shikh-img
رسالة الموقع
أول أيام شهر رمضان للعام 1442 هجري، هو يوم الثلاثاء الواقع فث 13/ 4/ 2021 ميلادي. تقبل الله منا و

الحرية: جدية في التعامل، ومسؤولية في التصرف


حوار عن الحرية في برنامج الدين والحياة 

 

المصالح الشخصية متباينة قطعاً، والمصلحة العامة هدف مشترك قطعاً.

الحرية تنبع من الموروث الثقافي والمخزون الحضاري والجغرافية والتاريخ.

الحرية: جدية في التعامل، ومسؤولية في التصرف.

الجرأة أن توصل غرضك المشروع بالطريقة الصحيحة.

أحب للناس كما تحب لنفسك.

 

ضيف الحلقة: الدكتور علاء الدين زعتري، والمذيع: الأستاذ حسام حجازي

تاريخ الحوار: الجمعة 24/6/1432 ه، الموافق لـ 27/5/2011 م

 

المذيع: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه أجمعين.

مستمعين الكرام، نرحب بكم في حلقة جديدة برنامج (الدين والحياة)، وأرحب أيضاً بضيفي الدكتور علاء الدين زعتري، أمين الفتوى في إدارة الإفتاء العام، في وزارة الأوقاف، أهلاً ومرحباً بكم دكتور علاء.

الجواب: أهلاً وسهلاً ومرحباً بكم، جزاكم الله كل خير على هذا البرنامج (الدين والحياة)، لأن الحياة لا تستقيم بلا دين.

المذيع: تحدثنا في حلقة سابقة عن الإصلاح، وتطرقنا إلى ملامسة هذا الموضوع الهام في كل مجتمع، وفي كل حياة، وفي حياتنا الشخصية أيضاً، اليوم سنتناول موضوعاً مرتبطاً أيضاً بالإصلاح.

إذا أردنا أن نتحدث عن الحرية، وأردنا أن نقرنها بالإصلاح.

حدثنا فقط في البداية عن الحرية، كما تحدثنا عن الإصلاح، ومن ثم نمزج بين الحرية والإصلاح.

الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد طه الأمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، وبعد:

شكراً لك أستاذ حسام على بدء السؤال والربط بين الحرية والإصلاح.

مَن منا لا يؤمن بالإصلاح؟!!!.

ومَن منا لا يقبل بالحرية؟!!!.

لا أحد يرفض الحرية.

ولا أحد يرفض الإصلاح.

لكن هل الحرية والإصلاح مفهوم رقمي عددي، نستطيع أن نقيسه ونعايره؟، لنقول:

هذا إصلاح، وذاك إفساد.

وهذه حرية، وتلك فوضى.

إن المسائل المعنوية لا تقاس بالأرقام، وبالتالي فإنها مفاهيم.

والمفاهيم العقلية تختلف باختلاف النظرة إليها.

فالمصالح الشخصية متباينة قطعاً، والمصلحة العامة هدف مشترك قطعاً.

وما بين المصلحة الشخصية والمصلحة العامة كهدف، هنا يكمن النزاع والصراع الذي يجري، ليس فقط في بلدنا، وإنما في العالم كله.

فعندما نتحدث عن الحرية، هل هي الحرية المطلقة؟، التي تودي بالإنسان إلى أن يكون كائناً من الكائنات البرية (لأنه لا يعيش في البحر)، وبالتالي سيفعل ما يشاء؟، ويتصرف كما يحلو له؟.

فهذا أمر، لا أظن أن أحداً يسعى إليه.

عندما نتحدث عن الحرية في أعظم تطبيقاتها المعاصرة، وعندما يتباهى الناس بأن الحريات موجودة في الولايات المتحدة، موجودة في الغرب عموماً، موجودة في فرنسا تحديداً، موجودة، موجودة، نقول:

هل هناك حرية بلا دستور؟!!!، قطعاً لا.

هل هناك حرية بلا قانون؟!!!، أيضاً قطعاً لا.

المذيع: ألا نعتقد أن الحرية مرتبطة بالمجتمع؟، بالتاريخ؟، بالجغرافية؟، وبالناس الموجودين في هذه البقعة الجغرافية؟، هل ترتبط الحرية بهذا المجتمع؟، أم يمكن أن تطبق الحرية الموجودة في الولايات المتحدة الأمريكية، أو في الغرب، هل يمكن أن نطبقها في سورية، أو في السعودية، أو في أي مكان؟.

الجواب: إذاً، الارتباط وثيق، الحرية مفهوم، والمفاهيم تؤخذ من الموروث الثقافي، ومن المخزون الحضاري، ومن الجغرافية والتاريخ، وليست الحرية بأن نقطع جذورنا، ونقول: سنعيش كريشة في مهب الريح، فالشجرة الباسقة الفروع والأغصان جذورها ثابتة، وأصلها ثابت، ولو كان فرعها طاول السماء.

المذيع: كمثال في إحدى الدول الغربية، فإن الحرية عندهم تقضي بأن لا يخرج صوت الأذان خارج السجد، الحرية الأذان فقط داخل المسجد، وليس خارجه، هل يمكن أن نطبق هذا النوع من الحريات عندنا في بلادنا الكريمة الإسلامية التي تملك تاريخاً.

الجواب: لو فعلوا ذلك بسائر المعابد، بأجراس الكنائس، كما في الأذان للمساجد، نقول: هذه حرية تناسب مجتمعهم.

أما عندما تُمنع مجموعة من الصدع بصوت الأذان، ويُسمح لآخرون بأجراس في مكان، في ذات المجتمع، فهذه ليست حرية.

فإذاً، عندما نقول بأن الحرية التي تلائم مجتمعاً لا تلائم مجتمعاً آخر، فإننا نؤكد على الحقيقة التاريخية والجغرافية، نؤكد على الثقافة والحضارة التي نعيشها.

عندما نتحدث عن الحرية، هل نصل في حريتنا إلى أن يقول كل شخص ما شاء؟!!!، في أي وقت شاء؟!!!، بأي أسلوب شاء؟!!!.

هذه ليست حرية، هذه فوضى.

أما إذا تحدثنا عن حديقة (Hyde Park) في بريطانية، إذاً هناك مكان مخصص ليقول كل إنسان ما يريد.

لكن هل هذا الكلام الذي يقال في الحديقة المذكورة يقال في البرلمان؟، أو يقال في مجلس العموم؟، أو في مجلس اللوردات؟، أو في الطريق؟.

إذاً، فهناك تنظيمات إدارية، هناك تعليمات، لا بد أن نتقيد بها.

يمكن أن نأتي بمثال أبسط من هذا.

أنا حر في أن أسير في أي اتجاه أشاء، وأن أقود سيارتي بأي طريق أريد، لماذا وُضعت إشارات المرور؟.

لتنظيم حركة السير.

إذاً هذه هي الحرية المؤطرة، الحرية المقيدة، الحرية المسؤولة.

الجدية في التعامل، والمسؤولية في التصرف، هذه الحرية.

فإذاً، عندما تبدأ حرية الآخرين، يجب أن أتوقف في حريتي كي لا أزعج الآخرين.

يقولون في الحكمة القديمة: لك أن تمد ذراعيك كيف تشاء، لكن دون أن تصل أصبعك إلى أنف غيرك، أو إلى عينه لتؤذيها.

عندما نتحدث عن الحرية، أمريكا عندها تمثال الحرية، ويحمل مشعل نار، فهل يصل الأمر بمشعل النار حرية، أن يذبح الشعب الفلسطيني، إلى أن يقتل  الشعب الأفغاني، إلى أن يدمر الحضارة في العراق،  أي حرية هذه؟.

عندما نتحدث عن الحرية، في فرنسة، هل الحرية بأن تُمنع المرأة من أن تختار ثيابها، فأنتم تسمحون لها بأن تكشف جسدها على الشواطئ، وأن تلبس ما تشاء في الطريق، إلا المرأة المسلمة يجب أن لا تلبس حجابها الذي ترغب به.

فإذا كانت الحرية مسؤولة ـ كما عبرت عنها أستاذ حسام ـ فيجب أن تكون متساوية، وليس أن تكون موجهة لأشخاص، وحرية لآخرين.

المذيع: هل الدين الإسلامي ضد الحرية، دعنا نتحدث إذا كان هناك أمثلة في التاريخ.

الجواب: عندما نتحدث عن الدين في الإسلام، نتحدث أنه أعطى الحرية لكل فرد بأن يعبر عن رأيه.

القرآن يقول: {لا إكراه في الدين}.

ويقول: {أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين}.

فإذاً، الإسلام لم يأت ليجبر الآخرين على معتقده، ولا ليحمل الناس على أن يكونوا من أتباعه، بل أعطى للإنسان حرية في أن يتصرف دون أن يؤذي الآخرين.

عندما يقول القرآن: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين لله}، إذاً، المقاتلة المطلوبة في الشريعة لكي لا يمنعني الآخر من حريتي في العبادة، من حريتي في الاعتقاد، فإذا أعطاني الآخر حريتي في الاعتقاد، فليس من واجبي الشرعي أن أقاتله.

المذيع: وفي الأمور الحياتية، عندما كان يتعامل أصحاب رسول الله، مع الرسول الكريم، كيف كانوا يقدمون له النصح أولاً؟، وكيف كانوا ينتقدون تصرفاً معيناً، وهذا جاء عند الخلفاء أيضاً، كيف كانوا يحاورون الناس، وأقصد المجتمع والمواطنون، كيف كانوا يخاطبون الحاكم بالأدب أولاً، وبالطرق الصحيحة، وبنية الإصلاح، وبينة تطوير المجتمع، أو تغيير الفكرة التي يتحدثون عنها.

الجواب: سنميز بين الحرية غير المسؤولة والفوضى من جهة، وبين الحرية المسؤولة في الجرأة من جهة أخرى.

الآن الكل يقول: لا جرأة إلا بفضح الحاكم.

ونقول: لا، هذه ليست جرأة.

الجرأة أن تقول كلمة الحق عند السلطان الجائر كما جاء في الأثر.

الجرأة في أن توصل غرضك بالطريقة الصحيحة.

هذه غزوة بدر، وأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع مجموعة من أصحابه، بعدد قليل، ليس الغرض المقاتلة، وإنما الغرض استرجاع الأموال.

وإذ فوجئوا بجيش يفوقهم بثلاثة أضعاف.

الآن: أعطوني رأيكم، "أشيروا عليَّ"، هل ننسحب؟، هل نواجه؟، ماذا نفعل؟، فإذاً، طلب المشورة.

لما نزلوا إلى أرض المعركة، قال لهم النبي عليه الصلاة والسلام الإقامة هاهنا.

فجاء صاحب المشورة، صاحب الجرأة، صاحب الحرية المسؤولة: يا رسول الله: أهذا منزل أنزلك الله إياه، أم هو الحرب والمكيدة والمشورة؟، بمعنى: إذا كان الأمر إلهياً نتوقف عنده، وإذا كان اجتهادياً، وإصلاحاً، فعندي رأي.

قال: بل هو الرأي.

قال: هذا المكان لا يصلح للمعركة.

لاحظ، الحوارية، وليس العنف، أو يجب أن تنزل عند رأيي، ويجب أن تغير رأيك.

وعندما قالوا: يا رسول الله، النخل يحتاج إلى تأبير (تقليم، تطعيم، نأخذ من شجرة إلى شجرة)، أشار عليهم الرسول بأن هذا الأمر عادي، وأنتم لا تحتاجون إليه.

فلما سمعوا كلامه، وتركوا ما اعتادوا عليه، وهو لم يكن مزارعاً، بل كان في مكة راعياً، وعمل بالتجارة، فلا يعرف بالزراعة، ليس لديه خبرة.

لكن، لما أتوا في العام القادم، وقالوا: الشجر لم يثمر.

ببساطة، بلطافة، قال لهم: "أنتم أعلم بأمور دنياكم"، " أنتم أعلم بأمور دنياكم".

المسألة عندما تكون أنت الخبير فيها، سواء كنت مسؤولاً أو غير مسؤول، إذا كنت محكوماً أو حاكماً، إذا كنت وزيراً أو مديراً، أو موطناً، عندما تكون أنت صاحب الخبرة قدِّم خبرتك.

يا رسول الله.

قال إذاً نعود إلى ما كنا عليه في خبرتكم الزراعية، وفهمكم لأمور الدنيا، وأنا معكم.

إذاً، هو لم يعترض على الاعتراض الذي وصل إليه، وإنما قدَّم لهم حلاً، فوُجِد أن هذا الحل لم يناسب، فرجع عن الحل الذي أبداه، وأعاد الحل الذي قدَّموه.

لما وقف سيدنا عمر على المنبر، ويقول: يا أيها الناس، غلت المهور، سنساهم في تزويج الشباب، فلا تزيدوا في المهر، ولا تفعلوا أكثر مما هو واجب.

تقول امرأة، ترفع يديها، تستأذن، تقول: كيف تجعل للمهر حداً، والقرآن الكريم يقول: {وآتيتم إحداهن قنطاراً}.

سيدنا عمر وقاف عند حدود الله، قال: أصابت امرأة، وأخطأ عمر.

إذاً، لا غضاضة في أن يشعر الحاكم أو المحكوم، ما دامت هي مسؤولية، وحرية مسؤولة، لا غضاضة في أن أقول: إن هذا الاتجاه الذي اتجت إليه فيه مشكلة، سنغير، هذا القرار الذي اتخذته أحدث مشكلة، سنعيد صياغة القرار، لا مشكلة في أن نعدل في القوانين حتى نصلح، ولا مشكلة في أن نغير في الدستور بما يصلح، ويحقق المصلحة العامة للمجتمع.

المذيع: ويمكن أن يكون قد أصبح لدي خبرة، في كيف أعدل القانون، وكيف أعدل طريقة التعامل مع هذه المسألة، وخاصة كما ذكرت، في مرحلة ماضية، الزراعة كانت هناك ملاحظات كثيرة في مجتمعنا السوري، وهو مجتمع زراعي، وكانت تصدر القوانين والتشريعات باتجاه واحد من قبل الحكومة وينفذها المزارع أو الفلاح.

لكن عندما رأت الحكومة أن الوضع يتطلب تغييراً معيناً في هذا السلوك، أصبح لدي الخبرة في كف نعدل في الأمور، وأن لا نقع في خطأ يمكن أن نكون قد وقعنا فيه في المرحلة السابقة.

نتحدث فيما بقى من حلقة اليوم عن الربط بين الحرية والإصلاح، كيف أكون حراً، وكيف أكون حراً مصلحاً.

الجواب: أكون حراً في أن أقول وليس بأن أفرض.

أكون حراً في أن أعبر عما أريد بالطريق السليم والصحيح، وليس أن أنزعج إذا لم يستمع المنصوح إلى نصيحتي.

أكون حراً عندما أكون غيوراً على وطني.

عندما أكون غيوراً على أبناء مجتمعي، في إصلاح أحوالهم ما استطعت.

ولكن هذه الاستطاعة لا تصل إلى درجة الإساءة.

الاستطاعة في الإصلاح مع حرية التعبير، وحرية الرأي، وحرية المعتقد، وحرية الفكر، لا تصل إلى درجة الإقصاء، والإلغاء، والفرز الطائفي، ولا نريد فلاناً، ولا نريد نظاماً، ولا نريد قيوداً.

إذاً هذه مشكلة.

سأعود إلى المثال: هل يمكن لأي زعيم في العالم، أو رئيس دولة أن ينطق بكلمات، أو أن يعمل عملاً دون أن تكون هناك قيود دستورية، وقيود قانونية، تحد من حركته؟، قطعاً: لا.

إذاً، المسألة تحتاج إلى هذه القيود.

هذه القيود تختلف نظرتنا إليها من مكان إلى آخر، ومن زمان إلى آخر.

فيما يخص الحرية المسؤولة التي تصل إلى مرحلة الإصلاح الحقيقي، لا بد أن تكون هذه الحرية منضبطة، وليست حرية فوضوية، ولا حرية تُمْلَى من شخص بعيد، والأسوأ عندما تكون من عدو لا يريد لمجتمعنا الأمن والاستقرار.

المذيع: نحن ركزنا على هذا الموضوع، لكل مجتمع خصائصه، وسماته، وأشخاصه، وله حريته أيضاً التي تنطبق فقط فيه، لا يمكن أن نطبق الحرية الأمريكية في سورية، لا يمكن أن نطبق حرية الغرب في سورية، هذا قطعاً، لا يمكن.

وشاهدنا كيف كانت التجارب في العراق الشقيق، وهو البلد الجار، كيف حصل فيه؟.

لكن عملية الإصلاح، والإسهام ـ كما كرتم ـ في عملية الإصلاح في المجتمع، كيف يكون حراً؟.

نتحدث بشيء من التفصيل، عن الوظائف العامة التي هي مرتبطة ارتباطاً مباشراً مع المواطن.

المواطن يحتاج إلى خدمات، والموظف هو الحلقة الأخيرة والمحطة الأخيرة في التعامل مع المواطن، وهو واجهة الدولة.

عندما يسيء التعامل مع المواطن، يحكم المواطن على الحكومة، وهذا شيء خاطئ.

الجواب: إذاً، المسألة مسألة تربوية، ومسألة أخلاقية.

هذا المواطن هو أخي، وهذا الموظف هو أخي.

هذا المواطن ابن عمي، وهذا الموظف هو ابن عمي.

فإذاً، كلهم من هذا البلد.

لم يستورد المواطنون من المريخ.

ولم نأت بالموظفين من القمر أو (أورانوس).

وإنما هم من أبناء المجتمع.

فأقول: ماذا لو كنت مكان الآخر!!!.

المواطن مكان الموظف، والموظف مكان المواطن.

(أحب للناس كما تحب لنفسك).

الإرشاد النبوي: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".

أيها الموظف: لو كنت أنت صاحب الحاجة، وأتيت إلى موظف، كيف تريد أن يعاملك؟.

أنت أيها المواطن، لو كنت مكان الموظف، كيف تحب أن يعاملك؟.

إذاً، المسألة تحتاج إلى إعادة نظر وتفكير في الذي أمامي، وليس فقط في أن أفكر بنفسي.

عندما نتحدث عن الإصلاح الذاتي، يعني: أن أنقل وأعكس هذا الإصلاح الذاتي على الذي هو أمامي، ليكون في الواجهة الصحيحة والسليمة.

عندما نتحدث في قضية العلاقة بين الموظف وبين المواطن، جاءني شخص قبل أيام، يقول بأن هناك استملاكاً على الأرض التي استأجرها، وأن الدولة قد عوضت المالك، ولم تعوض (الذي دفع الفروغ).

فهذه مسألة، هو يظن ويعتقد أن من حقه أن يأخذ تعويضاً في مقابل ما دفع من (فروغ).

فقلت: ماذا فعلت؟.

قال: حاولت وقدمت شكاوى.

ثم قلت له: الأولى أن تكتب إلى صاحب المسؤولية.

قال: كتبت، وإلى أعلى مستوى، إلى القصر الجمهوري، بأن الأمر حصل كذا وكذا، ولم آخذ شيئاً من مستحقات الاستملاك.

قلت: وما النتيجة؟.

قال: إن هناك مَن اهتم بالكتاب، وذهب فسأل البلدية (المحافظة)، فقالوا: نحن عوضنا، عوضنا المالك، ولم نعوض المستأجر (حسب القانون).

قلت: إذاً هناك متابعة، وهناك مسؤولية، وهناك: أنت حر في أن تكتب ما تشاء، ووصلك الإصلاح كما تم، والآن ماذا تريد؟.

قال: أنا أريد العطف.

كان يبحث عن العدل، الآن يبحث عن الإحسان.

المذيع: في الدقائق المتبقية، نحن على أبواب حريات جديدة، في انتخابات مجلس الشعب، وأيضاً في الإدارة المحلية، انتخابات المواطنين لممثليهم، وأيضاً نحتاج إلى حرية، كيف يختار المواطن ممثله؟، وأيضاً كيف يوصل هذا الشخص رسالة المواطن إلى المستويات الأعلى؟، وكيف يتابعها؟.

الجواب: بعض الأشخاص يعتقد أنه إذا دخل في عملية الانتخابات في مجلس الشعب، أو لم يدخل، فالمسألة محسوبة، فهناك صناديق ستضع أصواتاً لأناس سيصلون، ولا حاجة للدخول في هذه المسألة.

أقول هنا: أنت ساهمت في الفساد والإفساد.

مسؤوليتك بين يدي الله عزَّ وجلَّ، وحريتك المسؤولة أن تختار ممثلك في مجلس الشعب.

المذيع: أول شيء، الحرية، في أن أرشح نفسي لأعبر عن رأيي.

الجواب: إذا وجد من نفسه قدرة على ذلك فليفعل.

لو قلنا بأن كل الناس لهم هذا الحق، وهو حق مشروع، لهم أن يدخلوا في الانتخابات، إذاً مَن سينتخب مَن؟!!!.

المذيع: هنا أصبح عندي واجب أن أوصل رسالة الناس إلى الجهات المختصة.

الجواب: عندما يكون عليَّ أداء واجب، بأن أوصل الرسالة الصحيحة، فإني أرشح نفسي، أو أنتخب مَن رشح نفسه ليصل الأمر إلى مستواه الطبيعي، وبالتالي من الواجب شرعاً أن لا أتخلى عن هذا الواجب.

واجب الترشيح، وواجب الانتخاب، هذا واجب شرعي.

{معذرة إلى ربكم}، في أضعف الإيمان، أن أقول: يا رب أنا فعلت الواجب الذي عليَّ، ووضعت اسم فلان ليكون مَن يوصل الرسائل إلى المسؤولين.

ولكن إذا حصل عكس ما أرغب، أكون قد قدمت بين يدي الله واجبي الشرعي وواجبي الأصلي والوطني والمجتمعي.

المذيع: وهذا الشخص المنتَخب، عليه أن يقوم بكل حرية مسؤولة، بمساهمته في تطوير المجتمع.

الجواب: اسمح لي في أن أتحدث قبل أن ننهي هذا الموضوع في الحرية، أن ألمح إلى يوم الجمعة.

يوم الجمعة ذكره الله عزَّ وجلَّ بقوله: {فاسعوا إلى ذكر الله}، ولم يقل (فاسعوا إلى الحرية)، أو (فاسعوا إلى الإصلاح)، أو (فاسعوا إلى الفساد)، أو (فاسعوا إلى المسيرات والمظاهرات)، بل قال: {فاسعوا إلى ذكر الله}.

وقال في آية أخرى: {ألا بذكر الله تطمئن القلوب}.

إذاً، فيوم الجمعة هو يوم الاطمئنان، يوم الأمان، يوم الاستقرار.

من أين تأتي مسميات ما أنزل الله بها من سلطان؟!!!.

من العجيب: (جمعة الغضب، وجمعة التحرير، وجمعة الحرائر).

يا جماعة، القرآن يقول {إلى ذكر الله}، وذكر الله تطمئن به القلوب.

ريحوا الناس، وحيدوا دور العبادة.

إذا أردت الإصلاح، فله طريقه، وله أساليبه.

المذيع: جزاك الله خيراً، الدكتور علاء الدين زعتري، أمين الفتوى بإدارة الإفتاء العام، في وزارة الأوقاف، ونلتقي إن شاء الله مستمعينا الكرام مشكورين في استماعكم ومتابعتكم لحلقة اليوم، نلتقي في حلقة جديدة إن شاء الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

جميع الحقوق محفوظة © 2007 - 2011 موقع الدكتور علاء الدين زعتري

 

عدد القراء : 1079