shikh-img
رسالة الموقع
أول أيام شهر رمضان للعام 1442 هجري، هو يوم الثلاثاء الواقع فث 13/ 4/ 2021 ميلادي. تقبل الله منا و

إصلاح التعليم والإرهاب الثقافي

يجب تغيير مناهج التعليم في الشرق الأوسط، لأنها بؤرة لتفريخ الإرهابيين والإرهابيات!!

هكذا تبين السيدة وزيرة الخارجية الأمريكية الحالية (غونداليزا رايس)، التي تقف دوماً بين صقور البيت الأبيض لتذكرهم بأن الحقد الذي يوجه السياسة الأمريكية ليس نشاطاً (ذكورياً) فقط، بل إن نساء أمريكا أيضاً قررن أن يلقين بالمكحلة والمرود، ويمارسن الحقد (المقدس) نفسه ضد كل ما هو عربي وإسلامي!!.

تذكرك بهند بنت عتبة،  يوم وقفت في بدر، وهي تغني خلف صناديد مكة ناشرة شعرها، زاعقة صارخة:

 إن تقبلوا نعانق، ونفرش النمارق، أو تدبروا نفارق، فراق غير وامق!! 

أفضل من يجيبك عن إصلاح التعليم الديني بشكل خاص زيغريد هونكة.

زيغريد هونكة[1] صوت صارخ في برِّية العقل الغربي الذي يمارس الغرور الثقافي كل يوم ويطرح نفسه حامي حمى الديمقراطيات وراعيها، في عالم يضج بالفوضى من كل وجه، ويمكنها أن تجيب اليوم على أسئلة والتي لا تفتؤ توجه اللوم يوماً بعد يوم للمناهج الإسلامية والعربية التي تفرخ الإرهاب.

إنهم يطالبون بتعديل مناهج التربية الدينية على أساس أنها منابت الإرهاب، وزيغريد هونكة تذكِّرهم في كتابها (شمس العرب تسطع على الغرب) بقول السيد المسيح: ترى القذاة في عين أخيك ولا ترى الخشبة في عينك؟ وبقول الله في القرآن الكريم: أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون.

تقدم زيغريد هونكة الأمثلة المتعددة على أن المكتب المدرسية في الغرب لا تزال طافحة بالكراهية للعرب والمسلمين والجنس السامي عموماً، في مادة التاريخ يتناول الكتاب المدرسي المقرر في ألمانيا الصراع بين العرب والفرنجة في (بواتييه) في معركة بلاط الشهداء، ويختار كاتبو المنهاج الدراسي أن يكتبوا: إن قارَّتنا جميعها (أوربا) قد تهددها خطر الوقوع تحت قبضة حكم استبدادي غريب، حكم جنس سامي، على أيدي الجحافل الهمجية سود البشرة واضعي سيوفهم قتلاً واطئين بحوافر بغالهم كل كائن يعترض طريقهم!!

ثم تمضي هونكة إلى الكشف عن حقيقة الدور الذي لعبه شارل مارتل في التاريخ الأوربي، فترد بشدة ما تذكره الكتب المدرسية في وصف شارل مارتل بأنه حامي الحضارة الغربية من البرابرة العرب، وأن السماء جادت به ليحافظ على الحضارة الإندروجرمانية من (هانيبال) الجديد، ويحميها من فظائع العرب التي هي أشد من فظائع الهون الذين أبادوا شعوباً بأسرها، وتضع هونكة يدها على فضيحة تاريخية يتورط بها الغربيون نتيجة مواقفهم المسبقة من الحضارة العربية، فقد وقعت معركة بلاط الشهداء في عام 732 ميلادية وفي ذلك التاريخ لم يكن الغرب النصراني شيئاً مذكوراً على الإطلاق، وإن شارل مارتل الذي تصوره دعايات حروب الفرنجة (الحروب الصليبية) على أنه بطل النصرانية وحامي حمى المسيحية، لم يكن إلا فارساً صعلوكاً استولى على الممتلكات الكنسية من كنائس وأديرة وأوقاف وضياع، ونهب كنوزها لتمويل جيوشه وفرسانه، ولهذا فإن البابا جريجوري الثالث أعلن في شارل مارتل: استنـزلت اللعنات على قبره بأن يصير متفحماً، وعلى جثمانه الذي على الشيطان أن يختطفه ويلقيه في نار السعير وبئس المصير!!، ويمضي البابا في غضبه ومقته على الجرمان على ضفاف الراين حول: غلظة تلك القلوب المتحجرة القاسية العميقة والتي لم تزل حبيسة ضلال الكفر، وليها الشيطان، يضلها ويسوقها إلى غياب الموت!

وتنقل هونكة عن لودفيج شتاكه في كتابه تاريخ ألمانيا ما يحرره بصيغة تحريضية وهو موقف يتناقض تماماً مع دوره كمؤرخ مؤتمن: في عام 732 زحف العرب من أسبانيا بقيادة عبد الرحمن الداخل قاطعين جبال البرانس منحدرين إلى جنوب فرنسا، فهزموا الدوق إيدو حاكم أقيطنيا، وأتوا على الأخضر واليابس بالنار والسيف البتار........ ثم يقول: بيد أن شارل مارتل حطمهم تحطيماً كأنه مطرقة، هشمهم دماً وعظماً .. فتصدوا للمعتدين المسلمين الذين تبدد زحفهم أمام بسالة شارل وشعوب الفرنجة وتحطمت شوكتهم على عتبة ذلك الحصن الحصين، وسقط عبد الرحمن صريعاً وحوله أشلاء ثلاثمائة وخمسة وسبعين ألف عربي وأما بقية جيشه فقد ارتدت على أعقابها هرباً وهكذا نجت أوربا وصار شارل مارتل بطل أوربا المبجل!!

ولك أن تتصور المبالغة اللامعقولة في رواية التاريخ بهذا الشكل الحاقد، وهو يذكرك بما تعاد طباعته اليوم في أوربا وأمريكا مع مزيد من الشروح والحواشي للشاعر كونراد في قصيدته : نشيد رولاند، التي نظمها عام 1300 ميلادية وفيها يصف المسلمين بأنهم: الشعب الذي لا يروى تعطشه لسفك الدماء والذي لعنه رب السماء وأنهم كفرة و ........ وفجرة (طبعاً وضعنا النقاط هنا مكان كلمات بذيئة استخدمها كونراد لا يليق إيرادها وفي المذكور غنية عن المستور ) وأنهم عبدة الأصنام التي لا حول لها ولا قوة، لا يستحقون إلا أن يقتلوا وتطرح رممهم في الخلاء، فهم إلى جهنم بلا مراء إنهم حزب الشيطان اللؤماء ليس لهم إلا الموت شنقاً أو حرقاً، حل عليهم غضب الله فبطش بهم روحاً وجسداً وكتب عليهم الخلود أبداً في جهنم!!!

ترى أين يقع هذا الاستعداء من مناهج الثقافة الدينية الإسلامية التي لا يخلو كتاب مدرسي منها في الإشارة إلى القاعدة الذهبية التي قررها النبي الكريم : الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله!!!

ترى هل يدرك عتاة البيت الأبيض الذين يروجون لمحاربة ثقافة الكراهية، أن جهادهم هذا سيكون مبروراً مشكوراً لو أنه بدأ في أفقه الصحيح في عواصم الثقافة الغربية الملطخة بعار الكراهية والحقد والجهل حتى الغاية!! 

الإهداء

إلى من تعلمت من تقاسيم وجهه العزم والتصميم

إلى من كانت كلماته مبدأً لحياتي ونوراً في دربي

إلى الذي أضفى على وجودي حياة..وجعل لحياتي معنىً

إلى شيخي سماحة الشيخ أحمد كفتارو 

*******

إلى والداي رغبةً في الوفاء واعترافاً بالجميل

بدون تعليق

 

 

    يَحكي القديس أوغسطين قصة قرصان أسره الإسكندر الأكبر وسأله : كيف تجرؤ على الاعتداء على الناس في البحار ؟ فأجاب القرصان :" وكيف تجرؤ أنت على الاعتداء على العالم بأسره , إلا أنني أقوم بذلك بسفينة صغيرة فحسب فأدعى لصا ,أما أنت ولأنك تقوم بنفس الشيء ولكن بأسطول كبير فيدعونك            

                                إمبراطورا[2] ؟؟؟؟؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍ ‍‍‍‍‍‍‍!!!!

O

) وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين (  [3]

O

) وأعدوا لهم ما استطعتم من قوةٍ ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم (  [4]

فلو رأى الظالم على جنب المظلوم سيفاً لما تجرأ على الظلم ,كما يقال : الاستعداد للفعل فعل يكفي شر الاستبداد .... الاستعداد للحرب يمنع الحرب [5]

m

إنّ تحريف الكلم عن موضعه شيء مألوف عند أعداء الإسلام .

لقد نصر الله نبيه محمداً بالرعب كما قال , فهلا قيل نصره في أي قتال .

إن أشرف قتال وقع على ظهر الأرض هو القتال الذي خاضه محمد وأصحابه .

وغزوات النبي محمد صلى الله عليه وسلم -  وما رأيك إذا قلت وبغض النظر عن الترتيب التاريخي للغزوات- إنه في عشر منها على الأقل لم يقتل فيها أحد [6]!!!

    وإنّ جملة الوثنين في شتى المعارك الكبرى تتجاوز المائتين قليلاً . وإنّ خسائر اليهود في صراعهم مع الإسلام عدة مئات من القتلى ,هل هذه هي الغزوات الضاربة التي كان الإسلام يعتمد عليها في نشر دعوته .... فليخسأ الأفّاكون . خسائر هذه المعارك الحربية مجتمعة ربع خسائر المذبحة التي قام بها الفرنسيون عندما دخلوا مسجد القشاوة في الجزائر.[7]

خسائرها قطرة دم أريقت لمنع العدوان ,نعم قطرة دم بالنسبة لحمامات الدم  في الحروب الصليبية..... في محاكم التفتيش ........في  البوسنة والهرسك .... في الشيشان ....

    نحن المسلمين لا نعرف التعصب الديني , وإذا عرفناه مر بنفوسنا خاطراً مساوراً أو وسواساً عابراً ,فما بنينا عليه سياسة ولا أقمنا عليه تقليداً ولا عُرف لنا في الحياة وجهة .

وأعود فأقول :إنّ للاستعمار براعةٌ منكرةٌ في تزوير التاريخ , وإخفاء بعض معالمه , وإبراز البعض الآخر , بعد تشويه المفاهيم , وتحريف الكلم عن مواضعه .

    وغرضه من هذا هو خداع الأجيال الناشئة عن أصلها , ولَيِّ زمامها عن وجهتها العتيدة .

وكما ينقل مجرى النهر لتنسكب مياهه في مصب آخر , أو لتذهب بدداً في أرض عمياء ,ينقل مجرى التاريخ , وتحور أحداثه وأحكامه حتى يصبح لها معنىً بدل معنى , وتوجيهاً غير توجيه .

     وقد تضافر المستعمرون على تمزيق التاريخ الإسلامي وتحريفه خلال القرنين الأخيرين ليكون في سياقه الجديد المختلق عوناً على الغزو الثقافي الواسع المنظم , وليتمكن من إيحائه المصنوع صب الأمة الإسلامية الكبرى في قوالب مشبوهة أُعدت لها مسبقاً.

وهي قوالب شكلت بعناية ودهاء , كي تتبدد خلالها رسالة القرآن , وتتلاشى في طول العالم وعرضه أمته الواحدة .

وقد ساعد إلى حد ما الضعف الخلقي والعلمي الذي صارت إليه الأمة هذه الأيام .

والتهم التي تُكال إلى الدين وتوغلها المدبر في أفكار الناشئة.

ولا يطلب الاستعمار الثقافي أكثر من هذا الضلال الفكري .

فالكل يعلم أن الانتصار والانكسار ليست حظوظاً عمياء تصيب الأمم وهي غير مستحقة لها أو تفجؤها على غير توقع منها .

كلا, فإن الأمور تتدافع إلى نهايتها وفق سنن كونية دقيقة .

     وخواتيم الصراع بين الأمم لا يقع خبط عشواء , ولا تكيلها الأقدار جزافاً , بل تجيء وفق مقدمات منتظمة , كما تجيء النتائج بعد استكمال الأسباب .

والمتأمل في هزائمنا- الفكرية والأخلاقية- المتلاحقة يشعر بأن الغزو الثقافي قد حقق مراده وفق ما يشتهي .

وأنّ ما غرسه في بلادنا قد آتى ثماره المرة كلها .

من عشرات السنين والأجيال الجديدة تُذاد عن القرآن ذوداً , وتُجَهَّل في آياته تجهيلا !!!.

من عشرات السنين والتاريخ الإسلامي تُعكر منابعه , وتُقلل حصصه ...

فماذا نرى بعد هذه الهزائم المتلاحقة ..نرى أناساً يضحكون ولا يبكون ,ينطلقون إلى القهوات والأندية ليسمروا ويعبثوا , أو إلى الشواطئ ليلهوا ويلعبوا!!

كان ينبغي لهذه الجباه أن تكون مقطبة لكنها مبسوطة !!

كان ينبغي أن تكون هده الشفاه مزمومة لكنها منفرجة !!

فمن أين نبدأ ؟

    إن الوعي الفكري المدعوم بكافة أنواع الدعاية الجادة لتأصيل المفاهيم الفكرية الإسلامية وتنقيتها من كافة ما اعتراها من دخائل أثقلت كواهلها على مر العصور ,وعرضها بأنقها السماوي الأصيل ,ذلك فقط كفيل بأن يعيد العقول إلى ثوابها وإيقاظها من بعد رقادها.

وأرى لزاماً على كل المسلمين كشف هذه الحقائق التي يراد طمسها , وأن تقطع هذه السلسلة من الترهات والأباطيل التي راجت بين ذوي العقول القاصرة من المسلمين وأردت أن  آخذ دوري بين أولئك الذين يصنعون أجيال النصر لا أجيال الهزيمة متمثلاً قوله عز وجل :

) فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ( .{التوبة :122}.

     وأحببت أن أكون ممن ينذر بين يدي قومه شراً مستطيراً وأن ينبههم إلى إحدى الأفكار التي تصنع في الخارج ,ثم تدس في عقول ناشئتنا على أنها من التراث وأننا معنيون بها بشكل أو بآخر. تلك الظاهرة هي الإرهاب ,وعلى الرغم من كونه ظاهرة شاذة واجهتها المجتمعات منذ مدة طويلة إلا أنها لم تُعرف على هذا المستوى من التعقيد والتنظيم والتعقيد والإصرار إلا في العقود الأخيرة.

     وقد قـفز الإرهاب إلى سـلم الأولويـات في عالم المـشكلات التي تـعاني منها الإنسانية,وأصبحت مواجهته والحديث عن أبعاده وتقليصه ورسم معالمه مهمة دولية ولها علاقة وثيقة بالأمن والسلم الدوليين وبمشكلات التطور الاجتماعي والاقتصادي لكافة بلدان وشعوب العالم .تلك هي جملة الأسباب التي دعتني إلى اختيار هذا الموضع .

    وأتوجه بالشكر الجزيل للمشرف الدكتور علاء الدين زعتري لما كان لتوجيهاته الأثر البالغ في تصويب مسيرة إخراج هذه الوريقات .

وأسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يتقبل مني عملي هذا وأن يحتسب لي الوقت الذي قضيته فيه عنده هو نعم المولى ونعم النصير.

المبحث الأول

بين اللغة والسياسة

    إذا كانت وظيفة اللغة هي إبلاغ الفكر والخاطر والوجدان والإفصاح عنهما جميعاً ,فإن وظيفة اللغة التي تتواتر في السياسة تغلب أن تكون إخفاء الفكر والخاطر وتضليل الوجدان, والسياسي الأريب يبتعد عن الإفصاح حتى لا تُفضح الطوايا فليس الفِصحُ من حسن السياسة .

كما أن إ خفاء المعاني له تاريخ غير قصير ومتواصل منذ أن سمي الاحتلال حماية, والهيمنة انتدابا, ثم المعونات الدولية, ثم التحديث .....

    وإني أعتبر إطلاق لفظ الإرهابي على أولئك الشرذمة من القتله هو مثال فذ على امتهان السياسة للغة ,وهي بذلك أي :( بإشاعة تعريف وفهم مشوهين ومغرضين للكلمة )إنما تأثر على من يتلقون التعريف وعلى فهمهم  لهذه الحقيقة التي تزعم الكلمة التعبير عنها بهدف تشويه هذا الإدراك ,متمنين من ذلك أمنيتين ,الأولى :عزل العنف الذي يمارسه أصحابه بحق في كافة دول العالم ,والثانية :تشويه صورة أولئك الضعفاء بهدف منع إمكانية تعاطف الناس معهم, وتجريدهم من أقوى سلاح في ساحة الواقع وهو الرأي العام .

والآن سننتقل لفهم معنى كلمة الإرهاب بأبعادها السياسية واللغوية وفق الترتيب التالي[8] :

أولاً: التعريف العربي : تهمة إجرامية تطلقها الدول الإمبريالية وحلفاؤها على حركات التحرر الوطنية لتبرير سلوكها الإجرامي ضد حركات التحرر العالمية .[9]

التعريف الإسلامي : حملات منظمة سرية وعلنية تهدف إلى استئصال المسلمين وتمزيق وحدتهم بكافة الوسائل العسكرية والاقتصادية والإعلامية.[10]

التعريف الأمريكي : إن تعبير "الإرهاب" يعني عمل عُنف مُتعمّدا (مُسبقاً)، ذو دافع سياسي، يُرتكب ضد أهداف غير مُحاربة، تقوم به مجموعات غير تابعة مُباشرة لدولة (غير وطنية)، أو عملاء يعملون في السر، ويُقصد به عادةً التأثير في جمهور مُعيّن.[11]

تعريف الموسوعة السياسية : هو استخدام العنف غير القانوني, أو التهديد به بأشكاله المختلفة, كما الاغتيال والتشويه والتعذيب والتخريب بغية تحقيق هدف سياسي معين مثل كسر روح المقاومة عند الأفراد وهدم المعنويات عند الهيئات والمنظمات أو كوسيلة من وسائل الحصول على معلومات أو مال بشكل عام ,استخدام الإكراه لإخضاع طرف مناوئ للمشيئة الإرهابية .[12]

     التعريف المقدم من الولايات المتحدة إلى الأمم المتحدة في الدورة 28عام 1973: كل شخص يقتل آخر  في ظروف مخالفة للقانون أو سبب له ضرراً جسدياً بالغاً أو يخطفه أو يحاول القيام بفعل كهذا أو يشارك شخص ما أو حاول القيام بفعل كهذا .[13]

     التعريف المقدم من فرنسا إلى الأمم المتحدة رقم 3034/1972:الإرهاب هو فعل وحشي ينفذ على أرض دولة ثالثة أجنبي لا يحمل الجنسية ذاتها بهدف ممارسة ضغط في النزاع دون أن يكون له سمة ذاتية .

     تعريف دائرة المعارف الروسية : سياسة التخويف المنهجي للخصوم بما في ذلك استئصالهم مادياً .[14]

     التعريف الوارد في قاموس لاروس الفرنسي : كلمة terror اللاتينية الإكراه والجريمة التي تنفذ بهدف الاحتفاظ بمجموعة من الأفراد في حالة من الخطر والذعر .

وهذا التعريف يتوافق مع مصلحة الإمبراطورية الفرنسية ضد أولئك الذين يقومون بأعمال خطف ضد الجنود الفرنسيين في أراضيهم المستعمرة.[15]

     التعريف الوارد في قاموس جامعة اكسفورد المحافظة على تقاليد الإمبراطورية البائدة :أي ثائر هو إرهابي . وطبيعة هذا التعريف يعود إلى الحالة الاستعمارية التي كانت تمارسها بريطانيا ضد بلدان وشعوب عديدة التي أفرزت بدورها الكثير من حركات التحرر والانتفاضة الجماهيرية ضدها .

     التعريف الوارد في قاموس ويستر الأمريكي : هو حالة من الذعر المتولدة تلقائياً عن العنف الذي تلجأ إليه الأحزاب والتحالفات للمحافظة على السلطة ويدخل تحتها إراقة الدماء والقمع والمصادرة . وهذا يعود إلى الحرب الأهلية بين شمال وجنوب الولايات الأمريكية للمحافظة على السلطة والتي أسفرت عن اغتيال تسعة رؤساء أمريكيين بدءاً من ابراهام لنكولن حتى جون كينيدي .

     وقد أُحصي أكثر من ألف تعريف مختلف للإرهاب بسبب اختلاف المفاهيم الدولية والمقدمات التي ينطلق منها كل مفهوم وأهداف القوى والخلفية السياسية لكل منها وخارطة توزع القوى العالمية .[16]

وقد أوردت هذه التعاريف للأسباب التالية :

لمعرفة مدى تأثير البراغماتية السياسية ودورها الكبير في إخفاء الحقائق وتزويرها تبعاً للمصالح الآنية .

الشعور بمدى أهمية اختزال تلك التعاريف في تعريف جامع لتضييق مسافة المراوغة ومنع استغلال الثغرات الناشئة من عدم ملئ ذلك الفراغ .

الشعور بمدى أهمية مسألة الإرهاب على الصعيد الدولي وإلى أي مدى يتم استغلالها في الصراعات الدولية .

الإشارة إلى العمق التاريخي للإرهاب وتنوع معناه تبعاً للمناخ السياسي القائم في تلك الفترة الزمنية  .

التعريف اللغوي

) وأعدوا لهم ما استطعتم من قوةٍ ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ( [17]

 الإرهاب لغةً:رَهِبَ , يرهب رهبةً ورُهباً بالضم ورَهَبَا بالتحريك أي : خاف .

وتَرَهَّبَ غيره إ ذا توعده .[18] [19]

ولم يشر أي تفسير[20] إلى القتل أو التدمير ولا تحتمله الكلمة في وجه من الأوجه .

وربما قال قائل إذاً لماذا هذا الأعداد والعدة أقول( إن الأعداء إذا علموا كون المسلمين متأهبين للجهاد ومستعدين له مستكملين لجميع الأسلحة والآلات خافوهم).[21]

والملاحظ في الجوقة الإعلامية العالمية تَرداد هذه الكلمة- الإرهاب - بدهياً يشير إلى معنين غير منفكين عنها:

الأول : ممارسة القتل والتخريب العشوائي ( المحرم دولياً) .

الثاني: كون هذه المجموعة لها ارتباطات إسلامية .

    وتتلخص المشكلة في فهم العامي العربي -المرتبط بالعواطف تجاه ما يحدث في العالم العربي والإسلامي  - من أن الإرهاب الذي يعني - القتل والتدمير العشوائيين- موجود لدينا في القرآن والسنة النبوية [22] ,وأن المنفذين للعمليات الإرهابية هم من العرب المسلمين [23].

 ونحتاج هنا إلى جُهدين إن صح التعبير لإزالة هذه الفكرة :

    الأول :يتركز في حملة دعائية مكثفة على مستوى العالم العربي, يُستنهض لها العلماء على المنابر وفي الدروس العامة وعلى أجهزة الأعلام المرئية والمسموعة لإيضاح مدى خطورة قبول الأفكار التي تطرح في الأعلام الغربي, ويؤكد الدكتور عبد الرحمن الزنيدي الأستاذ بكلية الشريعة:( أن وظيفة العلماء الشرعيين ومعهم المثقفون الإسلاميون في هذا الظرف من حياة الأمة عظيمة وخطيرة وسبيلهم للقيام بها هو كشف الوجهة الإسلامية فيما يتعلق بأحداث العالم والتصرفات الجارية ,سواء كانت صادرة من أفراد أو منظمات أو دول أو سواء ممن ينتسب للإسلام أو من الكفار المعادين, وذلك ببيان حكم الإسلام فيها وبيان الموقف الذي ينبغي أن يقف المسلمون إزاءها قبولاً أو رفضاً تأييداً أو مقاومة، وبيان حدود الانحناء للضغوط المحيطة بالأمة حكامها ومؤسساتها وشعوبها من أجل تحقيق المصلحة العامة ودرء المفاسد العظمى وتوضيح الخطوط الحمراء التي لا يجوز للمسلم أو للأمة الإسلامية تجاوزها بالعواطف مما قد يمثل إذا تجاوز الخطوط الحمراء).[24]

    الثاني: إبعاد المصطلحات السياسية الموجودة في القرآن والسنة النبوية الشريفة عن واجهة الإعلام العربي والإسلامي ,حتى لا تختلط المفاهيم كما يحدث الآن في الخلط بين الإرهاب القرآني والإرهاب الإعلامي ويقول الداعية الغامدي : (يجب استخدام لفظ الجريمة ليكون كصنو لكلمة الإرهاب, لأن الجريمة لا يقرها الإسلام ويعاقب عليها فيقتل القاتل ويرجم الزاني وغير ذلك ....وبين أن كلمة الإرهاب التي تطلق هو مصطلح جعله أعداء الإسلام مسلطاً على المسلمين ورموهم به ,وإلا ماذا نسمي ما حدث في فلسطين ومع ذلك تجدهم يرمون الفلسطينيين بالإرهاب الذي هم أساسه وجزء لا يتجزأ منه).[25]

ولقد استطاع الغرب من خلال إطلاق  اصطلاح قرآني على مجموعة من أعمال القتل والتخريب , أن يرسم في أوساط المجتمع الأمريكي والغرب إجمالا ملامح المسلمين الأشرار اللذين لا يشبعون من شرب الدماء ,وبإمكان كل شخص أن يفتح الإنترنت على قسم المحادثة (chat)في الموقع العالمي yahoo في قسمه Islam ليلاحظ أنّ أكثر من 80% من رواد الموقع من الأجانب يكيلون تهم القتل والتدمير ويستخدمون تعبير الإرهاب على المسلمين عامة وينسبون ذلك إلى الكتاب المرعب - القرآن – على حد تعبير أحدهم لي عندما سألته إذا ما كان قد قرأ شيء من القرآن .

     وحاولت أن أعرف سبب ذلك فتبين لي أن ترجمة القرآن الكريم الصادرة عن الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية في المملكة العربية السعودية وترجمة  الشيخ عبد الله يوسف علي –وكلتاهما واسعتا الانتشار في أوربا والولايات المتحدة الأمريكية – تحتويان  على كلمة -terror- والتي ارتبط مفهومها بما أشرنا إليه سابقاً من أعمال القتل والتخريب ودونك تلك الترجمتان المتطابقتان حرفياً في كلا الكتابين:

Against them make ready your strength to the utmost of your power , including steeds of war to strike terror in to        (the hearts)of the enemies .[26]  [27]

وكلمة terror  لا محظور عليها من الناحية اللغوية إذ معناها لغوياً:

terror : to fear , dread ,apprehend , frightened ,terrified.[28]

وكل هذه الكلمات مشتقة من الخوف والرعب والترويع.

      وقد أشار المترجم إلى أن ذلك الرعب يكون في قلوب الأعداء بالكلمة التي بين قوسين أعلاه ولكن هيهات أن تفهم الكلمة بهذا المعنى بعد ذلك الارتباط النفسي الموجود في ذهن القارئ الأجنبي .

والحل المطروح :

     1-هو استبدال تلك الكلمة الموجودة في الترجمتان بكلمة من مرادفاتها للسبب المذكور, والمراجعة الشاملة للكتب المترجمة وخصوصاً القرآن الكريم للوصول إلى ترجمة تتلافى هذه المشاكل وخاصة أن هذا الكتاب موجه للغرب.[29]

 

 

 

2- تجنيد مجموعة من الدعاة لكتابة محاضرات عن عمق الإسلام وشموليته وعر ض الإسلام بوجهه الناصع المشرق وما يحمله من أفكار عملية لخلاص الغرب من مشكلاته[30] المدمرة لواجهته الحضارية وترجمة تلك المحاضرات إلى اللغات الأم ونشرها في الانترنيت خصوصاً وفي الأجهزة الإعلامية الباقية عموماً وأن تعتمد على استراتيجيات زمنية وعملية وأن تتبدل هذه المحاضرات بتبدل المشاكل المطروحة وأن تنال هذه المواقع حظها الوافي من الدعاية الإعلامية .[31]

المبحث الثاني

لماذا الإسلام بتهم بالإرهاب؟؟!!

هناك جملة من الأسباب تجعل الإسلام الهدف الرئيسي المتهم بالإرهاب وهي برأي الغرب: 

1-إقبال الغربيين على اعتناق الإسلام كلما أتيح لهم أن يطلعوا على عظمته، تبرماً  من مادية حضارتهم المغرقة وخوائها الروحي، وإعجاباً بما يحققه الإسلام للإنسان من طمأنينة ترضي تطلعاته إلى الحق، وتوازن لا يهمل بُعده الروحي ومصيره.. حتى إنه بات يشكل - في إحصاءات اليونسكو - الدين الأكثر انتشاراً وتقدماً في العالم بفارق كبير يفصله عن سائر الملل والديانات, يحدث ذلك من دون أية جهود تبشيرية تبذل، وعلى الرغم من النماذج التطبيقية السيئة، ومن التخلف الذي يعيشه العالم الإسلامي، مما يؤكد قدراته الذاتية على الانتشار من جهة، وفعالية الكلمة وحتمية ظهور الحق على الباطل تلقائياً من جهة أخرى، وأن الإسلام يعتمد على هذه القوة الذاتية للحق )وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً({الإسراء:8} [32].

2- ظهور بوادر الصحوة الإسلامية بدءاً من الحركة الإصلاحية للشيخ سعيد النورسي في تركية والمستمرة بقيادة الرجل الحكيم نجم الدين أربكان , وحركة الإخوان المسلمين في مصر بقيادة الشيخ العالم حسن البنا , والمهدي في السودان, وابن باديس في الجزائر, والشيخ راشد الغنوشي في تونس, وحركة العدل والإحسان التي أسسها رجل الدعوة والتربية الشيخ عبد السلام يس في المغرب ، والمجلس الأعلى للدعوة الإسلامية بقيادة الرجل المجاهد الدكتور محمد ناصر رحمه الله في إندونيسيا, والجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر,  وحزب التحرير الإسلامي في الأردن بقيادة الشيخ تقي  الدين النبهاني ,والحركة السلفية في السعودية ,ودعوة الأمام الخميني في إيران[33], وما إلى ذلك من الحركات الإسلامية, وبغض النظر عن خطط عمل كل منها كانت كلها تشترك في حلم العودة إلى الإسلام ونشر نفوذه في بقاع الأرض ولا تختلف تلك الحركات حول القضايا المصيرية الكبرى وهذا  يجعل لمنظمة المؤتمر الإسلامي كيانا سياسياً وجغرافياً متيناً في طريق توحيد المواقف الإسلامية من القضايا العالمية مدعومة بقاعدة شعبية واسعة وهذا - ولا ريب - يفزع أعداء الإسلام .

3- إحياء مبدأ الجهاد في سبيل الله ,وتقديم نموذج جديد وهو العمليات الاستشهادية الذي انفرد به المسلمون ,ونجاحه الذي تركز في كل من الشيشا ن وأفغانستان ولبنان وفلسطين, وأثره الكبير في توجيه السياسة العالمية في المنطقة .ونذكر على سبيل المثال لا الحصر العملية الاستشهادية التي قام بها بطلان من حزب الله في لبنان بتفجير الفندق الذي نزل به جنود المارينز وأسفرت عن مقتل أكثر من مائتي جندي أمريكي ,مما اضطر الولايات المتحدة إلى سحب قواتها من لبنان .[34]

4- زيادة الوعي السائد ضمن المجتمعات الإسلامية لأهمية الثروات الطبيعية في الدول الإسلامية ,وأهمية الدور التي تلعبه في تسخير القوى المناهضة للإسلام وقلبها لصالحه [35].

5- حاجة الدول الاستعمارية لإبقاء قواتها موزعة في العالم العربي والإسلامي ,وذلك لضمان تدخل السريع لحماية المصالح الاقتصادية الهامة في تلك المناطق.

6- التقارب الملحوظ بين الفرق الإسلامية وخصوصا السنة والشيعة ,وعقد المؤتمرات الخاصة بذلك بهدف تمتين العلاقات وحضور أكبر على الساحة السياسية .[36]

7- تشكيل الإسلام والوحدة الإسلامية  العائق الوحيد أمام أي نظام لا يوافق تعاليم الإسلام (كما صرحت بذلك في مجلة العلم والدين الروسية الصادر في أول كانون الثاني عام 1964ما نصه " إننا نواجه في الاتحاد السوفيتي تحديات داخلية في المناطق الإسلامية وكأن مبادئ لينين لم تتشربها دمائهم" .)[37]وإذا كان الاتحاد السوفيتي قد عانى من ذلك فالعولمة التي نسعى الولايات المتحدة إلى نشرها ستواجه صعوبة كبيرة في ظل وعي إسلامي شامل .

8-استقر في دماغ السياسة الأمريكية، منذ غياب الاتحاد السوفيتي- عدوّها التقليدي- أنها بحاجة، أي السياسة الأمريكية، إلى عدو بديل. إذ وُجِدَ على مسرح السياسة العالمية من أقنع ذلك الدماغ بأن المصالح الأمريكية لا تزدهر ولا تتنامى شبكتها في العالم، إلا من خلال اصطفاء عدو، تمارس من خلال معاداته سبل طموحات شركاتها العملاقة وفي مقدمتها تلك التي تنتج الأسلحة المتطورة، وتصطنع الوسائل الرهيبة لتسويقها، واستهلاكها، لا بدّ من سبيل لهيمنتها على الأسواق العالمية، وخير سبيل وأقصره إلى ذلك، فيما يراه دماغ السياسة الأمريكية فتح أنفاق الحروب لتسري من خلالها دماء المصالح الأمريكية.[38]

9- الهياج الخفي الذي يسري في كيان الصهيونية العالمية، من جراء المشروع الذي وصلته أنباؤه، وهو سعي الدول الأوروبية والآسيوية إلى بناء ما يسمونه بالجسر الأوربي الآسيوي بينهما، ومن المعلوم أن روسيا تلعب دوراً رئيسياً لإنجاز هذا المشروع الذي من شأنه إقامة نظام متكامل للقطارات المعلقة بالحقل المغناطيسي، والذي سيمتد من روتردام في هولندا إلى شنغهاي. والهدف من هذا المشروع تأسيس نظام اقتصادي (أوروبي - آسيوي) يحلّ محل الانهيار المالي الذي يهدد العالم وفي مقدمته أمريكا.

   يقول (ليندون لاروش) أحد الذين ترشحوا للرئاسة الأمريكية في محاضرة له ألقيت عبر الإنترنت يوم 24/6/2001: إن القوى الإسرائيلية في الخارج والتي يمثلها بشكل نموذجي زبيغينو برجينسكي -مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي جيمي كارتر- ستحضّر لحرب في الشرق الأوسط لمنع الدول الأوربية والآسيوية من بناء هذا الجسر البري بينهما، والذي من شأنه أن يزيح هيمنة الصهيونية العالمية على الاقتصاد العالمي والنظام النقدي. وينبغي أن تنطلق حرباً دينية ثم تستجر إليها أوربا، وبذلك يتلاشى هذا المشروع في ضرام تلك الحرب المستعرة.[39]

    وليحضر المشهد أمامنا إسلام مدعم بجيش من الدعاة الواعيين المتنورين وقاعدة من الشعوب الراغبة بالوحدة الإسلامية مفتحي الأذهان لأمتهم ومشاكلها الداخلية والخارجية مؤمنين بأن القوة الاقتصادية والعسكرية هي مفتاح الولوج إلى حياة حرة كريمة,هذا يعني بلا شك عودة الإمبراطورية الإسلامية إن صح التعبير , وهو أشد ما يخشاه الغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية.[40]

    (إذاً يعيش الغرب بشطريه الأوربي والأمريكي مرحلة تخوّف مما يسميه التطرف الإسلامي، وهو في الحقيقة ليس تخوفاً من تطرف المسلمين، وإنما هو تخوف من الإسلام ذاته، ومن مستقبل انتشاره الكبير والمتوقع في الغرب عامة وفي أمريكا خاصة‏.‏

    ولقد شاء الله أن يقع في يدي أقدم تقرير[41] غربي يعبر عن هذه المخاوف‏.‏ وهــو ذاك الذي رفعه ‏(‏‏(‏وليم كليفورد‏)‏‏)‏ مدير معهد علما الإجرام في أستراليا، إلى هيئة الأمم المتحدة، في أعقاب سلسلة مؤتمرات عقدتها المنظمة العربية للدفاع الاجتماعي ضدّ الجريمة، والمنبثقة عن جامعة الدول العربية في أواسط السبعينات‏.‏‏.‏ ثم أن يقع في يدي آخر تقرير يعبر عن المخاوف ذاتها، وهو الذي بعث به مجلس الأمن القومي الأمريكي في أوائل التسعينات للدوائر الأمريكيـة المختصة‏.‏‏.‏

    لم يكن التخوف في هذين التقريرين، مما يسمونه‏:‏التطرف الإسلامي‏.‏ وإنما كان تخوفاً من الإسلام ذاته، والواقع أن هذه الحقيقة واحد من الأدلة التي تشهد على أن التطرف الإسلامي الذي نشهده أو نسمع عنه هنا وهناك، إنما يتم التخطيط له في دوائر غربية خاصة، ثم يصدّر ويوحى به إلى عملاء وخبراء متمرسين، في البلاد أو الأماكن التي يتم تنفيذ ذلك التطرف المخطط له فيه ).[42]

إذاً أين يصنع الإرهاب

يمكن أن نقول أنّ الإرهاب صناعة غربية ,فقد أحصي في أوربة وحدها عام 1970 أكثر من مائتي  جماعة إرهابية ,تتخذ من العنف وسيلة للوصول إلى أهدافها أذكر منها:

الجيش الجمهوري الأيرلندي : Ira وهي حركة كاثوليكية مسلحة تنادي بانفصال ايرلندا الشمالية عن بريطانيا .

جماعة بادر ماينهوف : rfa وهي جماعة متطرفة من ألمانيا الغربية تهدف إلى الإطاحة بالنظام الرأسمالي والنظام البرلماني الألماني .

جماعة الألوية الحمراء في إيطاليا وهي حركة ماركسية تهدف هي الأخرى إلى خلخلة السيطرة الرأسمالية للحكومة والسعي لإرساء قواعد الشيوعية .

جماعة الباسك قومية وحرية : رمزها بالأسبانية ETAوهي حركة عسكرية سرية تنادي بوطن قومي والانفصال عن أسبانيا.[43]

ونلاحظ أن الدول العظمى هي عادة ماتتبنى الإرهاب وتعمل على نشره فمثلاً قام الاتحاد السوفيتي سابقاً بدعم الإرهاب والجماعات الإرهابية لتحقيق أهداف سياسية قائمة على منطق استعماري بحت دون النظر إلى النتائج فمثلاً :

قام الاتحاد السوفيتي بإنهاك وإضعاف البنى التحتية الاقتصادية والسياسية للدول التي تقف ضد التحالفات السوفيتية مثل :الناتو حيث قام بدعم الجيش الجمهوري الايرلندي في بريطانيا وذلك من أجل إنهاك  بريطانيا وشغلها بمشكلاتها الداخلية.

إحباط مجهود الدول التي تسعى أو تفكر في الانضمام إلى الناتو فعلى سبيل المثال دعمت موسكو حركات الباسك الانفصالية آملةً أن تغرق إسبانيا في حالة من الفوضى العسكرية ,التي يجعل من الصعب قبولها كعضو كامل في المجموعة الأوربية .

زعزعة استقرار أوربا الغربية إذ أن استقرار أوربا الغربية يعد عامل جذب للدول الأوربية الشرقية مما يؤدي إلى خلخلة التحالف السوفيتي [44].

هذا عن الغرب فماذا عن الشرق يقول الدكتور روجيه غارودي : وأخيراً أرفقت بالكتاب وثيقة هامة جداً وهي عبارة عن مقال نشرته صحيفة (كيفونيم ريفيو ) الإسرائيلية بواسطة الحركة الصهيونية العالمية وهي ليست ورقة عادية أو عفوية , والكاتب هو واحد من القدماء العاملين في حقل السياسة الخارجية في إسرائيل الذي أوضح أن سياسة إسرائيل في الثمانينات ستعتمد على تقسيم جميع الدول العربية على أساس عرقي أو عنصري :

الأردن : بتقسيمه بين الأردنيين والفلسطينيين بعد توطينهم هناك .

العراق : بتقسيمه بين السنة والشيعة .

مصر : إثارة الصدام بين  الأقباط والمسلمين.

الجزائر : بإشعال الحرب بين القبائل .

أما عن منطقة الخليج فتقول الوثيقة : أن هذه الدول ضعيفة لأن معظم شعبها من الأجانب وسيكون من السهل إثارة الحرب بينها من أجل البترول ونشرت بتاريخ يونيو 1982 في الوقت الذي جر فيه غزو لبنان .[45]

ولكي نؤكد على أن الإرهاب صناعة غربية أسوق كلاماً للكاتب برنارد لويس في كتابه :   middle east and west  the يقول فيه : الواقع أن إلحاق المنطقة بالغرب، لم يكن ممكناً إلا عن طريق تفكيكها وتجزئتها، ولو أعطيت لأي سياسي في العالم مسألة يسألونه فيها أن يسعى إلى إلحاق المنطقة العربية بالغرب، لما اختار غير الأسلوب الذي اختاره الغرب فعلاً،وهو تفكيك المنطقة بالفتن الطائفية، والتفتيت الاجتماعي الثقافي، وافتعال الفروقات والخصومات، وتوسيع مواطن الاختلاف، والمبالغة في إبرازها، وليس من شك أن من يسعى إلى هذا، يحزنه مشهد السلام بين الطوائف، ويسعده اندلاع التقاتل بينها، ولعل من يستبعد دور الغرب في إشعال فتيل هذا التهارج، واحداً من اثنين‏:‏ خادع أو مخدوع‏.[46]

المبحث الثالث

هل الإسلام يدعو إلى الإرهاب

بمعناه الاصطلاحي الحديث

لا نجد في ثقافتنا ولا في تعاليمنا ما يسوِّغ لنا بُغض إنسان لأجل لونه أو عرقه أو دينه.

 إن الإسلام أقر اليوم ضمن مبادئه الخالدة مبدأ الأخوة الإنسانية فالجميع خلقوا من أم واحدة وأب واحد )يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ({الحجرات :13}.وقال )يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم  من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء({النساء:1}.وبهذه الإشارة إلا أصل الخلقة الواحدة يريد أن يشعر أبناءه بأن الأخوة تقتضي التعايش السلمي التعاون على البر والتقوى والميل إلى الحب والتسامح وهما أبرز ملامح الأخوة , , وبالمقابل تقتضي الأخوة التباعد عن الحقد والكراهية وجميع أشكال التفرقة والتعصب وبهذا المبدأ وما يترتب عليه  من التزامات متعددة يطفئ الإسلام لهيب أنواع كثيرة من الحروب ويضفي على الإنسانية طابع المودة والسلام.

   ومع تأكيد الإسلام لهذا المبدأ "وهو الوحدة الإنسانية " فقد أكد في آيات كثيرة على تقرير مبدأ السلام الذي يعد ثمرة طبيعية للمبدأ السابق , فكلمة الإسلام في جميع مشتقاتها اللغوية تدور في مظان الأمن والسلامة , قال الله تعالى : )ادخلوا في السلم كافة({البقرة:208}. وقال أبو إسحاق ادخلوا في السِّلْمِ كلِّه أَي في جميع شرائع الإسلام[47]. أي من أراد  أن يعرف معنى السلم فليدخل في الإسلام.

  والإنسان في تعاليمنا مقدّس، خلقه الله في أحسن تقويم، ونفخ فيه من روحه، وسواه فعدله، وفضله على سائر مخلوقاته، وكرمه فأسجد له ملائكته، ونعَّمه فسخَّر له الكون كله وأطلق يده فيه ليكشف قوانينه وأسراره ويستثمرها.. خلقه من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها وبثَّ منهما رجالاً كثيراً ونساءً، وجعلهم شعوباً وقبائل وألواناً وأمماً، وضعهم في حلبة السباق على عتبة واحدة، ليبلوهم أيهم أحسن عملاً، وصان حياتهم، وحرّم دماءهم وأموالهم، وعدّ قتل نفسٍ بغير نفس أو فساد في الأرض معادلاً لقتل الناس جميعاً، وإحياءها كإحياء الناس جميعاً، وجعل الخلق كلهم عيال الله، وجعل أحبهم إليه أنفعهم لعياله، وسوّى بينهم في انتسابهم لآدم جميعاً، فلا فضل لأحد منهم على الآخر إلا بالتقوى والعمل الصالح.

  ولا يصح إيمان المسلم ما لم يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله جميعاً لا يفرق بين أحد من رسله، ولأهل الكتاب عند المسلم مكانة خاصة، يجمع بينهم قاسم مشترك، وكلمةٌ سواءٌ يدعوهم إليها، هي كلمة التوحيد )ألا نعبُدَ إلا الله، ولا نشرك به شيئاً، ولا يتخذ بعضُنا بعضاً أرباباً من دون الله( [آل عمران :64]. وللنصارى عنده مكانة مميزة )لتجدن أشد الناس عداوةً للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا، ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى؛ ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون( [المائدة :82].

  وعداوة اليهود للذين آمنوا من سائر البشر، ليست عداوة متبادلة بل هي عداوةٌ من طرف واحد، إذ عدوا أنفسهم شعب الله المختار، ليسوا بشراً مثل سائر الناس: فصور الله تعالى ما انطوت عليه نفوسهم أروع تصوير: )هاأنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم، وتؤمنون بالكتاب كله، وإذا لقوكم قالوا آمنا، وإذا خلَوْا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ([آل عمران:119].

  وإنما صيغت نفس المسلم على الحب: حبٍّ لله، وحبٍّ لعباده، وحبٍّ للبيئة من حوله، فالمؤمنون هم الأشد حباً لله، حباً متبادلاً )يحبهم ويحبونه( [المائدة: 54]. وهو قد )كتب على نفسه الرحمة([الأنعام :12]، وهم )رحماء بينهم( [الفتح :29]، )ويتفكرون في خلق السماوات والأرض، ربنا ما خلقت هذا باطلاً، سبحانك( [آل عمران :191]، وذلك في تناغم كامل مع الطبيعة والبيئة والشجرة وما خلق الله في الأرض من دابة، حتى إن القرآن العظيم ليجري - في سياق هذا التناغم- حواراً بين الإنسان وأعضائه، وبينه وبين النمل والطير وسائر الكائنات الحية والجامدة، كلٌّ يقول: )أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء( [فصلت :21].

   وبمقتضى هذا الحب المتبادل بين الله والإنسان والبيئة، تهفو نفس المؤمن إلى كل ما يحبه الله تعالى فيحبه، وتعاف كل مالا يحبه الله فيكرهه، فهو يحب المحسنين والمتقين والمقسطين والصابرين والمتوكلين والتوابين والمتطهرين، لأن الله يحبهم، ويبغض الفساد والمفسدين والخائنين والمختالين والمستكبرين والمعتدين والظالمين والمسرفين لأن الله نفى محبته لهم.

وكذلك أقام الله تعالى العلاقة بين المسلم وغير المسلم على الحب، ولو كان هذا الحب من طرف واحد، بمعنى أن المسلم إنما يحب في الآخر إنسانيته، فهو يحب له ما أحبه لنفسه من نعمة الإسلام، ويتمنى له أن يدخل في الإسلام،فإن هو آثر التشبث بدينه ورفض الدخول في الإسلام، فإن ذلك لن يشكل حاجزاً بينهما، يقطع أواصر المحبة والتعاون، ويثير بينهما العداوة والبغضاء بل إن الإسلام رسم لهما السبل الكفيلة باستمرار هذه العلاقة، التي يديرها المسلم بحسب أحوالها المختلفة على النحو التالي:

1- حالة التعايش والود المتبادل: تحكمها الآية القرآنية )لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم( [الممتحنة :8]، والبر هو أعلى درجات الحب والمودة، ويكون لكل منهما أن يمارس عباداته ويعيش حياته على النمط الديني الذي ارتضاه، وليس للمسلم أن يزيد في دعوته إلى دينه عن تقديم النموذج الصالح والقدوة الحسنة، والحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن في الظروف المناسبة حفاظاً على حبل المودة والعلاقة الحميمة.

2- حالة التنافر والتخاصم التي ربما تشوب العلاقة بينهما، فالمسلم هنا مأمور بأن لا يبادر بالعدوان )ولا تعت

عدد القراء : 1221