shikh-img
رسالة الموقع
أول أيام شهر رمضان للعام 1442 هجري، هو يوم الثلاثاء الواقع فث 13/ 4/ 2021 ميلادي. تقبل الله منا و

أفضل التنمية البشرية حسن استغلال الموارد في التعليم

أفضل التنمية البشرية حسن استغلال الموارد في التعليم

 

الدكتور الشيخ علاء الدين زعتري

أمين الفتوى العامة في وزارة الأوقاف

الجمهورية العربية السورية

E.Mail:alzatari@scs-net.org

 

الحمد لله حمد الشاكرين، المعترفين بفضل الله رب العالمين، والصلاة والسلام على الهادي الأمين أول من وجه بالوقف، وجعله سنة حسنة يستفيد منها الفقراء والمساكين، وغيرهم، وبعد:

نظريتان:

الأولى: أفضل الاستثمار في التعليم

والأخرى: الوقف يمد التعليم بالتمويل

 

النظرية الأولى:

اقتصاديات التعليم ECONOMICS OF EDUCATION

 

نظرية الاستثمار في رأس المال البشري  Human Capital Theory

تعود بدايات هذا الفرع أو العلم إلى كتابات آدم سميث Adam Smith في مؤلفه الشهير ثروة الأمم The Wealth of Nations الذي نشر سنة 1776م.

حيث بين أهمية التعليم ورأى أن التعليم هو المجال الذي يمكن أن يمنع الفساد بين العمال بل انه سيكون عنصر فعال في استقرار المجتمع اقتصادياً وسياسياً، واتفق معه في ذلك مالتوسMalthus صاحب نظرية السكان المشهورة، وقد اعتبر التعليم عامل من عوامل تحديد النسل، كما أعتبر سميث التعليم من عناصر رأس المال الثابت Fixed Capital مثل المباني والآلات والمعدات.

ويعد الاقتصادي الكبير الفرد مارشال A. Marshal من أوائل الاقتصاديين الذين أشاروا إلى القيمة الاقتصادية للتعليم حيث أكد على " أن أكثر أنواع الاستثمارات الرأسمالية قيمة ما يستثمر في البشر"([1]).

كما أن وليم بيتيW. Peety حاول قياس رأس المال البشري وطالب الاقتصاديين من بعده بتخصيص رؤوس أموال كبيرة للتعليم، وأكد كارل ماركس C.Marx على علاقة التعليم بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية، كما أكد على أهمية التعليم والتدريب في زيادة وترقية مهارات العمل.

إلا أن البداية الحقيقية أو ولادة حقل اقتصاديات التعليم كانت عقب الحرب العالمية الثانية وبالتحديد في نهاية الخمسينات وأوائل الستينات من القرن العشرين على يد روبرت سولو R.Solow 1957 وثيودور شولتز T.W.Schultz 1960 وجاري بيكر G.S.Becker 1962، ودينيسون E.Dension 1962 وهاربيسون Haribson 1964 وغيرهم.

وتعد الفترة من 1970-1960 المرحلة التي تبلور فيها هذا الحقل وتطورت فيها الدراسات والأبحاث التطبيقية، وهناك من يسميها فترة أو مرحلة الحماس، وقد برز أيضاً في هذا المجال عبد الله عبد الدايم وحامد عمار في الوطن العربي، أما في العقود الثلاثة التالية فقد برز بعض من الاقتصاديين والتربويين مثل جورج ساكاروبولس G. Psacahropouls وتيلاك Tilak وغيرهم في الدول المتقدمة ومحمد غنيمة في الوطن العربي.

مفهوم علم اقتصاديات التعليم Economics of Education

يعتبر من التخصصات أو الفروع الحديثة والتي تهتم بالأنشطة التعليمية من الناحية الاقتصادية والتي شاعت بعد الحرب العالمية الثانية والتي أثرت في كل من الفكر الاقتصادي والتربوي تأثيراً واضحاً في كثير من الدول.

ويعرف علم اقتصاديات التعليم بأنه: علم يبحث أمثل الطرق لاستخدام الموارد التعليمية مالياً وبشرياً وتكنولوجياً وزمنياً من أجل تكوين البشر بالتعليم والتدريب عقلاً وعلماً ومهارة وخلقاً وذوقاً ووجداناً وصحة وعلاقة في المجتمعات التي يعيشون فيها حاضراً أو مستقبلاً ومن أجل احسن توزيع ممكن لهذا التكوين "([2]).

وقد عرف كوهن Cohn اقتصاديات التعليم بأنه: "دراسة كيفية اختيار المجتمع وأفراده استخدام الموارد الإنتاجية Productive resources لإنتاج مختلف أنواع التدريب وتنمية الشخصية من خلال المعرفة والمهارات وغيرها اعتماداً على التعليم الشكلي خلال فترة زمنية محددة وكيفية توزيعها بين الأفراد والمجموعات في الحاضر والمستقبل".

أي أن اقتصاديات التعليم تهتم بالعمليات التي يتم بها إنتاج التعليم وتوزيعه بين الأفراد والمجموعات المتنافسة، وتحديد حجم الإنفاق على التعليم سواء من الأفراد أو المجتمع، وعلى طرق اختبار أنواع التعليم، وناتجها وكفايتها الكمية والنوعية (الكيفية) ([3]).

النظرية الأخرى:

من جهة أخرى:

هناك عدة دواعي تستوجب العمل على تفعيل المساهمات المدنية بمختلف صورها وأشكالها؛‏ من تبرعات مالية‏,‏ ومساهمات عينية‏,‏ من أجل المشاركة في حل مشكلات التعليم العالي والنهوض به وتطويره‏.‏

ويدعو أصحاب الفكر إلى إنشاء جامعة أهلية غير هادفة للربح‏,‏ وذلك في محاولة لإعادة تفعيل دور المجتمع المدني والمبادرات الأهلية في دعم التعليم العالي‏.‏

وتأتي أهمية مشروع الجامعة الأهلية من استنادها إلى مبادرات حرة من الأفراد ومؤسسات المجتمع المدني التي لا تجعل الربح وجمع الأموال هدفا لها‏,‏ وإنما تسعي إلي الارتقاء بالعملية التعليمية وإتاحة الفرصة أمام أبناء الفقراء المتميزين كي يحصلوا علي نصيبهم من العلم والمعرفة‏.

 وفي هذا المجال يوفر نظام الوقف الإسلامي مصدراً مهماً لتمويل التعليم‏,‏ وهناك دلائل تدعو إلى ضرورة استعادة دوره في الوقت الراهن‏.‏

فقد كانت مهمة التعليم في جميع مستوياته إحدى مسئوليات المجتمع في ظل الدولة التقليدية القديمة‏,‏ وكان تمويل العملية التعليمية وملحقاتها يتم بالمبادرات الخاصة‏,‏ وأساسا من خلال نظام الوقف‏.‏

وقد أثبتت صيغة الوقف كمصدر أساسي للتمويل الذاتي أنها أكثر الصيغ مناسبة من حيث استقرار المؤسسات التعليمية ذاتها‏,‏ والاستمرار في الأداء دون تأثير كبير بالتقلبات والأزمات الطارئة‏,‏ والاستقلال في البحث والحرية في الفكر‏.‏

وإذا عدنا إلي المادة التاريخية لإسهام فاعليات المجتمع الأهلي أو المدني في مجال التعليم العالي بصفة خاصة‏,‏ والتعليم العام بصفة عامة‏,‏ فسوف نلاحظ أن مجالات التدخل الأكثر أهمية للأوقاف كانت في مجال التعليم‏.

 وتؤكد المصادر التاريخية المكانة المتقدمة التي احتلتها علوم الطب والهندسة والفلك والفيزياء والجبر في اهتمامات مؤسسي الأوقاف في سياق السعي من أجل تطوير العلوم وتقدم المجتمع‏,‏ إلي جانب أصناف العلوم والآداب والفلسفات الأخرى‏.

وعلى ضوء عمليات المراجع ومتطلبات التحديث تبلورت ثلاثة اتجاهات بشأن الوقف‏:

‏أولها: كان يهدف إلى مواصلة العمل بنظام الوقف والمحافظة على إسهامه في المجال التعليمي‏,‏ مع إدخال بعض الإصلاحات الجزئية التي توفر له قدراً أعلى من الفاعلية وحسن الأداء بعد أن كانت تدهورت بفعل عصور الانحطاط التي مر بها‏.‏

والثاني: أخذ صفة تفاوضية بين القوي الاجتماعية والتيارات السياسية‏,‏ وعبرت عنه القوانين الخاصة بالجمعيات والمؤسسات الأهلية الحديثة‏,‏ وتحديد علاقتها بالأوقاف والهبات وتقديم الخدمات التعليمية في سياق منفصل عن السياق التقليدي السابق‏.

‏أما الاتجاه الثالث: فقد سعي إلي تصفية نظام الوقف‏,‏ ودمج موروثاته في الدومين العام للدولة وبيروقراطيتها الحكومية‏,‏ بما في ذلك الأوقاف التي كانت مخصصة للتعليم العالي‏.‏

ومع مرور الدول العربية والإسلامية بتجارب مختلفة فيما يخص عمليات الوقف والاستفادة منه، وبعد الانفتاح العالمي كان من المفترض أن تشهد الدول المعينة عودة الحيوية إلى مؤسسات المجتمع المدني اللاربحية في دعم وتطوير التعليم العالي‏,‏ وما دونه‏.‏

ولكن الموجة الحالية لا تزال مندفعة نحو تأسيس جامعات خاصة ربحية يستفيد أصحابها من الظروف الراهنة لعملية التحول نحو اقتصاد السوق‏.

فقد وجدت المبادرات الخاصة أن سوق التعليم واسعة ومغرية ومربحة‏,‏ فصارت تلك المبادرات تأخذ الثروة من المجتمع إلى الأفراد عبر مشروعات التعليم العالي‏-‏ وما دونه‏-‏.‏

وما زالت الفكرة الأساسية لعملية بناء الدولة الحديثة هي الاعتماد على نظام المؤسسات والجمعيات الحديثة‏,‏ دون بذل محاولة جادة لربطها بنظام الوقف‏,‏ ودون أي محاولة جادة أيضاً لإصلاح نظام الوقف ذاته وبقية مصادر التمويل الذاتية‏,‏ وتفعيل إسهامها في المجال المدني العام‏,‏ وفي مجال التعليم‏,‏ والتعليم العالي علي وجه الخصوص، مع ملاحظة تجربة الكويت الشقيقة في مجال حسن إدارة الوقف‏.‏

وتؤكد التجارب العالمية أن الاستثمار في المعرفة والعلم هو أهم الوسائل التي تؤدي إلي نجاح العمل المدني ذاته من جهة‏,‏ وإلى تطوير المجتمع وحل مشكلاته من جهة أخرى.

ويأتي الوقف ليوفر مصدراً مهماً لتمويل التعليم‏,‏ وما زالت الدلائل تشير إلى أن هذا النظام لا يزال يحمل بداخله عوامل بقائه وإمكانات تجديده وتفعيله في المجال التعليمي على وجه الخصوص‏؛ تاريخاً وحاضراً.‏

فدروس نظام الوقف التي يكشف عنها تراث الأمة العظيم في مجال التعليم العالي‏,‏ يشكل نموذجاً استرشادياً يساعد مع فعاليات أخري في بناء مجتمع مدني حقيقي‏.

    ونسجل شاهداً حضارياً على دور الأوقاف في مجال التعليم والثقافة الإسلامية:

    قال ابن كثير في البداية والنهاية في حوادث عام 631هـ: (فيها كمل بناء المدرسة المتنصرية ببغداد، ووقفت على المذاهب الأربعة من كل طائفة اثنان وستون فقيهاً وأربعة معيدين، ومدرس لكل مذهب وشيخ حديث، وقارئان وعشرة مستمعين وشيخ طب، وعشرة من المسلمين يشتغلون بعلم الطب ومكتب للأيتام.. ووقفت خزائن كتب لم يسمع بمثلها).

    ويؤكد ما نسعى إليه د./ كامل جميل العسلي في بحثه عن مؤسسة الأوقاف ومدارس بيت القدس فيقول: (كان نظام الأوقاف هو العمود الفقري للمدارس وللمؤسسات التعليمية الأخرى كالمساجد والزوايا والربط والخوانق... وبلغ عدد المدارس في بيت المقدس من القرن 5-12 الهجري حوالي 70 مدرسة كلها مدارس موقوفة تُقدم التعليم مجاناً من ريع أوقافها بالإضافة إلى مرتبات ومخصصات للطلاب) ([4]).

إن الإنفاق الشخصي على أوقاف المدارس قد حقق نتائج منها الفن المعماري وتهيئة فرص التعليم المجاني للطلبة وتوفير وظائف مجزية للمدرسين والعاملين، مما جعل بيت المقدس مركزاً مهماً ورئيساً للعلم والثقافة في العالم الإسلامي كله.

إن دور الأوقاف في الحياة العلمية والثقافية دور بارز مميز ويؤكد ذلك من كتب عن الحضارة الإسلامية والوقف ومنهم الأستاذ بنعبد الله حيث يقول([5]): (اتخذ المسلمون في بداية أمرهم وعهودهم الأولى المساجد معاهد للتعليم فكانت الجماعة (جماعة المسجد المشرفة على الوقف) تتكفل بأرزاق ومعاش المعلمين عن طريق الوقف).

    و الوقف الإسلامي ليس له حدود جغرافية بل شمل جميع الأراضي حيث فيها مسلمون، ويؤكد هذا الانتشار د. السباعي في قوله([6]): (أما المدارس وهي التي قامت على الأوقاف الكثيرة التي تبرع بها الأغنياء من قادة وعلماء وتجار وملوك وأمراء، فقد بلغت من الكثرة حداً بالغاً، وحسبك أن تعلم أنه لم تخل مدينة ولا قرية في طول العالم الإسلامي وعرضه، من مدارس متعددة يُعلم فيها عشرات من المعلمين المدرسين..

ومما يذكر في تاريخ أبي القاسم البلخي، أنه كان له كُتّاب (مدرسة) يتعلم به ثلاثة آلاف تلميذ، وكان كُتابه فسيحاً جداً بحيث يحتاج إلى أن يركب حماراً ليتردد بين طلابه والإشراف عليهم..

ويضيف د. السباعي قائلاً: وأظهر مثال حي لهذه المدارس الجامع الأزهر، فهو مسجد تقام في أبهائه -جمع بهو- حلقات للدراسة.. وغرف لسكن الطلاب -حسب البلد- فهناك رواق للشاميين ورواق للمغاربة ورواق الأتراك ورواق للسودانيين..

ولا يزال طلاب الأزهر يأخذون راتباً شهرياً من ريع الأوقاف.. وكانت المدارس متعددة الغايات فمنها مدارس تحفيظ القرآن الكريم وتفسيره وحفظه وقراءته، ومدارس الحديث والفقه بجميع فروعه، والطب).

وعن المغرب العربي يشير إلى المدارس والتعليم الأستاذ/ التجكاني في كتابه (الإحسان الإلزامي في الإسلام) فيقول([7]): تحت عنوان أوقاف التعليم: نعرض لثلاثة أنواع هي:

  • أوقاف حفظ القرآن الكريم: حيث توجد بالمغرب أوقاف بعضها لتوفير الألواح التي يكتب عليها التلاميذ القرآن الكريم، أو الأقلام والإنارة ولمعلمي القرآن الكريم.
  • توجد أحباس (أوقاف) خاصة لسكنى طلبة العلم ومن ذلك مؤسسة جامع لوقش بها حوالي ستين غرفة محبّسة لسكنى الطلبة وإطعامهم.
  • يوجد بالمغرب، ومنذ عهد المرينيين أوقاف لكراسٍ علمية خاصة بمواد محددة، ومنها:

أ- كرسي تفسير الفخر الرازي بجاس الأندلس بفاس.

ب- كرسي صحيح البخاري بشرح فتح الباري لابن حجر.

جـ- كرسي تهذيب البراذعي في الفقه المالكي بجامع الأذرع بفاس.

د- كرسي المدونة في الفقه المالكي بجامع الأندلس بفاس.

هـ- كرسي السيرة النبوية بالزاوية التيجانية بتطوان وغيرها كثير.

ويضيف الأستاذ التجكاني: وأخيراً فإن الأوقاف المرتبطة بالتعليم زخر بها العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه، لحدّ أن الرحالة ابن جبر ينصح طلبة المغرب بالرحلة إلى دمشق؛ حيث يتوفر للطلبة من الوقف كل شيء فيقول: (أما الشأن بدمشق أمر عجيب.. فمن شاء الفلاح من نشأة مغربنا فليرحل إلى دمشق ويتغرب في طلب العلم.. فهذا المشرق بابه مفتوح لذلك، فادخل أيها المجتهد بسلام وتغنم الفراغ والانفراد).

تجارب حاضرة للوقف في تطوير التعليم:

هناك بعض التجارب الناجحة في جامعات البلاد المتقدمة بالاعتماد في حالات متعددة على فكرة الوقف.

وأيضاً التجارب الواعدة في عدد من البلدان الإسلامية مثل: تركيا وإيران وماليزيا‏.

بالإضافة إلى: سعي عدد من دول لحشد جميع الطاقات والمساهمات للمشاركة في ميادين كانت قد احتكرتها سابقا، وتبين لها منذ حين أن أعباءها فوق طاقتها بمفردها.

تجارب رائدة:

تجربة لجنة مسلمي إفريقيا (جمعية العون المباشر)

لجنة مسلمي إفريقيا التي تعمل من دولة الكويت، والتي غيرت اسمها أخيراً إلى "جمعية العون المباشر": هيئة خيرية عاملة بإفريقيا، ولها تجربة غنية ورائدة في مجال الإغاثة ومشاريع البر والإحسان والمشاريع التعليمية والثقافية، وأملاكها وأموالها في جوهرها وحقيقتها هي عبارة عن أحباس. وتعرف هذه الهيئة نفسها بما يلي:

أ) طبيعة اللجنة:

  1. لجنة مسلمي إفريقيا منظمة غير حكومية (NGO) مقرها الرئيس بدولة الكويت، تأسست عام 1981 على أيدي مجموعة من الأطر الكويتية، بهدف تعميق الروابط الثقافية والإنسانية مع القارة الإفريقية، التي تربطها بالبلدان العربية علاقات قديمة وقوية.
  2. لجنة مسلمي إفريقيا تختص بمجالات التنمية الاجتماعية، خاصة في المناطق القروية، ولفائدة السكان عامة، دون أي تمييز على أسس قبلية أو دينية أو غيرها. وتهدف إلى النهوض بمستوى السكان في المجالات الحيوية عن طريق مشروعات وخدمات محددة.
  3. لجنة مسلمي إفريقيا منظمة ليس لها أي طابع سياسي، وهي حريصة أن تبقى في منأى عن هذا المجال. وهذا ما أكسبها علاقات إيجابية جداً مع جميع الدول الإفريقية التي لها مكاتب بها، ويبلغ عددها 34 مكتباً تعمل، بصفة رسمية، وفق اتفاقيات موقعة مع هذه الدول، تحدد مجالات نشاط اللجنة، والتزامات كل طرف.

ب) مجالات العمل:

تركز اللجنة نشاطاتها في مجالات التنمية الاجتماعية الحيوية، التي غالباًً ما تكون نسبة الاستثمار فيها ضعيفة في العديد من الدول الإفريقية.

وهذه هي أهم المجالات:

* بناء المساجد والمدارس القرآنية.

*  التعليم: بناء وتسيير مدارس قروية ( ابتدائي، متوسط، ثانوي).

* مساعدة طلبة العلم بالمنح، أو دفع الرسوم الدراسية عنهم.

* الصحة: إنشاء مستوصفات ومستشفيات ومراكز صحية، وتنظيم قوافل طبية وحملات تطعيم.

* المياه: حفر آبار سطحية وأرتوازية.

*  الرعاية الاجتماعية: بناء وتسيير دور الأيتام، كفالة الأيتام، الاهتمام بالمعوقين.

* تأهيل النساء: إنشاء مراكز التأهيل، ومحو الأمية، والتوعية الصحية والثقافية.

* التكوين المهني.

* التغذية.

* الإغاثة.

ج) مصادر التمويل:

تتكون من ثلاثة مصادر:

ـ تبرعات من أشخاص طبيعيين، وهم من عامة الشعب بمختلف فئاته.

ـ تبرعات من شخصيات اعتبارية، مؤسسات حكومية وأهلية..

ـ استثمارات خاصة في بعض القطاعات الاقتصادية(1).

وتفتح "جمعية العون المباشر" الأبواب لإقامة أوقاف متعددة  الأَغراض والاختصاصات، على شكل أسهم تشبه أسهم الشركات، فيشترك كل واحد في الوقف الذي يريد، بسهم واحد أو بعدد من الأسهم كما يريد. وفيما يلي المجالات الوقفية المفتوحة عند الجمعية، وقيمة السهم في كل مجال  بالدينار الكويتي، مع ملاحظة أن وقف الدعاة والأيتام مقدر بحسب كلفة الشخص الواحد.

  1. وقف أضاحي (300 د. ك).
  2. وقف إفطار الصائم (300 د.ك)
  3. وقف تعليمي (100 د. ك)
  4. وقف عقاري (100 د.ك)
  5. وقف أيتام (1.500 د. ك. لليتيم الواحد)
  6. وقف دعاة (3.600 د.ك. للداعية)
  7. الصدقة الجارية (10 د.ك)
  8. وقف مراكز إسلامية (50 د.ك)
  9. وقف الإغاثة (100 د.ك)

وكان الدكتور عبد الرحمان حمود السميط، رئيس هذه الهيئة ومؤسسها، قد فاز بجائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام، لسنة 1419هـ، وقيمتها مائتـا ألف دولار أمــريــكي ($ 200.000)، فقرر المساهمة بالمبلغ في الوقف التعليمي للجمعية([8]).

وفيما يلي خلاصة موجزة بالأرقام لأهم منجزات هذه الهيئة إلى حدود سنة 1998، كما نشرتها على ظهر أحد كتيباتها الذي صدر بعنوان "رحلة الأيام السبعة".

"بفضل اللَََّه عز وجل، تمكنت لجنة مسلمي أفريقيا من إنجاز ما يلي:

ـ نصف مليون طالب أفريقي يدرسون في مدارسها.

ـ دفع رسوم الدراسة عن 95 ألف طالب أفريقي.

ـ ترجمة وطباعة 6.5 مليون كتيب ب 18 لغة.

ـ شراء وتسيير إذاعة القرآن الكريم في سيراليون، منذ عام 1986م.

ـ بناء وتسيير كلية التربية بزنجبار، وكلية الشريعة بكينيا.

ـ بناء وتسيير 34 مستشفى، وأكثر من 100 مستوصف.

ـ كفالة 8.500 يتيم.

ـ حفر 2.000 بئر ارتوازي، ومئات الآبار السطحية.

ـ بناء 1.200 مسجد.

ـ بناء وتسيير 102 من المراكز المتكاملة ( مدرسة، دار أيتام، مسجد، دار تدريب نساء.. الخ).

ـ تنفيد عدد من السدود المائية في مناطق الجفاف.

ـ إقامة عشرات المخيمات الطبية ومخيمات العيون.

ـ تخصيص أكثر من 300 منحة دراسية من مستوى الدراسات العليا إلى الدول الغربية، في مجالات الطب والهندسة والعلوم.

ـ إقامة مئات الدورات الشرعية والتعليمية للدعاة والمدرسين.

ـ توقيع عدد من الاتفاقيات مع منظمات دولية وغربية، من أهمها: اتفاقية تعاون مع منظمة الصحة العالمية، واتفاقيات أخرى مع اليونسيف، ووكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، وبرنامج الغذاء العالمي، ومنظمات دولية أخرى.

ـ بناء وتسيير 104 مراكز  لتدريب النساء المسلمات الفقيرات.

ـ تقديم قروض إنتاجية بدون فوائد لأكثر من 1.500 مشروع زراعي ومهني، وغيرها لفقراء المسلمين.

ـ كفالة إرسال 920 حاجاً لإفريقيا من شيوخ القبائل وقيادات المجتمع.

وهذا نموذج محدد لأعمال جمعية العون المباشر، يكشف لنا جزءاً صغيراً من أعمالها ومن طريقة عملها، وهو (دار النجاشي لرعاية الأيتام) المقام في أثيوبيا، وهو واحد من بين 121 مركزاً للأيتام أقامتها اللجنة بمختلف الدول الإفريقية.

دار النجاشي للأيتام: بدأت عملها سنة 1994م، بتبرع من أحد المحسنين بكلفة كراء مبنى الدار لمدة سنتين. وأثناء هذه الفترة تقدم محسن آخر فدفع ثمن بناء الدار وجعلها وقفاً في سبيل اللَّه على الأيتام، وتم الانتقال إلى الدار الجديدة في شهر غشت 1996م. وتسع هذه الدار تسعين يتيماً، يتمتعون بالإقامة والطعام والشراب والتعليم والرعاية الصحية.

ودار النجاشي للأيتام، هي جزء من الأعمال والمرافق الخيرية التابعة لمركز النجاشي الإسلامي، بمدينة نازريت الأثيوبية. وهو المركز الذي ـ بالإضافة إلى إشرافه على دار الأيتام ـ يشرف على: مسجد جامع ومركز طبي، ومدرسة ابتدائية للبنين، ومدرسة ابتدائية للبنات، ومدرسة ثانوية، ودار لتأهيل النساء، وسكن الموظفين، ومقر للجمعية (جمعية العون المباشر)([9]).

تجربة الوقف الإسلامي في الولايات المتحدة الأمريكية:

تعرف أوساط المسلمين في البلدان الغربية حركة متنامية لحفظ دينهم وهويتهم وثقافتهم، والدفاع عن حقوقهم ومركزهم في هذه المجتمعات. وقد بدأت هذه الحركة على شكل مبادرات صغيرة محلية وفردية، ثم أخذت هذه المبادرات تتسع وتتلاقح، فصارت  تنضج وتنتظم، ثم تطورت إلى هيئات ومؤسسات ومراكز متعددة الخدمات. وقد وصل الأمر إلى حد إقامة مؤسسات جامعية، كما هو الشأن في إسبانيا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية.

ونظراً لشدة الاحتياج إلى الدعم المالي أو التمويل الكامل لهذه الأنشطة والمؤسسات، واحتياجها على وجه التحديد إلى تمويل مستمر ومنتظم ومضمون، فقد كانت فكرة الوقف هي الملجأ والحل. وهكذا بدأ المسلمون المغتربون يطرقون هذا الباب مستفيدين من تراثهم الديني والحضاري، مع تكييف مشاريعهم مع المقتضيات القانونية للبلدان التي يقيمون فيها. ومن هذه المشاريع: "الوقف الإسلامي الأوروبي" المسجل في بريطانيا في إطار شركة خيرية ذات مسؤولية محدودة، وبعض المشروعات الوقفية سجلت في إطار شركات تضامن([10]).

الوقف الإسلامي لأمريكا الشمالية

وهو النموذج الذي نعرض شيئاً عن مجالاته ومنجزاته اعتماداً على البحث الذي قدمه الدكتور جمال برزنجي في ندوة "نحو دور تنموي للوقف" التي نظمتها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت، سنة 1993م.

الوقف الإسلامي لأمريكا الشمالية: تم تأسيسه وتسجيله بصفة قانونية بالولايات المتحدة الأمريكية سنة1971م، وأوكلت إليه في البداية المهام التالية:

  1. حيازة أملاك ومشاريع اتحاد الطلبة المسلمين بصفتها أملاكاً حبسية، وترك الاتحاد يتفرغ للعمل الدعوي.
  2. تحبيس ملكية المساجد والمراكز الإسلامية القائمة على هذا الأساس.
  3. توفير الأموال الضرورية للاتحاد ولأنشطته، عن طريق استثمارات تسد احتياجاته وتعفي مسؤوليه وأنشطته من الانشغال بجمع التبرعات.

وفي غضون عقدين من تأسيس هذا الوقف، تمكَّن من امتلاك 191 عقاراً، تبلغ قيمتها الإجمالية 70 مليون دولار أمريكي. كما قام باستثمار الأموال الخاصة بالمساجد والمراكز والمدارس الإسلامية بما يزيد مجموعه عن 20 مليون دولار. كما قام بإنشاء عدد من المدارس الإسلامية، وساهم في تمويل الاتحاد الإسلامي لأمريكا الشمالية. كما قدم خدمات وخبرات عديدة للمسلمين في مشاريعهم الخيرية، مثل الاستشارات القانونية، ونشر الكتاب الإسلامي، والأشرطة السمعية والبصرية للقرآن الكريم، ومواد إسلامية متنوعة.

مؤسسة سار الخيرية:

وهي مؤسسة أخرى للوقف الإسلامي مقرها بولاية فرجينيا بالولايات المتحدة الأمريكية، ولها فروع ذات استقلال قانوني محلي بكل من زمباوي، وساحل العاج، وكندا، وشيلي، ومصر، والمغرب، وتركيا، وماليزيا، وروسيا، إضافة إلى سار أنترناشيونال بواشنطن.

ولها استثمارات في قطاع الصناعات الغذائية والزراعة، وقطاع البناء والعقار وتطوير الأراضي، وقطاع التكنولوجيا المتقدمة، وقطاع النسيج، وقطاع الأدوية، وقطاع التجارة، وغيرها.

ومن أعمالها الخيرية خلال السنوات العشر الأولى من عمرها:

  1. إنشاء صندوق القروض والمنح الدراسية.
  2. تبني ودعم الأقليات الإسلامية المضطهدة، ومساعدتها على تحسين أحوالها.
  3. دعم المعهد العالمي للفكر الإسلامي.
  4. الاشتراك مع هيئات خيرية أخرى في عدد من الأعمال الخيرية.
  5. إنشاء عدد من المساجد والمدارس والمراكز الإسلامية في عدد من الدول([11]).

تجارب خاصة:

الحديث عن مجمع الشيخ أحمد كفتارو:

الأوقاف ودورها الحضاري:

تعريف الوقف:

الوقف (The  Trust) يعني ما قاله e لعمر t: "احبس أصلها وسَبَّل ثمرتها"([12]).

فالوقف بهذا النص يعني: عدم التصرف في الأصل الموقوف والتصرف في عوائده واستثماراته في مجالات البر والإحسان.

الدور العلمي والثقافي للأوقاف في الحضارة الإسلامية

للأوقاف الإسلامية دور مميز في الحياة الإسلامية عبر التاريخ والحضارة الإسلامية، وإن المتتبع للتاريخ ليقف عاجزاً عما كانت تسديه الأوقاف من أعمال جليلة في شتى شؤون الحياة الإنسانية.

وللأوقاف دور عظيم في الحضارة الإسلامية فيما يتعلق بتطور العلم والثقافة والأدب، وذلك من خلال الكتاتيب والمدارس والمعاهد والكليات والجامعات.. وقد حفل تاريخ التعليم الإسلامي بمن سجل هذا الدور المميز للأوقاف التي حافظت على قيمة العلم والعلماء والارتقاء بالطلاب وثقافتهم..

والأوقاف الإسلامية ليس له حدود جغرافية بل توجد حيث يوجد الإسلام لأنه دين الرحمة والعطف والخير والبرّ.

والأمثلة القليلة التي ذكرناها تؤكد الدور الإيجابي للأوقاف الإسلامية في العملية التعليمية كما تعرف الآن، أو في التعليم مثل الكُتاَّب والمدارس بأنواعها والكليات والمعاهد، التي ازدهرت بها عواصم ومدن وقرى الإسلام في كل نواحيه.

وكما لوحظ فإن الأوقاف كانت توقف طلباً للأجر والثواب من الله في الدنيا والآخرة، كما كانت شاملة وعامة لكل محتاج إليها من طلبة العلم من جميع الأنحاء كما كان يستفيد منها بل ويتعفف بها الأساتذة والعلماء والأئمة الذين يأنفون أخذ المال من الناس والحكام والأمراء حتى لا يتهموا في دينهم وعلمهم.

وكذلك رأينا أن الأوقاف لم تُحْصَر على تعلم تخصص واحد بل رأينا المدارس تهتم بمعظم العلوم والفنون والدراسات التي تخدم المجتمع مع التركيز على العلم الشرعي والعلوم النافعة الأخرى في الدين والدنيا. 

الوقف والبحث العلمي كاستثمار

تاريخ الوقف الإسلامي وتطوره:

عرف العرب قديماً الوقف في صور عديدة كوقف أماكن العبادة، وما يوقف أو يحبس، وتكون منافعه أو ريعه وقفاً عليها.

في صدر الإسلام، شمل الوقف أوجهاً أخرى اجتماعية وثقافية واقتصادية وتوسعت شعبه فشملت الوقف على التعليم، وعلى العلماء وطلاب العلم، وعلى الفقراء والمساكين. وعلى مر الزمن، شمل الوقف أيضاً المستشفيات والمصحات ودور الرعاية الاجتماعية. وللوقف دور هام في النهوض بالخدمات الاجتماعية المختلفة في تاريخ الحضارة الإسلامية حيث قامت على أساسه رعاية شؤون العلماء وطلاب العلم مما وفر لهم مناخاً مستقراً وكفل لهم كل سد حاجاتهم ليتفرغوا للإنتاج والبحث العلمي وتمخض عن ذلك التراث الزاخر من معارف الحضارة الإسلامية في مختلف نواحي الحياة.

الوقف والتعليم  والتنمية المعرفية:

والوقف، سواء أكان وقفاً خيرياً أهلياً أم وقفاً ذرياً، مصدر رئيس لنشر التعليم والتربية وإثراء المعرفة بدءاً بالكتاتيب، حيث كان تعلم القراءة والكتابة وقراءة القرآن في المساجد. وقد وظف الوقف في دعم العلم وطلابه وتمكين طالب العلم من إكمال دراسات متخصصة، والهجرة والسفر إلى مختلف أصقاع الدنيا من أجل الحصول على تعليم فني أو تقني وصولاً إلى إعداد المسلم القادر العالم.

وأصبحت الأموال الموقوفة سببا في تحقيق إنجازات رئيسة في الفروع المتصلة بعلم الكيمياء والأدوية. وكانت كليات الطب والمستشفيات التعليمية هي المختبرات العلمية لتطور ولتطوير العلوم التجريبية وعلم الطب والصيدلة.  

البحث العلمي ـ كاستثمار اجتماعي واقتصادي:

ترتكز العناصر الرئيسية لمكونات مشاريع البحوث على الجدوى العلمية، والنتائج المرجوة من وراء تنفيذها وهي في هذا تتماثل مع ما يسمى بدراسات الجدوى الاقتصادية من الناحية النظرية، وينظر إلى مفهوم "الجدوى" من خلال التطبيق ثم التقييم والتقويم في ضوء ذلك.

ولا خلاف على أن البحث العلمي أصبح الركيزة الأساسية لأي عمل، في أي وجه من وجوه الحياة، ذلك أن البحث العلمي ووسائله وطرائقه الاختيارية  والتحليلية هي أسس الحكم على صلاحية أي مشروع أو أي عمل يزمع القيام به، كما أن البحث العلمي ومدلولاته أساس التخطيط، وقاعدة البيان، ومحور العمل، وأساس الحكم الموضوعي ولذلك فإن البحث العلمي استثمار اقتصادي، كما هو استثمار اجتماعي وعلمي وحضاري. وإثراء المعرفة، في حد ذاته، جدير بدعم البحث العلمي  كما أن مخرجات البحث العلمي النظرية والعملية والتقويمية ذوات أهمية ملحوظة في بناء المجتمع وتطوير قدراته وتوظيف طاقاته وتوجيه جهوده  الوجهة  الصحيحة المثمرة.

وإذا عدنا إلى "بيت القصيد" في هذا العرض "وضربنا" أمثله للبحث العلمي كاستثمار مجزئ، في مجال الأعمال الخيرة بصفة عامة ومجالات الإعاقة بصفة خاصة، فلن نعدم إيراد أرقام ودلالات تؤيد ذلك ولن نجد صعوبة في الاستدلال على تأييد المقولة في المجال الصحي (درهم وقاية خير من قنطار علاج)، فسلوك طرائق البحث العلمي واتباع مناهجه ـ التشخيصية والتقويمية ـ أصبح مطلباً ملحاً في ضوء الارتفاع المطرد لتكاليف الرعاية الصحية والاجتماعية للمعوقين وبالتالي مواكبة التقنية الحديثة وكذا تعدد وتنوع متطلبات رعاية المعوقين نفسيا واجتماعيا وتربويا إلى جانب الإعداد الفني التأهيلي، حيث إن البحث العلمي أحد الطرق لاحتواء هذه التكاليف المادية الباهظة واستطلاع الجوانب ذات الصلة وصولاً إلى تحديد الوسائل الناجعة والأكثر فعالية عوضاً عن الطرق الاجتهادية.  

الصيغة التكاملية: الوقاية والرعاية ــ  البحث العلمي

في مختلف المجتمعات ـ بغض النظر عن مدى تقدمها العلمي أو ثرائها المادي ـ ينظر إلى البحث العلمي، وبصورة متنامية، على أنه جانب متكامل مع جهود الوقاية ومكمل لها، كما هو كذلك للأعمال التشخيصية وجوانب الرعاية الصحية والاجتماعية ـ وليس بمعزل عنها ـ حيث يتم التشخيص الدقيق للموضوع قيد الاهتمام والخطة العلاجية الملائمة على أساس التقييم العلمي الموثق والتحليل الموضوعي، وفي ضوء ذلك يتم تقويم الجوانب العلمية واستخلاص نتائجها ومدلولاتها.

لذلك فإن البحث العلمي جزء لا يتجزأ من أي مؤسسة  تشخيصية أو علاجية، كما أنه جزء لا يتجزأ من نشاط أي مؤسسة تعنى بمجال التخطيط والتقييم، ومع أن هذا الإطار وهذا المفهوم ليس سائداً في الدول النامية بعد  ـ  وقد يكون هو النتيجة المباشرة للتخلف المسيطر على هذه المجتمعات عن اللحاق بركب الحضارة والإنجازات الإنسانية المثمرة ـ وهذه النظرة العامة للبحث العلمي هي جزء لا يتجزأ من أنشطة أخرى، بل هي ركيزة أساسية لها نفس النظرة التي يمكن تطبيقها على مختلف المجالات، وما مجال الإعاقة إلاّ أحدها، وربما يمثل أكثر الحقول احتياجا إلى دعم البحث العلمي والإفادة من مخرجاته نظراً لتعقد وتداخل وتشابك أسباب ومسببات الأمراض والإعاقة وعوارضها ومضاعفاتها العضوية والنفسية والاجتماعية والحاجة إلى الإفادة من البحث العلمي في مجالات التخطيط والتطوير وتطويع مخرجات البحث للوقاية والرعاية الصحية والاجتماعية.

البحوث العلمية كاستثمار عالمي:

تلعب الدراسات والبحوث العلمية دوراً رئيسياً في تقييم الحالة الصحية وفعالية الخدمات الصحية في مجالات الوقاية والعلاج، على مختلف المستويات المحلية، والإقليمية والعالمية.

والبحوث العلمية تعتبر مصدراً لاستقاء المعلومات ومطابقتها ومقارنتها والإفادة من مدلولاتها في مختلف المجموعات، وبين المجموعات تطبق التقنية والتعاون والتكامل في الإفادة من مخرجاتها وتبادل الخبرات والتجارب ومناقشة وتطوير خطوات الوقاية من الأمراض وطرق ووسائل الرعاية والتأهيل.

ومع الاختلاف في نسب الأمراض وأنواعها وتأثيراتها الصحية والاجتماعية في مختلف أنحاء العالم، فإن المنظمات الدولية كمنظمة الصحة العالمية والبنك الدولي ومنظمة التأهيل الدولي والمنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم وكذا المنظمات الإقليمية، تدعم البحوث التطبيقية وذات العلاقة بالمشكلات الصحية والاجتماعية والتنموية وتستقي المعلومات وتضع الخطط في ضوء ذلك.

ففي "القرية العالمية" أصبحت المعارف والعلوم نبراساً عالمياً، والبحوث العلمية مطلباً ملحاً ـ محلياً وإقليمياً وعالمياً ـ والإفادة من معطياتها وتطبيقاتها في مجالات الرعاية والتنمية حق مشاع واستثمار منتج يجني من ثماره الجميع.  

الإفادة من معطيات الصيغة الوقفية فيما فيه الصالح العام.

  • تنشيط وتنمية فعالية ودور الوقف في تحقيق التكافل الاجتماعي وأن ينطلق العمل الوقفي المعاصر من خلال تخطيط إستراتيجي تنموي، قائم على أسس علمية مدروسة.
  • إيجاد آلية للتنسيق وتبادل المعلومات وإقامة الندوات والمؤتمرات والدراسة والبحث عن أنجع السبل لإدارة واستثمار الوقف.
  • دعم برامج وأنشطة ومشروعات ومؤسسات متخصصة في رعاية بعض فئات المجتمع (الأسرة والمرأة والشباب والطفولة وذوو الاحتياجات الخاصة ومنهم المعوقون).
  • العمل على أن يكون الوقف صيغة مثلى للإنفاق في أوجه الخير وتحري المصارف الشرعية في ذلك، كما هو كذلك إطار للتنمية وزيادة الموارد وصولاً لتحقيق المقاصد الخيرية للواقفين (المنفعة الدنيوية والأجر الأخروي).
  • إخضاع أعمال الوقف للرقابة والضبط الشرعي والمالي والإداري وإتاحة المجال للواقفين للاطلاع على تقارير وسير أعمال الوقف بصورة دورية.
  • استطلاع وتشجيع آفاق جديدة لتلبية المستجدات من أوجه الخير وتنمية البعد الاجتماعي الإنساني واعتماد الدراسة والبحث والتخطيط العلمي أساس العمل.

الأوقاف والتعليم

الوقف على التعليم الأهلي

سبق أن ذكرنا أن الأوقاف كانت المصدر الرئيسي لتمويل التعليم في مصر في عصورها الإسلامية المختلفة حتى العصر الحديث. وظلت هذه السياسة متبعة حتى في الفترة التي تحملت فيها الدولة الحديثة مسئولية تجديد التعليم وإرسال البعثات العلمية، وإنشاء مؤسسات تعليمية حديثة على غير النمط القديم، وذلك بهدف تجديد قوة الدولة وبناء نهضتها الحديثة.

وفي الوقت الذي دعمت فيها الدولة هذا النمط الجديد من التعليم اتجه الواقفون إلى دعم التعليم الأهلي الموروث المتمثل في الأزهر والمعاهد وكتاتيب تحفيظ القرآن المنتشرة في ربوع مصر وقراها، وذلك بوقف الأراضي والعقارات للإنفاق على الأزهر وتغطية أنشطته المختلفة وتحقيق استقلاليته المادية بعيدا عن تقلبات الدولة وأهواء السياسة.

ولم تقتصر عناية الواقفين بإحياء التعليم الموروث بل تخطاه إلى الاهتمام بإنشاء مؤسسات تعليمية تجمع بين الحديث الوافد والقديم الموروث، حفظا للهوية. وكانت مدارس الجمعية الخيرية الإسلامية بالقاهرة، وجمعية العروة الوثقى بالإسكندرية، وجمعية المساعي المشكورة بالمنوفية عنوانا على هذا الاتجاه. وكانت الصبغة الإسلامية بارزة في السياسة التعليمية لهذه المدارس التي كان من أهدافها -إلى جانب نشر العلوم والمعارف- تعليم الفقراء مجانا.

واتسع نشاط الوقف ليشمل تعليم البنات منذ وقت مبكر، وقد خصصت الأميرة فاطمة بنت الخديوي إسماعيل ريع 184 فدانا من جملة الأراضي التي أوقفتها للإنفاق على مدرسة البرنسيسة فاطمة بمدينة المنصورة المعدة لتعليم البنين والبنات، ومدها بما تحتاجه من كتب وأدوات كتابة وملابس لهم.

الجامعة.. البداية وقفية

وكان ظهور الجامعة الأهلية تعبيرا عن الحيوية التي يتمتع بها المجتمع المدني في مصر، والحركة الإيجابية، والرغبة في الإصلاح واللحاق بركب التطور.

وإذا كان الزعيم مصطفى كامل وراء فكرة إنشاء الجامعة، فإن الجهود الأهلية هي التي أخرجت هذه الفكرة إلى حيز الوجود، حيث اجتذبت كثيرا من ملاك الأراضي ودفعتهم إلى التبرع ووقف الأموال اللازمة لتدبير الاعتمادات المالية لها، فأوقف مصطفى بك الغمراوي 6 فدادين من أملاكه ليصرف من ريعها على الجامعة، وكان قد سبق له أن افتتح سجل التبرعات لإنشاء الجامعة سنة (1324هـ=1906م) بمبلغ 500 جنيه، وكان هذا المبلغ كبيرا في تلك الأيام.

وكان وقف الأميرة فاطمة بنت الخديوي إسماعيل أكبر الأوقاف التي خصصت للجامعة الناشئة، وضمت وقفيتها التي أعلنتها سنة (1332هـ=1913م) مساحة قدرها 647 فدانا من الأراضي الزراعية، بالإضافة إلى 6 أفدنة لإقامة المباني اللازمة للجامعة، ومجوهرات تبلغ قيمتها 18 ألف جنيه.

وتوالت الوقفيات على الجامعة حتى بلغت جملة الأطيان الموقوفة على الجامعة 1028 فدانا، بالإضافة إلى التبرعات والهبات، وبفضل هذه الجهود قامت الجامعة، واستطاعت أن تؤدي رسالتها التعليمية، في الوقت الذي كان فيه الاحتلال البريطاني يجثم على قلب مصر.

وكما كانت بداية الجامعة وقفية حدث نفس الأمر في العديد من المؤسسات التعليمية والثقافية العامة، مثل دار الكتب المصرية، ومكتبة الأزهر، وإنشاء المستشفيات، ومؤسسات الرعاية الاجتماعية.

الأوقاف وأثرها في دعم الأعمال الخيرية في المجتمع

ويعد الوقف بمفهومه الواسع أصدق تعبيراً وأوضح صورة للصدقة التطوعية الدائمة، بل له من الخصائص والمواصفات ما يميزه عن غيره، وذلك بعدم محدوديته واتساع آفاق مجالاته، والقدرة على تطوير أساليب التعامل معه، وكل هذا كفل للمجتمع المسلم التراحم والتواد بين أفراده على مر العصور بمختلف مستوياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي مرت بها الأمة الإسلامية خلال الأربعة عشر قرناً الماضية، فنظام الوقف مصدر مهم لحيوية المجتمع وفاعليته وتجسيد حي لقيم التكافل الاجتماعي التي تنتقل من جيل إلى آخر حاملة مضموناتها العميقة في إطار عملي يجسده وعي الفرد بمسؤولياته الاجتماعية ويزيد إحساسه بقضايا إخوانه المسلمين ويجعله في حركة تفاعلية مستمرة مع همومهم الجزئية والكلية.

وينظر كثير من الباحثين إلى نظام الوقف باعتباره أحد الأسس المهمة للنهضة الإسلامية الشاملة بأبعادها المختلفة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعلمية، لذا فقد اتجهت الأنظار إليه مرة أخرى بعد تغيب دوره العظيم لعقود طويلة باعتباره البذرة الصحيحة لبداية النهضة الشاملة لجميع مجالات الحياة في الأمة المسلمة ولعل من المبشرات في ذلك أن الندوات عن الوقف أخذت تترى على امتداد العالم الإسلامي فما أن تختم ندوة إلا وتبدأ أخرى، ولاشك أن البداية الصحيحة لعودة الوقف إلى مكانه الفاعل في دولاب العجلة التنموية الشاملة هو إثارة الشعور واستنهاض الهمم نحو تجلية حقيقته والدور الذي قام به سابقاً.

وستحاول هذه الورقة الإشارة إلى شيئ من ذلك وتوضيح الأثر الاجتماعي للوقوف والدور الذي أداه في حياة المجتمعات الإسلامية على مر العصور السابقة وإبراز سمات التكاتف والتعاضد التي تفرد المجتمع المسلم وتميزه بها عن غيره من المجتمعات، كما تحاول هذه الورقة طرح تصور عملي لكيفية إعادة الأثر الفعال للوقف في التنمية الاجتماعية الشاملة، والله أسأل إعانته وهو المأمول فيها والمسؤول لها هو على كل شئ قدير.

ونظام الوقف باعتباره نظاماً خيرياً موجود منذ القدم بصورة شتى، إلا أنه من المؤكد أن نظام الوقف في الإسلام بشكله الحالي يبقى خصوصية إسلامية لا يمكن مقارنتها بصور البر في الحضارات أو الشعوب الأخرى وهذا عائد إلى عدة أمور:

1- التعلق الشعبي به وامتداد رواقه ومظلته إلى أمور تشف عن حس إنساني رفيع.

2- عدم اقتصار الوقف على أماكن العبادة كما هو في الأديان السابقة، بل امتد في نفعه إلى عموم أوجه الخير في المجتمع.

3- شمول منافع الوقف حتى على غير المسلمين من أهل الذمة، فيجوز أن يقف المسلم على الذمي لما روي أن صفية بنت حيي- رضي الله عنها- وقفت على أخ لها يهودي.

ويتميز الوقف بخصائص وميزات متعددة قد لا توجد في المشاريع الخيرية الأخرى، وهذه المزايا أكسبته تلك الحيوي

عدد القراء : 1107