الاستقامة
الاستقامة أساس النجاح في جميع الأعمال، وهي درجة بها كمال الأمور وتمامها، وبوجودها تحصل الخيرات، ومن لم يكن مستقيماً في حالته، ضاع سعيه وخاب جهده.
الاستقامة عنوان الكمال النفسي، ووسام الفضل، وشارة الشرف.
بها يبتعد الإنسان عن سفساف القول والفعل، ويعف لسانه عن انتقاص الناس في أعراضهم، وطعن الأبرياء فيما عندهم، وبها يتخلق الإنسان بأشرف الفضائل، وليس في الحياة شرف ولا حيلة أعظم من هذا.
كيف لا؟، والاستقامة سبيل الوئام والصفاء، فإن من استقام في حياته أحبه الناس، وحاطوه بقلوبهم محبة، وعاونوه في شدته تعاوناً ولهفة، وشاركوه في السراء والضراء، وبذلك يعم السلام بين الناس ويسود الوئام بين أفراد المجتمع.
الاستقامة لغةً:
مَصْدَرُ اسْتَقَامَ مَأْخُوذٌ مِنْ مَادَّةِ (قَ وَ مَ) الَّتِي تَدُلُّ عَلَى مَعْنَيَيْنِ:
أَحَدُهُمَا جَمَاعَةٌ مِنَ النَّاسِ.
وَالآخَرُ انْتِصَابٌ أَوْ عَزْمٌ، وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى ترجِعُ الاسْتِقَامَةُ فِي مَعْنَى: الاعْتِدَالِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ} (فصلت/6): أَيْ فِي التَّوَجُّهِ إِلَيْهِ وحده سبحانه، دُونَ الآلِهَةِ.
وَمَعْنَى الاسْتِقَامَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} (فصلت: 30): عَمِلُوا بِطَاعَتِهِ وَلَزِمُوا سُنَّةَ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وآله وسلم.
والاستقامة في الاصطلاح:
[هِيَ سُلُوكُ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَهُوَ الدِّينُ القَوِيمُ مِنْ غَيْرِ تَعْوِيجٍ عَنْهُ يَمْنَةً وَلاَ يَسْرَةً، وَيَشْمَلُ ذَلِكَ فِعْلَ الطَّاعَاتِ كُلِّهَا الظَّاهِرَةِ وَالبَاطِنَةِ وَتَرْكَ الْمَنْهِيَّاتِ كُلِّهَا كَذَلِكَ]([1]).
وَفِي اصْطِلاَحِ أَهْلِ الْعِلْمِ: هِيَ الوَفَاءُ بِالعُهُودِ كُلِّهَا، وَمُلاَزَمَةُ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ بِرِعَايَةِ حَدِّ التَّوَسُّطِ فِي كُلِّ الأُمُورِ مِنَ الطَّعَامِ وَالشُّرْبِ وَاللِّبَاسِ، وَفِي كُلِّ أَمْرٍ دِينِيٍّ وَدُنْيَوِيٍّ، فَذَلِكَ هُوَ الطَّرِيقُ المستقِيمُ.
الاستقامة طريق النجاة:
وهِيَ لُزُومُ الْمَنْهَجِ القَوِيمِ.
قَالوا: كُنْ صَاحِبَ الاسْتِقَامَةِ، لاَ طاَلِبَ الكَرَامَةِ؛ فالاستقامة عين الكرامة.
والنفس مُتَحَرِّكَةٌ فِي طَلَبِ الْكَرَامَةِ، والله يُطَالِبُكَ بِالاسْتِقَامَةِ.
وقالوا: [أَصْلُ الاسْتِقَامَةِ اسْتِقَامَةُ الْقَلْبِ عَلَى الإيمان].
والاسْتِقَامَةُ في حَقِيقَتِهَا: عَدَمُ الاعْوِجَاجِ وَالْمَيْلِ.
وَالْخُلاَصَةُ أَنَّ الاسْتِقَامَةَ كَلِمَةٌ آخِذَةٌ بِمَجَامِعِ الدِّينِ، وَهِيَ الْقِيَامُ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تَعَالَى عَلَى حَقِيقَةِ الصِّدْقِ وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ، وَهِيَ تَتَعَلَّقُ بِالأَقْوَالِ وَالأَفْعَالِ وَالنِّيَّاتِ.
الآيات الواردة في (الاستقامة):
{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(2)الرحمن الرَّحِيمِ(3)مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ(4)إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ(5)اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ(6)صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ(7)} [الفاتحة].
{سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنْ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(142)} [البقرة].
{وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(213)} [البقرة].
{إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ(51)} [آل عمران].
{وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(101)} [آل عمران].
{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(153)} [الأنعام].
{قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ(161)قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ(162)لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ(163)} [الأنعام].
{وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(25)} [يونس].
{فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(112)}[هود].
{وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ(36)} [مريم].
{وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(54)} [الحج].
{لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلاَ يُنَازِعُنَّكَ فِي الأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ(67)} [الحج].
{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ(30)نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ(31)نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ(32)} [فصلت].
{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ(13)أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(14)} [الأحقاف].
الأحاديث الواردة في (الاستقامة)
1 ـ*(عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: [خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم خَطًّا ثُمَّ قَالَ: هَذَا سَبِيلُ اللهِ، ثُمَّ خطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ سُبُلٌ (مُتَفَرِّقَةٌ) عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ ثُمَّ قَرَأَ {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ})([2]).
2 ـ*(عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِاللهِ الثَّقَفِيِّ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ أَنَّهُ قَالَ: [قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ: قُلْ لِي فِي الإِسْلاَمِ قَوْلاً، لاَ أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا بَعْدَكَ. قَالَ: قُلْ آمَنْتُ بِاللهِ فاسْتَقِمْ (1)]) ([3]).
([1]) جامع العلوم والحكم، لابن رجب (3).
([2]) الحاكم (2/8) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. أحمد (1/5، 5)، رقم (2، 7) واللفظ له.
عدد القراء : 1148