shikh-img
رسالة الموقع
أول أيام شهر رمضان للعام 1442 هجري، هو يوم الثلاثاء الواقع فث 13/ 4/ 2021 ميلادي. تقبل الله منا و

الأمة الأبية

إن أمتنا هذه، أمةٌ أبيَّةٌ ولله الحمد، إنها أمةٌ لا ترضى الذل والهوان، إنها أمةٌ تقاوم الذي يريد الاعتداء على مقدساتها وعقيدتها، إن هذه الأمة فيها خيرٌ عظيم، قال النبي e[مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خيرٌ أم آخره] رواه الترمذي وقال الحافظ حديث حسن.

فالخير باقٍ في هذه الأمة، كما كان من أولها، فكما أن الدين كان محتاجاً إلى أول هذه الأمة لإبلاغة، كذلك هو محتاجٌ إلى القائمين به في آخر هذه الأمة، والفضل للمتقدم قطعاًَ، كما أن الزرع محتاجٌ إلى المطر الأول، وإلى المطر الثاني، ولكنَّ احتياجه إلى الأول آكد، فإنه لولاه ما نبت في الأرض ولا تعلق أساسه فيها.

ومعنى الحديث أنه يكون في آخر الأمة من يقارب أولهم في الفضل، وإن لم يكن منهم، وذلك لأنه قال: لا يدرى أوله خيرٌ أم آخره، ومن المعلوم أن الله يعلم، أيهما خير، وهذا فيه بشارةٌ عظيمةٌ لنا، بأن الخير موجودٌ في هذه الأمة، إلى قيام الساعة، ألا ترى أن النبي e قال في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم رحمة الله: [لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله فيهم وهم كذلك] فهذه الطائفة المنصورة باقية إلى قيام الساعة، تنافح عن دين الأمة، تنافح عن عقيدة هذه الأمة، تنافح عن شريعتها، وعن أحكام ربها، وعن مقدساتها، بالسنان واللسان، لا يضرهم من خالفهم، حتى تقوم الساعة.

قال النووي: في بيان أنه لا يلزم من هذه الطائفة أن تكون واحدة، أو أن يكون واحداً قائماً بجميع الدين، بل يمكن أن تكون الطائفة جماعةً متعددةً من أنواع المؤمنين، ما بين شجاعٍ وبصيرٍ بالحرب وفقيهٍ ومحدثٍ ومفسرٍ وقائمٍ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وزاهدٍ وعابد، ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين في بلدٍ واحد، بل يجوز اجتماعهم في قُطْرٍ واحد، وافتراقهم في أقطار الأرض، ويجوز أن يجتمعوا في البلد الواحد، وأن يكونوا في بعضٍ منه دون بعض، فإذا انقرضوا جاء أمر الله، يعني قامة الساعة.

    هذه الأمة لا يزال الله يغرس فيها غرساً، إلى يوم القيامة، لا يزال الله سبحانه وتعالى، يُظهر فيها من يظهر دينه، قال عليه الصلاة والسلام:[لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم في طاعته] رواه أحمد.

[ويبعث لها على رأس كل مائة سنة، من يجدد لها دينها] حديث صحيح. يحيي ما درس من الكتاب والسنة، يدافع وينافح، يبين الحق ويظهره، يرد على أهل البدعة، يرد على أعداء الدين، وهكذا ظهر في الأمة، عمالقةٌ وجبال، كلما مات سيدٌ قام سيدٌ، وهكذا يتوالون، والحمد لله بلا انقطاع.

وأنت ترى في هذا الزمان، ولله الحمد، من لا يزال ينافح عن الدين، يرد على الأعداء، ويصد كيدهم، إن الإسلام كالشمس، إن غربت من جهةٍٍ طلعت من أخرى، فلا تزال طالعة، وهذه الأمة، قادرة ولله الحمد، على الدفاع عن دينها، إنهم يعملون بلا هوان، (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)[آل عمران:139]، (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)[المنافقون: من الآية8].

من اسم الله العلي: يستعلون على أعدائهم، فأهل الحق ظاهرون على من ناوأهم، يكبتون مَن عاداهم، ويُسكتون من أراد أن يخرج على دينهم.

لن يُفلح الأعداء في طمس نور هذا الدين، ولا يزال نوره قائماً، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون، ولوكره الكافرون.

إن روح المقاومة في هذه الأمة روحٌ عجيبة تدعوا للإعجاب والفخر: لقد قامت الشيوعية, والوجودية, وأنواع الإلحاد، وقيض الله في هذه الأمة, من يقوم بالرد عليهم, وبيان كفرهم, وصريح باطلهم.

ولم يكن الأمر خاصَّاً بالعلماء والمفكرين فحسب, بل من عامة الناس, يرفضون الأجنبي عن هذه العقيدة, والأجنبي عن الدين.

ومن الأمثلة على ذلك في واقعنا المعاصر: لما قامت فرنسا باحتلال الجزائر اختيرت عشر فتيات مسلمات, أدخلهن المدارس الفرنسية, وألبسن الملابس الفرنسية, حتى أصبحن كالفرنسيات تماماً, وبعد أحد عشر عاماً من الجهود, هُيئت حفلة تخرج لهن, ودعي لها الكبراء والمفكرون وأهل الصحافة, ولما ابتدأت الحفلة فوجأ الجميع بالفتيات يدخلن, بلباسهن الإسلامي, فثارت الصحف, وتسائلت ماذا فعلن إذن في الجزائر؟ وماذا أنجزن بعد مرور مائة وثمانية وعشرين عاماً, فقام وزير مستعمارتهم لاكوستلي يقول: وماذا أصنع إذا كان القرآن أقوى من فرنسا.

أيها الإخوة: إن مقاومة المحتلين ورفض أن تحكم بلاد المسلمين من الكفار يدل على تأصل روح العقيدة في المسلمين، وأنهم لا يرضون أبداً, أن يسيروا على منهج الكفر.

الأمة فيها مقاومة, الأمة فيها صبر, وهكذا لا يزال المسلمون, دائماً, كلما احتل الكفار يقومون بمقامة الكفار, ولا بد أن يقوم في المسلمين من يقاوم هؤلاء بشتى الطرق والوسائل.

إن المقاومة والتتبع للمحتل والمعتدي شيءٌ يسري في الأمة منذ عهدها الباكر حتى الآن, ولنأخذ قصة سلمة بن الأكوع, رضي الله تعالى عنه, كيف تبين هذه القصة, أن المسلم لا يرضى بالهوان, ولا يرضى بالاعتداء, وإنه يحارب ويطارد حتى النهاية.

روى مسلم عن سلمة بن الأكوع قال: [قدما الحديبية مع رسول الله e ونحن أربعة عشرة ومائة, وذكر الحديث وفيه, ثم خرجنا راجعين إلى المدينة, فنـزلنا منـزلاً بيننا وبين بني لحيان ـ وكانوا مشركين ـ جبل, فاستغفر رسول الله e لمن رقي هذا الجبل الليلة, وكان يرقى ذلك الجبل, طليعةً وحِرَاسةً وحتى ينبه المسلمين, لو كان هناك شيئاً من جهة المشركين, فرقيت تلك الليلة, مرتين أو ثلاثاً, ثم قدما المدينة, فبعث رسول الله e بظهره يعني بالإبل, مع رباح, غلام رسول الله e, وأنا معه, وخرجت معه بفرس طلحة أنديه مع الظهر, مع إبل المسلمين ومع الرعي, ويجعله في المرعى ويشرب من الماء, فلما أصبحنا, إذا عبدالرحمن الفزاري المشرك قد أغار على ظهر أي على دواب وإبل رسول الله e, فاستاقها أجمع, فقلت: يا رباح خذ هذا الفرس, فأبلغه طلحة بن عبيد الله, وأخبر النبي e أن المشركين قد أغاروا على سرحه, ثم قمت على أكمة, فاستقبلت المدينة فناديت ثلاثاً: يا صباحاه, ينبأ المسلمين, ثم خرجت في آثار القوم, أرميهم بالنبل, وارتجز وأقول:

أنا ابن الأكوع

واليوم يوم الرضع

فألحق رجلاً منهم, فأصك سهماً في رحله, حتى خلص نصل السهم إلى كتفه, قلت: خذها وأنا ابن الأكوع, واليوم يوم الرضع, قال: فو الله ما زلت أرميهم, وأعقر بهم, فهذا يجرحه, وهذا يزيله عن فرسه, وهذا يصيب فرسه, فإذا بفارس منهم رجع إلي، فأتيت شجرة فجلست في أصلها, ثم رميته بسهم فأصبته، وتبعت القوم حتى إذا تضايق الجبل, فدخلوا في تضايقه فجعلت أرميهم بالحجارة، حتى ما خلق الله من بعير من ظهر رسول الله e إلا خلفته وراء ظهري, وخلوا بيني وبينه, ثم اتبعتهم، ثم اتبعتهم أرميهم, حتى ألقوا أكثر من ثلاثين برداً, وثلاثين رمحاً, يستخفون, يعني ليسهل هروبهم, ولا يطرحون شيئاً, إلا جعلت عليه آراماً من الحجارة, يعرفها رسول الله e وأصحابه، حتى أتوا متضايق من ثنية, فإذا هم قد أتاهم فلان بن بدر الفزاري, يعني إعانه لهم, فجلسوا يتغدون, وجلست على رأسِ قرنٍ, قال الفزاري: ما هذا الذي أرى؟ قالوا: لقينا من هذا البرح, والله ما فارقنا منذ غلس, حتى انتزع كل شيءٍ في أيدينا, قال: فليقم إليه نفرٌ منكم, أربعه, فصعدوا إلي منهم أربعة في الجبل, فلما أمكنوني من الكلام, قلت: هل تعرفوني؟ قالوا: لا, ومن أنت؟ قلت: أنا سلمة بن الأكوع, والذي كرم وجهه محمدٍ e, لا أطلب رجلٌ منكم إلا أدركته, ولا يطلبني رجل منكم فيدركني, فرجعوا فما برحت مكاني حتى رأيت فوارس رسول الله e, يتخللون الشجر.

ولحقني عامر بسطيحة, فيها مذقة من لبن, وسطيحة فيها ماء, فتوضأت وشربت, ثم أتيت رسول الله e, وهو على الماء, فإذا رسول الله e, قد أخذ تلك الإبل, وكل شيءٍ استنقذته من المشركين, وكل رمحٍ وبرده, وإذا بلال نحر ناقة من الإبل, الذي استنقذت من القوم, وإذا هو يشوي لرسول الله e, من كبدها رسول الله.

فضحك رسول الله e، كان خيرُ فرساننا اليوم أبو قتادة, وخيرَ رجّالتنا سلمه, ثم أعطاني رسول الله e, سهم الفارس وسهم الراجل, ثم أردفني على ناقته العضباء, راجعين إلى المدينة.

هؤلاء إذن الذين كانوا لا يرضون أبداً أن يسلب للمسلمين شيء.

ابن تيمية لما ذهب إلى قازان ملك التتر لمقابلته, وخرج معه جماعة من دمشق, من علمائها وكبرائها, ولما دخل عليه جعل يكلمه ويرفع صوته ويخفض، ويعظ وينهى ويأمر, ولما وُضِع لهم الطعام أبى شيخ الإسلام أن يأكل, قالوا له: كل, قال: لا, قالوا لماذا؟ قال: وهل هذا إلا ما سلبتموه من غنم المسلمين وأموالهم؟ لاا يجوز أكل المغصوب ولا المسروق, وجعل يعظ وقائد التتر, حتى وقعت هيبة شيخ الإسلام في قلب الملك, وسأل عن اسمه من هذا؟ وجعل أصحاب ابن تيمية يجمعون ثيابهم مخافة، قالوا الآن يسقط رأس ابن تيمية, والدم ينضح علينا, ولكن الله عز وجل ألقى هيبة شيخ الإسلام ابن تيمية في نفس ملك التتر, فوعده خيراً وأنه لن يقتحم البلد, ورده مكرماً, فقال له أصحابه: كدت والله أن تهلكنا، يعني على هذه المواقف الجريئة, والله لا نصحبك بعدها أبداً, قال: فذهبوا من طريق آخر, وسمع أهل دمشق بما فعل من أجلهم, فخرجوا إليه واستقبلوه, واجتمع عليه الناس, وأكرموه, حتى دخل دمشق.

أيها الإخوة: إن هناك أموراً عظيمة يريد اليوم الغربيون جرنا إليها، وإن التصدي لها من أعظم القربات عند رب العالمين.

نسأل الله أن ينصر دينه, وأن يعلي كلمته, ونسأله عز وجل أن يجعلنا ممن نصر بهم الدين, ونسأله سبحانه, أن يعلي هذه الشريعة في العالمين, وأن يجعلنا من المستمسكين بسنة محمدٍ النبي الأمين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين, سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .

 

عدد القراء : 1086