بدعة التكفير وخطرها على المجتمع
الحمد لله الذي جعل تكريم الإنسان على يديه، والصلاة والسلام على سيدنا محمد منقذ الإنسانية وهادي البشرية، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته ومَن تبع هداهم إلى يوم الدين، وبعد:
مقدمة
حرمة الدماء:
خطورة التكفير:
منطلق التكفير:
منشأ التكفير:
من مظاهر التكفير:
من أساليب التكفييرين:
مرجعنا:
آثار التكفير على المجتمع:
فلقد جاءت الشريعة لتحفظ للإنسان على حياته، وتعلمه دينه، وتنمي عقله، وتصون عرضه، وتحمي ماله،
ولا ننس حديث القائم على حدود الله والواقع فيها.
يبين هذا الحديث العظيم بأن على كل مسلم أن يراعي حدود الله ولا ينتهك شيئاً منها، بل وعليه أن يُنكر على من يتعدى هذه الحدود التي حدها الشرع المطهر، فنأمر بالمعروف باللطف لا بالعنف، وأن ننهي عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة والتي هي من صفات المؤمن الصالح التقي النقي.
حرمة الدماء:
لقد أصبح التكفير وسيلة للعمل وتصفية الحسابات مع الخصوم، ولم يعد يُنْظَر ينظر إليها من باب الاجتهاد الشرعي الذي يقوم به عالم مجتهد يستجمع قضايا التكفير، ويدرس ضوابطها، ويعرف حدودها المرسومة في الشريعة، فإن هذا أمر قضائي موجود على مدار التاريخ الإسلامي.
فالتكفير في أصله حكم شرعي، مردّه إلى الله ورسوله، فكما أن التحليل والتحريم والإيجاب إلى اللّه ورسوله، فكذلك التكفير.
وإذا كانت الحدود تدْرَأ بالشبهات، مع أن ما يترتب عليها أقل مما يترتب على التكفير، فالتكفير أولى أن يُدْرَأ بالشبهات.
ولذلك حذَّر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الحكم بالتكفير على شخص ليس بكافر، وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما"([1]).
خطورة التكفير:
التكفير مزلق خطير، ومنهج لم يتبناه في تاريخ الأمة إلا الغلاة الذين جعلوا التكفير وسيلة إلى استحلال دماء الناس وأموالهم وأعراضهم.
والتكفير يحمل وراءه مآسي تربوية ضخمة، فالعدائية التي توجد عند كثير من الشباب، والسرعة في الحكم على حل الأموال واستباحة سفك الدماء، والشعور بالغربة داخل المجتمع المسلم، والحنق على أهل العلم من الربانيين، وأهل الحكمة من الدعاة، والتسرع في إطلاق الأحكام، والتأزم النفسي، وحدوث الانشقاق داخل الصف الإسلامي، وانتهاك حرمة العلم والعلماء (فتجد أنصاف وأرباع من قرأ كتاباً يتطاول على طالب عالم أفن حياته في المدارسة ومجالس العلماء ومزاحمتهم بركبتيه) كلها تأتي نتيجة لزرع منهج التكفير في وعي الجيل المسلم المعاصر.
منطلق التكفير:
تنبثق بدعة التكفير عن الضغط النفسي لدى من لم يضبط نفسه بقواعد العلم وأحكام الكتاب والسنة.
وتزداد المشكلة في اطرادها وانتشارها لتشمل الأفراد والجماعات والمجتمعات والحكومات والدول مع عدم إدراك خطورتها وأبعادها الفكرية والمنهجية والتربوية.
منشأ التكفير:
الجهل من عوامهم الذين يتبعون كل ناعق، ويسيرون وراء غيرهم بتقليد أعمى، دون تدبر في العواقب، ينخدعون بمظهر مَن يملي عليهم، فيوقنون كل اليقين أنهم على الحق.
وإن كان الأصح من الناحية العلمية القول بأن منشأ التكفير، هو: تحريف الكلم عن مواضعه، بقراءة النصوص قراءة خاصة، وفهمها بطريقتهم العوجا.
قال تعالى عن أمثالهم: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [النساء: 46، والمائدة: 13].
فالمسلون يقرؤون قول الله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)}، ويستبشرون بتزايد أعداد الداخلين في دين الله أفواجاً.
وأولئك يتبارزون بإخراج الناس من دين الله أفواجاً، والطعن بهم، وتكفيرهم، والحكم عليهم بالقتل، وتنفيذ تلك الأحكام بأيديهم، دون مراعاة إجراءات أصول المحاكمات، ولا العمل بدرء الحدود بالشبهات.
من مظاهر التكفير:
التكفير المعاصر يتجلى في حمل ملفات حمراء في ذاكرة أولئك طول اليوم، والشهر والحياة، لا يتوقف عن إصدار أحكام كفر غيره.
فمن تكفير الحكام، إلى تكفير العسكر والجند، والوزراء، والعلماء، إلى الحكم بحرمة التعامل مع المواطنين في البلد الواحد، رغم المجاورة قروناً عدة، إلى حرمة المعاملات مع القوانين والنظم الحاكمة والتراتيب الإدارية.
ومن لا يكفرونه صراحة من العلماء والدعاة، فوصف الانبطاح والتخذيل والعمالة والفسق وغيرها أمر لا يتردد فيه كثير من الشباب الذين وقعوا تحت تأثير منظري التكفير والقتل.
وللتأكد مما أقول ما عليك سوى أن تدخل إلى ما يسمى المنتديات الحوارية، لتدرك خطورة هذا المنحى على فكر الشباب وتوجهاتهم.
فالحنق على الناس، والسباب والشتائم، واستحلال الدماء، والنظر إلى المجتمعات بنظرة دونية، والفَجَر في الخصومة، والتراشق بأقذع الألقاب والأوصاف، مع كل من لا يسلك منهج (التكفير).
لقد صرم هذا المنهج علاقة الأمة بعلمائها الربانيين ودعاتها الحكماء، ودرست معالم العلاقات الإسلامية ومحيت معاني الأخوة الإيمانية، واضمحلت أواصر القربى بين المسلمين، وقطعت رحم العلم.
ولا شك أن هذا يُحدث شروخاً تغور في قلوب وعقول وضمائر الأجيال المسلمة، وتجعلهم يتربون على التشظي والتناحر والتشتت.
وهو باب يدخل منه الشيطان في التحريش بين المؤمنين، إذ أخبرنا رسول الله صلى الله لعيه وآله وسلم أن الشيطان قد أيس أن يُعبد من دون الله، ولكنه رضي بالتحريش، وانتهاك حرمات بعض.
من أساليبهم:
السباب والشتائم، رغم التحذير النبوي، "لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ، وَلاَ اللَّعَّانِ، وَلاَ الْفَاحِشِ، وَلاَ الْبَذِىءِ"([2]).
وفي الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر"([3]).
سلب الأموال على أنها غنائم، (مع أنه في صفين لم يُبح أحد الطرفين مال الآخر، وفي الجمل، حاول بعض الخارجين مع سيدنا علياً كرَّم الله وجهه، وسلام الله عليه والرضوان؛ أن يغنموا وطالبوا الإمام بذلك، فاستثار حمية الإيمان بهم، بقوله: "اقترعوا على أمكم" ويقصد السيدة عائشة رضي الله عنها، كما قال القرآن: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6]).
التهديد بالقتل، عبر المكالمات والرسائل بوسائل الاتصال الحديثة المختلفة، وغالباً ما تبدأ بالبسملة؛ للإشعار بأنهم على صواب.
القتل بكل الوسائل المتاحة بين أيديهم، ولا أتحدث عن المقاتلة فالفرق واضح وجلي لكل ذي لب؛ {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} [الحجرات: 9]، وليس اقتلوا، فالأمر بالقتل لم يأت إلا في حق المشركين، {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5].
التمثيل بالجثث بعد القتل، والأسوأ عند حرق موتاهم في المعارك، حتى لا يُعرفوا.
مرجعنا:
إن مرجعنا عند الاختلاف والتنازع هو المحكم في شريعة الإسلام.
وهذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الأسوة والقدوة لنا في الأمر.
وهذا بعض هديه صلى الله عليه وآله وسلم في هذه المسألة:
عن عبادة بن الصامت أنه قال: دعانا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فبايعنا، فقال فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومطرنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان([4]).
وصح عنه صلى الله عليه وآله وسلم أن الله كان قد أعلمه بنفاق المنافقين المتظاهرين بالإسلام بين أصحابه، ومع ذلك فقد كان يأبى إلا أن يعاملهم معاملة المسلمين، ويأخذهم بظاهر أحوالهم.
وقد أطال الإمام الشافعي في كتابه الأم، في بيان هذا الواجب الذي ألزم الله به عباده أن يتعاملوا فيما بينهم على أساسه في الحياة الدنيا([5]).
من آثار التكفير القريبة:
التفجير وسفك الدماء.
التدمير وتخريب المنشآت.
القتل وإزهاق أرواح بريئة.
هتك الأعراض
سلب الأموال وإتلاف أموال معصومة.
إخافة للناس، وزعزعة أمنهم واستقرارهم.
من آثار التكفير البعيدة:
تضاءل حجم الدعوة إلى الله، حيث ينظر المتأملون الراغبون بدخول الإسلام إلى حال العالم الإسلامي، وما فيه من ويلات، فيحذر منه، بل يخشى الدخول فيه، بل قل: يرى فيه دين الإرهاب، وهو ما يطلق عليه في الدراسات الحديثة (الإسلاموفوبيا).
([1] ) رواه البخاري، برقم (5752).
([2] ) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (1/116، رقم 312)، وأحمد (1/404، رقم 3839)، والترمذي (4/350، رقم 1977)، وقال: حسن غريب. وأبو يعلى (9/20، رقم 5088)، وابن حبان (1/421، رقم 192)، والطبراني (10/207، رقم 10483)، والحاكم (1/57، رقم 29)، وقال: صحيح على شرط الشيخين. والبيهقي في شعب الإيمان (4/293، رقم 5149).
([3] ) رواه البخاري، برقم (48) ومسلم، برقم (64).
عدد القراء : 1292