة في وجدانه وكيانه.
ومن اللافت للنظر، العلاقة اللغوية والعضوية، بين الإتقان وبين التقانة التي هي التكنولوجيا.
ولا سبيل إلى امتلاك شروط التقانة، إلا بإتقان العمل وإجادته والتفاني فيه.
وإتقان العمل من سمات المؤمنين الصادقين الذين وهبوا دنياهم لأخراهم، والذين استشعروا مراقبة الله لهم واطلاعه على أعمالهم.
إتقان العمل واجب شرعي، وبناء للوطن في المحصلة.
في الحديث: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه"، رواه أبو يعلى.
هناك علاقة متداخلة بين الإتقان والإحسان.
فالإتقان عمل يتعلق بالمهارات التي يكتسبها الإنسان.
والإحسان قوة داخلية تتربى في كيان المسلم، وتتعلق في ضميره وتترجم إلى مهارة يدوية.
فالإحسان أشمل وأعم دلالة من الإتقان؛ ولذلك كان هو المصطلح الذي ركز عليه القرآن والسنة.
حيث وردت كلمة الإحسان بمشتقاتها المختلفة مرات كثيرة في القرآن الكريم.
منها ما ورد بصيغة المصدر اثنتي عشرة مرة.
بينما وردت كلمة المحسنين ثلاثاً وثلاثين مرة.
وبصيغ اسم الفاعل أربع مرات.
واللافت للنظر أنها لم ترد بصيغة الأمر إلا مرة واحدة للجماعة: ]وأحسنوا إن الله يحب المحسنين[ [البقرة 195].
ورسول الله r ربط بين الإتقان والإحسان إذ يقول: "إن الله كتب الإحسان على كل شئ فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة"[سنن الترمذي، 1329]، فالإحسان هنا مرادف لكلمة الإتقان، وقد أراد رسول الله r أن يزرع الرحمة في قبل المسلم ويكسبه عادة الإتقان في العمل حتى ولو لم يكن للعمل آثار اجتماعية كالذبح الذي ينتهي بإتمام العمل كيفما كان.
فإحسان العمل في شتى المجالات، له أجره وثوابه عند الحق سبحانه وتعالى، قال تعالى: ]ياأيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون؟ كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون[[الصف:2 ـ 3 ]، وهذا رفض واضح وصريح للانفصام بين القول والفعل.
والسؤال هنا فيه استنكار وتبكيت لمن يقول شيئاً ويفعل غيره، وفيه وعيد ضمني وتهويل وإزراء بمن يعيشون الانفصام ويكون سلوكهم مناقضاً لما يعلنونه ويتحدثون عنه.
العمل على جودة المنتج:
إن الإحسان دعوة إلى إيجاد الشخصية المثلى، والتي تتجه حركة المجتمع وجهود التربية إلى إيجادها.
هذه الشخصية تمثل المثالية التي تحققت في واقع المجتمع المسلم في الماضي، ويمكن أن تتحقق في واقعنا إذا توافرت الشروط الموضوعية لتحقيقها.
وقد اختصر القرآن الكريم الصورة الإنسانية المثالية في آية واحدة؛ يقول تعالى: ]وقولوا للناس حسنا[[البقرة83].
وللوصول إلى شخصية المسلم يحتاج الأمر إلى مجاهدة شديدة للنفس تتحقق فيها صفات، منها قول الله تعالى: ]الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين[[آل عمران 134 ]
ولأن الإحسان مجاهدة وجهاد فإن الله معهم، قال تعالى: ]والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين[[العنكبوت 69].
وقد وصف الله سبحانه الأنبياء جميعاً بأنهم من المحسنين الذين يستحقون حسن الجزاء عند الله لأنهم كانوا يجاهدون أنفسهم خوفاً من الله وتقوى، يقول الله تعالى: ]إن المتقين في جنات وعيون آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون وفي أموالهم حق للسائل والمحروم[ [الذاريات 17-19]
فالله تعالى أرسل شعيباً برسالة الحق في المعاملات التجارية وعدم الغش ]وَأَقِيمُواْ الْوَزْنْ بِالْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُواْ الْمِيزَانَ[[الرحمن 9].
فالمعاملة مأخوذة من العمل، والعمل شامل، من معاملة الناس لبعضهم بعضا إلى إتقان العمل الذي نقوم به.
ومن وجوه إتقان العمل والإخلاص فيه: بذل النصيحة، وقد أشار رسول الله r إلى ذلك بقوله: "الدين النصيحة" رواه مسلم.
عدد القراء : 1578