الأصل في تعدد الزوجات
الأصل أن التعدد مباح للرجل إلاّ إذا اعتراه ما يغيّر حكمه من الإباحة إلى غيرها؛ إما التحريم أو الوجوب أو الاستحباب أو الكراهة.
فيكون التعدد محرّماً إذا كان يعتريه ما يحرِّمه كأن يتزوّج بزوجة خامسة أو يجمع بين المرأة وأختها والله تعالى يقول: {وأن تجمعوا بين الأختين} أو بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها، وقد نهى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عن ذلك في حديث أبي هريرة مرفوعاً ( رواه البخاري ومسلم) وفي حديث جابر (رواه البخاري).
ويكون محرّماً إذا غلب على الزوج الظن أنه لن يستطيع العدل بين زوجاته فيما يجب عليه العدل.
ويكون التعدد واجباً إذا كان عدمه يؤدّي إلى محرَّم أو يمنع من واجب، كمن عنده زوجة لا تغنيه عن النساء وإن لم يعدِّد وقع في الزنا والعياذ بالله، فهذا يُقال له: عَدِّد وتزوّج بثانية، وهذا ما يعبِّر عنه الفقهاء بقولهم "إذا خاف على نفسه الفتنة وكان قادراً على النفقة والمبيت".
ويكون التعدد مستحبًّا إذا كان فعله يؤدي إلى أمر مستحب كالإكثار من النسل، فإن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيكاثر بنا الأمم يوم القيامة، أو كالإعانة في إنقاص عدد العوانس من المسلمات أو لرعاية أرامل المسلمين.
ويكون التعدد مكروهاً إذا كان فعله يؤدِّي إلى مكروه، كطلاق الزوجة الأولى بسببه من غير سوء فيها يؤدِّي إلى طلاقها، أو إذا كان فعله سيشغله عن تحصيل فضائل الأمور كطلب العلم والعمل الخيري، أو أن يعدِّد مَن كان ضيِّق الصدر كثير الغضب، فهذا أكره له التعدد، لأن التعدد يحتاج إلى حلم وسعة صدر للزوجات.
هل يُنصَح الأزواج بالتعدد أم الأفضل أن يبقى كل رجل مع زوجته ولا يعدِّد؟
هذه المسألة نسبيّة من زوج إلى آخر، وهي مبنيّة على معرفة التفصيل في حكم التعدّد السابق من حيث وجوبه وتحريمه واستحبابه وكراهيته.
ولكن الذي ينبغي أن يُنَبَّه إليه الزوج أن يدرس الموضوع دراسة متأنّية، ويستشير في ذلك مَن كان أهلاً للاستشارة، ولا يستشير من يعلم أنه سيوافقه في هواه، وليحذر المؤمن من التقليد الأعمى من غير دراسة ولا تأنّي، ولا ينسَ المؤمن ملاحظة سلبيات التعدد بالنسبة له وإيجابيات التعدد بالنسبة له كذلك، وليستخر الله تعالى مرّات ومرّات، لأن أعراض المسلمين أمانة ولا ينبغي التلاعب بها، فكم من زوج عدَّد ولم يمضي عليه سنة أو أشهر معدودة وإذ به يطلِّق الزوجة الثانية ويرجع للأولى ويدَّعي أنه لا يصلح للتعدد، ولو أنه تأنّى منذ البداية لِما حصل مثل هذا، والله المستعان.
وفي الصورة المقابلة نرى رجالاً يحتاجون إلى التعدد لأي سبب كان، ولكنهم - وخوفاً من المشاكل مع الزوجة الأولى - لا يجرؤون عليه، وتراهم يسافرون من بلد إلى بلد يرتعون في المحرّمات ويقعون في غضب الله تعالى، أو يتَّخِذون الخليلات يكلِّمونهن ويسايروهن، وكل ذلك يهون عندهم بجانب المشاكل التي يتوقّعونها من الزوجة الأولى...
وهذا خطأ فادح وإثم عظيم! ولِمثل هؤلاء أقول: لا تفعلوا الحرام وتزوّجوا وثَنُّوا وثَلِّثوا ورَبِّعوا ما دمتم ستحرصون على العدل بين زوجاتكم، والغضب والمشاكل إن حصلت فستكون لأيامٍ معدودة ثم تزول بإذن الله تعالى إن أنتم صدقتم مع الله تعالى وتريدون بالتعدد إحصان أنفسكم وعدم معصية ربِّكم جلَّ وعلا.
هل الأصل التعدد أو الإفراد في الزوجات؟؟؟
جاءت آية تعدد الزوجات مستجيبة للعادة التي كان عليها العرب، فقد كانوا يعددون لحاجات كثيرة، فجاء الشرع الحنيف فحدد أربع زوجات على الصحيح.
أما قضية التعدد أم الواحدة، فإن أحدهم يبدأ بواحدة فيمكن أن يقال هذا الأصل.
ولكن أقول أن الأصل يكون من حيث المقصد وهو العدل، فمن لا يعدل مع زوجة واحدة فالزواج في حقه حرام، وهذا الحكم ينسحب على التعدد من باب الأوْلى.
فإن أراد احدهم التعدد مع الاستطاعة القيام بالعدل فهو جائز.
قال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} [النساء: 3].
الأصل التعدد، وهذا واضح في قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3]. بل هو مستحب، بدليل استحباب كثرة الذرية.
هل يلام من تزوج واحدة واكتفى بها؟.
قال الله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} ثم نعرف خلافا بين العلماء، هل الأصل في النكاح التعدد، أم الأصل الإفراد؟!
فالذين قالوا: الأصل التعدد، قالوا: إن الله تعالى بدأ به في هذه الآية {مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} وأما الإفراد فقال: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}.
والذين قالوا: إن الأصل الإفراد قالوا: إن العدل شديد وثقيل على الكثير، ودليل ذلك قول الله تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} أي أنه شديد، وإذا كان شديدا فالاقتصار على الواحدة أولى؛ لذلك قال: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} مع قوله: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ}.
إذا مال أحدهم إلى إحدى امرأتيه بقيت الأخرى معلقة، لا أيما ولا ذات زوج تتألم وتلاقي من الصعوبات الشيء الكثير؛ فلذلك فضلوا الاقتصار على الواحدة.
ولكن بكل حال الأحوال تختلف، والقدرات تختلف، فمن وثق من نفسه بأنه يعدل بين المرأتين أو الثلاث أو الأربع، ويعطي كل واحدة حقها؛ فإن الأصل في حقه أن يعدد.
واختلف هل الأصل في النكاح التعدد أو الإفراد؟
فالذين قالوا: الأصل التعدد قالوا: إنه الذي أمر الله به {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} فإن هذا أمر بأن ينكح أكثر من واحدة، ولكن بشرط وهو قوله: {أَنْ تَعْدِلُوا فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا}.
دليل من يقول: الأصل الإفراد قوله: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} فهذا دليل على أن الإنسان -غالبا- لا يستطيع العدل إلا بصعوبة.
والآية الكريمة تدل على أن الذي عنده الاستعداد للقيام بحقوق النساء على التمام؛ فله أن يعدد الزوجات إلى أربع، والذي ليس عنده الاستعداد يقتصر على واحدة.
وقال الدكتور القرضاوي عندما سُئل عن هذه المسألة: هذا سؤال يسأله الكثيرين وبعض هؤلاء يقولون: أن الأصل هو التعدد ويستدلون بقول الله تعالى {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة}، فيقولون أن الأصل أن تتزوج زوجتين وثلاثة وأربعة، إنما هذا الكلام لو كانت الآية جاءت تقول: (يا أيها الناس انكحوا ما طاب لكم مثنى وثلاث ورباع) إنما الآية ليست كذلك فهي مربوطة بشيء قبلها {وإن خفتم ألا تقسِطوا في اليتامى فانكحوا لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع}.
فما وجه الربط بين الشرط والجواب، فقد جاء عن عائشة إنهم كانوا يتحرجون من زواج اليتيمات في حجرهم فقد تكون المرأة في حجر الوصي عليها أو لديه يتيمة وهو قيِّم عليها، ويريد أن يتزوجها ولكن يخاف أنه إذا تزوجها لا يقوم بحقها لأنه المتحكم فيها ولا يعطيها مهرها، فربنا سبحانه وتعالى يقول له إن كنت خائف ربنا يوسع عليك، فما الذي يدخلك في هذا المأزق وهذا المضيق، فقد وسع الله عليك (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) هذا جاء من أجل هذا.
ولو كان ما يقوله هؤلاء صحيحاً لوجب أن يقول عدد النساء على الأقل ضعف عدد الرجال أو أربعة أضعاف عدد الرجال، إنما الواقع الذي يشهد به هذا النظام الكوني أن عدد الرجال والنساء متساوٍ أو متقارب.
حتى أن الرجل الذي كتب كتاب ترجم إلى العربية بعنوان "العلم يدعو إلى الإيمان" ذكر أنه من دلائل على أن هناك قوة تنظم هذا العالم إن الناس طوال التاريخ تحب الذكور أكثر من الإناث ومع أن هذا العدد متساو أو متقارب دليل على أن هناك قوة تعمل هذا، فلو أراد الله أن يتزوج الشخص من زوجتين أو ثلاثة وإن هذا هو الأصل فكان لا بد أن يكون عدد النساء ضعفاً أو أضعافاً وهذا ليس موجود.
الأصل في ذلك شرعية التعدد لمن استطاع ذلك ولم يخف الجور لما في ذلك من المصالح الكثيرة في عفة فرجه وعفة من يتزوجها الإحسان إليهن وتكثير النسل الذي به تكثر الأمة وتكثر من يعبد الله وحده.
فوائد تعدد الزوجات.
غاية الأمر أن الشارع الحكيم حدد العدد المسموح به من الزوجات، فمن أراد أن ينكح واحدة فعليه بالعدل.
ومن استطاع المزيد وأراد ان يعدد فلا حرج عليه فما زال أمامه فسحة إلى 4 نساء، ولكن بشرط العدل.
فالجواب على سؤالكم أن الأصل هو إقامة العدل بين الزوج وزوجته/ زوجاته.
فوائد التعدد كثيرة وعظيمة منها
* أنه هدى النبى صلى الله عليه وسلم
* عفة للزوجين
* صلاح للمجتمع
* كثرة للذرية والنسل
في التعدد قال تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم فواحدة أو ما ملكت أيمانكم}.
قال بعض أهل العلم أن في الآية دليل على أن التعدد هو الأصل والتوَحُد هو الفرع في حال عدم الاستطاعة على التعدد.
هل الأصل التعدد؟
الأصل عند الحنابلة عدم التعدد ويسن الاقتصار على واحدة إن حصل بها الإعفاف.
وعللوا: لأن التعدد فيه التعرض للمحرم الذي هو عدم العدل بين الزوجات، وقد قال الله تعالى: {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا...}.
وقال صلى الله عليه وسلم: "من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل". رواه الخمسة.
والقول الثاني أن التعدد أفضل لكن بشرط أن تكون عنده
1- قدرة مالية
2- وقدرة بدنية
3- وقدرة حكمية يحكم بينهما بالعدل......
تعدد الزوجات
ما قول الأفاضل الكرام في أطروحات بعض طلاب العلم.
1- أن العرب قبل الإسلام كان الواحد منهم تحته العشرة والعشرين من النساء فجاء الإسلام ليعالج ذلك الأمر بهذا العدد المحدود، ولمراعاة التددرج في الأحكام.
2- أن حكم التعدد في الإسلام على سبيل الإباحة وليس على سبيل الوجوب.
3- أن التعدد إن كان ولابد فلا بد فيلزم تحقيق العدل بين الزوجات، ورغم هذا أستبعد المشرع تحقيقه بقول الحق سبحانه: {وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُوا كُلَّ المَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً} [النساء: 129].
4- أن التعدد جاء في سياق الولاية على مال اليتيم فجاء لسد ذريعة عدم القسط في اليتامى بالزواج منهن أو من أمهن لقول الحق سبحانه: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي اليَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا} [النساء 3]، وليس الأمر على إطلاقه.
5- ولهذه الأسباب السابقة فإن الأصل هو واحدة والفرع هو التعدد لمقتضى الحاجة التي يبنى عليها سبب التعدد وبوجود الجواز به.
هل يجوز للمرآة أن تطلب الطلاق من زوجها إذا علمت بنيته أنه يرغب بالزواج من أخرى بأنها تفتن في دينها؟ وهل قول النبي صلى الله عليه وسلم "إني لست أحرم حلالا ولا أحل حراما ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنت عدو الله أبدا " في رفضه من زواج علي رضي الله عنه على فاطمة رضي الله عنها، يعنى أن هذا ليس بتشريع وأنه يجوز لعلي أن يتجوز ببنت أبي جهل. أم معنى لا أحرم حلالا أي لا أقول شيئا يخالف حكم الله, فإذا أحل شيئا لم أحرمه, وإذا حرمه لم أحلله, ولم أسكت عن تحريمه, لأن سكوتي تحليل له, ويكون من جملة محرمات النكاح الجمع بين بنت نبي الله وبنت عدو الله.
قال أهل العلم: الاقتصار على الواحدة أصل ولكن مع ذلك إذا كان الإنسان يرى من نفسه أن الواحدة لا تكفي ولا تعفه فإننا نأمره بأن يتزوج ثانية وثالثة ورابعة حتى يحصل له الطمأنينة وغض البصر وراحة النفس.
يقول الشيخ محمد رشيد رضا: (إن العدل بين اثنتين مستحيل؛ لأنه عندما يتزوج الجديدة لا بد أن يكره القديمة؛ فكيف يعدل بينهما؟ والله أمر بالعدل، فالأحسن واحدة.
هل جعل القرآن مسألة تعدد الزوجات أمرًا دينيًّا مطلوبًا، أم رخصة تباح للضرورة بشروط مضيق فيها؟.
الأصل في السعادة الزوجية، والحياة البيتية هو أن يكون للرجل زوجة واحدة، وأن هذا غاية الارتقاء البشري في بابه، والكمال الذي ينبغي أن يربى الناس عليه ويقتنعوا به.
وأنه قد يعرض أن تمس الحاجة إلى كفالة الرجل الواحد أكثر من امرأة واحدة.
وأن ذلك قد يكون لمصلحة الأفراد من الرجال، كأن يتزوج الرجل بامرأة عاقر فيضطر إلى غيرها لأجل النسل، ويكون من مصلحتها أو مصلحتهما معًا أن لا يطلقها وترضى بأن يتزوج بغيرها.
وقد يكون التعدد لمصلحة الأمة كأن تكثر فيها النساء كثرة فاحشة كما إذا وقعت ذهبت بكثير من الرجال فيزيد عدد النساء زيادة فاحشة.
إن الأسباب التي تبيح تعدد الزوجات هي ضرورات تتقدر بقدرها،
ولما كان الرجال إنما يندفعون إلى هذا الأمر في الغالب إرضاء للشهوة لا عملاً بالمصلحة، وكان الكمال الذي هو الأصل المطلوب عدم التعدد؛ جعل التعدد في الإسلام رخصةً لا واجبًا ولا مندوبًا لذاته، وقيد بالشرط الذي نطقت به الآية الكريمة، وأكدته تأكيدًا مكررًا فتأملها.
قال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي اليَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا} [النساء: 3]... إلخ.
فالكلام كان في حقوق الأيتام، ولَمَّا كان في الناس من يتزوج باليتيمة الغنية ليتمع بمالها، ويهضم حقوقها لضعفها، حذَّر الله من ذلك وقال: إن النساء أمامكم كثيرات، فإذا لم تثقوا من أنفسكم بالقسط في اليتامى إذا تزوجتم بهنّ فعليكم بغيرهنّ، فذكر مسألة التعدد بشرطها ضمنًا لا استقلالاً.
ثم قال: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 3]، ولم يكتف بذلك حتى قال: {ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا} [النساء: 3]، أي: إن الاكتفاء بواحدة أدنى وأقرب لعدم العول، وهو الجور والميل إلى أحد الجانبين دون الآخر، من عال الميزان إذا مال، وهو الأرجح في تفسير الكلمة، فأكد أمر العدل، وجعل مجرد توقع الإنسان عدم العدل من نفسه كافّ في المنع من التعدد، ولا يكاد يوجد أحد يتزوج بثانية لغير حاجة وغرض صحيح يأمن الجور.
لذلك كان لنا أن نحكم بأن الذّواقين الذين يتزوجون كثيرًا لمجرد التنقل في التمتع يوطنون أنفسهم على ظلم الأُولَى، ومنهم من يتزوج لأجل أن يغيظها ويهينها، ولا شك أن هذا محرم في الإسلام لِمَا فيه من الظلم الذي هو خراب البيوت، بل وخراب الأمم، والناس عنه غافلون باتباع أهوائهم)([1]).
جاء في قوله تعالى في سورة النساء: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي اليَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3].
كان الرجل من العرب يكفل اليتيمة، فيعجبه جمالها ومالها، فإن كانت تحل له؛ تزوجها، وأعطاها من المهر دون ما تستحق، وأساء صحبتها، وقتَّر في الإنفاق عليها، وأكل مالها.
فنهى الله المؤمنين عن ذلك، وشدد عليهم في الامتناع عنه، وأمرهم أن يؤتوا اليتامى أموالهم، وحذرهم من أن يأكلوا أموالهم.
ثم قال لهم: إن كان ضعف اليتيمات يجركم إلى ظلمهن، وخفتم ألا تقسطوا فيهن إذا تزوجتموهن، وأن يطغى فيكم سلطان الزوجية، فتأكلوا أموالهن، وتستذلوهن، فدونكم النساء سواهن، فانكحوا ما يطيب لكم منهن من ذوات جمال ومال من واحدة إلى أربع.
ولكن ذلك على شرط أن تعدلوا بينهن، فلا يباح لأحد من المسلمين أن يزيد في الزوجات على واحدة إلا إذا وثق بأن يراعي حق كل واحدة منهن، ويقوم بينهن بالقسط، ولا يفضل إحداهن على الأخرى في أي أمر حسن يتعلق بحقوق الزوجية التي تجب مراعاتها.
فإذا ظن أنه إذا تزوج فوق الواحدة لا يستطيع العدل؛ وجب عليه أن يكتفي بواحدة فقط، فتراه قد جاء في أمر تعدد الزوجات بعبارة تدل على مجرد الإباحة على شرط العدل.
فإن ظن الجور؛ منعت الزيادة على الواحدة، وليس في ذلك ترغيب في التعدد، بل فيه تبغيض له.
وقد قال في الآية الأخرى: {وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُوا كُلَّ المَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً} [النساء: 129].
فإذا كان العدل غير مستطاع، والخوف من العدل يوجب الاقتصار على الواحدة؛ فما أعظم الحرج في الزيادة عليها!.
فالإسلام قد خفف الإكثار من الزوجات، ووقف عند الأربعة، ثم إنه شدد الأمر على المكثرين إلى حد لو عقلوه لما زاد واحد منهم على الواحدة.
شرط التعدد هو التحقق من العدل، وهذا الشرط مفقود حتمًا، فإن وجد في واحد من الميليون، فلا يصح أن يتخذ قاعدة؛ ومتى غلب الفساد على النفوس، وصار من المرجح أن لا يعدل الرجال في زوجاتهم؛ جاز للحاكم، أو للعالم أن يمنع التعدد مطلقًا مراعاةً للأغلب.
وقد غلب سوء معاملة الرجال لزوجاتهم عند التعدد، وحرمانهن من حقوقهن في النفقة، والراحة، ولهذا يجوز للحاكم، وللقائم على الشرع أن يمنع التعدد دفعًا للفساد الغالب.
وقد ظهر أن منشأ الفساد، والعداوة بين الأولاد هو اختلاف أمهاتهم، فإن كل واحد منهم يتربى على بغض الآخر، وكراهته، فلا يبلغ الأولاد أشدهم إلا وقد صار كل منهم من أشد الأعداء للآخر، ويستمر النزاع بينهم إلى أن يخربوا بيوتهم بأيديهم، وأيدي الظالمين، ولهذا يجوز للحاكم، أو لصاحب الدين أن يمنع تعدد الزوجات؛ صيانةً للبيوت عن الفساد.
فيجوز الحجر على الأزواج عمومًا أن يتزوجوا غير واحدة إلا لضرورة تثبت لدى القاضي، ولا مانع من ذلك في الدين ألبتة.
لو كان الأصل هو التعدد لشرع أولا وابتداء، ولا أظن الأدلة تسعف هذا، وليست الآية في الترغيب بالتعدد أصلا ولا في سياق ذلك.
غاية ما يقال فيه: الإباحة، ومثل هذا لا يقال فيه (الأصل).
التعدد الذي ظهر أيام الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام ومن تبعهم، كان تعدداً حاجياً، ولم يكن شهوانياً.
فمن نظر في أسبابه وغاياته وجد أن الصحابة رضوان الله عليهم كان هدفهم أسمى من مجرد قضاء الوطر والعفاف، لأن العفاف يحصل بواحدة.
لذلك نجد أن كثيرا منهم تزوج الثيبات، حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بكراً غير عائشة رضوان الله عليها، وكثير من أصحابه تزوجوا ثيبات.
وبعمل مقارنة بسيطة بين زماننا وزمنهم نجد أن الرجل المعدّد يتحرى تزوج المرأة الشابة الصغيرة الجميلة، ويترك من هي بحاجة إلى العفاف مثل المطلقة وذات الولد، وهذا يدلنا على أن النزوع إلى التعدد أكثره شهواني.
ومن مقاصد الشرع الحكيم عف النساء اللاتي يحتجن للعفاف، وهؤلاء النساء لا نرى من يمسح عنهن دموع الحزن ونكد الأيام، وضيق الحال، بل نرى رجالا كل ما يهمهم أنفسهم من تمتع بلذائذ الشهوات بدعوى العفاف، وطلب الإحصان.
قال الله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} ثم نعرف خلافا بين العلماء، هل الأصل في النكاح التعدد، أم الأصل الإفراد؟!
فالذين قالوا: الأصل التعدد، قالوا: إن الله تعالى بدأ به في هذه الآية {مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} وأما الإفراد فقال: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}.
والذين قالوا: إن الأصل الإفراد قالوا: إن العدل شديد وثقيل على الكثير، ودليل ذلك قول الله تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} أي أنه شديد، وإذا كان شديدا فالاقتصار على الواحدة أولى؛ لذلك قال: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً مع قوله: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} إذا مال أحدهم إلى إحدى امرأتيه بقيت الأخرى معلقة، لا أيما ولا ذات زوج تتألم وتلاقي من الصعوبات الشيء الكثير؛ فلذلك فضلوا الاقتصار على الواحدة.
الفقه الإسلامي وأدلته - (9 / 161)
حكمة تعدد الزوجات:
إن نظام وحدة الزوجة هو الأفضل وهو الغالب وهو الأصل شرعاً.
وأما تعدد الزوجات فهو أمر نادر استثنائي وخلاف الأصل، لا يلجأ إليه إلا عند الحاجة الملحة، ولم توجبه الشريعة على أحد، بل ولم ترغب فيه، وإنما أباحته الشريعة لأسباب عامة وخاصة.
أما الأسباب العامة: فمنها معالجة حالة قلة الرجال وكثرة النساء، سواء في الأحوال العادية بزيادة نسبة النساء، كشمال أوربا، أم في أعقاب الحروب، كما حدث في ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى، إذ أصبحت نسبة النساء للرجال واحدا إلى أربعة أو إلى ستة، فقامت النساء الألمانيات بمظاهرات يطالبن بالأخذ بنظام تعدد الزوجات، بعد أن قتلت الحرب معظم رجال ألمانيا، وبعد أن كثر اللقطاء في الشوارع والحدائق العامة.
الفقه الإسلامي وأدلته - (9 / 162)
وحينئذ يصبح نظام التعدد ضرورة اجتماعية وأخلاقية، تقتضيها المصلحة والرحمة، وصيانة النساء عن التبذل والانحراف، والإصابة بالأمراض الخطيرة مثل مرض فقد المناعة ( الإيدز)، والإيواء في ظل بيت الزوجية الذي تجد فيه المرأة الراحة والطمأنينة،بدلا من البحث عن الأصحاب الوقتيين، أو حمل لافتات في مواطن إشارات المرور يعلن فيها عن الرغبة في الاتصال الجنسي، أو العرض الرخيص في واجهات بعض المحلات في الشوارع العامة كما في ألمانيا وغيرها.
ومن هذه الأسباب: احتياج الأمة أحيانا إلى زيادة النسل، لخوض الحروب والمعارك ضد الأعداء، أو للمعونة في أعمال الزراعة والصناعة وغيرها.
وقد أباحت اليهودية تعدد الزوجات، ولم يرد في المسيحية نص يمنع التعدد، وأذنت به الكنيسة في عصرنا للأفارقة المسيحيين.
ومن هذه الأسباب: الحاجة الاجتماعية إلى إيجاد قرابات ومصاهرات لنشر الدعوة الإسلامية كما حدث للنبي صلى الله عليه وسلم، فإنه عدد زوجاته التسع في سن الرابعة والخمسين من أجل نشر دعوته وكسب الأنصار لدين الله الجديد. وبقي إلى هذه السن على زوجة واحدة هي السيدة خديجة رضي الله عنها.
وأما الأسباب الخاصة فكثيرة منها:
1 - عقم المرأة أو مرضها، أو عدم توافق طباعها مع طباع الزوج:
قد تكون المرأة عقيما لا تلد، أو أن بها مرضا منفرا يحول بينها وبين تحقيق رغبات الزوج، أو أن طبعها لم ينسجم مع طبع الزوج، فيكون من الأفضل والأرحم ومن المروءة أن تظل هذه الزوجة في رباط الزوجية؛ لأنه أكرم لها وأحب إلى نفسها، وتعطى الفرصة للرجل بالزواج من ثانية تحقق له السعادة بإنجاب الأولاد، وإرواء غريزة حب الأولاد.
وقد يزول مرض المرأة، وتتحسن طبائعها وأخلاقها مع مرور الزمن ونضوج العقل، فتجد في زوجها الأمل، وتنأى به عن الحرمان واليأس والعقد النفسية، وذلك في حدود أربع نسوة تتناسب مع طاقة الرجل وقدرته في عيشه على تحمل أعباء الحياة الزوجية.
الفقه الإسلامي وأدلته - (9 / 163)
وقد بينت أن سبب الاقتصار على أربع هو كونه أقرب إلى تحقيق العدل والرحمة بالمرأة التي ينقطع عنها زوجها ثلاث ليال ثم يعود إليها.
أما ما قد يؤدي إليه التعدد من فساد الأسرة بسبب التحاسد والتنافر بين الضرائر، أو تشرد الأولاد، فهو ناشئ غالبا من ضعف شخصية الرجل، وعدم التزامه بقواعد الشرع وما يوجبه عليه من عدل وقسم في المبيت، وعناية بالأولاد، وإحساس كبير بمطالب الحياة الزوجية، فإذا عدل الرجل بين زوجاته، وسوى بين أولاده في التربية والتعليم والنفقة، ووضع حدا لكل زوجة لا تتجاوزه، فإنه يساهم إلى حد كبير في استئصال كل بذور الفتنة والسوء، والضغينة والبغضاء بين أفراد أسرته، وهو خير كبير له، فيريح فكره من الهموم وحل المشكلات، ويتفرغ لواجباته المعيشية وأعماله خارج المنزل.
فإن بقي بعدئذ شيء في نفس المرأة والأولاد من الغيرة الطبيعية الذاتية، فهو شيء عادي لا تخلو عنه كل المجتمعات الصغيرة، ويمكن التغلب على آثاره بالحكمة والعدل وعدم الإصغاء لتدخلات الجيران والمعارف.
أما منع تعدد الأزواج: ففيه توفير مصلحة المرأة نفسها، إذ تكون عادة مبعث نزاع حاد بين الرجال، وتنافس وتزاحم بين الشركاء يلحق بها ضررا ومتاعب، وفي هذا التعدد ضرر اجتماعي، وفساد كبير، بسبب ضياع الأنساب، واختلاط أصول الأولاد، وضياعهم في نهاية الأمر، إذ قد يتخلى كل هؤلاء الرجال عن إعالتهم، بحجة أنهم أبناء الآخرين.
2 - اشتداد كراهية الرجل للمرأة في بعض الأوقات: قد ينشأ نزاع عائلي بين الزوج وأقارب زوجته، أو بينه وبين زوجته، وتستعصي الحلول، وتتأزم المواقف، ويتصلب الطرفان، فإما فراق نهائي يأكل كبد المرأة للأبد، وإما صبر وقتي من الرجل، تتطلبه الأخلاق والوفاء، والحكمة والعقل، ولا شك أن اتخاذ الموقف الثاني بإبقاء الزوجة في عصمة زوجها مع زوجة أخرى أهون بكثير من الطلاق: "أبغض الحلال إلى الله".
الفقه الإسلامي وأدلته - (9 / 164)
3 - ازدياد القدرة الجنسية لبعض الرجال: قد يكون بعض الناس ذا طاقة جنسية كبيرة، تجعله غير مكتف بزوجة واحدة، إما لكبر سنها، أو لكراهيتها الاتصال الجنسي، أو لطول عادتها الشهرية ومدة نفاسها، فيكون الحل لمثل هذه الظروف ومقتضى الدين الذي يتطلب التمسك بالعفة والشرف هو تعدد الزوجات، بدلا من البحث عن اتصالات غير مشروعة، بما فيها من سخط الله عز وجل، وضرر شخصي واجتماعي عام مؤكد الحصول بشيوع الفاحشة أو الزنا.
والخلاصة: أن إباحة تعدد الزوجات مقيد بحالة الضرورة أو الحاجة أو العذر، أو المصلحة المقبولة شرعا.
الدعوة إلى جعل تعدد الزوجات بإذن القاضي:
ظهرت دعوات جديدة في عصرنا تمنع تعدد الزوجات إلا بإذن القاضي، ليتأكد من تحقق ما شرطه الشرع لإباحة التعدد، وهو العدل بين الزوجات والقدرة على الإنفاق؛ لأن الناس وخصوصا الجهلة أساؤوا استعمال رخصة التعدد المأذون بها شرعا لغايات إنسانية كريمة.
لكن تولى المخلصون دحض مثل هذه الدعوات لأسباب معقولة هي ما يأتي([2]):
1 - إن الله سبحانه وتعالى أناط بالراغب في الزواج وحده تحقيق شرطي التعدد، فهو الذي يقدر الخوف من عدم العدل، لقوله تعالى: {فإن خفتم ألا تعدلوا، فواحدة} [النساء:3/4] فإن الخطاب فيه لنفس الراغب في الزواج، لا لأحد سواه، من قاض أوغيره، فيكون تقدير مثل هذا الخوف من قبل غير الزوج مخالفا لهذا النص.
وكذلك البحث في توافر القدرة على الإنفاق، فإنه منوط بالراغب في الزواج، لقوله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج.." فهو خطاب للأزواج، لا لغيرهم.
الفقه الإسلامي وأدلته - (9 / 165)
2 - إن إشراف القاضي على الأمور الشخصية أمر عبث، إذ قد لا يطلع على السبب الحقيقي، ويخفي الناس عادة عنه ذلك السبب، فإن اطلع على الحقائق، كان اطلاعه فضحا لأسرار الحياة الزوجية، وتدخلا في حريات الناس، وإهدارا لإرادة الإنسان، وخوضا في قضايا ينبغي توفير وقت القضاة لغيرها، ومنعا وأمرا في غير محله، فالزواج أمر شخصي بحت، يتفق فيه الزوجان مع أولياء المرأة، لا يستطيع أحد تغيير وجهته، وتبديل قيمه. وإن أسرار البيت المغلقة لا يعلم بها أحد غير الزوجين.
3 - إن تعدد الزوجات ليس بهذه الكثرة المخيفة، وإنما هو على العكس محدود ونادر لا يتجاوز نسبة 4% في مصر وليبيا في الخمسينات، وفي سورية بنسبة 1%، ومثل هذه النسب لا تستوجب إصدار قوانين خاصة بها، بل إنه إذا صدرت القوانين فلن يتغير من الأمر شيء؛ لأن هذه القضايا تحتاج لضوابط وكوابح داخلية هي الدين والوجدان والأخلاق.
4 - ليس تعدد الزوجات هو السبب في تشرد الأطفال، كما يزعمون، وإنما السبب يكمن في إهمال الأب تربية النشء، وإدمان الخمر، وتعاطي المخدرات، والانصراف في إرواء اللذات طيشا وعبثا، وفعل الميسر وارتياد المقاهي، وإهمال شأن الأسرة، وغيرها من الأسباب. وكانت نسبة المتشردين بسبب تعدد الزوجات لا تزيد في مصر في الخمسينات عن (3%)، ويرجع التشرد في الحقيقة إلى الفقر في الدرجة الأولى. وعلاج مساوئ التعدد يكون بأمرين:
أولا ـ تربية الجيل تربية دينية وخلقية حصينة، بحيث يدرك الزوجان خطورة رابطة الزوجية المقدسة، وارتكازها على أساس الود والرحمة، كما قال تعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة ورحمة} [الروم:21/30].
الفقه الإسلامي وأدلته - (9 / 166)
ثانيا ـ معاقبة من يظلم زوجته، أو يقصر في حقوقها، أو يهمل تربية أحد أولاده، فمن فرط في واجبه يؤاخذ في الدنيا والآخرة.
([1]) يُنْظَر: مجلة المنارـ المجلد [7] الجزء [6] صـ 231، 16 ربيع الأول 1322 ـ 1 يونيه 1904.
([2]) الأحكام الشرعية للأحوال الشخصية، للأستاذ الشيخ زكي الدين شعبان: ص 196 وما بعدها.
عدد القراء : 2666