shikh-img
رسالة الموقع
أول أيام شهر رمضان للعام 1442 هجري، هو يوم الثلاثاء الواقع فث 13/ 4/ 2021 ميلادي. تقبل الله منا و

إصلاح التعليم عموماً والتعليم الشرعي خصوصاً

إصلاح التعليم عموماً

والتعليم الشرعي خصوصاً

تمتاز الثقافة الإسلامية والحضارة العربية الإسلامية عن بقية الحضارات والثقافات في المنهج الوسائل والغايات والأهداف، وإذا كانت الثقافة هي مخزون تراكمي لتجارب الأمم والشعوب، تتوج بحضارة راقية.

فإن الثقافة الإسلامية استمدت وقودها من الوحي الإلهي، وتبلورت بالوسائل النبوية، فكانت خير حضارة عرفتها البشرية؛ علماً وعملاً، وسلوكاً وأخلاقاً، ورقياً وتقدماً.

كيف لا، وهي ربانية النهج، إسلامية الوسائل، إنسانية الهدف، بل قل: كونية الغاية.

فإذا ما وجدت هذه العلاقة، وجدت الحضارة الراقية، المبدأ والمنبع من خالق الكون والحياة، والغاية والهدف نفعُ الخلائق أجمعين، دون تعصب لفئة أو تحيّز لطائفة، بل هي شاملة كل المخلوقات،"الخلق كلهم عيال الله فأحب الخلق  إلى الله أنفعهم لعياله" ([1]).

ويوم أن كان المسلم يسير على هذه القواعد صار العزيزَ القوي، ويوم أن تخلى عن المنهج الرباني واستسلم للمنهج الأرضي انعكست حياته إلى الذلة والهوان، والضعف والتخلف، والتمزق والتشرد.

لذا كان لزاماً أن نضع النقاط على الحروف، وأن نجد البلسم الشافي لأدواتنا _ نحن المسلمين _.

ولا يكون الاصلاح والدواء إلا بالبحث عن الجذور، والتفتيش عن الأصول، وأصل ذلك كله، ومبدؤه في أول رسالة موجهة من الخالق الحكيم إلى البشر أجمعين ] اقرأ باسم ربك[، تعلّم وتثقف مع الارتباط بالمعلّم المربي، فالآية تفيد معنى التربية والرعاية بالإضافة إلى طلبها للعلم والثقافة.

وكلمة ( اقرأ ) حُذِف منها المفعول لتفيد العموم، إذا المطلوب قراءة لهذا الكون لكل ما فيه من عوالم، ليستفيد الإنسان ممن حوله فيعيش سعيداً.

فالعلم مطلوب بكافة فروعه وتخصصاته، ومن إصلاحه البدء بالمنهج الرباني، ومفردات هذا المنهج في أصلها الوحي المتلو وهو القرآن، المبيَّن والمشروح بالوحي غير المتلو وهو السنة الشريفة.

فأول خطوة إصلاحية في التعليم عموماً هي الاهتمام بالقرآن الكريم؛ [قراءة وتجويداً وحفظاً وتفسيراً، وإدراكاً وفهماً]، ثم بسنة رسول الله r إطلاعاً ومعرفة، وتطبيقات عملية.

وبعد إنهاء هذه المرحلة الأساسية يتنقل الدارس لرغبته بما تميل إليه نفسه من العلوم والمعارف.

والسبب في عدم الاستغناء عن القرآن والسنة بداية، كونهما يحتويان مفهوم الحياة وخلاصة المطلوب، كيي لايصل الإنسان إلى مرحلة العلم للعلم، بل لا بد أن يكون العلم للمعرفة.

ولا بأس هنا من قراءة آية واحدة نلمح من خلالها أصناف العلوم وأنواع المعارف المطلوبة كنموذج عن غيرها لينطلق المسلم إلى ما ينفعه ويفيده.

يقول الله عز وجل: ] أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً [، وفي هذا لإشارة إلى العلوم الفلكية وصلة السماء بالأرض، وأحوال المناخ وتقلبات الطقس، وتحول المياه المالحة _ عن طريق التبخر _ إلى مياه عذبة، وغير ذلك من العلوم.

ثم قال تعالى: ] فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا [، وفي هذا إشارة إلى علم النبات وما يتعلق به من معرفة أنواع الخضار والفواكه المختلفة في الشكل واللون والحجم، [علم الزراعة].

ثم قال عز من قائل: ]وَمِنْ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ [ [فاطر/27]، وفي هذا إشارة إلى علم طبقات الأرض، وما يتصل به، وهو ما يسمى علم [الجيولوجيا ].

ثم قال سبحانه: ] وَمِنْ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ [، وفي هذا إشارة إلى علم الإنسان، وإلى علم الحيوان أو قل علم الحياة والأحياء عموماً، ودراسة الكائنات الحية على اختلافها.

وختام الآية ] إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ [ [فاطر/28]، وفي هذا إشارة إلى عموم مفهوم العلماء، لتشمل كل عالم بالكون وآياته، ودقائقه وأسراه، خبير بمعارف الإنسان، بصير بعلوم الأرض، وليس مدلول العلماء هو علماء الشريعة فحسب.

وإذا ما بدأنا بإصلاح التعليم بنقطة ربط آيات القرآن بواقع الحياة وحاجات العصر، ودقائق العلوم، نكون قد وضعنا أنفسنا على الطريق القويم، والمنهج السليم.

والنتيجة من ذلك، أن هذا المثقف المتعلم، وبعد أن يوسع دائرة علمه وثقافته لن ينسى ما مرّ معه من تأصيل المعارف في ذهنه من حفظه لكلام الله والعمل به.

والتاريخ أمامنا شاهد على صدق هذا المنهج، وصلاحية هذا الأسلوب: العلوم القرآنية أولاً، ثم علوم الحياة.

فهذا ابن سينا، والرازي، والفارابي، والخوارزمي وغيرهم، كيف كانت بداية دراستهم!!

فالمناهج التي يجب وضعها للدارسين ينبغي أن تكون:

_ موافقة للفطرة السليمة.

_ محققة للعبودية لله.

_ منمية للشخصية الإسلامية، روحياً وخُلُقياً وعلمياً.

ولا ينكر وجود التخصص في كافة مجلات الحياة، ومنها التعليم حيث للتعليم الشرعي نصيب في ذلك.

في الأصل، عَرَف الإسلام المؤسسة التعليمية التربوية منذ اللحظة الأولى لبدء نزول الوحي على فلب رسول الله r، إذ كانت دار الأرقم ين أبي الأرقم أول تلك المؤسسات، حيث تلقى فيها الصحابة علمهم وتربيتهم وتزكية نفوسهم.

ثم تطورت إلى مسجد رسول الله r في المدينة حيث مقر الإدارة العليا للمؤسسات التعليمية، وفيه تم تخريج المعلمين الذين نشروا الإسلام في الآفاق علماً وتعليماً، وثقافة وأخلاقاً.

فالمدارس والمعاهد والكليات التي تدرّس العلوم الشرعية هي مصانع لتكوين الرجال، ومخابر الدعاة، وينبغي أن تكون هي صاحبة الريادة في المجتمع.

إذ تقع على عاتقها مسؤولية:

  • الوصول بالإنسان لمرحلة العبودية لله غز وجل، وفي هذا يقول الإمام الغزالي: (يجب أن يكون هدف المتعلم: التقرب إلى الله دون الرياسة والمباهاة) ([2]).
  • تنمية العلوم الإسلامية لتكون ملاءمة لأحوال الناس، فالحركة التعليمية ينبغي أن تكون منبثقة من المجتمع وللمجتمع، دون، أن تكون منعزلة أو منطوية، بحيث يكون العلم في وادٍ، والمجتمع في واد آخر.
  • تثبيت معالم الحضارة الإسلامية، وإبراز رونقها وجمالها، وتصفية الحقائق، وتنقية المعلومات من كل الشوائب والأفكار، وعدم التأثر بالثقافة الأخرى؛ إلحادية كانت أم عَلْمانية.
  • تنمية مواهب الدارسين بحيث لا تكون الشهادات _ الممنوحة لهم _ غاية بحدّ ذاتها، والامتحانات الدورية وسيلة للترقي فحسب، ولا بد من متابعة الأمر ومواصلة الدرس لتحقيق الأهداف الكلية للإسلام.

ولنجاح تحمل هذه المسؤوليات، لا بد من أن يكون السعار هو آية من القرآن الكريم:] رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [ [ البقرة/128]، وفي آية أخرى: ] هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ [ [الجمعة/2].

فهيكلية النظام التثقيفي الإسلامي لبناء الحضارة الإسلامية له أركان ثلاثة:

_ العلم.

_ التزكية.

_ الحكمة.

أولاً: العلم:

_ ويعني تزويد المتعلمين بالعلوم، ونقل المعلومات إلى عقولهم وقلوبهم، ليدركوها ويعملوا بمقتضاها، ولتحقيق مرضاة الله، والوصول إلى الحق، لامن أجل الشهرة والشمعة، أو الرياء أو التكبر، ففي الحديث: " من طلب العلم   ليجاري  به العلماء أو   ليماري  به السفهاء أو يصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النار" ([3]).

_ والعلم لا يحدّ بزمان أو مكان، لذا لا بد من زرع هذه الفكرة في أذهان المتعلمين، وهي قوله عز وجل: ] وقل ربِّ زدني علماً [، بحيث يتمثل المتعلمُ ذلك ويتابع تحصيله ودارسته.

_ وأن يكون العلم نافعاً، فكم من علوم يقرؤها طلاب العلم لاصلة لها بواقع الحياة، فتنسى بعد أن يكون قد صرف في تحصيلها وقتاً.

لذا، ينبغي إعادة النظر في المناهج التعليمية، وضرورة تعديلها لتكون متطورة نع الحياة والأحياء.

* فمادة تفسير القرآن الكريم:

تُدرَّس أقوال السابقين في معاني كلام الله، وهذا جيد، والأجود منه متابعة هذه المادة ليكون التفسير ملائماً للعصر، بحيث يعيش الدارس مع آيات القرآن الكريم، وكأنها الآن أنزلت، فلكل زمان تفسير وفهم، وصدق ابن مسعود في بيانه عن القرآن: ( لا يَخْلَق _ لا يبلى _ عن كثرة الردّ).

فبدل أن تكون مادة التفسير عبارة عن حشو الذاكرة بالمعلومات، وأقوال المفسرين المختلفة، تكون هذه المادة متلائمة مع حياة المسلمين في كل زمن، بحيث يشعر الدارس أنه قريب من القرآن، وأن القرآن قريب منه.

* مادة مصطلح الحديث:

وإصلاحها يكون بإدخال الجانب التطبيقي إلى جانب المعلومات النظرية، فأنواع الحديث وأقسامه كثيرة حسب اصطلاح العلماء، يحفظها الطالب ويتقدم للامتحان ثم ينساها، والمطلوب تنمية هذه المادة لتكون عملية، بحيث يتمكن الطالب _ في المراحل العليا _ من الوصول إلى تخريج وتدقيق السند، والحكم عليه قبولاً أو رفضاً.

* مادة السيرة النبوية والتاريخ:

أصيبت هاتان المادان بدَاءِ الجمود عند قراءة النصوص، والروايات التاريخية، وتعددها، ومحاولة الترجيح بينها، وقليلاً ما يصل الأمر إلى التحليل والاستنباط، ومقارنة الحاضر مع الماضي، للاستفادة وفي الإصلاح لابد من صياغة السيرة على ضوء واقع الحياة:

  • من حيث التعامل مع النفس، وقدوتُها صاحب الرسالة والسيرة العطرة رسول الله r، وأخذها بالصبر والمصابرة، والجد والاجتهاد والعزيمة، والطاعة والعبادة لله.
  • ومن جهة التعامل مع الآخرين؛ رحمة ورأفة، وقوة وصموداً، وحلماً وأناة، ومودة ومحبة.

* مادة العقيدة الإسلامية:

يدرس الطالب عقائد وفرق مرت عبر مراحل التاريخ الإسلامي ومضى زمنها، ولم يعد لها سوى الاسم والذكر، والمفروض إصلاح مفردات هذه المادة بحيث يطالع فيها الدارس أحوال الفرق والتيارات المعاصرة، لا تلك التي بادت وبليت.

* مادة الفقه الإسلامي:

يتلقى الدارس هذه المادة، وهي أقوال الفقهاء وآراؤهم، واختلافاتهم، ويصل الأمر ببعض المتعلمين بجعلها كلامات محكمة لا تقبل المناقشة.

مع أنه في إصلاح التعليم، لابد من التمييز بين الحكم الشرعي والحكم الفقهي.

فالحكم الشرعي هو خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين…

أما الحكم الفقهي: فهو فهم الفقهاء للحكم الشرعي _ للخطاب الإلهي _، وهذا الفهم محكوم ببيئة وظروف الحياة والفقيه، ولا يُنكر تغير الحكم الفقهي بتغير الزمن، أما الحكم الشرعي فثابت لا يتغير.

إذ لا بد من ربط الأحكام بأدلتها ومصدرها، ومعرفة دليل كل فهم، وكل مسألة، والدليل إما منطوق أو مفهوم، فالمنطوق الصريح الواضح جليّ لا يتغير، والمفهوم لا نلزم به كل المسلمين وفي كل زمان.

ومن الإصلاح: أهمية تدريس مادة بعنوان: مقاصد الشريعة، بحيث تكون محرّكة لذهن الدارس، محرضة له لاكتساب المعرفة بعد حفظ العلم.

ومن إصلاح التعليم في مادة الفقه:

_ إعطاء أهمية واضحة لمادة المعاملات في الفقه الإسلامي، فالعبادات أشبعت بحثاً، والمسلم في المعاملات يظن أنها غير موجودة، أو أنها بعيدة عن الواقع، فلا بد من صياغة جديدة لفقه المعاملات المالية.

وفي إصلاح التعليم لابد من تزويد طالب العلم الشرعي بمعارف ومعلومات علمية في الطب والفيزياء، والكيمياء والعلوم الطبيعية، ليتوافق ما يعرفه من أحكام الشريعة مع مسائل العلوم، بدل أن يتحدث في أشياء تتعارض مع حقائق العلم الحديث.

ولا يُعَدّ هذا خروجاً عن تخصصه، بل هو من صميم فهمه للقرآن الكريم في آيات الإعجاز العلمي في القرآن، وكذا الحال في السنة.

وأخيراً في إصلاح العلم، لا بد من العمل بمقتضاها، حتى لا يقع المعلم أو المتعلم حتى قول الله عز وجل:] كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ [ [الصف/3]، فالعلم إمام، والعمل تابعه، وأول ما يجاء يوم القيامة ويعذب في النار عالم لم ينتفع بعلمه، يذكِّر الناس ولا يتذكر، ينصح ولا يتعظ، يعلّم ولا يعمل، يقول كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه.

وللوصول إلى العمل مع العلم لا بد من الأخذ بالركن الثاني:

ثانياً: التزكية

وهي تعبير قرآني، ولا يختلف فيه اثنان، وإن كان بعض العلماء قد ذكر مضمون هذا التعبير بألفاظ ومسميات أخرى، دار الخلاف والجدل فيها بين قابل ورافض، ومؤيد ومنكر.

وكلمات القرآن ومصطلحاته لا تُحدِث مثل تلك المشاكل والخلافات فالتزكية في مضمونها، وحقيقتها: حسن الصلة بالله، وداوم الاستعانة به، وهذا حقيقة العبادة، وإذا كانت بعض عبادات مرتبطة بزمان أو مكان، فإن عبادة الذكر مطلقة عن الزمان والمكان.

وهذا الذكر يجعل القلب مطمئناً، ويفيض على الروح نوراً، ولا بد من نور القلب والروح، مع تنور العقل لتحصل المعرفة بالله تبارك وتعالى.

أما إهمال الجانب الروحي والسلوكي فإنه يجعل من العلوم الشرعية مجرد أقوال وآراء تقال، وعبارات وألفاظ للجدال والمناقشات، دون أن يكون لها في دينا الحياة تأثير. وترك هذا الركن: التزكية، يعزل نشاط العالم والمتعلم ويحنّط آماله ومستقبله، فهو يجد بأن العالم وسيلة لكسب المال وبلوغ المرتب الدنيوية، وينسى بأن يحمل أشرف العلوم وأعظمها.

وإذا كان علم اللسان يُصلح العقل والفكر، فإن التزكية والسلوك تصلح النفس والقلب.

فالإخلاص والصدق والخشوع والتوكل وغيرها ألفاظ لمعاني لا تعرف إلا في القلب، ولا تكون إلا في الممارسة.

وكذلك الكِبْر والعجب والرياء والغرور والحقد والحسد والنفاق، ألفاظ امعاني محلها القلب، ولا يبتعد الإنسان عنها بمجرد العلم بها والقراءة عنها، بل لا بد من التزكية نفسه ومجاهدتها.

هذا، وإن صلاح الإنسان متوقف على إصلاح قلبه وشفائه من الأمراض الخفية والعلل الكامنة، ففي الحديث: "  ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب " ([4]).

فإذا كان صلاح الإنسان مربوطاً بصلاح قلبه، فيتعين عليه العمل في الإصلاح بتخلية قلبه من الصفات المذمومة، وتحليته بالصفات الحسنة.

وركن التزكية من أهم الأركان، وهو فرض عين، بدليل قول الله تعالى: ] قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ [ [الأعراف/33]، وقوله تعالى: ] وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ[ [الأنعام/151].

والفواحش الباطنة كما قال المفسرون هي: الحقد والرياء والحسد والنفاق…

وما وصل المسلمون إلى هذا الدرك من الانحطاط والضعف، إلا حين فقد روج الإسلام وجوهره، ولم يبق فيهم إلا شبحه ومظاهره، وكذا موضوع العلم بدون تزكية، فهو شبح ومظهر، والتزكية هي روح العلم.

وسبيل التزكية: مجاهدة النفس والهوى، ففي الحديث: " المجاهد من جاهد نفسه في الله " ([5])، وزاد البيهقي في شعب الإيمان: " والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله، والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب " ([6]).

وليس المراد من مجاهدة النفس استئصال صفاتها، بل المراد تصعيدها من سيء إلى حسن، ومن حسن إلى أحسن، وتسييرها على مراد الله تعالى وابتغاء مرضاته.

ثالثاً: الحكمة

لا يكفي للدارس والمتعلم أن يحفظ العلوم، ولا يكفي المتعلم المزكّى أن يكون طيب القلب لدرجة السذاجة، بل لا بد مع ذلك من الحكمة والتي هي فقه الأسباب والمسببات.

والإسلام لا يقبل بين صفوفه الحمقى والمغفلين ولا السفهاء والجاهلين المعاندين.

وعندما أخذ المسلمون الأوائل بالحكمة قولاً وعملاً، ومنهاجاً وسلوكاً فتحوا نصف العالم القديم، وأقاموا دولة العلم والإيمان، والسعادة والإخاء.

فأين الحكمة في مناهج التعليم الشرعيٍ؟ والسؤال يفرض جواباً، إذ لا بد من وجود مقرر دارسي يتلقى فيه الدارسُ موضوعَ الحكمة علماً ومعرفة، وعملاً وسلوكاً.

والحكمة في بعض تعريفاتها هي: الإصابة في القول والعمل، وهي وضع الأشياء مواضعها، وتنزيل الأمور منازلها، والإقدام محل الإقدام، والإحجام في موضع الإحجام.

 

والحكمة هي مادة نجاح الناجحين، وسر فلاح المفلحين، وصف الله عز وجل كلامه بها فقال: ] يس والقرآن الحكيم [ [يس/1]، ووصف أنبيائه ورسله بها، فقال: ] وكلاً آتينا حكماً وعلماً [ [الأنبياء/79].

والعالم الذي تزكت نفسه يكون حكيماً، يميل إلى محاسن الأخلاق، ويجتنب ما يورثه عاراً، ويكسبه سوء سمعته، ويحسن مداراه الناس، ويتدبر عواقب الأمور.

والحكمة مطلب في الدعوة لا بد منها، وقد جعلها الله عز وجل أول الأمور بقوله: ] ادع إلى سبيل ربك بالحكمة … [ [النحل/125].

هذه هي أركان التعليم إن أردنا النهوض بالأمة نهضة إيمانية: علم وتزكية وحكمة.

توصيات:

_ توجيه العناية إلى الحكومات والدول بتبني تعليم القرآن والثقافة الإسلامية في المراحل الأساسية (الابتدائية) للتعليم.

_ اعتماد المنهج القرآني في معرفة الحقائق، وربط المعارف والعلوم بنصوص القرآن الكريم.

 

الدكتور علاء الدين زعتري

أستاذ الفقه الإسلامي المقارن والاقتصاد الإسلامي في سورية ولبنان

 

([1])رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وفيه عمير وهو أبو هرون القرشي متروك، مجمع الزوائد، (8/191).

([2]) إحياء علوم الدين، (1/56).

([3])رواه الترمذي، كتاب العلم، باب ما جاء فيمن يطلب بعلمه الدنيا، رقم: (2654)، (5/32)، ثم قال أبو عيسى هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وإسحاق بن يحيى بن ليس بذاك القوي عندهم تكلم فيه من قبل حفظه، ورواه المنذري في الترغيب والترهيب، (1/66)، وقال: رواه الترمذي واللفظ له، وابن أبي الدنيا في كتاب الصمت وغيره، والحاكم شاهدا، والبيهقي وقال الترمذي حديث غريب.

([4]) رواه البخاري، كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه، رقم: (52)، (1/28)، ورواه مسلم، كتاب المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات، رقم: (1599)، (3/1219).

([5]) أخرجه الترمذي في كتاب فضائل الجهاد، باب ما جاء في فضل من مات مرابطاً، رقم: (1621)، (4/165)، وقال: حديث حسن صحيح، ورواه ابن حبان في صحيحه، باب فرض الجهاد، رقم: (4706)، (11/5).

([6]) مشكاة المصابيح، للتبريزي، كتاب الإيمان،رقم: (34)، والحاكم في المستدرك، (1/54)، رقم: (24).

عدد القراء : 1114