الارتقاء باقتصاد الأمة
إن جوانب القوة الاقتصادية للمسلمين لا تزال موجودة لو أحسن المسلمون توظيفها، وأدركوا التحديات التي تواجههم.
فالسبيل الأفضل للنهوض بالأمة الإسلامية وباقتصادات المسلمين: هو إجادة الاستفادة من الموارد البشرية الموجودة والاستثمار الأمثل للموارد الطبيعية المتاحة، والتوظيف الأمثل في تعزيز وتطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الدول الإسلامية.
فالتكامل يتيح ظروفاً أفضل لجميع الدول؛ من خلال تجميع القوى الفاعلة، وتوحيد الطاقات العاملة، والاستفادة المثلى من الثروات، والمحافظة على الموارد المتاحة في أقصى حدودها.
ولا بد من الإيمان بمرحلية التكامل، عبر التكاملات الثنائية والتكتلات الإقليمية، وما حالة أوربة عنا ببعيد، إذ قضت خمسين عاماً منذ الحرب العالمية الثانية وهي في طريقها للتكامل والتوحد الاقتصادي.
أما الانتظار حتى يتم التكامل الشامل معاً؛ فإنه سيدفع إلى مزيد من التخلف والانحدار. ومن المفيد أن يُبدأ العمل التكاملي في الآونة الراهنة بتعزيز ودفع خطى التجمعات الإقليمية العربية الراهنة، كتجمع الوحدة الاقتصادية العربية (السوق العربية المشتركة) ومجلس التعاون الخليجي، والاتحاد المغاربي، ودول جنوب شرق أسيا، وتجمع الوحدة الاقتصادية الإسلامية؛ لتكون كل منها نواة يتوافر لها النجاح أولاً، كتجارب تجمع بين دول متقاربة في الظروف والأحوال والمصالح وغالباً متجاورة جغرافيّاً.
وعلى ذلك تنتهج هذه الدول الأطراف فهي تلك التجمعات الإقليمية الجزئية لبلدان إسلامية النهج تتجه نحو التكامل الاقتصادي الإنمائي، الذي يقوم على أسس من الإخاء والتعاون، فضلاً عن التزام مبادئ وتوجيهات الإسلام الحنيف؛ حيث تعلو تلك الأسس والمبادئ على أي مقتضيات أو اعتبارات قومية أو عرقيه أو اقتصادية أو جغرافية، أو حتى اعتبارات طائفية أو مذهبية.
فتعتنق كل من تلك التجمعات أو التكتلات الإقليمية فكرة السعي الحثيث نحو تكامل اقتصادي إسلامي شامل في الأجل الطويل، مما ينبغي معه أن تلتزم تلك التكتلات بالتنسيق المشترك فيما بينها من أجل بلوغ ذلك الهدف البعيد.
ومن هذا المنطلق افتتحت قمة الثماني الدول الإسلامية الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، وسط آمال عريضة من مستثمري بلدان القمة، في دفع الاستثمارات المشتركة، وزيادة حجم التبادل التجاري والدول الأعضاء هي: [إيران، إندونيسيا، باكستان، بنجلاديش، تركيا، ماليزيا، مصر] تتمتع بثروات طبيعية فضلاً عن موارد بشرية تتمثل بنحو 800 مليون نسمة يشكلون نسبة 5ر12٪ من مجموع سكان العالم، وإجماليُّ الناتج القومي يمثل نحو نصف مجموعة منظمة المؤتمر الإسلامي. ويشار إلى أن حجم تجارة دول المجموعة مع العالم بلغ ما يزيد على 400 مليار دولار، فيما لا تزيد نسبه التجارة البينية في مابينها عن حوالي 1٪ من هذا الحجم. وتتمتع دول المجموعة بنحو 88ر2٪ من حجم الصادرات الدولية و 5ر4٪ من حجم الواردات الدولية([1]).
وحيث إن ماليزيا تتصدر دولَ المجموعة من حيث الصادرات والتي بلغت 5ر84 مليار دولار عام 1999م، في حين بلغت الواردات 5ر75 مليار دولار. وجاءت إندونيسيا في المرتبة الثانية من حيث الصادرات بقيمة 3ر75 مليار دولار خلال نفس العام، ثم تركيا بقيمة 7ر37 مليار دولار، تليها إيران بقيمة 2ر15 مليار دولار، ونيجريا 7ر11 مليار دولار، وباكستان 4ر8 مليار دولار، ثم بنجلاديش 5ر4 مليار دولار، وأخيرًا مصر 5ر3 مليار دولار، مع ملاحظة أن هذه الصادرات سلعية ولا تتضمن الصادرات البترولية([2]).
كما حصل تكتل آخر يتكوّن من سبع دول عربية متوسطية، وهي المغرب وموريتانيا، الجزائر، ليبيا، مصر، الأردن، و 3 مندوبون من سوريا ولبنان وفلسطين. وسميت إعلان أغادير لإقامة منطقة للتبادل الحر بين الدول العربية المتوسطية([3])، ومن تجمعات التكامل الإقليمية الفرعية التي تضم بلداناً من العالم الإسلامي: اتفاقية التجارة التفضيلية لشمال أفريقيا([4]).
وأما التجمعات الاقتصادية من خارج المنظمة التي تشارك فيها بلدان أعضاء في المنظمة فهي تشمل: رابطة أقطار جنوب شرق آسيا، والاتحاد الاقتصادي الأفريقي، والاتحاد الاقتصادي لدول غرب أفريقيا، والاتحاد الاقتصادي لغرب أفريقيا، واتحاد نهر مانو، ومنطقة التجارة التفضيلية لدول الشرق والجنوب الأفريقي، ورابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي([5]).
ومن الملاحظ أن كل دول التكتلات اتخذت من منظمة المؤتمر الإسلامي محورًا ومرتكزًا لتنسيق الجهود نحو تحقيق الوحدة الإسلامية الشاملة، وتقوية أواصر التعاون الاقتصادي بين الدول الإسلامية مجتمعة، وبالتالي تصبح أكبر وأشمل تجمع دولي بين بلدان العالم الإسلامي في الوقت الحاضر.
وختاماً: إن حاجة الأمة الإسلامية اليوم إلى قليل من العمل أكثر من حاجتها إلى كثير من القول.
([1]) واقع الأمة الإسلامية ومواجهة التحديات، بقلم: د. عبد الحفيظ بن عبد الرحمن محبوب، www.darululoom-deoband.com/arabic/magazine/ 1053514048/fix4sub5file.htm - 59k.
([2]) المرجع السابق ناقلاً عن: جريدة الشرق الأوسط في 24/2/2001م، ص 15.
([3]) واقع الأمة الإسلامية ومواجهة التحديات، بقلم: د. عبد الحفيظ بن عبد الرحمن محبوب، www.darululoom-deoband.com/arabic/magazine/ 1053514048/fix4sub5file.htm - 59k.
([4]) العولمة - التكامل العالمي - مع التكامل الاقتصادي الإقليمي أو بدونه؟، د. سعاد أوكسوز، أستاذ ورئيس قسم العلاقات الدولية، كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية، جامعة إيجه، إزمير، تركيا، http://www.sesrtcic.org/arabic/pubs/jec/jabsv19a04.shtml.
عدد القراء : 1060