shikh-img
رسالة الموقع
أول أيام شهر رمضان للعام 1442 هجري، هو يوم الثلاثاء الواقع فث 13/ 4/ 2021 ميلادي. تقبل الله منا و

الإسلام مارس حقوق الإنسان بشمولية وبدون تعهدات

 

تعريف القانون الدولي الإنساني:

منذ العصور القديمة كانت هنالك رغبة – بدافع ديني أو حتى فلسفي- بجعل الحرب أكثر إنسانية.

في كتاب "فن الحرب" للصيني سون زي (القرن الخامس قبل الميلاد!) نجد أقدم النصوص لما يمكننا تسميته اليوم القانون الدولي الإنساني.

كما فرض الدين اليهودي والمسيحي والإسلامي تحديدات أثناء الحرب وخصوصاً تجاه المدنيين، والأطفال والنساء وكبار السن.

كما أن فلاسفة عصر الاستنارة اعتمدوا مبدأ الكرامة الإنسانية وبالتالي قاموا تدريجياً بوضع الحدود لسلطة الدولة حتى خلال فترة السلم.

الهدف من وراء ذلك هو:

أولاً، التخفيف من معاناة ضحايا النزاعات المسلحة التي تقع تحت سيطرة قوات العدو.

ثانياً: السيطرة على أعمال العنف.

ثالثاً، التخفيف من أضرار الحرب السيئة جداً.

لكن انطلاقة القانون الدولي الإنساني بمفهومه المعاصر كانت خارج الدين والفلسفة واعتماداً على مبدأ "الحياد" إذ أنه يتم اعتبار آلام البشر فقط بغض النظر عما كان يقوم به الشخصُ الذي يتم إسعافه.

وقد كانت كتابات رجل الأعمال السويسري هنري دونان الذي تأثر من الدمار الذي تركته معركة سولفيرين التي انتصر فيها الفرنسيون على النمساويين (40 ألف قتيل وجريح) دافعاً لتأسيس الصليب الأحمر سنة 1863 وبداية ما كان يسمى "قانون جنيف" سنة 1864.

هنالك أيضاً "قانون لاهاي" أو ما يسمى "قانون الحرب" والذي يعود إلى إعلان بيترسبورغ لسنة 1868 والاتفاقيات التي تلتها والتي تسري على الدول أثناء الحرب.

بعد سنة 1945 بدأ استعمال مصطلح "القانون الدولي الإنساني" والذي يجد مصدره في قانون جنيف ولاهاي وأصبح هذا المصطلح رسمياً في السبعينات بعد تبني البروتوكولين الإضافيين سنة 1977 ليكملا اتفاقيات جنيف الأربعة لسنة 1949 والتي وسعت الحماية على المدنيين أثناء الحروب "الداخلية" أيضاً لدرجة إلزام الدول بتطبيق القانون الدولي الإنساني أثناء الحروب الدولية أو الداخلية.

القانون الدولي الإنساني هو إذن –بحسب تعريف اللجنة الدولية للصليب الأحمر- "عبارة عن:

مجموعة من القواعد التي تحمي ـ في أوقات الحرب ـ الأشخاص الذين لا يشاركون في القتال أو لم يعودوا قادرين على المشاركة فيه.

أو: مجموعة المبادئ والقواعد التي تحدّ من استخدام العنف أثناء المنازعات المسلحة أو من الآثار الناجمة عن الحرب تجاه الإنسان عامة.

 

مبادئ القانون الدولي الإنساني

  • عدم المنافاة بين مقتضيات الحرب واحترام الذات الإنسانية.
  • حصانة الذات البشرية.
  • منع التعذيب بشتى أنواعه.
  • احترام الشخصية القانونية.
  • احترام الشرف والحقوق العائلية والمعتقد والتقاليد.
  • الملكية الفردية محمية ومضمونة.
  • عدم التمييز، فالمساعدة والعلاج ومختلف الخدمات والمعاملة بصورة عامة تقدم للجميع دون فرق إلا ما تفرضه الأوضاع الصحية والسن.
  • توفير الأمان والطمأنينة وحظر الأعمال الانتقامية والعقوبات الجماعية واحتجاز الرهائن.
  • حظر استغلال المدنيين أو استخدامهم لحماية أهداف عسكرية.
  • منع النهب والهجوم العشوائي والأعمال الانتقامية.
  • منع أعمال الغش والغدر.

 

الأشخاص المحميون بالقانون الإنساني

  • الجرحى والمرضى من القوات المسلحة في الميدان
  • الغرقى والجرحى والمرضى من القوات المسلحة في البحار
  • أسرى الحرب
  • المدنيين

والفئات الثلاث الأولى تنتمي إلى المقاتلين قبل أن تتوقف عن القتال اضطرارا أو اختيارا أما الفئة الرابعة فهي بحكم طبيعتها لا تشارك في القتال أصلا.

 

حقوق الإنسان بين القانون الدولي الإنساني والمنظور الإسلامي

الإسلام هو في الواقع الذي أرسى قواعد حقوق الإنسان بمنهج شامل، أعد الحريات الأساسية وحقوق الأفراد و الجماعات في صيغة متوازنة وعادلة.

عولمة الحقوق

 اتجه الغرب إلى عولمة حقوق الإنسان مستخدماً القوة والضغط السياسي والاقتصادي وحتى العسكري.. ورغم جمالية هذه الحقوق التي يندرج تحتها مسميات براقة كالحرية والعدالة والمساواة إلا أن مضامين تلك المسميات لا تزال مبهمة!

حقوق الإنسان من منظور إسلامي

إنه على عكس ما هو سائد في الغرب وما هو سائد فيه من أفكار سلبية عن الإسلام كتلك التي تصفه بالتعصب والعنصرية وغيرها من الاتهامات الباطلة فإن الإسلام في الواقع هو دين التعددية والتفتح، وأن تعددية الأجناس ما هي إلا حكمة الله في خلقه، كما ورد في الآية الثالثة عشر من سورة الحجرات {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} فإن هذه الآية الكريمة تشير وبصريح العبارة إلى حث الإسلام البشر على التواصل والتحادث والتعارف، كما يحث القرآن على احترام الأديان الأخرى والتسامح مع الناس على اختلاف معتقداتهم وأخلاقياتهم.

إن مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يقوم عليه الإسلام لأكبر برهان على تفتحه على الآخر وقابليته للتعاون في سبيل السعي وراء الخير وتجنب الشر ودحضه.

من خصائص شريعة الإسلام:

1-    أنها غنية في مصادرها الأساسية بالقواعد والمبادئ التي تعترف بالإنسان وتكرمه في أوقات السلم والحرب على السواء.

2-    للشريعة الإسلامية ذاتية خاصة بالنسبة لهذه المسائل، إذ هي تسوي في الخطاب بين الفرد سواء في النطاق الدولي أو الداخلي وبالتالي فهي تتفوق على القانون الدولي بجعلها الالتزامات مفروضة في مجال العلاقات الدولية والداخلية على السواء في زمني السلم والحرب.

 

واستنكر القرآن الأفعال المهينة للكرامة الإنسانية وعدّ فرعون من المفسدين بقوله تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}.

التصور الإسلامي لكل القضايا وقضية القانون الدولي الإنساني ينبع من:

1-    أنه ذو أصل إلهي مقدس ولا يخضع بالتالي إلى نظام قانوني علماني.

2-    يرتكز أساساً على قواعد مستمدة من القرآن، ومن هنا يستخلص قاعدتين أساسيين:

ـ أن مجال تطبيق القانون الإنساني الإسلامي كل لا يتجزأ ولا يفرق بين حرب وأخرى أو نزاع آخر داخلي أو دولي.

ـ أن هذه القواعد المطبقة في كل النزاعات ترتكز أساساً على الرحمة والرأفة انطلاقاً من قدرة الله.

والقانوني الإنساني الإسلامي كان متقدماً على عصره؛ لأنه أوجب دائماً على المقاتلين احترام القواعد:

- الشرط الإسلامي قال تعالى: {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ}.

- القانون الإسلامي الإنساني ومبادئ احترام كرامة الإنسان تحرم المثلة والتعذيب للعدو.

- تحريم قتل رجال الدين والشيوخ والنساء والأطفال، ويمنع القانون الإسلامي تجويع المدن المحاصرة وتحطيم الأملاك والغدر قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ}.

- الأسرى: لا يبيح الإسلام قتل الأسرى ويحظر كل أشكال التعذيب والمثلة، وتذهب الشريعة الإسلامية إلى أبعد من ذلك إذ توصي بحسن معاملتهم قال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا}.

الشريعة الإسلامية قامت بأعظم عمل إنساني حين دعت إلى حقوق الإنسان بأسلوب فريد ونظامي جديد يجعلها دستوراً للحياة، فالإسلام الحق هو دين يحمي الإنسان ويقرر حرياته ويحافظ على حقوقه ويرفع من شأنه ويكرم إنسانيته، ويتجلى ذلك بالناحية التاريخية وخصائص ومزايا حقوق الإنسان في الإسلام.

قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً}.

حقوق الإنسان التي ينادي بها الغرب بما فيها المطالبة بحقوق الأسرى كان للإسلام الأسبقية في التعامل معها، وحول موقف الإسلام من المدنيين في حالة النزاع المسلح وكيف استقر الفقه الإسلامي على عدم جواز التعرض للمدنيين الذي لا يقاتلون المسلمين.

ففي الحديث عن رسول الله e من قوله في أسرى بني قريظة: "أحسنوا إسارهم وقيلوهم (أي وفروا لهم القيلولة) واسقوهم، ولا تجمعوا عليهم حر الشمس وحر السلاح".

وقد خاطب رسول الله e جيش مؤتة بقوله "أوصيكم بتقوى الله وبمن معكم من المسلمين خيراً، اغزوا باسم الله في سبيل الله ولا تغدروا ولا تقتلوا وليداً ولا امرأة ولا كبيراً ولا منعزلاً بصومعة ولا تقعروا نخلاً ولا تقطعوا شجراً ولا تهدموا بناءً".

 

وعن إشكالية تطبيق القانون الدولي الإنساني تحدث الأستاذ الدكتور عامر الزمالي "مستشار شؤون الشرق الأوسط والمغرب العربي ـ جمهورية مصر العربية":

أن مكمن الخلل في تطبيق القانون الدولي الإنساني يقع خارج هذا القانون أساساً، وثمة عدة عوامل لا بد من الوقوف عندها أبرزها:

- تغليب المصالح العسكرية والسياسية على الاعتبارات الإنسانية، وظهور الجماعات المسلحة غير المنضبطة، وتفكك هياكل الدولة في بعض الحالات.

- إعاقة العمل الإنساني وتهديد القائمين به.

- إهمال المساءلة وتبعات خرق الحكام الإنسانية.

- التقصير في اتخاذ الإجراءات الوقائية والجزائية في الوقت المناسب.

- سهولة اقتناء الأسلحة الفتاكة والجنوح إلى استخدامها دون قيود.

 

الصعوبات التي تواجه تطبيق القانون الدولي الإنساني تنقسم إلى صنفين:

منها ما يتعلق بقوانين وقواعد القانوني الدولي الإنساني.

ومنها ما هو مرتبط بآليات التنفيذ.

قضية مسؤولية إطلاق سراح أسرى الحرب مدى تطبيق اتفاقية جنيف الخامسة على الأراضي العربية الممثلة من طرف إسرائيل، مكافحة الإرهاب تسبب أيضاً في وجود بعض الصعوبات التي تحول دون تطبيق القانون الدولي الإنسان كقضية السجناء المحتجزين في جوانتينامو.

 

البيان الختامي

- ضرورة إبراز الدور الريادي الذي أولاه الإسلام تجاه حقوق الإنسان في وقت السلم والحرب من خلال المشاركة في النشاطات الدولية وإنشاء لجان وطنية للقانون الدولي الإنساني والاستفادة من الخبرات الحركية الدولية للهلال والصليب الأحمر في هذا المجال.

- التأكيد على أن تبني معايير دولية مشتركة لحقوق الإنسان تتطلب احترام الأديان وعادات وثقافات وحضارات الشعوب.

- قضية الشعب الفلسطيني إحدى القضايا الإنسانية التي يجب أن تُحشد لها جهود المؤسسات المعنية لحقوق الإنسان لتنفذ قرارات الأمم المتحدة بشأنها.

- إن الإنسان بأمر الله مكرم لذاته بدون تمييز على أساس من الجنس أو اللون أو العرق أو الدين.

- إن انتهاك كرامة الإنسان والاعتداء على حياته جريمة وتخلف حضاري يستحق العقوبة الرادعة وفق شرع الله والمواثيق والقوانين الدولية.

- إن احتجاز حرية الإنسان بطريقة غير مشروعة وانتهاك حرمة بدنه ومعنوياته بغير حق أمر محرم في شريعة الإسلام مما ينبغي أن يؤكد عليه في المعاهدات والمواثيق والقوانين الدولية.

- إن الاعتداء على الممتلكات الخاصة والعامة من الجرائم التي تستحق العقوبة وفق الشرائع السماوية الخالدة والمواثيق الدولية.

- إن عدم احترام خصوصيات الإنسان والتعدي على حرمة مسكنه وتتبع عيوبه وإشاعة الفاحشة يشكل انتهاكاً لحقوق الإنسان.

- إن الإكراه في الدين أمر ممنوع وفق شريعة الله والأعراف والمواثيق الدولية لا يصح ممارسته بحال.

 

عدد القراء : 1019