shikh-img
رسالة الموقع
أول أيام شهر رمضان للعام 1442 هجري، هو يوم الثلاثاء الواقع فث 13/ 4/ 2021 ميلادي. تقبل الله منا و

10 وسائل للمحافظة على التقوى بعد رمضان

10 وسائل للمحافظة على التقوى بعد رمضان

 

الحمد الله على ما وفق من الطاعات, وذاد من المعصية, ونسأله لمنتّه تماماً, وبحبله اعتصاماً, نحمده على ما كان, ونستعينه من أمرنا على ما يكون, ونسأله المعافاة في الدين والبدن, والصلاة والسلام على من بلّغ الرسالة, وأدّى الأمانة, ونصح الأمة, وعلى آله وأصحابه وسلم, وبعد:

قال الحسن البصري (رحمه الله): (إن الله جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا! فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون! ويخسر فيه المبطلون).

أرأيت إذا رحلت إلى قضاء حاجة من حاجاتك فسافرت لها ثلاثين يوماً!! وبعد بلوغ نهاية سفرك إذا بك ترجع صفر اليدين من حاجتك! ليذهب تعبك ونصبك في أدراج الريح! كيف أنت وقتها ؟!... كيف أنت وقتها؟!... كيف أنت وقتها؟!.

ها هو رمضان قرب رحيله بنوره وعطره، وخيره وطهره، فقد أدى مهمته حيث ربَّى في الناس قوة الإرادة ورباطة الجأش، وربىَّ فيهم ملكة الصبر، وعوَّدَهم على احتمال الشدائد، والجَلد أمام العقبات ومصاعب الحياة.

فقد زرع رمضان في نفوس المؤمنين تقوى لله في كل وقت وحين، وفي أي حال ومكان، وذلك إذا اجتهد المؤمن على المحافظة على ترك كل إثم وقبيح، وضبط جوارحه كلها عما لا يجوز فعله؛ لينجح من هذه المدرسة حقاً، ويخرج ظافراً من جهاده لنفسه، موفراً مواهبه الإنسانية وطاقاته المادية والمعنوية لجهاد أعدائه فحري بهذا الشهر أن يكون فرصة ذهبية، للوقوف مع النفس ومحاسبتها لتصحيح ما فات، واستدراك ما هو آت، قبل أن تحل الزفرات، وتبدأ الآهات، وتشتد السكرات.

حري بأن يكون فرصة للتقوى.

سأل أميرُ المؤمنين عمرُ t الصحابيَ الجليل أُبيَ بن كعب t عن معنى التقوى ومفهومها؟ فقال يا أمير المؤمنين: أما سلكت طريقا ذا شوك؟ قال: بلى، قال: فما صنعت؟ قال: شمرتُ واجتهدت، أي اجتهدتُ في توقي الشوك والابتعاد عنه، قال أُبي: فذلك التقوى.

إذن فالتقوى: حساسيةٌ في الضمير، وشفافيةٌ في الشعور، وخشيةٌ مستمرة، وحذرٌ دائم، وتوق لأشواكِ الطريق؛طريقِ الحياة الذي تتجاذبُه أشواكُ الرغائبِ والشهوات، وأشواكُ المخاوفِ والهواجس، وأشواكُ الفتنِ والموبقات، وأشواكُ الرجاءِ الكاذب فيمن لا يملكُ إجابةَ الرجاء، وأشواكُ الخوف الكاذب ممن لا يملكُ نفعاً ولا ضراً، وعشراتٌ غيرُها من الأشواك.

وعبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب t عن التقوى بقوله: هي الخوفُ من الجليل، والعملُ بالتنزيلُ، والقناعةُ بالقليل، والاستعدادُ ليوم الرحيل.

يقول بعضهم:

إذا لم يكن في السمع مني تصاون وفي بصري غضٌّ وفي منطقي صمتُ

فحظي إذاً من صومي الجوع والظمأ وإن قلتُ إني صمتُ يومي فما صمتُ

روي عن جابر t أنه قال: "إذا صمت فليصم سمعك و بصرك و لسانك عن الغيبة و النميمة، و دع أذى الجار، و ليكن عليك سكينة و وقار، و لا تجعل يوم صومك و يوم فطرك سواء".

لقد كان المجتمعُ الإسلاميُ الأول مضربَ المثل في نزاهتهِ، وعظمةِ أخلاقه، وتسابقِ أفرادهِ إلى مرضاةِ ربهمِ جل جلاله.

وكانت التقوى سمةً بارزة في محيا ذلكِ الجيلِ العظيم الذي سادَ الدنيا بشجاعتهِ وجهاده، وسارت بأخلاقهِ وفضائلهِ الركبان مشرقاً ومغرباً، فقد كان إمام المتقين عليه الصلاة والسلام قمةً في تقواه وورعهِ، وشدةِ خوفهِ من ربهِ العظيمِ الجليل، فكان يقومُ الليل يصلي ويتهجد حتى تفطرتْ قدماه الشريفتان، وكان يُسمعُ لصدره أزيزٌ كأزيزِ المرجل من النشيجِ والبكاء، وهو الذي غُفر له ذنبه ما تقدم وما تأخر.

وأما صحبهُ المبجل، وخليفته العظيم أبو بكر الصديق t فكان يقول: يا ليتني كنت شجرةً تعضدُ ثم تؤكل!!.

وكان له خادمٌ يأتيه بالطعام، وكان من عادةِ الصديق أن يسأله في كل مرة عن مصدرِ الطعام؛ تحرزاً من الحرام!! فجاءه خادمُه مرةً بطعامه، فنسي أن يسألَه كعادته، فلما أكلَ منه لقمة قال له خادمُه: لمَ لم تسألني - يا خليفةَ رسولِ الله - كسؤالكِ في كلِ مرة ؟، قال أبو بكر: فمن أين الطعامُ يا غلام؟ قال: دَفعه إليَّ أناسٌ كنتُ أحسنتُ إليهم في الجاهلية بكهانةٍ صنعتُها لهم، وهنا ارتعدتْ فرائصُ الصديق، وأدخلَ يده في فمه، وقاء كلَّ ما في بطنهِ وقال: "واللهِ لو لم تخرجْ تلك اللقمة إلا مع نفسي لأخرجتها".

وأما خوفُ عمر t وشدةِ تقواه فعجبٌ من العجب، سمع قارئاً يقرأُ قولَه تعالى: (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً)[الطور:13] فمرض ثلاثاً يعـودهُ الناس.

بل إنه قرأ مرةً قولَه تعالى: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ)[الصافات:24]، فمرض شهراً يعودُه الناسُ مريضاً.

وأما عليٌ t فكان يقبض لحيته في ظلمة الليل ويقول: يا دنيا غُري غيري، أليَّ تزينتِ أم إليَّ تشوقتِ، طلقتك ثلاثاً لا رجعةَ فيهن، زادُك قليل وعمرُك قصير.

وخرج ابن مسعود t مرة في جماعة فقال لهم ألكم حاجة؟! قالوا: لا؛ ولكن حبُ المسيرِ معك!! قال: اذهبوا فإنه ذلٌ للتابع، وفتنةٌ للمتبوع.

وهاهو هارون الرشيد الخليفةُ العباسيُ الذي بلغت مملكته أقاصي البلاد شرقاً وغرباً يخرج يوما في موكبهِ وأبهته فيقول له يهودي: "يا أمير المؤمنين: اتق الله"!! فينـزل هارونُ من مَركبه ويسجدُ على الأرض للهِ ربِ العالمين في تواضعٍ وخشوع، ثم يأمرُ باليهودي ويقضي له حاجته، فلما قيل له في ذلك!! قال: لما سمعت مقولتَه تذكـرتُ قولَه تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ)[البقرة:206] فخشيت أن أكون ذلك الرجل.

وكم من الناس اليوم من إذا قيل له اتق الله احمرتْ عيناه، وانتفختْ أوداجه، غضباً وغروراً بشأنه.

قال ابن مسعود t: كفى بالمرء إثماً أن يقال له: اتق الله فيقول: عليك نفسَك!! مثلكُ ينصحنُي!!.

إذن فيوم عُمرت قلوبُ السلفِ بالتقوى، جمعهم اللهُ بعد فرقة، وأعزهم بعد ذلة، وفُتحت لهم البلاد، ومُصرت لهم الأمصار؛ تحقيقاً لـموعودِ الله تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)[الأعراف:96].

وصدق من قال:

إذا المرء لم يلبس ثياباً من التقى *** تجرد عُريانا وإن كان كاسيا

وخيرُ خصال المـرءِ طـاعةُ ربه *** ولا خيرَ فيمن كان لله عاصيا

أيها الإخوة:

إن شعور المسلم بالاستبشار والغبطة حينما يرى إقبال الناس على الله في رمضان, وما يُقلبّه من بصره هنا وهناك تجاه أوجه البر والإحسان لدى الكثيرين من أهل الإسلام, ليأخذ العجب بلبه كل مأخذ, ولربما غلب السرور مآقي المترقب، فتدمع العين فرحاً وإعجاباً لما يرى ويشاهد, إلا أن العيد وما يعقبه ليصدق ذلك الظن أو يكذبه, ومن ثم ينكص المعجب, وتشخص أحداقه, لما يرى من مظاهر التراجع والكسل والفتور.

وإن من يقارن أحوال الناس في رمضان وبعد رمضان ليأخذ العجب مما يراه من التراجع عن الطاعة في صورة واضحة للعيان, وكأن لسان حالهم يحكي أن العبادة والتوبة وسائر الطاعات لا تكون إلا في رمضان.

وكأنهم ما علموا أن الله سبحانه هو رب الشهور كلها, وما شهر رمضان بالنسبة لغيره من الشهور إلا محطة تزود وترويض على الطاعة والمصابرة عليها, إلى حين بلوغ رمضان الآخر.

التدين الموسمي خلال رمضان خير ناقص

نعم! لرمضان ميزة وخصوصية في العبادة ليست في غيره من الشهور, بَيْد أنه ليس هو محل الطاعة فحسب.

ولذلك كان رسول الله e جواداً في كل حياته, غير أنه يزداد جوده في رمضان.

ناهيكم عن أن الرجوع والنكوص عن العمل الصالح هو مما استعاذ منه رسول الله e بقوله فيما صح عنه: "وأعوذ بك من الحور بعد الكور".

والله جل وعلا يقول: (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا)[النحل :92].

إذْْْ لم يقصر الخير على شهر رمضان فحسب, بل إن هذا كله إنما هو استجابة لأمر ربه جل وعلا بقوله: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)[الحجر :99], فلا منتهى للعبادة والتقرب إلى الله إلا بالموت.

إن رمضان شهر الطاعات، شهر القيام والصيام وتلاوة القرآن وصلاة التهجد والتراويح، فهل هو موسم ينتهي فيه “الأوكازيون” بانتهاء أيام شهره المبارك؟ ولماذا تزداد الطاعة في هذا الشهر، وهل هذه ظاهرة إيجابية يجب تشجيعها وتنميتها أم أنها تمثل خللا عقائديا ونفسيا علينا معالجته؟

ها هو رمضان قارب على الانتهاء.

فمن كان يعبد رمضان فإن رمضان قد فات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يمـوت.

فليت شعري من المقبول منا في رمضان فنهنيه، ومن المطرود المحروم منا فنعزيه.

فيـا عيـن جـودي  بالدمـع من  أسف

على فـراق ليـالـي ذات  أنـوارِ

على  ليالي  لشـهر الصـوم مـا جعلت

إلا لتـمحيـص آثـــام  و أوزارِ

ما كـان أحسـننا و الشـمل  مـجتمـع

مـنا المـصلي و منا القانت القاري

فابكوا على ما مضى في الشهر و اغتنموا

مـا قـد بقي مـن فضـل أعمـارِ

وماذا بعد رمضان؟ كنت في رمضان في إقبال على الله، أُكثر من النوافل، أشعر بلذة العبادة، وأكثر من قراءة القرآن الكريم، لا أُفرط في صلاة الجماعة، منُقطعا عن مشاهدة ما حرم الله.

ولكن بعد رمضان فقدت لذة العبادة التي أجدها في رمضان ولا أجد في ذلك الحرص على العبادة، فكثيرا ما تفوتني صلاة الفجر مع الجماعة، وانقطعت عن كثير من النوافل وقراءة القرآن.

أولا: الثوابت الإيمانية:

فمثلاً الصلاة: مَن مِن المؤمنـين الصادقين يستغني عن الصلاة بعد رمضان؟! انظر إلى المساجد في رمضان، وانظر إلى ذات المساجد بعد رمضان، قال تعالى:  حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238]

ومن الثوابت الإيمانية: القرآن

إن القـرآن حياة القلوب والأرواح، القرآن حياة النفوس والصدور، فهل يستغني مؤمن عن روحه؟! هل يستغني مؤمن عن أصل حياته، إن القرآن يهدى للتي هي أقوم فلا تضيعوا هذا الطريق ولا تنصرفوا عنها.

إن طرف القـرآن بيد الله، وإن طرفه أيديكم فإذا تمسكتم بهذا الحبل المتين لن تضلوا، ولن تهلكوا أبداً.

ففي صحيح مسلم عن أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله يقول: ((اقرؤوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه))، أي في سائر العام فلا تهجروا القرآن يا أمة القرآن بعد رمضان.

ومن الثوابت التي لا غنى عنها للمؤمن بعد رمضان: ذكر الرحيم الرحمن.

إن الذكر شفاء من الأسـقام ومرضاة للرحمن ومطردة للشيطان، فرطِّب لسانك دوماً بذكـر الرحيم الرحمـن جل وعلا.

والمعية نوعان: معية عامة، ومعية خاصة، أما المعية العامة فهي معية العلم والمراقبة والإحاطة والمعية الخاصة فهي معية الحفظ والنصر والعـون والمدد والتأييد، فهل تستغني أيها المؤمن عن معية الله جل وعلا؟!!

ومن الثوابت الإيمانية أيضاً: الإحسان إلى الناس.

ومن هذه الثوابت الإيمانية أيضاً: قيام الليل.

في رمضـان وُفقت بفضل الله إلى صـلاة التراويح والقيام فلماذا لا تستمر على هذا الدرب المنير؟.

اسمع لرسول الله e وهو يقول: ((عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحـين قبلكم وقربة إلى الله تعالى ومنهاة عن الإثم وتكفير للسيئات))([1]).

فهل لهذه المشكلة من حل أو علاج؟!

إليك أخي "10" وسائل للمداومة على العمل الصالح بعد رمضان

1- أولاً وقبل كل شي طلب العون من الله – عز وجل - على الهداية والثبات وقد أثنى الله على دعاء الراسخين في العلم " رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ "

2- الإكثار من مُجالسة الصالحين والحرص على مجالس الذكر العامة كالمحاضرات والخاصة كالزيارات.

3- التعرف على سير الصالحين من خلال القراءة للكتب أو استماع الأشرطة وخاصة الاهتمام بسير الصحابة فإنها تبعث في النفس الهمة والعزيمة.

4- الإكثار من سماع الأشرطة الإسلامية المؤثرة كالخطب والمواعظ وزيارة التسجيلات الإسلامية بين وقت وآخر.

5- الحرص على الفرائض كالصلوات الخمس وقضاء رمضان فان في الفرائض خير عظيم.

6- الحرص على النوافل ولو القليل المُحبب للنفس فان أحب الأعمال إلى الله أدومه وإن قل كما قال e.

7- البدء بحفظ كتاب الله والمداومة على تلاوته وأن تقرأ ما تحفظ في الصلوات والنوافل.

8- الإكثار من ذكر الله والاستغفار فإنه عمل يسير ونفعه كبير يزيد الإيمان ويُقوي القلب.

9- البعد كل البعد عن مفسدات القلب من أصحاب السوء و أجهزة التلفاز والدش والاستماع للغناء والطرب والنظر في المجلات الخليعة.

10- وأخيرا أوصيك أخي الحبيب بالتوبة العاجلة.. التوبة النصوح التي ليس فيها رجوع بإذن الله فإن الله يفرح بعبده إذا تاب أشد الفرح.

فاستدامة الطاعة والمداومة على الأعمال الصالحة لهي في الحقيقة من عوامل الثبات على دين الله وشرعه، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [الأحقاف :13].

ألا وإن ترك المحرمات, والعمل بما يوعظ به المرء من قبل خالقه ومولاه لأمر يحتاج إلى ترويض ومجاهدة من أجل الحصول على العاقبة الحميدة, وحُسن المغبة، قال تعالى:  (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا *وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّـا أَجْراً عَظِيمًا *وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا) [النساء :66-68].

والتثبيت - عباد الله - يكون في الحياة الدنيا على الخير العمل الصالح, وفي الآخرة يكون تثبيتاًُ في البرزخ وعند السؤال، قال تعالى: (يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء) [إبراهيم :27]. 

ذُكر عند رسول الله e قوم يجتهدون في العبادة اجتهاداً شديداً, فقال: "تلك ضرورة الإسلام وشِرَتِه, ولكل عمل شرةٌ, فمن كانت فترته إلى اقتصاد فنعما هو, ومن كانت فترته إلى المعاصي فأولئك هم الهالكون"([2]).

ومعنى الحديث – عباد الله - أن لكل عمل قوة وشدة, يتبعها فتور وكسل, ولكن الناس يختلفون في هذا الفتور, فمنهم من يبقى على السنة والمحافظة عليها ولو كانت قليلة, ومنهم من يدعها ويتجاوزها إلى ما يغضب الله.

وبنحو هذا يقول ابن القيم رحمه الله: تخلل الفترات للعباد أمر لا بد منه؛ فمن كانت فترته إلى مقاربة وتسديد ولم تخرجه من فرض ولم تدخله في محرم رجي له أن يعود خيراً مما كان، قال تعالى: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) [فاطر: 32].

أخي المبارك: لا تكن من أولئك القوم الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان لقد قال فيهم السلف " بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان " وداعاً أيها الحبيب إلى رمضان آخر وأنت في صحة وعافية واستقامة على دين الله إن شاء الله.

 

([1]) رواه الترمذي رقم (3543، 3544) في الدعوات، وابن خزيمة في صحيحه، وابن أبى الدنيا في ((كتاب التهجد)).

([2]) رواه أحمد والطبراني.

عدد القراء : 1098