shikh-img
رسالة الموقع
أول أيام شهر رمضان للعام 1442 هجري، هو يوم الثلاثاء الواقع فث 13/ 4/ 2021 ميلادي. تقبل الله منا و

من آثار الإيمان على حياة الناس:

تنقية قلوبهم من الحسد، وتصفيتها من الحقد والغل، واستلال الضغائن والسخائم منها؛ لتصبح الأمة كما قال رب العالمين: (أَشدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) هاهو –صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيح من رواية [أنس]، وكما في رواية [ابن اسحق] عن [أبي سعيد الخدري]، عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم-" أنه لما قسم غنائم حنين أعطى المهاجرين، وتألف قلوب بعض المشركين، ولم يعطِ الأنصار شيئًا، فوجدوا في أنفسهم، فقال قائلهم: وجد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قومه فنسينا، وقال الآخر: غفر الله لرسول الله، يعطي قريشًا ويتركنا، وسيوفنا تقطر من دمائهم، فيذهب أحدهم، بل سيد من ساداتهم؛ [سعد بن عبادة] إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ويقول وينقل المقالة إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كما روى: ما أنت؟ يعني أين موقفك أنت، حدِّد موقفك، هل أنت منهم؟ فيقول: يا رسول الله ما أنا إلاّ رجل من قومي، قد أقول ما يقولون -ما يعرفون الخداع، وما يعرفون الالتواء، إنما صرحاء أتقياء أنقياء-. فقال -صلى الله عليه وسلم-: اجمعهم لي، فجمعهم، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا معشر الأنصار؛ ما حديث بلغني عنكم، ألم آتيكم ضُلالا فهداكم الله بي؟ وفقراء فأغناكم الله بي؟ وأعداء فألف الله بين قلوبكم بي؟ فيقولون: الله ورسوله أمنّ، الله ورسوله أمنّ. قال: ألا تجيبوني يا معشر الأنصار، والله لو شئتم لقلتم فصدقتم وصُدِّقتم: أتيتنا مُكذَّبًا فصدقناك، ومخذولا فنصرناك، وطريدًا فآويناك، وعائلا فواسيناك، أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم على لعاعة من الدنيا تألفت بها قلوب أقوام ليسلموا، ووكلتكم إلى إسلامكم؟ والذي نفسي بيده، لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك الناس شِعْبًا وسلك الأنصار شعبًا لسلكت شعب الأنصار، اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار، أما ترضون أن يعود الناس بالشاة والبعير، وتعودون أنتم برسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فو الله لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به، ألا إنكم ستلقون بعدي أَثَرَة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض فبكى القوم حتى اخضلَّت لِحَاهُم بالدموع وهم يقولون: رضينا برسول الله قسمًا وحظًّا، رضينا برسول الله قسمًا وحظًّا." لسان حالهم

خذوا الشياة والجمال والبقر *** فقد أخذنا عنكم خير البشر

صلى الله عليه وسلم، أرأيت كيف استلَّ -صلى الله عليه وسلم- ما في قلوبهم، إنه لو لم يكن فيها إيمان لَمَ استلَّ ما في قلوبهم -رضوان الله عليهم جميعًا-.

وهاهو رسول الله -صلى الله عليه وسلم، كما في الصحيح- بين أصحابه فيقول: "يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلع رجل تنفض لحيته من آثار الوضوء، ثم قالها في اليوم الثاني، فطلع نفس الرجل، ثم قالها في اليوم الثالث فكان هو الرجل، فلحق به بعض صحابة رسول الله، وجلسوا معه أيامًا فلم يرَ في هذا الرجل كثير صلاة ولا صيام، فقال له بعد ثلاث ليال: لقد سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول كذا وكذا، ولم أرَك تعمل كثير عمل، قال: والله هو ما رأيت، غير أني لا أنام ليلة من الليالي وأنا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشًّشا، ولا أحسد أحدًا على خير أعطاه الله إياه، قال: بذلك بلغت ما بلغت، وتلك التي لا تُطاق -أو كما قال-، إنه الإيمان.

[الإمام الشافعي] -عليه رحمة الله- عوتب من قِبَل بعض المغرضين على زيارة [الإمام أحمد]، وهو أكبر منه سنًا، فقال ردًا على هؤلاء:

قالوا يزورك أحمد وتزوره *** قلت الفضائل لا تغادر منزله

إن زارني فلفضله أو زرته *** فلفضله فالفضل في الحالين له

رد على المعرضين، وكأنه يقول : كمدًا من مات من غيره منهم له كفن إنه الإيمان وكفى. ومن آثار الإيمان على حياة الناس أنه عصمة وحجاب عن المعاصي والشهوات والشبهات. يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما في الحديث الصحيح-:" لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن" إن المؤمن يا أيها الأحبة يقدِّم مراد الله على شهواته وعلى لذائذه، فييسر الله أمره، ويعصمه سبحانه وبحمده. ففي الأثر أن الله -سبحانه عز وجل- قال: "وعزتي وجلالي، ما من عبد آثر هواي على هواه - أي قدم مراد الله على شهوات نفسه وهواها - إلا أقللت همومه، وجمعت له ضيعته، ونزعت الفقر من قلبه، وجعلت الغنى بين عينيه، واستجرت له من وراء كل فاجر" الإيمان عصمة من الوقوع في المعاصي

هاهو الشاب القوي الحيِّي العالم، الذي يبلغ ثلاثين سنة؛ إنه [الربيع بن خُثَيْم]، يتمالى عليه فُسَّاق لإفساده، فيأتون بغانية جميلة، ويدفعون لها مبلغًا من المال قدره ألف دينار، فتقول: علام؟ قالوا: على قبلة واحدة من الربيع بن خثيم، قالت: ولكم فوق ذلك أن يزني؛ لأنه نقص عندها منسوب الإيمان، فما كان منها إلا أن تعرضت له في ساعة خلوة، وأبرزت مفاتنها له، فما كان منه إلا أن تقدم إليها يركض ويقول: يا أَمَة الله؛ كيف بك لو نزل ملك الموت فقطع منك حبل الوتين؟ أم كيف بك يوم يسألك منكر ونكير؟ أم كيف بك يوم تقفين بين يدَيْ الرب العظيم؟ أم كيف بك إن شقيتي يوم تُرْمَين في الجحيم؟ فصرخت وولَّت هاربة تائبة إلى الله، عابدة زاهدة حتى لقِّبت بعد ذلك بعابِدَة الكوفة، وكان يقول هؤلاء الفُسَّاق: لقد أفسدها علينا الربيع.

ما الذي ثبَّت الربيع أمام هذه الفتنة؟ هل قلة شهوة؟ إنها الشهوة العظيمة وفي سن هو أوج الشهوة وعظمتها هو سن الثلاثين، ومع ذلك ما الذي ثبته هنا، وما الذي عصمه بإذن الله؟ إنه الإيمان بالله –الذي لا إله إلا هو- .

فالإيمان –يا أيها الأحبة- كالجمرة متى ما نفخت بها أضاءت واشتعلت؛ فأصبحت إضاءتها عظيمة عظيمة، وحين ينقص منسوب الإيمان يقع الإنسان في الفواحش والآثام، يغرق في الشهوات، ثم يقع بعد ذلك في الموبقات.

هاهو شاب من شباب هذه الأمة، كان له صديق سوء، وجاءه في ليلة من الليالي في منتصف الليل وهو نائم ليطرق عليه الباب، طرق عليه الباب في تلك الساعة، وكان نائمًا لم يسمعه، فقامت أمه وفتحت له الباب، وقال: أريد فلانًا، قالت: إنه نائم لا أريد أن أوقظه الآن، قال: أريده لغرض ضروري، ألحَّ عليها فاستجابت حياءً منه، وذهبت وأخرجت هذا الشاب من فراشه، فخرج إلى هذا الرجل، فقال له قرين السوء: نريد الليلة أن ننتهك حرمة البيت الفلاني نريد أن نصعد لذاك البيت، ولنا منه الليلة صيدة –كما يقول-، فما كان من هذا –وقد نقص منسوب الإيمان عنده إن لم يكن قد انعدم- إلاَّ أن دخل وأخذ المسدس، وخرج من نصف الليل، وكان نائمًا، خرج مع قرين السوء يغدوان إلى المعصية لأنهما ما حملا الإيمان كما ينبغي أن يحمل، برجليهما يذهبان إلى الفاحشة، ذهبوا إلي بيت آمن وفي منتصف الليل ليأتي هذا الذي جاء وأيقظه ليصعد الجدار، وينتهك حرمة البيت بسقوطه في وسط البيت، ويبقى ذلك حارسًا بمسدسه خارج البيت، ويسمع صاحب البيت ويقوم، ويأخذ عصى غليظة، ويأتي وراء هذا الرجل يطارده، فيهرب منه ويأتي إلى هذا الحارس؛ صاحب المسدس؛ والذي كان نائمًا في نومته، فيضربه بالعصا ضربة آلمتْه، فما كان منه إلاّ أن أخذ المسدس، ثم قتل هذا الرجل، يا لله ما أعظمها من جريمة! في وسط الليل تنتهك حرمة بيت من بيوت المسلمين، وتقتل -أيضًا- صاحب البيت، ثم بعد ذلك ما النتيجة؟ يأتي رجال الأمن ويقبضون على هذا الرجل، ويقول: إنني لست المجرم الحقيقي، إن المجرم الحقيقي هو فلان، جاءني واستخرجني من دار أمي، وهو الذي أغراني بهذا، فيأخذوه ويذهبون ليبحثون عن الثاني، وإذا بالثاني يذهب إلى جماعة نقص منسوب الإيمان عندها، فيأخذهم شهود زور، يشهدون أنه في تلك الليلة كان نائمًا معهم في القرية الفولانية، ويبقى هذا في السجن، كل ليلة جمعة ينتظر متي ينادي المنادي أن اخرج لتقتل، وأمه تتجرع الغصص، كل ذلك لأنه ما حمل الإيمان كما ينبغي فوقع.

عدد القراء : 1135