آفاق العمل المصرفي الإسلامي
فرض القطاع المصرفي الإسلامي نفسه على قطاع المال العالمي، وبات انتشار المصارف الإسلامية واضحا للعيان كما باتت أدوات هذه المصارف أكثر فاعلية، وتلقى إقبالاً واسعاً من مختلف شرائح المجتمع، ولا يزال قطاع المال الإسلامي مستمراً في منهجية التوسع، ولا شك بأن المصارف الإسلامية ستسهم في انتعاش السوق الاقتصادية من خلال تطوير الأدوات الاستثمارية، وجذب المدخرات، وتمويل المشروعات التنموية.
ويشير الباحثون الاقتصاديون إلى أن طريق التنمية الاقتصادية لا يكون إلا من خلال آليات ومؤسسات قائمة على أساس غير الشريعة الإسلامية.
والحقيقة أن الشريعة الإسلامية لم تحصر النشاط الاقتصادي في نظرية محدودة، وإنما جاءت بقواعد عامة، وأسس اقتصادية مرنة تتناسب وطبيعة النشاط الاقتصادي.
وحيث أن حياة الناس الاقتصادية متسارعة التغير، ومتطورة بصفة مستمرة، نلحظ أن القرآن لم يبن أحكاماً جزئية تفصيلية للنظام الاقتصادي الإسلامي، وإنما بيَّن مبادئ عامة تمتاز بالمرونة والدقة، راقية في أهدافها وسامية في غاياتها، تتوافق مع أحوال الناس ومعاملاتهم.
والتوازن في التعامل بين القيم الأخلاقية والنشاطات الاقتصادية مطلب شرعي، وضرورة اجتماعية، ومنفعة اقتصادية.
ومن واجب الفقيه ربط المبادئ الشرعية (القرآن والسنة الصحيحة)، والأعراف والمصالح والعادات والتقاليد الجديدة؛ لتنضبط مسيرة المجتمع، فالفقه الإسلامي غني في أصالته، عميق في جذوره، شمولي في نظرته، مرن في تطبيقاته، والفقيه الحق، والعالم المنصف هو الذي يقرر المسائل المناسِبَة لوقته وزمانه، ويكتب الأبحاث بلسـان قومه، وبصيغة عصره، من خلال إيجاد نوع من التوفيق بين الأصول الشرعية، وما يجري في الواقع.
وتظهر أهمية المصارف الإسلامية في تحقيق أهداف الوظيفة المصرفية وفقاً لمتطلبات هذا العصر واستثمار الأموال بما يخدم خطط التنمية.
حيث تزداد أهمية المصارف بالنسبة للمجتمع عندما تضع في اعتبارها خدمة المجتمع والتصدي لمعالجة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية في منافذ لا تتحكم بها أسعار الفائدة.
ولا شك أن المصارف الإسلامية تنظر إلى الاستثمار على أنه تنمية المجتمع.
وبناء على هذه النظرة تتعدد أهداف هذه المصارف لتحوي مضامين جديدة، أن تضع في اعتبارها عند التخطيط للاستثمار:
جودة الخدمة وأهداف التكافل الاجتماعي والالتزام بقواعد الشريعة الإسلامية.
- تحقيق مصلحة العملاء والمساهمين.
- التركيز على المنظور الاقتصادي والاجتماعي والإحساس بالمسؤولية الاجتماعية.
- التعرّف على فرص الاستثمار وتعريف المستثمرين فيها.
- تحسين المناخ الاستثماري العام
وتتمثل أهداف المصارف الإسلامية بثلاثة أسس:
- الأساس الاجتماعي الإيجابي.
- الأساس الاستثماري.
- الأساس التنموي.
الاستثمار والتنمية واجب شرعي
لقد شَرَعَ الإسلامُ للإنسان تنميةَ المال؛ حفاظاً عليه لمصلحة الفرد ومصلحة الجماعة، ومن وسـائل حفظه: تثميره في مجالات الزراعة أو الصناعة أو التجارة أو الخدمات، ودفعه في عجلة التنمية.
ومن الحاجات الماسة للإنسان، والضرورات الملحّة تشجيع الادخار المؤدِّي إلى استثمار: كي يشعر الفرد بالأمان في حياته الدنيا.
وعلى المؤسسات المالية إيجاد طريقةٍ استثمارية؛ مريحةٍ للنفس، آمنةٍ مستقرة، محققةٍ للمنفعة المادية والربح الاقتصادي، موافقةٍ للتشريع الإلهي، بعيداً عن استغلال حاجة المدخرين فتربح الكثير على حسابهم، وتُلقي لهم القليل؟.
وصيغ الاسـتثمار غير منصوص عليها – في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة - بل تعود في مجموعها إلى القواعد الكلية ومقاصد الشريعة الإجمالية؛ التي استنبطها العلماء العاملون والفقهاء المجتهدون من النصوص الشرعية الأصلية، وهي في الغالب ترجع الاستحسان والعرف.
ويبقى التأكيد على ضرورة أن تتم ممارسة هذه الخدمات في إطار القواعد الشرعية الإسلامية، بما يكفل: عدالة الربح، وإتقان العمل وطهارته، ونقاء الصناعة.
خصائص الاستثمار الإسلامي:
التعدد: سواءً من حيث درجة المخاطر أو معدل الربحية ويساعد هذا على جذب المدخرات سواءً أكانت كبيرة أم صغيرة.
التحفيز على الاستثمار المباشر: إذا هناك علاقة مباشرة بين العائد المتولد من عملية الاستثمار وبين نصيب صاحب رأس المال، مما يحفّز الأفراد على زيادة جهودهم من أجل تنمية دخولهم.
التوازن بين النواحي المادية والنواحي المعنوية: إعطاء الأولوية لمبدأ احتياجات المجتمع ومصلحة الجماعة قبل النظر إلى العائد.
الأساس التنموي لعمل المصارف:
في استراتيجية المنظور الاقتصادي والاجتماعي للمستثمر، أن المطلوب ليس أن يعيش الآباء عيشة طيبة بل عليهم أن يوفّروا لأولادهم والأجيال التي تليهم العيشة نفسها.
الإحساس بالمسؤولية الاجتماعية بتوفير فرص عمل، ورفع مستوى المعيشة.
أهمية إثراء المعرفة المصرفية
ولَمَّا كانت المصارفُ ذات شأن في العمل الاقتصادي، وفي عميلة التنمية الشاملة، بات من الواجب نشر الوعي المصرفي، وتعميق البحث في بدائل وصيغ استثمارية، وتدعيم الصلة بين الناس اقتصادياً.
والمصارف الإسلامية أضحت علامة بارزة من علامات العصر، وسمة مميزة للنشاط الاقتصادي الطاهر، أما المؤمنون فقد أحسنوا استقبال المصارف الإسلامية، وتزاحموا على أبوابها، ورأوا فيها خطوة جادَّة على طريق الاعتصام بحبل الله، بعيداً عن طريقة نهبت الثروات، وإضعاف اقتصاد الأمة.
هذا وقد أصبحت المصارف الإسلامية حقيقة واقعة في كثير من البلاد، وأضحى العالم مقتنعاً بالدور الإيجابي الذي تقوم به المصارف الإسلامية بما يحقق الأهداف المرجوة، حتى أمكن وصفها بأنها (بنوك المستقبل).
ويمكن القول بأن المصارف الإسلامية حققت نجاحاً في حقيقتين:
أولاهما: مقدرتها على إثبات صلاحية الصيغة الشرعية الإسلامية في التعامل المالي.
ثانيهما: مقدرتها على المنافسة في تقديم مختلف الخدمات المصرفية وبكفاءة عالية.
ولعل من أبرز استراتيجيات العمل بصيغ الاستثمار الإسلامية:
أ – تقليل حدة البطالة في عوامل الإنتاج، بحيث يعمل المصرف الإسلامي على توظيف رؤوس الأموال توظيفاً شاملاً وكاملاً، يرتقي بإنتاجيتها؛ بتكاتف الجهود والخبرات.
ب – زيادة فاعلية تشغيل وحدات الإنتاج؛ الزراعية والصناعية والتجارية، بإيصال رؤوس أموال لازمة لتشغيلها، مما يرفع من معدلات التنمية، ويزيد في سرعة دوران عجلة الاقتصاد.
ج - المساعدة في النهوض بالأمة اقتصادياً، والذي هو أحد أسباب القوة السياسية.
التوصيات المقترحة:
- نشر التوعية المصرفية عبر وسائل الإعلام المختلفة؛ لترسيخ فكرة المصارف الإسلامية بين الناس، وتشجيع أصحاب الكفاءات والقدرات والطاقات الإنتاجية للدخول في عملية التنمية الاقتصادية.
- التركيز على أهمية التوازن بين المردود الاجتماعي والاقتصادي للأنشطة الاقتصادية.
- العمل على تحقيق المعادلة الآتية: توفير الرفاه الاقتصادي، وتحقيق العدالة الاجتماعية.
- العمل على تأصيل العلوم الاقتصادية وربطها بالآيات القرآنية والسنة النبوية والقواعد الأصولية والفقهية؛ عبر مناهج علمية موثقة.
- السعي إلى توحيد التشريعات والقوانين والفتاوى الاقتصادية.
- الدعوة إلى إنشاء معاهد علمية لتخريج مستشارين شرعيين يجمعون بين علم الشريعة وعلم الاقتصاد، ليكونوا القاعدة الرئيسة في هيئات الرقابة الشرعية داخل المؤسسات المالية والمصرفية الإسلامية .
- تشجيع البحوث العلمية والدراسات الاقتصادية الإسلامية في جامعات القطر.
- عقد لقاءات دورية بين الباحثين الاقتصاديين والباحثين الشرعيين؛ لتضييق الفجوة الفكرية بين المجموعتين.
عدد القراء : 1269