الأطياف في سوريا
لقد طلب الله من الأمة أن تتحَّد في كلمتها، فقال {وإن هذه أمتكم أمة واحدة} [الأنبياء: 92، والمؤمنون: 52]، فكلُّ عاملٍ على جمع الشمل، ساعٍ لتأليف قلوب أبناء الشعب فهو مؤمن حقاً، مجاهد في سبيل أنبل غاية.
أما أولئك الذين يورثون العداوات، ويبعثون العصبيات، ويُفرِّقون بين الأخوة والأشقاء، ويصطنعون العداوة، فهم الذين يسعون في الأرض فساداً.
ولما كانت المذاهب نتائج الآراء، والآراء ثمرات العقول، والعقول منائح اللَّه للعباد، وهذه النتائج مختلفة، بالصفاء والكدر، وبالكمال والنقص، وبالقلة والكثرة، وبالخفاء والوضوح، فلا مانع عقلاً من الاختلاف والافتراق.
إن المذاهب الإسلامية حقيقة موجودة في هذا العالم الإسلامي، لا نملك تجاهلها، وهي منذ قرون قائمة في مختلف أطراف هذا العالم الإسلامي، وليست محسومة جغرافياً، بل تتداخل في البلدان والأمصار، حتى إنه ليعسر القول بأن ثمة بلداً إسلامياً واحداً لا يوجد فيه اختلاف مذهبي.
مفهوم المذاهب:
المذاهب لغة: جمع مذهب، والمذهب من حيث معناه اللغوي يأتي بمعنى المعتقد، كما يأتي بمعنى الطريقة، ويأتي أيضاً بمعنى الأصل، وقد اشتقت كلمة مذهب من كلمة ذهب، ذهاباً، و ذهوباً، ومذهباً في المسألة إلى كذا: رأى فيها ذلك الرأي، تمذهب بالمذهب بمعنى اتبعه.
ويأتي تعريفه في المعنى الاصطلاحي بأنه: العمل الفكري المستند إلى الدليل الشرعي من الكتاب والسنة والإجماع والقياس أو غيرها من الأدلة المبنية على قواعد وأصول أقرّها الفقهاء والعلماء، فيما ورد من مسائل العبادات وقضايا المعاملات، ودرسوها وقلبوها واستخلصوا منها ما رأوه صحيحاً وصالحاً للعمل به لأنفسهم أولاً، ولمن اقتنع بدليل اجتهادهم، وذلك ما ورّثوه للأجيال من بعدهم، كنوزاً ثمينة أغنت الفكر الإسلامي.
والمقصود بالمذاهب الإسلامية: الطرق والمسالك التي التزم بها المقلِّدون بناء على مرجعية اجتهادات علماء الأمة وفقهائها، الذين بلغوا من العلم مكانة عالية، أتاحت لمن عرفهم وتعلّم منهم، اتباع آرائهم الظنية، والأخذ والاستدلال باجتهاداتهم الفقهية، ولذلك سماها البعض بمدارس إسلامية، وتسمى بالمذاهب الفقهية، لصلتها بأحكام المسائل والقضايا الفروعية وتشريعاتها.
تعددية المذاهب والفرق
المذهب: مجموعة مبادئ وآراء متصلة ومنسقة، لمفكر واحد أو لمدرسة فكرية، وكما يكون في الفقه يكون في الفلسفة، أو العلم، أو الآداب.
أما الفِرْقة: فإنها جماعة تربطها معتقدات معينة.
والمسلمون ـ كأمة ـ لم يختلفوا في أصول الدين ولا في أمهات الاعتقادات.
فلقد كانت حقائق الدين وأركانه، وثوابت الشريعة وحدودها، هي الجامع الموحد للأمة في الاعتقاد الديني.
وفي إطار هذا الجامع كانت التعدّدية، وكان التنوّع، وكان الاختـلاف فـي فـروع الفـقه ـ عبـادات محضة ومعاملات اجتماعية ومالية ـ الأمر الذي أثمر هذا الكم من آراء المذاهب الفقهية ـ التي اشتهرت والتي لم تشتهر، والتي عاشت وتلك التي اندثرت ـ بما مثلت من ثراء في الاجتهادات، وغنى في التنوّع، في إطار الأصول الفقهية ومصادر الاستنباط.
أما الفِرق الإسلامية فإن خلافها، وتعدّديتها لم تكن في ثوابت الاعتقاد، وإنما كانت في "المقالات" أي النظريات والتصوّرات المتعلقة بالفروع، أو ذات الصلة والعلاقة بالأصول، وليست من ذات الأصول.
بدء التفرُّق:
فهم المسلمون الأولون روح الدين، واختلفوا في فهم نصوصه، ومع ذلك عاشوا متحدِّين في المبادئ والغايات، ثم خلف من بعدهم خلف جعلوا دينهم تبعاً لأهوائهم، فتفرَّقت الأمة أحزاباً ومذاهب وعصبيات، ولبَّس عليهم الشيطان فاستباح بعضهم دم بعض.
نشأة المذاهب والفرق الإسلامية
لإدراك الأسباب التي نتجت عنها الاختلافات المذهبية بين المسلمين، يتحتم استحضار ملخص للواقع الذي عاشوه إثر وفاة النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، والذي أفرز مشكلات تمحورت حول خلافته صلى الله عليه وسلم، وصون وحدة الأمة، واستمرار بثّ الدعوة.
وإذا كان المسلمون قد تابعوا نشر الدين الإسلامي في المشرق والمغرب، فإنهم بالنسبة لسد فراغ رئاسة الدولة، قد ارتضوا جميعاً بما يجمع كلمة المسلمين، لولا أن تطورت المسألة لنزاعات أثيرت حول الخلافة، جعل الوحدة الإسلامية تتعرّض للتصدع.
من هنا فإن موضوع الخلافات المذهبية يقتضي الوقوف عند مجالات ثلاثة:
- مجال سياسي.
- مجال عقدي.
- مجال فقهي.
- المجال السياسي
معروف أن دوافع الاختلافات السياسية كانت بسبب الخلافة، حيث مال كل فريق إلى ما ثبت لديه ورجّحه من الرأي.
بينما كان الإمام علي كرم الله وجهه، قد حسم الخلاف بنفسه وقبل الأمر وبايع الخليفة الأول أبا بكر الصديق ثم الخليفة الثاني من بعده عمر بن الخطاب، ثم الخليفة الثالث عثمان بن عفان، (رضي الله عنهم جميعاً)، حفاظاً منه على جمع كلمة المسلمين، ووحدتهم، حتى صار الأمر إليه، وقَبِل إمارة المؤمنين ليسير بهم نحو نصرة الإسلام وخير المسلمين.
على أن ظهور الفتنة بإصرار المطالبين بسرعة القصاص من قتلة عثمان قد قسَّم المسلمين إلى فرق متعارضة يمكن أن يقال إنها أهم الفرق الإسلامية:
الأول: الخوارج: وهم الذين خرجوا على علي بن أبي طالب لرضاه بالصيغة التي تم عليها التحكيم وما نتج عنه.
الثاني: الشيعة: ويشكلون حزباً اتخذ أبعاداً مذهبية في أعقاب موت الإمام علي رضي الله عنه وما كان لابنيه الحسن والحسين مع معاوية ويزيد، ويتكون هذا الحزب من المعتقدين في أحقية عليّ وابنيه في الخلافة
الثالث: المرجئة: وسموا مرجئةً لإرجائهم أمر المختلفين إلى الله.
الرابع: السنة والجماعة: وهم القائلون بأن الرسول صلى الله عليه وسلم ترك الأمر شورى للمسلمين، ولم ينصّ على خليفة بعينه، وأن أفضل المسلمين بعد الرسول صلى الله عليه وسلم هم الخلفاء الراشدون وكبار صحابته الذين توفى، صلوات الله وسلامه عليه، وهو عنهم راضٍ.
وقد تبلورت فرقة كلامية إسلامية مستقلة بعد الوفاق بين الحسن بن علي ـ رضي الله عنه ـ ومعاوية بن أبي سفيان عام الجماعة، رأى أقـطابها تجنب الخوض في الخلاف، ويمثلهم في ذلك الإمام مالك بن أنس بقوله: “قوم سلمت منهم سيوفنا فلتسلم منهم ألسنتنا” وبذلك اتسعت دائرة المنتمين إليها فكانت أكثر الفرق الإسلامية عدداً.
- المجال العقدي
لم يلبث هذا الاختلاف الذي اصطبغ بالطابع السياسي أن تطور فأصبح عقدياً يمس الأطراف المتنازعة وينظر إليها من زاوية الأحقية في الخلافة.
ثم أثيرت قضية الإيمان والكفر، في محاولة جدلية لتحديد مفهومهما، من خلال مدى اعتبار الإيمان مجرد تصديق بالقلب، أو مع الإقرار باللسان، واعتبار العمل جزءاً من الإيمان، أو عدم اعتباره.
وفي هذا السياق يكون للفرق الموجودة رأيٌ في الموضوع.
- الشيعة: وأهم مباحثهم الإمامة.
- السنة والجماعة: والإيمان عندهم باتباع كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في كلّ قضية من قضايا العقيدة، وعدم ردّ أيّ شيء منهما أو تأويله، والالتزام بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
انطلاقاً من هذه المواقف السياسية، ونتيجة للتطور الثقافي الذي عرفه المسلمون، بدأ النظر إلى قضايا العقيدة بشيء من التأويل.
مما أوجد عِلْماً جديداً أسموه (علم الكلام) ([1])، وتمحور حول مسائل الإلهيات والنبوات وغيرها، وأهم المسائل التي اختلفت فيها الفرق مسألتان هما:
- القضاء والقدر، أي هل الإنسان مخير في أفعاله، أم مسير؟.
الأول: يرى الإنسان حراً في اختيار أفعاله وبالتالي فهو مسؤول عنها.
الثاني: يرى الإنسان مجبراً على أفعاله، ومسيراً فيها، لا حرية له في اختيارها.
الثالث: يرى أن الإنسان مخير في بعض أفعاله ومسير في بعضها الآخر.
- الصفات: وهنا تبلور اتجاهان متميزان:
الأول: يثبت الصفات.
والثاني: ينفي الصفات.
إن مباحث الذات والصفات الإلهية، لا علاقة لها بجوهر الاعتقاد.
ولقد عكست الاختلافات فيها مراتب الناظرين على سلم التنزيه أو التشبيه، والتجريد أو الحشو، والعقلانية المؤمنة والتأويل أو الوقوف عند ظواهر النصوص.
- المجال الفقهي
كان الفقه في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يستند إلى ما ينزل به الوحي من أحكام، وكان صلى الله عليه وآله وسلم يجتهد في بعض النوازل حين لا يكون وحي، وقد يأتي الوحي ليزكي الاجتهاد أو يخطئه، طالما أنه يتعلق بمبادئ تشريعية، وهو حين يصحح الخطأ يكون قاصداً إلى التعليم.
وكان صلى الله عليه وسلم يعرض اجتهاده في المجال الدنيوي على الصحابة.
مثال ذلك: ما حدث في قضية تأبير النخل، إذ كان أشار عليهم بعدم تأبيره، فلم يثمر، وحين روجع في الأمر قال لهم: “إنما هو الظن إن كان يغني شيئاً فاصنعوه، فإنما أنا بشر مثلكم وإن الظن يخطئ ويصيب” ([2])، وواضح أن المسألة تتعلق بمصلحة ظاهرة قد تخفى على علمه صلى الله عليه وسلم، مما لا يستدعي نزول الوحي للتصحيح.
وكان عليه السلام يجتهد كذلك في القضاء لتطبيق التشريع، مع خشية الوقوع في الخطأ، وتحميل المتداعين مسؤولية عند تقديم الحجج والبراهين.
وفي ذلك قال صلى الله عليه وسلم: “إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له بحق أخيه شيئاً بقوله، فإنما أقطع له قطعة من النار” ([3]).
وعلى نهج النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، كان الصحابة في عهده يجتهدون، وإن في حدود ضيقة؛ لأن الوحي كان ينزل باستمرار، ولأنهم لم يكونوا يلجأون إليه، إلا في حال بعدهم، كالسفر أو ما إليه.
وغالباً ما كان صلى الله عليه وسلم يقرهم على اجتهادهم، على نحو ما وقع لهم في سَرِيةٍ كان فيها عمرو بن العاص، إذ حدث ما يستوجب الاغتسال، ولم يجدوا ماء دافئاً ولا ما يسخنون به الماء البارد فتيمموا وصلوا ولم يعيدوا صلاتهم، وأخبروا الرسول صلى الله عليه وسلم فأقرهم على ذلك([4]).
ومثل هذا حدث لآخرين إلا أنهم أعادوا الصلاة بعد، فأقرهم على اجتهادهم كذلك.
أما بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، فقد كان الصحابة فيما ينزل بهم يرجعون إلى القرآن الكريم، ثم إلى السنة الشريفة، وحين لا يجدون نصاً يجتهدون.
وهي خطة كان صلى الله عليه وسلم قد بينها من خلال موقفه مع معاذ بن جبل حين أرسله قاضياً إلى اليمن، فقد قال له: "بم تقضي؟"، قال: أقضي بكتاب الله، قال: "فإن لم يكن في كتاب الله؟"، قال: فبسنة رسول الله، قال: "فإن لم يكن في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟"، قال: أجتهد رأيي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله"([5]).
وليس من شك في أن الرأي كما فهمه معاذ وأقره عليه النبي صلى الله عليه وسلم وسار عليه الصحابة، يعني الاجتهاد بما يتفق مع المصطلح، وهو النهج الذي اشتهر به عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، وهو الذي كان يسير عليه الإمام علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه)، ويعني كذلك القياس على النحو الذي حدده الأصوليون فيما بعد، حين يُلحقون أمراً غير منصوص على حكمه بأمر آخر منصوص على حكمه، لاشتراكهما في العلة.
مهما يكن، فإن الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء على الخصوص، كانوا يجتهدون ولا يتوقفون، ولا يخشون بينهم الاختلاف، والأمثلة على ذلك كثيرة لا مجال لحصرها هنا، بيد أنه يتبين منها أن المسلمين ابتداء من تلك العهود المبكرة، كانوا يستندون في الأحكام إلى القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وكانوا كذلك يجتهدون ويعتمدون الرأي، فردياً كان أو جماعياً، وحين يكون جماعياً يتحول إلى إجماع.
وعلى النهج نفسه سار التابعون، في الإقدام على إبداء الرأي عند المقتضى، كما كانوا في تفاعل مع الواقع المتطور الذي كانت تجتازه الأمة الإسلامية، مما بلور توجّهين في الفقه كان أحدهما يعمد إلى الرأي حين يعوزه النص، مع التوسع في الافتراض والتقدير، وهو ما شاع عند فقهاء العراق، كإبراهيم النخعي، وكان الثاني يعتمد الأثر ولا يلجأ إلى الرأي إلا عند الضرورة مع مراعاة المصلحة، وهو الذي راج بين فقهاء المدينة كسعيد بن المسيّب ومالك بن أنس.
ومع توسّع الأمصار الإسلامية، وقع التوسّع في المجال الفقهي، مع التأثر بهذا الاتجاه أو ذاك.
ففي علم الفروع ـ الفقه ـ نشأت وتمايزت العديد من المذاهب الفقهية، في إطار وحدة الشريعة الإسلامية، وذلك من مثل مذاهب الأئمة:
- عبد اللَّه بن إباض (86 هـ / 705 م).
- أبو سعيد، الحسن البصري (21ـ 101 هـ /642 ـ 728 م).
- زيد بن علي بن الحسين (79 ـ 122 هـ / 698 ـ 740 م).
- جعفر بن محمد الصادق (80 ـ 148 هـ /699 ـ 760 م).
- أبو حنيفة النعمان بن ثابت (80 ـ 150 هـ /699 ـ 767م).
- أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو بن محمد الأوزاعي (88ـ 157 هـ /707 ـ 774 م).
- سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري (97 ـ 161 هـ / 716 ـ 778 م).
- الليث بن سعد (94 ـ 175 هـ/ 713 ـ 791 م).
- مالك بن أنس الأصبحي (93 ـ 179 هـ / 712 ـ 795 م).
- سفيان بن عيينة (107 ـ 198 هـ / 725 ـ 814 م).
- محمد بن إدريس الشافعي (150 ـ 204 هـ / 767 ـ 820 م).
- أحمد بن حنبل (164 ـ 241 هـ / 780 ـ 855 م).
- داود بن علي الأصبهاني البغدادي (الظاهري) (201 ـ 270 هـ/ 815 ـ 883 م).
- محمد بن جرير الطبري (224 ـ 310 هـ /839 ـ 923 م).
وقد تمخض التوسّع الذي عرفه المجال الفقهي عن ازدهار لم يلبث أن أَبْـَرزَ فقهــاء كباراً بلوروا مذاهب قعَّدت الفقه ويسّرت للمسلمين في شتى الأمصار قواعده وضبطت قضاياه، على نحو اجتهادي محكم، كان الاختلاف في بعض الجزئيات الفرعية التي لا تأثير لها على الأحكام في الجوهر والأساس.
وقد تسنى لهذه المذاهب أن تجد لها أصداء كبيرة في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، لتنتشر في هذا القطر أو ذاك من أقطاره، متأثرة في مدى انتشارها بالواقع السياسي والعوامل البيئية والثقافية.
أسباب التفرق:
- الجهل بمبادئ الدين.
- الكيد لأبناء وأتباع الدين.
- الطرف الثالث المعادي للدين.
آليات العمل لتوحيد الأمة:
- التقريب بين المذاهب الإسلامية، ليس إلغاء، بل تنقية من الشوائب التي أثارتها العصبيات والنعرات الطائفية.
- المذهب يخدم الدين، وليس الدين يخدم المذهب.
- كسر احتكار معرفة الدين من قِبل أفراد.
- تهيئة جيل ومن بعده أجيال لا يرثون العداوة والبغضاء بتسخيف الرأي وتسفيه المعتقد.
الإسلام دين الفطرة:
يتلاءم مع الخليقة، لذلك سمي (دين البشرية).
وما جاء به الدين يقبله العقل ويستنير به القلب.
جذوره إيمان راسخ، وشريعة تنظم أحوال المجتمع
لقد مدَّن الإسلام الأمم والشعوب التي اعتنقته، وجعلها الإسلام تسير في مدارج الحضارة.
المبادئ العامة للإسلام:
- الاعتقاد بوجود الإله الواحد خالق الكون والحياة،
لكل معلول علة لكل مخلوق خالق
يقول ديكارت: ما دمت أفكر أنا موجود، وإذا كنت موجوداً فإما أن أكون أوجدت نفسي أو أوجدني غيري، فإن كنت أوجدت نفسي فإن فيَّ عيوباً ونقائض لابد من تلافيها ولا أستطيع، فعجزي عن إدراك الكمال فأنا أشدُّ عجزاً عن خلقي نفسي، ومَن خلقني لا بدَّ أن يكون أكمل مني، قال تعالى: {وفي أنفسكم أفلا تبصرون}.
- سماحة الإسلام:
لم يقف من الشرائع السماوية وقفة تحدٍّ أو نكران أو جحود، فالشرائع السماوية أشقاء، إذ كلهم يدعون إلى الخير وينهون عن الفحشاء والمنكر. قال تعالى: {لا نفرِّق بين أحد من رسله}.
- مرونة الإسلام:
تحببه إلى النفس البشرية العاقلة.
- المساواة في الإسلام:
بين الناس جميعاً في الحقوق والواجبات وتحمل المسؤوليات والعنصرية اليوم قائمة على التفرقة.
انقسام المسلمين إلى مذاهب وفرق:
كانت العقيدة تكمن في قلوب المسلمين، قال تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً}.
وبموت رسول الله r حاولت الفتنة أن تَطَلَّ برأسها في صورة خلاف على الزعامة.
وبدأ بين المهاجرين والأنصار، ولكنَّ عمق الإيمان ساعد على وأد الخلاف، واعتراف كلٌّ للآخر بفضله.
وكانت المقولة الشهيرة من زعيم الأنصار (سعد بن عبادة): "نحن الوزراء وأنتم الأمراء".
وبين المهاجرين ظهر الإيثار في البيعة والاختيار، وبويع أبو بكر الصديق، وقوبلت بيعته بالرضى من المهاجرين والأنصار.
وإذا كان علي بن أبي طالب قد استأنى في البيعة لأبي بكر فإنه ما لبث أن بايعه.
ويعيَّن أبو بكر بعد المشورة خليفتَه عمر.
ويظل الأمر هادئاً حتى يحدث الشقاق إزاء سياسة عثمان بن عفان، وتنتهي الأمور بمأساة قتله، فبايع أكثر المسلمين علي بن أبي طالب.
ولكن شبح الأطماع الشخصية وبقايا العصبية القبلية تطل برأسها فينقسم المسلمون إلى حزبين:
حزب ينتصر (يتشيع) لعلي وحزب ينتصر (يتشيع) لمعاوية
وبمرور الزمن أصبحت لفظة التشيع عنواناً ودلالة لأنصار علي وأبنائه وأحفاده من بعده، وكانت الشيعة في أول أمرها رأياً سياسياً ليس أكثر.
ويستشري الخلاف بين أنصار علي وأنصار معاوية، ويجري التحكيم، فلا يرضى به جناح من حزب علي، فيخرجون عليه، ويكوِّنون حزباً ثالثاً يُعرف بالخوارج.
فالفِرق الإسلامية عند نشأتها كانت أحزاباً سياسية وليست فرقاً دينية، والاختلاف بينها لم يكن اختلافً في صلب العقيدة، بل كان خلافاً في الرأي حول طريقة الحكم واختيار الحاكم.
ثم انقسمت كل فرقة إلى عدة فرق:
فمن الشيعة، تفرعت الاثنا عشرية والزيدية والإسماعيلية وغيرها.
ومن الخوارج تفرعت الإباضية وغيرها.
ومع مضي الزمن نشأت فرق أخرى تبعاً للمذهب العقلي في قراءة النصوص كالمعتزلة والأشاعرة والماتردية.
الشيعة
إذا قلنا شيعة فلان، كان القصد أعوانه وأنصاره.
والمشايعة: الموافقة والمناصرة.
النظرة إلى التشيع: أخذت معان ثلاث:
- قسم من المسلمين يرون التشيع عقيدة دينية خالصة.
- قسم من المسلمين يرون التشيع فكرة سياسية خالصة.
- قسم من المسلمين يرون التشيع وجدان عاطفي خالص.
حجة الفريق الأول: الحديث النبوي حين انصرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من حجة الوداع في غدير حُمّ: "من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه".
ويرون في ذلك: وصية لعلي بأن يكون أميراً للمؤمنين وإماماً للمسلمين.
وأحاديث أخرى: "أنا مدينة العلم وعليّ بابها"
"عليٌّ مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي".
"لا يحبك – يا عليّ – إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق"، وغيرها.
وبناءً على ذلك فإن الإمامة لعلي حتمية يفرضها الدين.
ومن هنا ذهب أكثر الشيعة إلى أن خلافة أبي بكر وعمر وعثمان باطلة.
وغالى البعض فكفَّر الثلاثة.
ويتابع الشيعة القول: إذا كان النبي r أوصى لعلي، فإن علياً قد أوصى للحسن، وأوصى الحسن للحسين، وهكذا حسب التسلسل الذي جرى في فرقهم ومذاهبهم.
الشيعة الإمامية:
هم جمهور الشيعة.
يؤمنون بإمامة علي بن أبي طالب إيماناً ظاهراً كاملاً
ويصفونه بالوصي، ويؤمنون بانتقال الوصاية إلى أبنائه من بعده
ويقفون عند الإمام السابع موسى الكاظم
الشيعة الاثنا عشرية:
التي قطعوا بموت موسى الكاظم
وظلوا يؤمنون بإمامة سلالة موسى حتى الإمام محمد القائم المنتَظر، وهي الثاني عشر من حيث الترتيب العددي.
ويمكن أن يطلق على هؤلاء (الإمامية والاثنا عشرية): الجعفرية [فقهاً] من باب تسمية العام باسم الخاص.
الأئمة هم:
- علي بن أبي طالب (المرتضى)
- الحسن بن علي (المجتبى)
- الحسين بن علي (الشهيد)
- علي زين العابدين بن الحسين (السجَّاد)
- محمد بن علي (الباقر)
- جعفر بن محمد (الصادق)
- موسى بن جعفر (الكاظم)
- علي بن موسى (الرضا)
- محمد بن علي (الجواد التقي)
- علي بن محمد (الهادي النقي)
- الحسن بن علي (العسكري الزكي)
- محمد بن الحسن (المهدي القائم بالحجة)
أركان الإسلام عند الإمامة:
- الشهادتان
- الصلاة
- الزكاة
- الصيام
- الحج
- الإمامة (منصب إلهي كالنبوة).
فكما أن الله يختار من يشاء من عباده للنبوة والرسالة؛ فإنه كذلك يختار للإمامة من يشاء، ويأمر نبيه بالنص عليه، وأن ينصبه إماماً للناس من بعده للقيام بالوظائف التي كان على النبي أ يقوم بها.
سوى أن الإمام لا يُوحى إليه كالنبي، فالنبي مُبلِّغ عن الله، والإمام مُبلِّغ عن النبي.
ويرون أن الإمام معصوم عن الخطأ.
ويرون أن الله سبحانه لا يُخلي الأرض من حجة على العباد؛ من نبي أو وصي ظاهر مشهور أو غائب مستور.
ولا تُقبل المرويات إلا عن طريق آل البيت، ولا يُقرُّون بكتب الحديث المشهورة عند أهل السنة؛ كالبخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وموطأ مالك، ومسند أحمد، ولما كان الحديث هو المصدر الثاني للتشريع فإن الهوة تتسع نتيجة للخلاف على الرواة.
الصلاة: متفق عليها.
الزكاة: متفق عليها بالإضافة إلى الخُمس الذي يُعطى لآل البيت خاصة.
الصيام: متفق عليها وينتهي النهار بظهور النجم لا بغروب الشمس.
الحج: متفق عليه.
زواج المتعة (عقد الانقطاع) جائز وليس بواجب
ضروري للمسافر الذي يطول سفره، ففيه عصمة له، ولو عمل به المسلمون على أصوله من العقد والعدة وحفظ النسل لانسدَّت بيوت الدعارة، واستراح الناس من اللقطاء.
الطلاق: لا يتم إلا في حضور شاهدين عدلين، ولعلهما يحولان بين الزوجين والطلاق.
والمذهب الإمامي الجعفري من أشهر مذاهب الشيعة الإمامية، وأكثرها ظهوراً على الساحة الإسلامية، وينسب إلى الإمام: جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه).
مولده و نشأته و مشايخه:
في أرجح الروايات أن ولادة الإمام جعفر الصادق تمت عام 80 للهجرة النبوية.
نشأ وترعرع بالمدينة المنورة، مكان مولده ومقر تربيته وتعلمه.
أخذ علمه عن كبار التابعين، كما أخذ عن كثير من فقهاء عصره، وزاده غزارة علم ومقدرة بما كسبه عن والده الإمام العالم الآواه، الملقب بالباقر بن زين العابدين، وما أخذه وتدارس فيه مع عمه الإمام زيد ابن علي.
وبما أن الروايات التاريخية قد أثبتت أنه أدرك جده زين العابدين، فإنه لا شك كان قد أخذ عنه، وأنه استزاد من علمه ومعارفه، واستزاد من فضائله، مما جعله نبراس هدى وعلم، كما جعله إماماً به يقتدى، وعلى علمه يعتمد.
وقد اشتهر بأنه ممن حافظ على رواية أهل البيت، كما اكتسب من القاسم بن محمد حامل عِلْمِ عائشة أم المؤمنين (رضي الله عنها).
أدلة التشريع لدى الإمامية الجعفرية:
تنحصر أدلة التشريع لدى فقهاء الإمامية الجعفرية ومجتهديها في أربعة مصادر، هي:
القرآن الكريم، والسنة النبوية، والإجماع، وفيه إجماع المعصومين لديهم، والعقل، والمقصود به لديهم: إعمالُ العالِم المتبحر المختص عقله في البحث والتنقيب عن الدليل الشرعي، من موارد التشريع الثلاثة السابقة([6]).
فقه المذهب الجعفري:
إن أغلب مسائل المذهب الإمامي الجعفري الفقهية الاجتهادية الثابتة: قريبة من منهاج فقه أهل السنة، ولا يوجد بينها وبين المذاهب السنية، والفرق الشيعية الأخرى، فروق فقهية كبيرة، إلا في حدود الاجتهادات الظنية والاستنباطات المشروعة التي لا يمت الاختلاف فيها أو حولها إلى جوهر الإسلام وثوابته القاطعة.
وحيث إن الإمام جعفر كان قد أخذ عنه وتتلمذ على يديه الإمام أبو حنيفة، والإمام مالك، وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة، في أصح الروايات، فإنه مما لا شك فيه أن فقه الإمامين أبي حنيفة ومالك، صاحبي المذهبين المشهورين، قريبٌ من فقه المذهب الجعفري، مما يعني ويؤكد وبكل جلاء ووضوح أيضاً: بأن مسألة التقريب بين المذاهب، ليست ممكنة التنفيذ فحسب، بل إنها سهلة التحقيق.
وهذا يؤكد أن المذهبية الإسلامية والتعددية الفكرية، إنما هي مزرعة لنماء الفكر الإسلامي، وأرضية مقبولة محمودة لخصوبة الفقه الاسلامي وتطويره وشيوعه، وتجدده بتجدد الزمان والمكان، وثبات صلاحيته لمواجهة كل مستجدات حياة الإنسان المسلم وتطورها.
وينبغي الانتباه إلى أن الخلاف الفقهي ليس خلافاً بين طرفين متباينين، سنة وشيعة، بل هو اختلاف بين مدارس فقهية([7])، نهجُها واحد، كذلك فهو اختلاف علمي وليس بين المسلمين اليوم اختلاف علمي غير هذا([8]).
وعليه فلا يختلف مذهب الشيعة الإمامية عن غيره من المذاهب الاجتهادية الفقهية المنتشرة في ربوع العالم الإسلامي، إلا في أحكام ومسائل ظنية، شملتها فروع الأحكام الفقهية وبعض المسائل الأصولية، وغالبها إن لم نقل كلها، من المسائل التي يمكن أن يكون الخلاف فيها أحياناً أوسع مدى بين مذاهب أهل السنة ذاتها، والتي على أساسها نشأت المذاهب وتفرعت مفاهيم التشريعات إلى فرق وطوائف، بينما هي في جوهرها الصحيح المنزل من عند الله، لا تقبل التفريع ولا هي في كلياتها تقبل التجزؤ، لأنها نزلت محكمةً من رب واحد، وفرضت من حكيم حميد، عالم عليم.
ومن ذلك المنطلق ومن مرجع مصدر التشريع الإسلامي الواحد وهو القرآن الكريم الذي جاء على لسان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فإن عوامل التقارب بين مجمل المذاهب وأسبابها سهلة المنال وغير مستبعدة التحقيق، كما أنها ليست مستعصية، ولا هي في حكم المستحيل؛ لأن المذاهب كلها تتفق وتلتقي في الجوهر والمقصد، وإن اختلفت في المظهر والطرائق، مما يؤكد أن مسائل الاتفاق بين المذاهب الإسلامية، أكثر بكثير من مسائل الاختلاف، وأن وشائج الوحدة أقوى وأمتن.
وبالرجوع إلى مصادر مذهب الشيعة الجعفرية وفقهها، نجد الحكم في أغلب القضايا والمسائل الخلافية، يلتقي فيها مذهبهم مع مذهب آخر من المذاهب الإسلامية السنية، سواء ثبت ذلك في جزء من المسألة، أو في كلها، كما أنك لا تجد تناقضاً أو تبايناً كلياً بين مذهب و آخر.
من أهم مراجع الفقه الشيعي الإمامي:
نذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر، بعض المؤلفات المرجعية المشهورة في الرواية للإمامية الجعفرية، وهي:
- الكافي، للكليني.
- التهذيب.
- الاستبصار.
- من لا يحضره الفقيه.
- وسائل الشيعة.
- جواهر الأحكام وشرائع الإسلام.
- مستمسك العروة الوثقى.
- شرح اللُّمْعة الدمشقية.
وهناك غيرها من المراجع والمؤلفات والرسائل العلمية التي جمعها وكتبها المجتهدون.
ومن خلال التقصي لمواطن الاستدلال نعرف أنهم ينظرون بترجيح لكتب أهل البيت الجامعة للحديث النبوي الشريف، وينظرون لكتب الرواية الأخرى، كالصحيحين والسنن والمسانيد، وأمثالها من كتب الحديث والرواية نظرة ثانوية، وهذا مؤشر واضح أيضاً على أن قضايا الاختلافات الفقهية ومسائلها، ومصادرها موحدة، وعلى حد كبير من التداخل، وعلى مقربة متناهية من التماسك.
الإسماعيلية
نسبة إلى إسماعيل بن جعفر الصادق
الإمامية الاثنا عشرية لم تعترف بإمامة إسماعيل، وانتقلوا من جعفر الصادق إلى ابنه موسى الكاظم إلى ابنه علي الرضا.
- فجعفر الصادق قد نحّى ولده إسماعيل من الإمامة لأنه قد وجده ثملاً، غير أن أنصار إسماعيل أنكروا على جعفر هذا التصرُّف وقالوا: إن إسماعيل معصوم، وإنه إن كان قد شرب الخمر فإنما شربها لأمر من علم الله، وتمسكوا به إماماً، ورفضوا الاعتراف بإمامة أخيه موسى الكاظم.
- رواية أخرى تقول إن إسماعيل توفي في حياة أبيه فانتقلت الإمامة تبعاً لذلك إلى ابنه محمد بن إسماعيل، لأن الإمامة لا تكون إلا في الأعقاب،ولا تنتقل من أخ إلى أخيه إلا في حالة واحدة فريدة، هي انتقالها من الإمام الحسن إلى الإمام الحسين.
- رواية ثالثة تقول: إن إسماعيل لم يمت في حياة أبيه، بل مات بعده بخمسة أعوام، وقد أظهر أبوه موته خوفاً على حياته، لأن الأئمة كانوا مضطهدين من خلفاء الدول المتعاقبة الأموية والعباسية.
لم تعرف الإسماعيلية كفرقة دينية أو سياسية قبل أواخر القرن الثالث الهجري، فقد كانوا بـ (دور الستر) ثم عندما استشفوا مكان النجاح جاهروا بالدعوة (دور الظهور).
ويربط بعض الباحثين بين ظهور الإسماعيلية وظهور حركة القرامطة في البحرين والشام، والقرامطة نسبة إلى حمدان قرمط، أحد مريدي عبد الله بن ميمون القداح، وما لبث أن انبثق عن مجهوداته، المذهب الفاطمي، حتى إن بعض المستشرقين يذهب إلى أن الفاطميين والقرامطة طائفة واحدة، إلا أن القرامطة شقوا عصا الطاعة على الإمام الإسماعيلي، وكان مقرَّه (سلمية)، ونهبوا أمواله ومتاعه، فاضطر إلى الفرار خوفاً من بطشهم.
وقد ظهرت الإسماعيلية في (دور الظهور) عبيد الله المهدي، وكان يقيم بـ (سلمية)، ولما اضطر إلى الفرار خوفاً من بطش القرامطة وصل إلى شمال افريقية، حيث وجد أنصاره الذين كسبهم له دعاة (الحسين بن حوشب).
وأسس عبيد الله بن المهدي دولة إسماعيلية في شمال افريقية سنة 297هـ، وهي التي عرفت باسم الدولة الفاطمية.
والآغاخانية تفرعت عن النزارية، حيث نصَّ الإمام المستنصر على أن يتولى الإمامة من بعده ولده نزار، وفي التاريخ فإن الوزير الأفضل بن بدر الجمالي نحَّى نزاراً وأعلن إمامة المستعلي الابن الأصغر للمستنصر.
وحكم (المستعلية) مصر والحجاز واليمن، وعُرفت النزارية بالإسماعيلية الشرقية، وبخاصة بعدما انتصر الحسن بن الصباح لنزار، وعاد إلى فارس يدعو له، وعرف أنصاره باسم (الحشاشين).
وقد ظهرت الآغاخانية في الثلث الأول من القرن التاسع عشر الميلادي بإيران على يد (حسن علي شاه) الذي توفي سنة 1881م، فخلف ولده في الإمامة، وعمل على خدمة أبناء المسلمين جميعاً دون تمييز بين طوائفهم، وتزوج أميرة إيرانية وأنجب منها ولده محمد الحسيني (آغا خان الثالث الذي فضَّل الإقامة في أوروبا، والذي توفي عام 1957م)، والذي أوصى لحفيده (كريم) بالإمامة، وهو الإمام الحالي.
عقيدة الإسماعيلية:
يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله
يقولون بأن لكل ظاهر باطن، ولكل تنزيل ظاهر وباطن
الله فوق متناول العقل، فليس له صفات، لا نقول بأن الله عالم ولا جاهل
ولا قادر ولا عاجز، فلا يقولون بالإثبات المطلق ولا بالنفي المطلق، بل هو إله المتقابلين، وخالق المتخاصمين، والحاكم بين المتضادين.
وكتب الفقه الإسماعيلي، مثل كتاب (الاقتصاد) أو (دعائم الإسلام) قريبة من المذاهب السنية كالشافعية والمالكية باستثناء ما جاء فيها من ولاية الإمام ووجوب طاعته. ويفسرون القرآن تفسيراً رمزياً (التفسير الإشاري).
الـــدروز
فرقة اتسمت بطابع الباطنية، حيث أخفوا عقيدتهم عن غيرهم من الفرق الإسلامية، ونتيجة لذلك كثرت حولهم الأقاويل، وتناثرت حولهم الظنون، بل قامت حولهم كثير من الادعاءات الباطلة والافتراءات الخبيثة.
هم عرب خلص من لخم وتنوخ، هم بن معروف، فيهم وطنية وغيرة في الحق، وشجاعة ووفاء، واستقامة وصدق، والموحدون الدروز قتلوا نشتكين محمد بن إسماعيل الدرزي الذي دعا لتأليه الحاكم بأمر الله الخليفة الفاطمي.
والموحدون الدروز يُحِلَّون أبو منصور أبو نشتكين الدُّرزي أحد قواد الحاكم بأمر الله.
عقيدة الموحدين الدروز:
في كتابهم إلى السيد الرئيس بشار الأسد بيَّن شيوخ عقل المسلمين الموحدين الدروز (وهم السادة حمود الحناوي وحسين جربوع وأحمد الهجري) بتاريخ 29/1/2007م ما يلي:
إن المسلمين الموحدين الدروز يؤمنون بالله رباً
وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً
وبالقرآن كتاباً من الله ودستوراً
وبالقيامة حق
وبالحساب حق
وبالأئمة الأطهار والصحابة الأخيار دليلاً ومعراجاً.
التقمص والتناسخ:
إذا انتهت حياة الإنسان فإن روحه تتقمص مولوداً جديداً.
الثواب والعقاب:
يكون بمقدار ما تكتسب النفس من المعرفة والعقيدة في أدوار تقمصها المتعاقبة.
العلويون
العلوية: مذهب إسلامي ومدرسة تفرعت من المذهب الإمامي
وقد اتخذت سبيلاً خاصاً بعد الإمام محمد الثاني عشر (القائم بالحجة)
وبيان ذلك أنه كان لكل إمام باب
وكان أول باب هو سلمان الفارسي الذي كان باب الإمام علي
وآخر باب هو أبو شعيب محمد بن البصري النميري، فقد كان باباً للإمام الحادي عشر حسن العسكري.
هم أصحاب نخوة وفروسية، كانوا في صفوف جيوش سيف الدولة الحمداني.
خاضوا المعارك الباسلة ضد الصليبيين
وقاوموا طغاة الأتراك
وكانوا صورة طيبة للجهاد حين الاستقلال
عقيدتهم هي عقيدة الشيعة الإمامية صحيحو الإسلام
يؤدون الفرائض صلاة وصوماً وزكاةً وحجاً في ظل روح الإيمان.
ويكابد المؤمنون العلويون كثيراً من المتاعب الوجدانية والنفسية نتيجة لتصرفات الغلاة.
يقول الشيخ عبد الرحمن الخيِّر: [إن العلويين لم يفترقوا عن الشيعة الإمامية، وليسوا غيرهم، وكل علوي يحفظ ويعتقد ويشهد مؤمناً بالآية الكريمة: {إن الدين عند الله الإسلام}، وبقوله: {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه}].
بعض الأحكام عند العلويين:
يجوز تعدد الزوجات
لا يقرون بزواج المتعة
لا يجوز الزواج من غير مسلمة
وللمرأة من غير مسلم
لا يجوز الزواج في الفترة بين العيدين
من عاداتهم:
لا يأكلون أنثى الحيوان التي تحيض
يحرمون أكل لحم الجمال والأرانب والغزلان
وطنيتهم وشجاعة أبنائهم:
ثار الشيخ صالح العلي على الفرنسيين بين 1918-1921، وكانت ثورته مؤمنة مقدامة، وكان يصلي الفجر كل يوم ثم يتقدم برجاله ويقتحم أتون المعركة، وكانت له شمائل مع أسرى أعدائه تُذكِّرنا بشمائل صلاح الدين، فقد كان يعالج المرض ويداوي الجرحى، بعد أن يأخذ عليهم العهد ألا يعودوا إلى محاربته، وكان يتكفل بأجور السفر للغرباء منهم.
أهل السنة
في الوقت الذي ظهرت فيه بعض الأفكار الدينية المتطرفة أو الاعتقادات المذهبية المغالية، كانت هناك طائفة من المسلمين تُرجع الحكم في كل أمر إلى كتاب الله وإلى سنة رسول الله.
أئمة أهل السنة:
ليست الإمامة عند أهل السنة وراثة، وليست حقاً دينياً، وليس للإمام عصمة أو حصانة أو انتماء أسري، بل هو مجرد مسلم عُرف بالاستقامة والعلم والعدل وسعة الأفق وامتداد الثقافة والتفقه في الدين.
ويمتلك القدرة على حسن الاستنباط واستخراج روح المعاني ومعرفة حكمة الأحكام، مما يعينه على إصدار الأحكام.
والإمام لا يولد إماماً، وإنما يكتسب لقب الإمامة بالاستقامة والإقبال على العلم والتفقه في الدين، بل إن الواحد من الأئمة عند أهل السنة ربما لم يُمنح هذا اللقب في حياته، وإنما أطلقه عليه المؤمنون برأيه وفقهه من جماعات المسلمين بعد وفاته.
وبالتالي فهم عبر التاريخ مُثر، منه:
أبو حنيفة: النعمان بن ثابت
ومالك بن أنس
والشافعي محمد بن إدريس
وأحمد بن حنبل
والأوزاعي
والليث بن سعد
وابن حزم
وللعلم فإن تسمية جمهرة المسلمين بأهل السنة تسمية متأخرة يرجع تاريخها إلى حوالي القرن السابع الهجري.
الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت([9])
ولد عام 80 للهجرة وتوفي عام 150 للهجرة
بدأ العلم منذ صباه، وكان يُقسِّم وقته بين العلم والتكسب للرزق.
أدرك أبو حنيفة أربعة من الصحابة رضوان الله عليهم، وهم: أنس بن مالك، وعبد الله بن أبي أوفى بالكوفة، وسهل بن سعد الساعدي بالمدينة، وأبو الطفيل عامر بن وائلة بمكة.
وكان قد سأله أبو جعفر المنصور عن شيوخه في الفقه، فأجاب بأنه أخذ “عن أصحاب عمر عن عمر، وعن أصحاب علي عن علي، وعن أصحاب عبد الله عن عبد الله، وما كان في وقت ابن عباس على وجه الأرض أعلم منه” ([10]).
وإن هذه المشيخة لتنم عن المنابع الفقهية التي استقى منها، والتي منها كوَّن اتجاهه: ففقه عمر قائم على المصلحة، وفقه علي مبني على الاستنباط، وفقه ابن مسعود مؤسس على التخريج، أما ابن عباس فكان علمه القرآن وفقهه.
وقد أضاف إلى هذه المنابع ما أفاده من كبار فقهاء عصره.
انصرف أبو حنيفة في دراساته العلمية إلى الفقه واستخراج الأحكام من الكتاب والسنّة والبناء عليهما وتتبّع آثار السلف الصالح، وتعرّف مواضع اتفاقهم، وما جرى فيه اختلافهم، لا يخرج من أقوالهم، ولكن يختار من بينها.
وأبو حنيفة كان في دراساته يتجه إلى لبّ الحقائق، وتعرّف ما وراء النصوص من علل وأحكام، فكان إذا أراد استخراج حكم من نصّ قرآني، اتجه إلى تعرّف مراميه وغاياته وعلله.
وكان أبو حنيفة عميق الفكر، لا يقف عند ظواهر النصوص، بل يسير وراء مراميها البعيدة والقريبة، وكان مع هذا العمق مستقل التفكير، لا يأخذ فكرة أو رأياً من غير أن يعرضه على عقله.
وكان أبو حنيفة بإقامته الأصلية في الكوفة ـ التي رُوِي عن جعفر الصادق أنه اعتبرها مدينة علي بن أبي طالب ـ متصلاً بفرق الشيعة المختلفة، فكان متصلاً بالزيدية والإمامية، وإن لم يعرف أنه نزع منازع هؤلاء، إلا في محبته لآل النبي صلى الله عليه وسلم وعترته الأطهار.
وكان مَثَلُه في تلقيه عن أهل العراق، وأهل مكة وغيرهم، وجمعه بين المنازع المختلفة، كمثل من يتغذى من عناصر مختلفة، ثم يتمثّل هذه العناصر كلها، فيخرج منها ما يكون قوام الحياة([11]).
خَلَّف أبو حنيفة تراثاً يتمثل في رسائل وعظية وكلامية، وفيما نقله عنه تلامـيذه، وأهمهم:
أبو يوسـف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري (113 ـ 182 هـ) الذي ترك كتباً نقل فيها فقه شيخه، ومنها كتاب (الآثار) الذي هو مسند أبي حنيفة، وكتاب (الخراج في نظام المال).
ومثله محمد بن الحسن الشيباني (132 ـ 189 هـ) الذي أخذ عن أبي حنيفة وتلميذه أبي يوسف، وهو صاحب مؤلفات كثيرة، منها (الجامع الكبير)، و(الجامع الصغير) و(الآثار) و(السير) و(الموطأ) و(الأمالي) و(المخارج في الحيل) وله كتب كثيرة.
وكان لهؤلاء وغيرهم من تلاميذ أبي حنيفة الكثيرين، أثر كبير في انتشار مذهبه الذي لقي إقبالاً وذيوعاً واسعين، وكان لاعتماده على الاستنباط دور مهم في هذا الانتشار، إذ امتد في كل الأقطار التي كانت تحت نفوذ العباسيين.
وهكذا فقد كان عالماً عاملاً زاهداً عابداً ورعاً تقياً، كثير الخشوع، دائم التفرُّغ إلى الله.
كان إنساناً براً يحب الناس ويرعى حقوقهم، ويعطف على الجار ولو كان على إثم.
ومما يروى أنه كان لأبي حنيفة جار إسكاف يعمل نهاره أجمع، حتى إذا جنّه الليل رجع إلى منزله وقد حمل طعاماً فأكله، ثم لا يزال يشرب الخمر حتى إذا أخذ به الشراب مأخذه رف
عدد القراء : 1127